السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. اليتيم .. جرح لا يندمل اليتيم .. دمع لا يتوقف نتيجة محتومة ... لفساد رجل وامرأة اجتمعوا على ما يغضب الله .. ويهتز له قلب الحجر .. فكيف بالبشر ..؟؟! لم يراعوا أن يكون هناك إنسانا من لحم ودم .. سيعيش جحيما لا يطاق .. وألما لا يتوقف .. وجرح لا يجف .. تبا لكل زان وزانية .. ومجرم ومجرمة .. أنتجوا ابنا .. او بنتا .. لا يعرف أحدهم من أبوه .. ولا أمه .. يتمنى لقاءهما .. وهما لا يتمنيان وجوده .. ورحمة الله فوق كل اعتبار .. وجحيمه ونار سعيره توعدت كل مجرم ومجرمة .. بعذاب في الدنيا ثم برزخي يقشعر منه بدن كل إنسان فضلا عمن يعيشه .. ولا تسل عن عذاب القيامة والمصير والسعير الذي ينتظرهما .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ شيخ فاضل .. ورجل حبيب .. وراق ( يرقي رقية شرعية ) من الطراز الأول .. أحببناه في الله حبا لا يوصف .. واعدني .. لنلتقي في المدينة وذلك أنه سياتي من دياره في نجد للمدينة وأحب أن يراني .. سعدت بقدومه سعادة لا توصف .. والتقيته وسعدت به .. وكان موعدنا في المسجد النبوي .. سعدت بمجيئه أيما سعادة .. واحتضنته .. ومن تواضعه ابتدر رأسي ليقبله فقبلت رأسه قبل.. وكان غاية في التواضع والإحترام ..جزاه الله عنا كل خير .. معه شخص آخر وابن صغير .. ( في الثانوي ربما ) عليه ثوب متواضع وحاله متواضعه .. عرفني عليه فقال ولدي ( عبد الله )* قلت له مداعبا : لو أخبرتني .. لجئت بولي أمري مادام أنك شايب .. ( دعابة ) كان يوم خميس .. وكنت حينها صائما والأذان قد داهمنا المهم .. انطلقنا بعد جلسة خفيفة .. لأقرب سفرة .. ونحن في الطريق للسفرة لندرك الإفطار .. أخذ بيدي على حين غرة .. وهمس في أذني : فقال لي : ترى ولدي هذا من الأيتام !! بمعنى أدق : لقيط !! لم تتمالك .. قدمي حملي وعلى غير المعتاد لم تخرج دمعتي وهي سريعة .. وحينها .. لم أر يوما يتيما .. في حياتي .. كيف يا شيخ .. ؟؟ أمسكت بيد الشيخ وكأن شيئا لم يكن لأن ( عبد الله ) قريب منا .. المهم : جلست وأعدت النظر فيه .. في عبد الله : ابن صغير .. في عينيه حلم كبير .. وفيه صفة القيادية .. حاذق .. محبوب .. اجتماعي .. صفاته يستحيل أن توجد فيمن هم في مثل حاله .. ولكن .. جريمة .. والديه الذين اختفيا .. في دنياهما .. وسيجدناهما .. في الآخرة .. وقبلها عند الموت وفي البرزخ ولا تسل عن القيامة .. ماذنب هذا النابغة .. ؟؟؟!! الذي فطر قلبي فلم أزد على تمرتين في إفطاري .. واشتغلت ببعض الدعابات .. وبعض الطرائف علي أسلي عن نفسي وهم يحسبوها لهم ولكني أداعب لأجل أن يطيب خاطري لأن الحزن يظهر على وجهي .. فطرت فطورا لا أعلم عنه وأنا أسترق النظر .. لــعبد الله .. يا الله .. ما أشد جرم الفواحش ؟؟ لم أر يتيما .. في حياتي فالتقيت به .. فجأة .. وصدمت .. ! آه عليك يا عبد الله .. إذا مرضت ... من يداويك .. إذا بكيت من يمسح دموعك .. إذا احتجت من يساعدك .. من يحميك من طمع أهل الطمع .. فطرنا ... وذهبنا للصلاة .. وصلى أمامي .. وسهيت كل السهو عن صلاتي .. لك الله يا حبيبي .. ذهبوا وعادوا لي بعد الصلاة .. وتواعدنا ان نلتقي بعد العشاء .. في المسجد النبوي في مكاني المعتاد الذي أجلس فيه دائما .. وفعلا .. التقينا بهم .. وإذا بعبد الله .. ياتيني من بعيد .. قد تطلع للجلوس معي وكأنه ارتاح لي .. وهو لا يعلم كم أني اتطلع لذلك .. ابتدرته ببسمة خاصة .. رغم اني شيخنا .. أشغل علي قلبي فرحا به وبقدومه ضيفا علي .. جلسنا وتبادلنا أطراف الحديث .. جلس الابن عبد الله بجواري .. ثم بدا يسالني عن اهتماماتي .. وعن بعض الصفات التي ينبغي أن تكون في القائد .. ويحكي لي بعض قصصه في دار الأيتام .. وبدأت أخاطبه .. واحكي له : كيف تصبح محبوبا ؟ انظر يا حبيبي للقدوات وقلدهم .. قال لي : مثلك يا شيخ ( **** ) قلت الله يسعدك .. سبحان من حلاك بصنوف اللطافة .. وتعجبت من لطيف عباراته كيف تفرغ لتعلم محاسن الأخلاق رغم شغله بالناس .. وسوء أدبهم وجرحهم الدائم .. قال لي : يا شيخ ( أبو أسامة ) فرردت عليه : هلا حبيبي .. قال : تراك معزوم عندنا الليلة على العشاء .. في مطعم البيك .. فرددت بابتسامة .. : تجي عندي وتعشيني .. وخاطبته بدعابة : شو رأيك نتعشى في مطعم أحلى .. إش تبغى من مطعم .. أشر عليه وأبشر بكل خير .. قال : لا يا شيخ نحنا نعشيك .. فوقع من قلبي موقعا .. مضاعفا .. قلت له ما رأيك أن نتعشى في مطعم .. ( ***** ) فغمز بعينه قد اشتهاه ولكن يستحي لأن المطعم غالي نوعا ما .. ضغطت على يده بحنان الأخ الكبير : هاه !! يالله قول تم .. قال لي : براحتك يا شيخ .. ضحكت .. قلت أبشر بكل خير .. على عيني يا غالي .. سر سرورا .. عظيما وأنا اتقطع في قلبي .. هل سيجد من سيذهب به إلى المطعم ..هذا في المستقبل ؟؟؟!! آه لك الله يا ابني .. وكنت أوصيه بالعلم .. وأسال الله ان يحبب إليه العلم الشرعي .. وارجو أن يقع منه موقعا .. آمين ... ذهبنا للمطعم وهو في غاية السرور .. والسعادة .. ثم ذهبت أنا وهو قلت له : ما رأيك أن نقوم انا وأنت لنضع صحن السلطة ننتقي ما فيه .. قال لي : ابشر .. يالله قفز فرحا .. وبدأ يختار وينتقي وكل ما وضع شيئا .. يقول لي : ما رأيك ؟؟ كيف ذوقي يا شيخ ..؟؟ قلت له بالضبط مثل ذوقي . فيطير فرحا أننا اتفقنا في الإختيار .. بقدر سعادتي أنه فرح بقدر تعاستي .. وخوفي عليه .. كم كان يتلذذ بالطعام .. ارتاح وشعر أن المؤمن كالغيث مثل أخيه الذي يحلم به ولن يراه مادام فيه عرق ينبض .. آه ... عليك يا عبد الله لك الله يا ولدي .. وللأسف هناك – بغير قصد – كان يجلس معنا .. هداه الله .. ثم بدأ يتحدث عن نسبي .. وسألني .. عنه وبكل جرأة .. يريد أن أظهر له جمال النسب للفخر .. ومعنا عبد الله الذي ضاع نسبه بين مجرم ومجرمة .. لم يراعيا حقا لهذا النابغة .. كم من طعنة يتلقاها ؟؟ هذا اليتيم ويسكت كأنه ينشغل .. بالطعام .. فضجرني السائل عن الأنساب بجرأته .. فخرجت عن هدوئي ..لأحرقه بنظرة لم تأخذ ثواني كانت تخفي وراءها غيضا عظيما .. فلمحها الابن عبد الله .. فتفاجأ السائل واندهش .. وخاف ( عبد الله ) وقال : هاه .. اهدأ يا شيخ إهدأ ... فأطرقت بابتسامة لعبد الله أني أفزعته .. فزع المسكين .. يخشى من كل غضبه .. ويفزع من كل صرخة .. ولكني أوذيت للسؤال عن الأنساب بوجوده فهو جرح له مؤلم ؟؟ فأنا غضبت جدا له .. تعشينا .. عشاءنا وعدت كما أنا ..فورا على غير العادة .. ولكن حتى لا يفزع عبد الله ... سامحني أخي القارئ / أختي القارئة : لكل من آذيته بهذا المقال .. جرحت مشاعركم .. فكيف بمن رآى .. عاش .. شم .. وذاق .. كفي لم تفارق كفه .. إلا نادرا .. أحببته حبا جما .. ليته في بيتي ليته على عيني .. ولكنه قضاء الله عليه .. القصة لم تنته بعد :وفصولها القادمة أكثر إيلاما .. فاعتذر .. بدأ الشيخ الذي جاء بهم .. يتخاطب معي .. ويلطف الجو وأنا قد أزلت الغضب عن وجهي وذهبت أغسل يدي .. ثم رجعت ليعتذر إلي الشخص ..اعتذارا .. قبلته منه .. حفظه الله ورعاه .. وما غضبت لنفسي وإنما لهذا المسكين ما ذنبه .. ؟؟ أن يتلقى طعناتنا .. هل يستطيع أن يتكلم بكلمة .. آه يا عبد الله .. المهم ..: خرجنا من المطعم .. فقالوا لي : نريد أن نزور .. أناسا قريبين هنا .. قلت يا أحبابنا .. لا تتأخرون بنا حتى ندرك الليلة فقد استمتعت معكم .. وبكم .. ونريد أن نكسب الوقت .. قالوا الزيارة سريعة .. قلت لهم : لكم ما تشاؤون .. فانطلقوا حتى وصلوا لدار لم اتوقع ولم أعرف ماهي ...؟؟ قالوا نريد أن نسلم على شباب هنا نعرفهم ولنا اتصال بهم .. قلت لهم لا بأس .. ( دار الرعاية الاجتماعية ) كنت أظنها للذين عملوا جرائم .. ووضعوهم هنا .. المهم نزلنا عند الدار .. واستقبلنا ( عبد الله ) آخر : وافقه في الاسم .. ولم أتوقع أنه أيضا .. ( يتيم ) لا يعرف أبوه ولا أمه في عمري تقريبا .. شاب وجهه وضيء حيي النظرة ، مليح الوجه ، كأنه فلقة قمر .. ما شاء الله لا قوة إلا بالله .. والله لا يكاد يضع عينه في عيني .. لحظة حيي النظرة .. هد ثقته جور البيئة .. وثقل الحالة .. وعظم المصيبة .. جاء للدنيا عن طريق الحرام .. ستر الله على والديه .. وبقي هو يتجرع الألم كل ساعة ولحظة .. ماذنب هذا الشاب ؟؟؟!! تقطع قلبي له جدا ... لأفاجأ بالشيخ يمسك بيدي ويقول لي : رأيت هؤلاء ؟؟ قلت نعم .. وكانوا عددا كبيرا يفوق الخمسين ربما .. صغارا وكبارا .. قال : هؤلاء كلهم أيتام ( لقطاء ) وكأن الله لم يخلق لي لسانا ولم يجعل لي بيانا .. هلك جسدي وتألم قلبي .. وطعن .. كنت متألما لابننا ( لعبد الله ) وإذا بي أدخل على عشرات كلهم ( عبد الله ) أيتام لا أب لا أم .. مستقبلهم مجهول .. الكل يمقتهم وما عرفهم .. ولو عرفوهم .. لاستهموا على لقياهم .. فبهم تشترى رحمات الله .. ولكن هيهات .. ضيفني الأيتام خير ضيافة واجتمعوا حولي وحول الشيخ وأما عبد الله .. فقد رآى إخوانه في هذه الدار وانخرط بينهم حتى نسيته من هول ما رأيت .. جاءني طفل ( يتيم ) عمره .. 9 سنوات عينه تكاد تقطر دمعا وهو يخاطبني مد يده لي وصافحني .. فرح برؤيتنا ... وجاءنا هو ومعه عشرات من الأيتام الصغار .. تخيل أن على فصلين دراسيين .. يدرسون الصف الأول الإبتدائي بنفس المنظر بنفس الهيئة هو ما رأيت .. ولكنهم كلهم !! أيتام .. وقبلته وقبلت رأسه ومسحته .. لما جاء في الأثر عند أحمد وغيره : ان رجلا شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه فقال له امسح على رأس اليتيم .. آه ... ثم آه .. ما أشد ألم حالهم .. المهم .. دخلنا .. الإدارة .. استقبلنا الإدارة