صفة التوبة النصوح
الناقل :
SunSet
| الكاتب الأصلى :
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
| المصدر :
www.binbaz.org.sa
إني فعلت ذنوباً كثيرة، وأريد أن أعود إلى الله وأتوب إليه توبةً نصوحاً, فما هي صفة التوبة؟ بارك الله فيكم.
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله, وصلى الله وسلم على رسول الله, وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه أما بعد.. فإن التوبة واجبة على جميع المسلمين، بل وعلى جميع الكفار المكلفين، على كل مكلف من كافر ومسلم أن يتوب إلى الله، فالكافر يتوب إلى الله من شركه وكفره ويدخل في الإسلام؛ لأن الله خلقه لذلك، يقول سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ(56) سورة الذاريات, فعلى جميع الكفار من جن وإنس ونصارى ويهود وشيوعيين وغيرهم من أنواع الكفرة، عليهم أن يدخلوا في دين الله وأن يلتزموا بدين الله –الإسلام- وأن يتوبوا مما هم عليه من الكفر والضلال، قبل أن يموتوا، وعلى كل مسلم أن يتوب إلى الله من سيئاته وذنوبه، قال الله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا(8) سورة التحريم ) وقال سبحانه: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31) سورة النــور, وقال سبحانه: قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ (38) سورة الأنفال ) فعلى الجميع أن يتوب إلى الله, والله سبحانه هو الجواد الكريم يقبل التوبة من عباده، كما قال سبحانه: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ(25) سورة الشورى, والمذنب عليه أن يرجع إلى الله ويندم على ذنوبه الماضية ويعزم أن لا يعود فيها وبذلك يغفر الله له، وحقيقة التوبة تشمل ثلاثة أمور: الأمر الأول: الندم على الماضي والحزن على ما مضى من سيئاته، من زنا أو شرب خمر أو عقوق أو ربا أو أكل مال يتيم، أو غير هذا من المعاصي، عليه أن يندم على ذلك ندماً عظيماً ويحزن على ما مضى منه، وعليه أن يقلع من هذه الذنوب وعليه أن يتركها ويحذرها، وعليه أمرٌ ثالث: وهو العزم الصادق أن لا يعود، هكذا التوبة تشمل هذه الأمور الثلاثة، أن يندم على الماضي منها مهما كانت عظيمة حتى الكفر، والأمر الثاني أن يقلع منها ويحذرها، الأمر الثالث أن يعزم عزماً صادقاً أن لا يعود فيها، وهناك شرطٌ رابع عام لجميع الأعمال وهو النية أن تكون لله وحده أن يتوب لله وحده؛ لأن الله قال:وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ يقصد وجهه سبحانه رغبةً فيما عنده، وحذراً من عقابه، ويندم على ما مضى ويعزم أن لا يعود ويقلع منها خوفاً من الله وتعظيماً له وإخلاصاً له سبحانه وتعالى، وهكذا بقية العبادات كلها لا بد فيها أن تكون لله، من صلاة وصومٍ وصدقة وغير ذلك. ومن تمام التوبة، ومن أسباب بقائها، أن يلزم الأخيار ويبتعد عن صحبة الأشرار الذين يجرون إلى المعاصي، فهذا من أسباب بقاء التوبة ومن أسباب استمرارها وكمالها، أن تبتعد عن جلساء السوء الذين كنت تجالسهم، حتى تسلم من شرهم، وأن تحرص على صحبة الأخيار حتى تستفيد منهم ويعينوك على الخير، ومن أسباب تمامها وكمالها –أيضاً- أن تزيل ما عندك من آثارها، آلات لهو تزيلها، خمر تريقه، دخان تتلفه، وهكذا ما كان عندك من آثارها وبقائها تزيله حتى لا يجرك الشيطان إليه، تريق الخمر، تتلف