1- أن النظر إلى ما لا يحل هو زنا العين كما في الحديث السابق((العين تزني وزناها النظر)) 2- أن إطلاق النظر سبب رئيسي في إعاقة سير العبد إلى ربه جل وعلا ، واشتغاله عما خلق له من عبادة الله ، بل قد يتعدى ذلك إلى الخروج من دين الله عز وجل والردة عن الإسلام والعياذ بالله كما حصل لبعض الذين أطلقوا أبصارهم في الصور الجميلة من النساء والمردان ، مثل ذلك الرجل الذي تعلق بفتى نصراني وهام بحبه ، وزاد به الوسواس حتى لزم الفراش وكان مما قاله(6)
إن كان ذنبي عنـــده الإسلام *** فقد سعــت في نقضه الآثام واختلت الصــلاة والصيـــام *** وجاز في الدين له الحـــرام
فانظر واعتبر من حال هذا المسكين فبعد مجالس العلم وحلقات الدين ، انحطاط إلى أسفل سافلين ، وحال يندى لها الجبينوهذا عاقبة إطلاق البصر ، وتأمل المحاسن ، تورد صاحبها الردى وتبعده عن الهدى ، والأمثلة على ذلك كثير ، منها ما حكاه ابن القيم رحمه الله عن ذلك الرجل الذي قال لمحبوبة عند تغرغر الروح ، رضاك عندي أشهى من رحمة الخالق الجليل! "فأصحاب العشق الشيطاني لهم من تولي الشيطان والإشراك به بقدر ذلك ، لما فيهم من الإشراك بالله ولما فاتهم من الإخلاص له ، ففيهم نصيب من اتخاذ الأنداد ولهذا ترى كثيرا منهم عبدا لذلك المعشوق متيما فيه ، يصرخ في حضوره ومغيبه أنه عبده ، فهو اعظم ذكرا له من ربه ، وحبه في قلبه اعظم من حب الله فيه ، وكفى به شاهدا بذلك على نفسه {بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيرهْ}فلو خير بين رضاه ورضى ربه لاختار رضى معشوقه على رضا ربه ولقاء معشوقه أحب إليه من لقاء ربه وتمنيه لقربه أعظم من تمنيه لقرب ربه وهربه من سخطه عليه أشد من هربه من سخط ربه عليه ، ’يسخط ربه بمرضاة معشوقه ، ويقدم مصالح معشوقه وحوائجه على طاعة ربه ، فإن كان فضل من وقته فضله وكان عنده قليل من الإيمان صرف تلك الفضلة في طاعة ربه ، وإن استغرق الزمان حوائج معشوقه و مصالحه صرف زمانه كله فيها و أهمل أمر الله تعالى ، يجود لمعشوقه بكل نفيسة ونفيس ، ويجعل لربه –إن جعل لله- كل رذيلة وخسيس ، فلمعشوقه لبه وقلبه ، وهمه ووقته و خالص ماله ، ولربه الفضلة قد اتخذه وراءه ظهيرا ، وصار لذكره نسيا ، إن قام في خدمته في الصلاة فلسانه يناجيه وقلبه يناجي معشوقه ووجهه وبدنه إلى القبلة ووجهة قلبه إلى المعشوق ، ينفر من خدمة ربه حتى كأنه واقف في الصلاة على الجمر من ثقلها عليه ، وتكلفه لفعلها ، فإذا جاءت خدمة المعشوق أقبل عليها بقلبه وبدنه فرحا بها ناصحا له فيها ، خفيفة على قلبه لا يستثقلها و لا يستطيبها ، و لا ريب أن هؤلاء من الذين {اتخذوا من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله}(7)"
ألم تر أن الحـــب يستـــــــعبد الفتى *** ويدعوه في بعض الأمور إلى الكفر هذا أحدهم قيل له جاهد في سبيل الله فقال: يقولون جاهد يا جميل بغزوة **** وأي جهــاد غيرهــــن أريــد لكل حديث بينهن بشــــــاشـة *** وكل قتـــيـل بينـــهن شهــيـد فانظر كيف حصر الجهاد فيهن ، ولا يحلو الحديث إلا بينهن ، وكل من قتلنه فإنه شهيد! أو ذلك الذي يعلن: ولو أنني استـغفر الله كلما *** ذكرتك لم تكتب علي ذنوب فهذا حال اللسان ، أما حال القلب فهو أسوأ: محا حبها حب الأولى كن قبلها *** و حل مكـانا لم يكن حُل من قبل أقول: وأين محبة الله؟. ومثل هذا كثير جره عليهم إطلاق أبصارهم ، وهذا من أعظم الأمور أن يعيق إطلاق البصر العبد في سيره إلى الله ، ولو سلم له دينه فإنه يضعفه ويجعله في مؤخرة الركب ، ولا ريب أن في ذلك مخالفة لأمر الله عز وجل بالإسراع بالخيرات والمسابقة إليها ، وقد أطلت في هذه النقطة لخطورة الأمر وأهميته .