استقبالا لا بأس به .. الكل فوجئ أني لم أنطق ببنت شفه .. قد أذهلني ما رأيت .. قد آلمني ما عشته .. وإذا بــ ( عبد الله ) الشاب الذي استقبلنا – كما ذكرت – يدخل علينا .. ومعه مشروبات باردة .. اشتراها من جيبه الخاص .. ضيافة .. لنا جزاه الله كل خير ويسر أمره هو ومن معه في الدار .. لم أشرب ولم أتكلم اصطنع الابتسامة .. ونحن خارجين من مكتب الإدارة .. وإذا .. بالشيخ ينظر لي .. كأنه يقول هون عليك .. والذي لم أفهمه كيف أمسكت دمعتي عن الخروج فهي اسرع في مواقف أهون من هذه فكيف بهذا المصاب ؟؟ وقال لي : ترى ولدي عبد الله حس فيك .. أي شعر بحزني .. خرجنا من عندهم ..وفارقناهم .. ولم تفارق صورتهم وجهي وحياتهم مخيلتي .. ذهبنا .. لنسهر سهرتنا أنا والشيخ وصديقه وابننا عبد الله وذهبنا .. لأحد البقالات .. لنشتري ما ينقصنا في الرحلة .. فقال لنا عبد الله في السيارة : يا شيخ ( فلان ) بروح أنا والشيخ ( المؤمن كالغيث ) نشتري إنتم اقعدوا ..في السيارة .. قلت له : على عيني .. المهم ، ذهبت أنا وهو للبقالة وفي الطريق .. بدأ يشتكي عن سوء معاملة بعض الإداريين في الإدارة .. وأن البعض منهم قد يضرب .. والإهانة الشديدة .. وقد بلغني من أحد الزملاء أن المشرفين أحيانا يلعبون مع الشباب ( الأيتام ) فإذا أخذ الكرة .. بطريقة لم تعجب المشرف .. أرعد وأزبد وقال : تعال يابن الحرام .. !! فعلا .. عسيرة تلك الحياة .. التي لا ترحم .. جلسنا تسامرنا ليلتنا .. وعند العودة وكانوا يسكنون في فندق بجوار المسجد النبوي .. فقال لي ( عبد الله ) : تعال يا شيخ نام معنا .. تكفى !! قلت له : أنا عندي مسكن خاص .. الله يكرمك ويخليك .. حاول ولكن لا جدوى خجلت .. واستحييت .. ودعتهم ليلتي تلك .. وذهبت هائما على وجهي لم أنم تلك الليلة .. تقابلنا من الغد وجلسنا جلسة .. مليحة وداعية حيث كانوا على سفر .. ودعتهم ,, وقد حانت لحظة الوداع .. اللحظة المرة .. التي سأودع فيها عبد الله .. حيث كان في حمايتي وتحت عيني ولم يكن يطلب شيئا إلا ويكون تحت يده فهل سيجده ..هناك؟؟ سأفتقد تلك البسمة اللطيفة والأخلاق المليحة .. كأني اقتطعت جزئا مني ..وأنا أودعه .. ودعته .. ورأيت عينه وقد طفحت بدمع .. أمهله حتى خرجت .. وابتعدت عنه وعن عينه المكلومة .. أخبرني الشيخ الفاضل : قال لي في اتصال : أما الشباب فقد تأثروا تأثرا بالغا جدا بعد وداعك .. وتوهموا النوم .. ولا أدري .. ما حصل وبكى بعضهم في الطريق .. ذهبوا عن عيني ولم يفارقوني .. لا أدري أأتألم على فراق الشيخ الحبيب .. أم فراق صاحبه .. أم فراق الابن الذي لم أنسه .. وعطره الخاص عطرني به ولا يزال في ثوبي .. أتألم كل ما شممته .. في ثوبي .. أستودعك الله .. يا أخي الذي لم تلده أمي .. وابني الذي لم أراه بعد .. لم أنس صوته المشرق ولا همته الوقادة .. لم أنس ألمه .. حينما تطرح قضايا الأنساب أمامه .. لم أنس إطراقه رأسه .. دعوت على من تسبب له في هذه الحياة .. المؤلمة .. الأيتام .. جانب خفي مظلم .. لا يعرفه إلا ذوي القلوب الحية .. زوروهم .. في دار الرعاية الإجتماعية .. ولكن بهدايا خفيفة ليس للاعتبار .. ولكن للإعانة .. والتسلية .. والله وحده المستعان