تعبير (غسيل الأموال) أو الجريمة البيضاء يعتبر من التعبيرات التي تداولت مؤخراً في كافة المحافل المحلية والإقليمية والدولية المهتمة بالجرائم الاقتصادية والأمن الاجتماعي، والأمن الاقتصادي باعتبار أن عمليات غسيل الأموال ترتبط إلى حد كبير بأنشطة غير مشروعة عادة ما تكون هاربة خارج حدود سريان القوانين المناهضة للفساد المالي ثم تحاول العودة مرة أخرى بصفة شرعية معترف بها من قبل نفس القوانين التي كانت تجرمها وداخل الحدود الإقليمية التي تسري عليها هذه القوانين. ولم يكن من المستطاع على أصحاب الأموال غير المشروعة أو الناتجة عن معاملات قذرة أن يعودوا بأموالهم إلى داخل البلاد إلا بعد الاطمئنان إلى عدم وجود مخالفات قانونية وإلى عدم وجود مخاطر مرتبطة بأجهزة الأمن أو السيادة تتمثل في المصادرة أو توقيع العقوبات المالية أو البدنية أو كليهما معاً، وتشمل عمليات الغسيل لإضفاء المشروعية عادة الأموال أو الدخول الناتجة عن أحد /أو/ كل الأنشطة الآتية:
- أنشطة الاتجار في السلع والخدمات غير المشروعة وفقاً لقوانين أو تشريعات الدولة مثل المتاجرة في المخدرات بأنواعها المختلفة، وأنشطة البغاء أو الدعارة أو شبكات الرقيق الأبيض.
- أنشطة التهريب عبر الحدود للسلع والمنتجات المستوردة دون دفع الرسوم أو الضرائب الجمركية المقررة مثل تهريب السلع من المناطق الحرة وتهريب السجائر والسلع المعمرة والسلاح وغيرها.
- أنشطة السوق السوداء والتي يتحقق منها دخولاً طائلة للمتعاملين فيها بالمخالفة لقوانين الدولة مثل ذلك الاتجار في العملات الأجنبية في الدول التي تفرض رقابة صارمة على التعامل في النقد الأجنبي، وكذلك الاتجار في السلع التي تعاني البلاد من نقص المعروض منها بالمقارنة بالطلب عليها حيث يتجه التجار إلى رفع أسعار بيعها بشكل كبير وبالمخالفة لضوابط التسعير التي تحددها السلطات المحلية.
- أنشطة الرشوة والفساد الإداري والتربح من الوظائف العامة وذلك من خلال الحصول على دخول غير مشروعة مقابل التراخيص أو الموافقات الحكومية أو ترسية العطاءات في المعاملات المحلية والخارجية بالمخالفة لأهم نصوص اللوائح والقوانين العامة والخاصة.
- الدخول الناتجة عن التهرب الضريبي من خلال التلاعب في الحسابات أو إخفاء مصدر الدخل وعدم سداد الضرائب المستحقة على النشاط إلى خزانة الدولة وتحويل الأموال إلى خارج البلاد بإيداعها هناك في أحد البنوك الأجنبية.
- العمولات التي يحصل عليها بعض الأفراد والمشروعات مقابل عقد صفقات الأسلحة والسلع الرأسمالية أو الاستثمارية أو الحصول على التكنولوجيا المتقدمة أو أية صفقات تجارية كبيرة القيمة. وعادة ما يكون ذلك مقابل تسهيل الإجراءات الحكومية من خلال النفوذ الوظيفي والعلاقات مع المسئولين لإنهاء الإجراءات بسرعة والتجاوز عن بعض أو كل الشروط أو الضوابط المنظمة لعقد الصفقات أو المقاولات.
- الدخول الناتجة عن الأنشطة السياسية غير المشروعة مثل أنشطة الجاسوسية الدولية والتي عادة ما يحصل من يقوم بها على دخول بصفة منتظمة من الجهات التي يعمل الجاسوس لحسابها وتودع الأموال باسمه في حساب جاري بأحد البنوك الأجنبية خارج موطنه الأصلي.
- الدخول الناتجة عن السرقات أو الاختلاسات من أموال عامة ثم تهريب هذه الأموال في الخارج بإيداعها في أحد البنوك التجارية الأجنبية هناك.
