تعتبر البطاقات الائتمانية من أهم مظاهر التطور التي حدثت في البيئة الاقتصادية في العصر الحديث. ذلك أن وسائل التبادل التجاري تطورت مع الزمن من استخدام المبادلات العينية إلى استخدام المعادن ثم تلي ذلك استخدام المسكوكات ثم ظهرت الأوراق النقدية، وظل الإنسان قلقاً على أمواله لذلك ظل يسعى للمحافظة عليها وخصوصاً النقدي منها من مخاطر السرقة أو الضياع ناهيك عن هاجسه المتواصل لإيجاد طرق سهلة وآمنة لانتقال تلك الأموال من مكان إلى آخر سواء كان ذلك محلياً أو دولياً. وتلبية لتلك المطالب والحاجة ظهرت البنوك وأصبح لها دور فاعل في الحياة الاقتصادية.
ومنذ ظهور البنوك وهي تطور أساليبها لذلك تطورت أساليب الفن المصرفي بصورة تدريجية حتى وصلت في السنوات الأخيرة إلى استحداث وسيلة للائتمان أكثر تطوراً من الأوراق التجارية، وتلك الوسيلة تتمثل في البطاقات الائتمانية أو ما يمكن أن تطلق عليه النقود الإلكترونية.
نعم إن البطاقات الائتمانية أصبحت تلعب دوراً هاماً وأساسياً في الائتمان. والبنوك هي المصدر الأكبر لهذه البطاقات وذلك لأن تلك البطاقات تحتاج إلى موارد مالية ضخمة ووسائل مصرفية متطورة لا يستطيع القيام بها إلا مؤسسات مالية قادرة مثل البنوك.
ولاشك أن المتأمل لأحوال الناس في كل مكان يرى الكم الهائل من البطاقات الائتمانية في الأسواق، ذلك أن هناك الكثير من الناس يستخدم أكثر من نوع من البطاقات الائتمانية، وتشير الإحصائيات إلى أن هناك مليارات البطاقات اللدائنية في جميع أنحاء العالم اشترى ويشتري بها الناس أنواعاً مختلفة من السلع والخدمات وبما يصل إلى مئات البلايين من الدولارات سنوياً. لذلك فإن حجم وعدد القروض المدارة والمستحقة لشركات البطاقات وكذلك عدد الأفراد المستفيدين منها يزداد سنوياً بصورة طردية، ومن الأمثلة على تلك البطاقات فيزا، وماستر كارد، وباركلي، وأمريكان اكسبريس، وغيرها مما يضيق المكان عن ذكره.
أما في المملكة فإن عدد البطاقات الائتمانية المختلفة في تزايد مستمر كما أن التسهيلات التي تشجع على امتلاكها واستخدامها في تطور مستمر أيضاً.
وعلى العموم فإن الأخبار الصادرة من "شركة فيزا العالمية" تشير إلى أن متوسط إنفاق حامل البطاقة المصدرة من السعودية يبلغ (3000) دولار وهو يزيد قرابة الضعف عن المتوسط العالمي البالغ (1600) دولار. كما تشير الأخبار إلى أن السوق السعودية تستحوذ على أكثر من ثلث البطاقات التي أصدرتها شركة فيزا في الشرق الأوسط، ويمكن أن نتوقع الحال نفسها في الأنواع الأخرى من بطاقات الائتمان.
إن ظهور البطاقات الائتمانية المختلفة قد أدى إلى تغيير مسار كثير من عمليات البنوك بصورة قللت من التكاليف على البنك، ولذلك فإنه يعتقد أن كثيراً من العمليات الروتينية التي تقوم بها البنوك سوف تختفي تدريجياً وذلك مثل السحب والإيداع وتسديد الفواتير والتحويل من حساب إلى آخر وغير ذلك من العمليات المصرفية.