3- أن الله جعل ميل المرأة للرجل ، وميل الرجل للمرأة ، وهذا أمر فطري مركوز في النفوس ، ولذلك ضبط الإسلام هذا الميل ووجهه الوجهة الصحيحة ، وفصل بين الرجال والنساء ، و أمر النساء بالحجاب لأن الفساد كل الفساد عند اختلاطهم ببعض ، كما في الصحيحين ((ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء ))[البخاري5096 ، مسلم2741] "ولهذا فطن أعداؤنا لهذه القضية واستخدموا المرأة كسلاح لتقويض كل القيم الأخلاقية في بلاد المسلمين وكانت المرأة رأس الحربة في هذه الهجمة الإباحية الخبيثة ، قال أحدهم:كأس وغانية تفعلان في تحطيم الأمة المحمدية اكثر مما يفعله ألف مدفع فأغروها في حب المادة والشهوات (8)" لذلك فإن الدعوة لتحرير المرأة قد لاقى استحسانا عند من في قلوبهم مرض ، ليتأملوا وجوه الحسان ، وليلغوا في مستنقع الرذيلة ، منهم من صرح بذلك وأيده بلسانه أو ببنانه ومنهم من حبسها في قلبه يستشرف المستقبل ، وينتظر اليوم الموعود ، ولأن هذا الأمر عظيم جدا ، حذر الله منه بقولة {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب اليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون} ولذلك فإن الإنسان إذا أطلق بصره وخاصة في هذا الزمان فإنه سوف يستحسن ذلك ولا بد وتركنُ إليه نفسه ، وخاصة إذا رأى الجمال الصارخ والأجساد العارية ، فاحذر أيها المسلم واحفظ بصرك ، فإن الخطوة تقود إلى خطوات ، والنظرة إلى حسرات ، وقد جاء بعد الآية السابقة قوله تعالى {يا آيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان.....} وهذه الفتنة تكون مكبوتة مغلوبة حتى يطلق بصره في النساء والصور الجميلة ويتأمل فيها ، فحينئذ يتشعب القلب وتطرقه البلابل ، وينفذ الشيطان إلى قلبه مع أقرب وأخطر طريق. 4- أن إطلاق البصر يؤدي إلى" تعدد الصور المخزونة في الذاكرة ، والمحفورة في الذهن من الإكثار من النظر إلى الصور الفاتنة ، سواء أكانت حية في عام الواقع أو مطبوعة في مجلة أو متحركة في فيلم لامرأة أو أمرد وتكرار النظر يؤدي إلى سهولة استدعائها ، وسهولة استدعائها يؤدي إلى تخيلها بوضع معين تثور معه الشهوة ويصاب مريض القلب بالقلق الشديد (9)" ولو أن هؤلاء أطاعوا الله ورسوله واقتصروا على ما أحل الله لأراحوا قلوبهم وأفكارهم من أمور طالما عذبت وأرهقت الكثير من أبناء الجيل واكتوى بلظاها فئام من الناس . 5- من خطورة النظر بل من أعظمها أنه لا يقتصر على شيء معين ولا يقف عند حد ، فمثلا:إذا نظر إلى امرأة فإنه يسترسل بصره إلى مطالعة الصور ، الواحدة بعد الأخرى ، والصورة بعد الصورة ، دون أن يشفي غليله أو يطفئ لهيبه بل هو في ازدياد وانحدار مخيف ، والأمر كما قاله ابن القيم رحمه الله"أن الملوك ما استوفوا من هذا الباب (10) قال مجنون ليلى : علقت الهـوى منها وليدا ولم يزل *** إلى اليوم ينمي حبهـــا ويزيـــد ويسهل الاحتراز عن ذلك من بدايات الأمور فإن آخرها يفتقر إلى علاج شديد وقد لا ينجح ، ومثاله من يصرف عنان الدابة عن توجهها إلى باب تريد دخوله ، فما أهون منعها بصرف عنانها ، و مثال من يعالجه بعد استحكامه مثال من يتركها حتى تدخل الباب وتجاوزه ثم يأخذ بذنبها يجرها إلى وراء وما أعظم التفاوت بين الأمرين "(11)" وقال الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله "لو أتيت مال قارون وجسد هرقل وواصلتك عشر آلاف من أجمل النساء من كل لون وكل شكل وكل نوع من أنواع الجمال هل تظن أنك تكتفي ؟ لا ، أقولها بالصوت العالي :لا ، أكتبها بالقلم العريض ، ولكن واحدة بالحلال تكفيك لا تطلبوا مني الدليل فحيثما تلفتم حولكم وجدتم في الحياة الدليل قائما ظاهرا مرئيا (12)".