الدخان، تكسر آلات اللهو، إلى غير هذا مما يجرك إلى الشر، تزيله عنك، حتى تتم لك التوبة وتبقى وتستمر، ولكنها مقبولة إذا استوفت الشروط حتى ولو كان عندك بقايا خمر أو بقايا دخان، التوبة مقبولة لكن عليك أن تحذر ما بقي، عليك أن تزيله، فبقاءه عندك ولو بقي عندك يوم أو يومين أو ثلاثة لا يبطل التوبة، التوبة ماشية صحيحة، إذا كنت صادقاً في التوبة، في ندمك وإقلاعك وعزمك أن لا تعود صادقاً في ذلك راغباً ما عند الله، فالتوبة يمحو الله بها الذنوب، جميع الذنوب يمحوها الله، يمحوها الله عنك، فلا تقنط ولا تيأس يقول الله جل وعلا: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) سورة الزمر سبحانه وتعالى، يعني للتائبين، أجمع العلماء على أنها للتائبين، ونهانا عن القنوط لا تقنطوا يعني لا تيئسوا من روح الله، فالمؤمن لا ييأس ولا يقنط بل يبادر بالتوبة، ويحسن الظن بربه جل وعلا، ويقول النبي-صلى الله عليه وسلم-: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له" فإذا تبت من الذنب بالندم والإقلاع والعزم أن لا تعود فإنه يمحى عنك إذا فعلته لله -سبحانه وتعالى- أما إن فعلته من غير إخلاص لله، بل تركت الذنب وندمت عليه، ولكن لم تفعله لله، بل لأنه أضرك، أو مراعاة لخاطر أهلك، أو لأمر زيد أو عمرو لا لله، فإنه يبقى عليك؛ لأنك ما تبت لله، أولاً تكون التوبة لله، تبقى عليك هذه الجريمة حتى تتوب إلى الله من ذلك، لكن في المستقبل الذي ما فعلت فيه الجريمة لا شيء عليك إذا تركته، إنما عليك الجرائم الأخرى التي فعلتها حتى تتوب إلى الله توبة صادقة خالصة لله، تتضمن الندم على الماضي والإقلاع منها والحذر منها والعزيمة أن لا تعود فيها، ترجوا ما عند الله تخشى عقابه -سبحانه وتعالى- ثم إذا فعلت ذنباً بعد التوبة، تؤخذ بالأخير، إذا فعلت ذنباً بعد التوبة أعدت الذنوب عليك إثم الأخير بس، أما الأول فقط مضى, ومحي عنك بالتوبة، إذا كنت صادقاً، أما إذا كانت التوبة باللسان وأنت مقيم بقلبك على المعصية مصر فهذه التوبة ما تنفع, ما تصح، لا بد من عدم الإصرار أن تتوب بقلبك، وأن تدعها بجوارحك وبدنك، تقلع منها وتندم عليها وتعزم أن لا تعود فيها هذه التوبة، فإذا نزغ الشيطان وعدت إليها تؤخذ بالذنب الجديد بس، الذنب الجديد إلا أن تتوب بعدها إذا تبت تاب الله عليك وهكذا، كلما عاد المسلم إلى التوبة تاب الله عليه، فلا يقنط ولا ييأس والله يقول: وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ (87) سورة يوسف. ومما ينبغي للتائب أن يتبعها بالعمل الصالح، والاستكثار من الخير حتى تستقيم وتنموا وتكمل، وحتى تبدل سيئاته حسنات –أيضاً- إذا أتبعها بالعمل الصالح بدلها الله له حسنات، قال تعالى لما ذكر الشرك والقتل والزنا قال بعد ذلك: وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا* إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (68-70) سورة الفرقان. فالنعمة من الله جل وعلا، فإن العبد إذا تاب توبة صادقة وأتبعها بالعمل الصالح أبدل الله سيئاته حسنات مع محو الذنب، تمحى الذنوب ثم تعطى بدل كل سيئة حسنة؛ بسبب إيمانه الصادق وعمله الصالح بعد ذلك، وهذا من فضله وجوده وكرمه سبحانه وتعالى، وقال تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى(82) سورة طـه ). جزاكم الله خيراً وتقبل منكم.