يبدو أن المستثمرين الدوليين لا يستطيعون الحصول على ما يكفي من قصة النمو الآسيوي العظيم، فالمال يواصل التدفق في أصول المنطقة المالية، على الرغم من أسعار النفط وأسعار الفائدة الأمريكية المرتفعة. ومع ذلك تبدو الشركات الآسيوية قليلة الكلام جداً إلى حد الفضول حول الانضمام إلى الحفل.
بعد ثماني سنوات من أزمة آسيا المالية، ومع توقع نمو قوي هذا العام والذي يليه، يتوقع المرء أن تساهم الأعمال التجارية بنفقات رأسمالية كبيرة للاستفادة من التحسن، غير أنها، باستثناء الصين، لم تفعل ذلك. وفي الحقيقة، في كل الاقتصادات الآسيوية النامية عدا الصين، لا يزال على حصة الاستثمار الخاص في الناتج المحلي الإجمالي أن تستعيد مستويات ما قبل الأزمة. ومهما يكن سبب الحذر، فهو ليس ناتجاً عن قلة الأموال. وتقريباً في كل مكان، لدى الشركات الكبيرة مقدار وافر من النقد. والنتيجة هي ارتفاع كبير في مدخرات القطاع الخاص التي تزيد عما كانت عليه قبل الأزمة، طبقاً لآخر البيانات المتوافرة.
لقد سلطت تلك الاتجاهات ضوءاً مثيراً على الجدل حول أسباب اختلال التوازن المالي العالمي. ويلوم بعض النقاد آسيا لخلق فوائض مفرطة في الحساب الجاري من خلال ادخار أكثر من اللازم، غير أن صندوق النقد الدولي يجاد في تقرير أخير بأن المذنب الحقيقي هو "جفاف الاستثمار".
وانطلاقاً من تلك الخلفية، لم تعد مواقف المستثمرين في محافظ الأوراق المالية والشركات تبدو متباعدة جداً. وقد يكون أن المستثمرين لم يكونوا يساهمون مطلقاً في النمو الآسيوي، لكنهم ببساطة يعيدون تقدير الشركات ذات الموقف المالي الجيد. ويمكن فعلاً تحسين جاذبية الشركات في المدى القريب إذا لم تستثمر بشدة. والأصعب فهمه هو لماذا امتنعت عن الاستثمار.
يمكن أن يكون أحد الأسباب هو تحول التصنيع إلى الصين، حيث عكست الزيادة في الاستثمار الهبوط في أماكن أخرى في آسيا النامية. وعلى أية حال، وجدت الدراسات دليلاً بسيطاً على أن الصين حولت الاستثمار الأجنبي المباشر بعيداً عن جاراتها.
النظرية الأخرى هي أن البيانات الرسمية تبالغ في القوة المالية للشركات بإهمال العديد من الشركات الأصغر التي ما زالت تكافح من أجل إصلاح ميزانياتها. وبالمثل، ربما أخرت العقارات غير المباعة، التي بينت قبل الأزمة، التحسن في البناء. لكن لم تواجه كل البلدان فقاعات العقارات خلال التسعينات.
أخيراً، ربما ضعفت الثقة في العمل التجاري منذ الأزمة بانتكاسات مثل مرض سارس، وتباطؤ النمو الأمريكي في عام 2001، والكساد الدوري في صناعة الإلكترونيات العالمية. لكن كل هذا مجرد تخمين. ويعترف صندوق النقد الدولي بأنه محتار. كما يشعر الاقتصاديون المستقلون بالحيرة أيضاً.
وأكثر من هذا، لا يزال من المعتقد أن الاستثمار سيتعافى، إذ هناك بعض الإشارات الإيجابية. وقد غذت النفقات الأساسية الكثير من نمو اليابان الأخير. وبدأ المناخ السياسي الجيد والنقص الحاد في الطاقة الإنتاجية في تحفيز الاستثمار في إندونيسيا. وقد يكون هناك تحسن في الطريق في كوريا الجنوبية وتايلاند.
لكن المزيد من الاستثمار ليس أفضل بالضرورة: ولنشاهد التخمة الواسعة لقدرة التصنيع في الصين. وإذا رجعت بقية آسيا ببساطة إلى عادتها القديمة إلى الاستثمار من أجل نمو بقيادة التصدير، سيضغط ذلك أكثر على أسعار المنتجات ويؤدي إلى حماية غريبة. ولكي يكون نموها مستمراً، يجب أن يستند على طلب محلي أقوى.
لكن كما يشير "يو. بي. إس" وباستثناء الصين والهند، تدخر الأسر أقل، وتقترض أقل، ولذلك لا يمكن توقع رفع الاستهلاك كثيراً. أما بالنسبة إلى الحكومات، فيجادل صندوق النقد الدولي بأن أموالها تسمح بفرصة محدودة فقط بشكل متعقل لزيادة الإنفاق.
وهناك خيار آخر. تحتاج معظم آسيا إلى مرافق أفضل للنقل، الرعاية الصحية، التعليم، والكهرباء والماء. ويقول البنك الدولي والبنك الآسيوي للتنمية إن الأمر يتطلب إنفاق ألف مليار دولار على البنية التحتية. ولا تستطيع الحكومات توفير كل ذلك. لكن يمكن لمزيد من الأساليب البارعة للتخصيص أن تساعد على سد الفجوة، وخلق فرص جديدة للاستثمار الخاص. كما يمكنها أيضاً تخفيض مجال الفساد، الذي يعد أحد الأسباب التي تجعل السياسيين في دول مثل الهند يقاومون الفكرة.
ثانياًًًً، هناك إمكانية ضخمة غير مستغلة لدعم الثروة من خلال تحفيز الأسواق المحلية. وفي المقام الأول، تأتي الخدمات، التي تعاني من قيود في معظم آسيا بسبب المنافسة الضعيفة واللوائح التنظيمية المفرطة. وسيؤدي تخفيف هذه القيود إلى معدل إنتاجية كبيرة ومكاسب فعالة.
عاجلاً أم آجلاً، ستكون مثل هذه الإصلاحات ضرورية في كل الأحوال، إذا كان يتعين على آسيا أن تستمر في النمو، فقد اعتمد تطورها الماضي بشدة على تسخير اليد العاملة الرخيصة ورأس المال الوفير للإنتاج لأسواق التصدير. لكن كما توضح منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في تقريرها الأخير عن كوريا، يصبح النموذج ضعيفاً حيث يرفع الازدهار تكاليف العمل وتقلص معدلات المواليد المتراجعة الواضحة في أغلب شرقي آسيا حجم السكان العاملين.
ستكون كيفية حل آسيا لغز استثمارها حاسمة لتشكيل تطورها المستقبلي. وعندما تصل موجة الاستثمار المقبلة المنطقة، يجب الحكم عليها ليس بوزنها فقط وإنما بنوعيتها أيضاً.
فاينانشال تايمز - الاقتصادية / الأحد 13 رمضان 1426هـ العدد 4388
جاي دويونكويريز