نعم إن استخدام البطاقات الائتمانية يخضع لنصوص وأحكام وتشريعات وضوابط تحكم مسؤولية كل طرف من الأطراف ذوي العلاقة وهم المصدر للبطاقة الائتمانية والمستخدم والمستفيد منها بالإضافة إلى التاجر أو البائع القابل للبطاقة. نعم إن هناك تداخل وتشابكاً بين هذه الأطراف الثلاثة ومن ذلك الحماية والسرية والضبط والربط والتدقيق في صلاحية وهوية حامل البطاقة المقدمة للخدمة وذلك مثل مطابقة التوقيع والاسم وطلب الهوية والصورة إن وجدت على البطاقة وغير ذلك من الإجراءات التي تضمن عدم إساءة استخدامها من قبل الغير أو تزويرها عند السرقة والفقدان.
نعم إن أهمية الضبط والربط تزداد أهميته مع زيادة انتشار هذه البطاقات في الحياة اليومية للمواطنين والمقيمين على أرض هذا الوطن الغالي.
وعلى العموم فإن هناك أحكاماً وضوابط تحكم الأطراف الثلاثة ذوي العلاقة باستخدام البطاقة الائتمانية لعلي أشير إلى ما يهمنا منها في هذا الموضوع وذلك مثل:
1 – يجب اقتصار استخدام البطاقة الائتمانية على حاملها ولا يحق له أن يتنازل أو يسمح لغيره باستخدامها، كما يجب عليه المحافظة عليها من الضياع. هذا الشرط جيد وممتاز لكن المشكلة تكمن في أن أغلب المحلات التجارية لدينا تقبل البطاقة من أي شخص يقدمها دون أن تتحقق من شخصيته أهو صاحبها أم لا والأسوأ من ذلك لا يطلب منه في كثير من الأحيان التوقيع على الإيصال وإذا وقع لا يتم مطابقة التوقيع على الإيصال مع التوقيع الموجود على البطاقة نفسها.
في الدول المتقدمة يقوم التاجر أو البائع الذي يقبل البطاقة الائتمانية بأخذ توقيع حامل البطاقة على الإيصال ويتأكد من أن التوقيع مطابق للتوقيع المدون على البطاقة ثم يطلب منه إبراز هويته الشخصية ويقوم بتدوين رقمها وتاريخها ومصدرها على الإيصال أيضاً ثم بعد ذلك يعمل ثلاثة نسخ واحدة للمتجر والثانية للعميل والثالثة تزود بها الجهة المصدرة ناهيك عن أن أغلب المتاجر هناك تقوم بعملية التأمين حماية لنفسها من النصب والاحتيال بواسطة البطاقات الائتمانية.
إن التساهل الشائع في سوقنا المحلية والمتمثل في قبول البطاقات الائتمانية من أي شخص يحملها دون تدقيق أو تحرز أو تأكد هوية حاملها يؤدي إلى مشاكل لا حصر لها يتمثل بعض منها في تشجيع سرقتها وإساءة استخدامها من قبل اللصوص والمخربين والإرهابيين من ناحية وتحميل حامل البطاقة الحقيقي التزامات مالية لم يقم هو بالالتزام بها كما أن الطرف الثالث قد يدخل في دوامة فقدان جزء من تمويله من خلال الدخول في مشاكل قانونية مع حامل البطاقة. أما التاجر وهو المستاهل الأول فقد ضمن حقه قبل أن يسلم بضاعته حيث تم قبول العملية وربما يكون تم الدفع لحسابه.
2 – من ضمن القوانين التي تحكم استخدام البطاقة الائتمانية أن التاجر لا يحق له أن يستوفي أية رسوم أو نسبة أو عمولة من حامل البطاقة وذلك زيادة على السعر المقرر للبضاعة المباعة، أو الخدمات المقدمة وذلك كمقابل لخصم الجهة المصدرة لعمولة معينة لصالحه.
والمشكلة في هذا البند أنه لا يتم الالتزام به من قبل بعض الباعة أو مقدمي الخدمة مما يربك صاحب البطاقة مما يضطره إلى الرفض أو دفع تكاليف قيل له إنه غير ملزم بها عند توقيع عقد استخدام البطاقة.