- الاقتراض من البنوك المحلية بدون ضمانات كافية وتحويل الأموال إلى الخارج وعدم سداد مستحقات البنوك المحلية وهروب الأشخاص المقترضين مع أموالهم خارج البلاد لفترات معينة حتى تسقط الجرائم والأحكام بالتقادم.
- جمع أموال المودعين وتهريبه إلى الخارج وإيداعها في البنوك الأجنبية دون وجود ضمانات كافية لأصحاب الأموال مع قيام الأشخاص الذين يجمعون هذه الأموال بتحويلها في الخارج إلى أشخاص آخرين أو تحويل الأموال إلى عقارات أو محلات تجارية أو غيرها ثم بيعها إلى ذويهم تمهيداً لعودتها إلى خارج البلاد مرة أخرى في صورة مشروعة.
- الدخول الناتجة عن النصب والاحتيال والمهربة إلى الخارج مثال ذلك الاحتيال على راغبي العمل في الخارج والحصول منهم على آلاف الجنيهات مقابل عقود عمل مزورة أو تقاضي مبالغ منهم مقابل الحصول على شهادات صحيحة مزورة أو جوازات سفر مزورة.... إلخ ثم تهريب حصيلة الأموال إلى الخارج تمهيداً لإعادتها إلى داخل البلاد مرة أخرى حينما تسمح الظروف بذلك من الناحية القانونية.
- الدخول الناتجة عن الغش التجاري أو الاتجار في السلع الفاسدة أو تقليد الماركات العالمية أو المحلية ذات الجودة والشهرة الفائقة، أو تزوير الكتب والمصنفات الفنية ومنتجات الإبداع الفكري وبرامج الحاسبات الآلية والحصول على دخول كبيرة من وراء ذلك يتم تهريبها إلى الخارج تمهيداً للعودة بها بعد إجراء عمليات الغسيل القانوني لها.
- الدخول الناتجة عن تزييف النقد سواء البنكنوت أو العملات المعدنية والحصول على نقود قانونية مشروعة مقابل النقود المزيفة سواء من العملات المحلية أو من العملات الأجنبية. وكذلك تزييف الذهب والفضة وغيرها. وفي عام 1300 اشتكى (ببيرديوا) من عملية تزييف النقود إلى الملك فيليب العادل وأوضح أن هذا يضر بدخول النبلاء وبقية الفئات محدودة الدخل في وقت ارتفعت فيه الأسعار المحلية بشكل كبير.
- الدخول الناتجة عن تزوير الشيكات المصرفية وسحب المبالغ من البنوك المحلية بشيكات أو حوالات مزورة أو من خلال تزوير الاعتمادات المستندية المعززة بموافقة البنوك أو المراسلين والحصول على قيمة هذه الاعتمادات وإيداعها في أحد البنوك في الخارج توطئة لغسلها وإضفاء صفة المشروعية عليها.
- الدخول الناتجة عن المضاربة غير المشروعة في الأوراق المالية والتي تعتمد على خداع المتعاملين في البورصات العالمية وحجب بضاعة الأوراق المالية عن التداول لارتفاع أسعارهم ثم الحصول على دخول مرتفعة كثيراً عن أسعار شرائها وإيداع هذه الأرباح في أحد البنوك التجارية خارج الحدود تمهيداً لعودتها مرة أخرى إلى البلاد بصورة قانونية.
- ويجدر الإشارة على أن كافة الدخول التي تتحقق من الأنشطة السابق ذكرها تعتبر غير مسجلة في الحسابات القومية للدول ومن ثم يصعب الوصول إلى أرقام حقيقية عن حجمها أو مقاديرها باعتبارها أنشطة تدرج ضمن أنشطة الاقتصاد الخفي أو الاقتصاد السفلي (Under ground) وتمثل الجانب غير المشروع من هذا الاقتصاد حيث أن هناك جوانب أخرى مشروعة ولكنها غير مسجلة في تلك الحسابات مثل دخول القطاع غير الرسمي من أصحاب الأعمال الهامشية كالباعة الجائلين وأعمال النساء في المنازل وفي الحقول لمساعدة الأزواج والدخول الناتجة عن أعمال إضافية لبعض الوقت بدون موافقات رسمية من جهة العمل...... إلخ.
المصدر/ غسيل الأموال في مصر والعالم
دكتور حمدي عبد العظيم