من المفترض أن تشهد دول مجلس التعاون الخليجي حركة نشطة ومتسارعة – ومدروسة في الوقت ذاته – نحو إقامة المزيد من المشاريع في مختلف القطاعات الإنتاجية والخدمية، ولاسيما تلك المشروعات التي تحاول الاستفادة من التوجهات الاستراتيجية لدول المجلس نحو إقامة السوق الخليجية المشتركة مع حلول عام 2007 والوحدة النقدية عام 2010. إن هذه المشروعات تمثل من وجهة نظرنا البنى المادية للتكامل الاقتصادي الخليجي، وبغيرها لن تكون هناك استفادة حقيقية – تنعكس إيجاباً على مواطني دول المجلس – من مكونات هذه التكامل.
وبقدر ما للمشروعات الخليجية المشتركة من أهمية في تعزيز مسيرة التكامل الاقتصادي الخليجي، فإن أهميتها لا تقل في تعزيز قدرة الاقتصاد الخليجي على مواجهة التكتلات الاقتصادية الكبرى ورياح الانفتاح والعولمة الآخذة في التعاظم والاتساع.
ويستفاد من آخر الإحصائيات المتوافرة أن عدد المشروعات الصناعية الخليجية المشتركة في دول مجلس التعاون يبلغ 150 مشروعاً عام 2002 بإجمالي رأسمال مستثمر يقارب ثمانية مليارات دولار، في حين بلغت العمالة في هذه المشاريع نحو 30 ألف عامل. كما يستفاد من هذه الإحصائيات أيضاً إن رأس المال الخليجي في المشروعات الخليجية المشتركة يبلغ 25 في المائة من إجمالي حجم الاستثمار، وهذا يوضح أن المشاركة الخليجية ما زالت متواضعة. أما رأس المال الأجنبي فهو عازف عن المشاركة إذ لا تتعدى نسبته في المشاريع الخليجية المشتركة 3 في المائة من إجمالي الاستثمار. وهذا يوضح أن رأس المال الوطني هو الغالب في المشروعات الخليجية المشتركة، مما يعني أن الشركات العالمية تفضل الدخول في مشروعات مشتركة مع طرف واحد، ربما لتفادي نزاعات الملكية المتعددة والمشاكل الإدارية، إضافة إلى تعظيم الاستفادة من المزايا النسبية المتعلقة بموقع المشروع المشترك.
وعودة لتوضيح أهمية توسيع قاعدة المشروعات الخليجية المشتركة فإن هذه المشروعات ستسهم في تحقيق عدة أهداف استراتيجية لدول مجلس التعاون الخليجي سواء على صعيد التكامل الاقتصادي الخليجي أو مواجهة التكتلات الاقتصادية العالمية الكبيرة.
فالحديث عن تحرير التبادل التجاري بين أقطار مجلس التعاون الخليجي لا يمكن تجسيده حقيقة إلا من خلال نمو وتطوير الطاقة الإنتاجية لهذه الأقطار كماً ونوعاً بحيث تصبح قادرة على تلبية المزيد من احتياجات السوق الواسعة وتوفير السلع التي تلائم اتجاهات الاستهلاك وأنماطه المختلفة. ومن هنا فإن المشروعات المشتركة تمثل صيغة تنسيقية لزيادة الاعتمادات المتبادلة بين اقتصادات دول مجلس التعاون. كما أن تلك الاعتمادات سوف تقلص من حجم انكشاف الاقتصاديات الخليجية على العالم الخارجي وبالتالي تقليصاً لآثار السلبية لهذه الظاهرة مثل تقلبات أسعار الواردات والصرف ومعدلات التضخم.
والأهم من ذلك أن صيغة المشروعات المشتركة سوف تمكن من إقامة وحدات إنتاجية كبيرة والاستفادة من الموفورات الداخلية وخلق التشابك بين القطاعات الإنتاجية على المستويين القطري والإقليمي وهو الأمر الذي سيمكن من زيادة القدرة الاستيعابية سواء فيما يخص الموارد المالية أو البشرية أو المادية الأخرى واستثمارها بشكل أكفأ وأكثر فاعلية لتنفيذ برامج التنمية والطويلة الأمد.