3 – من ضمن القوانين التي تحكم استخدام البطاقات الائتمانية أنه لا يحق للتاجر أن يرفض البطاقة التي تقدم له من صاحبها وذلك لدفع ثمن المشتريات إذا كانت البطاقة سليمة وقانونية خصوصاً إذا تم التزامه أمام الجهة المصدرة بذلك. ولذلك فإن التاجر أو مقدم الخدمات عليه أن يضع علامة تشير إلى قبوله أو رفضه للبطاقات الائتمانية والسبب في قول ذلك أن بعض المتاجر تقبل البطاقة الائتمانية في بعض الأيام وترفضها في أيام أخرى وهم بذلك يحتجون على فرض نسبة عليهم من قبل الجهة المصدرة للبطاقة، وبذلك يضيع حامل البطاقة وتضيع المهمة التي من أجلها استصدرت البطاقة وهي التسهيل وعدم الحاجة إلى حمل النقود خصوصاً المبالغ الكبيرة.
4 – كما ذكرت سابقاً إن السرية فيما يتعلق بالبطاقة الائتمانية مطلوبة خصوصاً فيما يتعلق برقم البطاقة وتاريخ انتهاء فعاليتها. إلا أن أغلب المتاجر لدينا لا تولي هذا الشرط أي اهتمام ذلك أنها تطبع رقم البطاقة كاملاً على سند البيع مع تاريخ الصلاحية وهذا فيه ضرر كبير، ذلك أن رقم البطاقة الائتمانية وتاريخ صلاحيتها هما أهم ما فيها فبهذين يتم الحجز في الفنادق وشراء تذاكر السفر وشراء أشياء كثيرة عبر الهاتف والإنترنت من أي مكان في العالم. لذلك فإن البنوك قد انتبهت لذلك وجعلت بعض رقم البطاقة الائتمانية مشفراً في أي سند يستلمه صاحب البطاقة بعد الاستعمال، أما المحلات التجارية فلا تقوم بذلك وبالتالي فإن الجهات المعنية بذلك يصبح عليها واجب إلزام المحلات التجارية بعدم التساهل فيها يخص سرية المعلومات المتعلقة بالبطاقات الائتمانية، والعمل على تشفير أرقام البطاقات الائتمانية التي تقبل الدفع بواسطتها.
نعم إن التساهل وعدم التدقيق في هوية حامل البطاقة أو طباعة رقم البطاقة وتاريخ صلاحيتها على سند البيع يجعل حمل هذه البطاقات يشكل خطراً على حاملها خصوصاً أن بعضها يصل حد الائتمان فيها إلى مائة ألف ريال أو يزيد.
والخطر هنا يتمثل في احتمال سرقتها أو ضياعها وبالتالي إساءة استعمالها من قبل ضعاف النفوس خصوصاً أنها لا تحتاج إلى رقم سري عند الاستعمال كما هو الحال مع بطاقات الصراف، أو يتمثل الخطر في الاعتداء على حامل البطاقة وأخذها عنوة منه وحجزه حتى تتم الاستفادة منها.
لذلك فإن الجهات المعنية بذلك خصوصاً مؤسسة النقد وغيرها من الجهات الرقابية تتحمل مسؤولية فرض النظام وإلزام جميع الجهات بتوخي الحذر عند قبول البطاقات الائتمانية في البيع أو تقديم الخدمات ويتمثل ذلك في التحقق من هوية حامل البطاقة وإلزامه بإبراز هويته وأن يدون رقم الهوية على سند البيع ناهيك عن مطابقة توقيع حامل البطاقة مع التوقيع المدون عليها كما أن وجود صورة صاحب البطاقة على البطاقة ومطابقتها مع من يريد استخدام البطاقة يسهل ويقضي على إساءة استخدامها كما أن ذلك فيه نفع كبير لقوى الأمن حيث يمكن للتاجر أو مقدم الخدمة الاتصال بالأمن إذا شك في هوية صاحبها. ناهيك عن تحقيق السرية الكاملة لجميع البيانات التي تتعلق بالبطاقة الائتمانية.
نعم إن استخدام البطاقات الائتمانية يحتاج إلى مزيد من الضبط والربط والله المستعان.
الرياض / الجمعة 4 رمضان 1426هـ العدد 13619
الدكتور / حمد بن عبد الله اللحيدان