كذلك عند الحديث عن المواطنة الاقتصادية وتحرير انتقال عناصر الإنتاج والاستثمار بين أقطار مجلس التعاون الخليجي تبرز المشاريع المشتركة كصيغة فاعلة لتأخير واستيعاب تحركات عناصر الإنتاج الخليجية من بلد إلى آخر والمهم من ذلك إضفاء طابع "التخصص الكفء" على تلك التحركات، بمعنى تحركها نحو الاستخدامات ذات الجدوى الأكبر من وجهة النظر الاقتصادية.
إن تحرير الانتقال المشترك لعناصر الإنتاج يعتبر هدفاً استراتيجياً لدول مجلس التعاون فيما إذا أرادت أن تخطو خطوات رئيسية نحو التكامل فيما بينها. وعلاوة على ذلك فإن المشروعات المشتركة تعتبر الصيغة الأكثر عملية وقابلية للتطبيق للتنسيق الصناعي والإنتاجي الخليجي، فالتنسيق بوضع خطط تصنيعية خليجية مشتركة، وإقامة أنماط صناعية خليجية متنامية هو أمر بالغ الفائدة ولكن تكتنفه العديد من الصعوبات العملية خصوصاً مع زيادة التوجه لتوسيع دور رأس المال الخاص في إقامة المشاريع الصناعية وعدم تبلور أو قيام مجالس وآليات عليا للتنسيق الصناعي الخليجي، لذلك فإن صيغة المشروعات المشتركة تعد مدخلاً عملياً للسير في طريق التنسيق الصناعي بين دول المجلس. يضاف إلى ذلك أن المشروعات المشتركة هي أقل صيغ التنسيق إثارة للصعوبات والحساسيات الإقليمية وأبعدها مساساً بالسيادة القطرية وبالتالي فهي الأكثر قبولاً لدى الحكومات والأفراد.
ويمكننا أن نضيف إلى قائمة هذه المزايا التقليدية العديدة للمشروعات المشتركة مزايا أخرى تبرز من خلال التطورات الاقتصادية المستجدة في دول مجلس التعاون. إن صيغة المشروعات المشتركة تعتبر إطاراً فاعلاً لاستيعاب المشروعات التي تحول ملكيتها من القطاع العام إلى القطاع الخاص.
فالمشروعات في دول المجلس سوف يفتح القسم الأعظم منها أمام تملك مواطني دول المجلس مما يخلق واقعاً لقيام مزيد من المشاريع المشتركة وتستوجب من ثم ضرورة دراسة سبل إنجاح مثل هذه المشروعات وإيجاد المستلزمات الضرورية لتحقيق ذلك. إن برامج الخصخصة في دول المجلس ستجد نفسها وجهاً لوجه أمام الحاجة لإشراك مواطني دول المجلس في إنجاحها. كما أن بعضها قد يرى حاجة للمرور بفترة انتقالية، حيث تكون الملكية مشاركة بين القطاعين العام والخاص ولا شك أن تنفيذ ذلك من خلال تبني صيغة المشروعات المشتركة على المستوى الخليجي سوف يخلق تعاوناً مثمراً بين الحكومات الخليجية ومواطنيها. وميزة أخرى تبرزها التطورات الاقتصادية المستجدة لأهمية المشروعات الأكثر ملاءمة لقيام تعاون خليجي دولي في مجال إقامة العديد من الصناعات المتقدمة، التي تبرز الحاجة لها في الوقت الحاضر.
أن قيام المزيد من المشروعات الخليجية المشتركة يساعد بشكل فعال على إيجاد مشاريع محلية تتكامل معها في مجال تبادل المنتجات الوسيطة، الأمر الذي يقوي من تشابك وترابط الحلقات والسلاسل الإنتاجية. ويبقى الدور الآخر الذي يقوم به العمل المشترك من توثيق التعاون والعلاقات الاقتصادية والاجتماعية، وخلق بيئة عمل تعبر عن الوحدة الخليجية والمصير المشترك بين أبناء دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
جريدة الاقتصادية / الأحد 18 جمادى الآخرة 1426هـ 24 يوليو 2005 العدد 4304
حسن العالي / كاتب اقتصادي