أسباب إطلاق البصر
1- تكرار النظر واستدامته: وهذان السببان من أهم أسباب إطلاق البصر وهو نتيجة لعدم امتثال أمر الله عز وجل وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم وقد حذر ابن عمه من أسباب الفتنة فقال ((يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الثانية)) [رواه أبو داود والترمذي وحسنه الألباني في حجاب المرأة ص 77] وقال العقلاء: من سرح ناظرة أتعب خاطرة ومن كثرت لحظاته دامت حسراته وضاعت عليه أوقاته وفاضت عليه عبراته .
من أطلق الطرف اجتـنى شهوة *** وحـارس الشهوة غـض البصر والطرف للقلب لســـــــانا فـإن *** أراد نطــــقا فليكــــر النظــــر
ولايكون العشق إلا بالنظر ولا يرسخ وتتأصل جذوره إلا بتكرار النظر وإدمانه ، وأما ما يشاع اليوم مما يسمى "بالحب من نظرة واحدة"فهؤلاء إما أن يكونوا دجالين يصطادون بذلك من يرونه أهلا ، وهذا هو الغالب على جيل اليوم ، وإن أحسنت الظن فإنهم على ما قاله ابن حزم رحمه الله"فمن أحب من نظرة واحدة ، وأسرع العلاقة من لمحة خاطرة فهو دليل على قلة الصبر ومخبر بسرعة السلو وشاهد الظرافة والملل وهكذا في جميع الأشياء أسرعها نموا أسرعها فناء ، وأبطؤها حدوثا أبطؤها نفاذا(13) وعلى العموم من حفظ بصره فقد صد عن نفسه شرا كثيرا ، ودرأ عنه خطرا جسيما ، قال ابن الجوزي رحمه الله "وقد يتعرض الإنسان لأسباب العشق فيعشق ، فإنه قد يرى الشخص فلا توجب رؤيته محبته فيديم النظر والمخالطة فيقع ما لم يكن في حسابه ، ومن الناس من توجب له الرؤية نوع محبة ، فيعرض عن المحبوب فيزول ذلك ، فإن داوم النظر نمت ، كالجنة إذا زرعت ، فإنها إن أهملت يبست وإن سقيت نمت (14)
سأبعــد عن دواعي الحب إني *** رأيت الحـــزم من صفة الرشيد رأيت الحـــــــب أوله التصدي *** بعينك في أزاهـــــير الخــــدود
3- الفراغ : والإنسان إذا لم يشغل نفسه وقلبه فيما خلق له من الفكر في اجتلاب المصالح في الدين والدنيا ، واجتناب المفاسد ، تعطل واستترت جوهريته وإذا أضيف إلى هذا ما يزيده ظلمة من النظر المحرم صار كالحديد يغشاه الصدأ فيفسد ، قال ابن عقيل "وما عشق قط إلا فارغ فهو من علل البطالين ، وأمراض الفارغين من النظر في دلائل العبر "(15) و قال الأنطاكي "والعشق يختلف باختلاف أصحابه فإن الغرام أشد ما يكون مع الفراغ وتكرار التردد على المعشوق ، والعجز عن الوصول إليه ، وعلى هذا يكون أخف الناس عشقا الملوك ثم من دونهم لاشتغالهم بأمور الملك وقدرتهم على مرادهم وما دونهم أفرغ لقلة الاشتغال حتى يكون المتفرغ له بالذات كأهل البادية لعدم اشتغالهم بعوائق ومن ثم هم أكثر الناس موتا به(16)
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى *** فصـــادف قلبــــــا خاليـا فتمكنــا
ولذلك فإن الفراغ من أشد ما يكون فتكا بصاحبه ، فإذا أضيف إلى هذا فتن تموج كموج البحركان تأثيره أنكى وعاقبته اشد وأبلى ، وقد ذكر ابن حزم رحمه الله انه قرأ في سير ملوك السودان أن الملك يوكل ثقة بنسائه يلقي عليهن ضريبة من غزل الصوف يشتغلن بها أبد الدهر لأنهم يقولون :إن المرأة إذا بقيت بغير شغل إنما تشوق إلى الرجال وتحن إلى النكاح(17) فإذا تأملت هذا أيقنت بأن الآباء الذين يحضرون لأبنائهم أسباب الفساد من القنوات والمجلات وغيرها إنما يسوقون أبنائهم وأهليهم إلى الهاوية ويشغلون أوقاتهم بما فيه ضياع أعمارهم وفساد قلوبهم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
4- الانشغال بأمور النساء والصور : وما يتعلق بذلك حتى يكون ذلك هو مدار الحديث في كثير من المجالس فمن وصف إلى حادثة إلى قصة إلى علاقة بين فلانة وفلان فتنقضي المجالس ومثل هذا لب الحديث ومداره ، وهذا أمر خطير يدل على مرض في القلب ، فإن من أحب شيئا أكثر من ذكره ، وكلما كان الإنسان مشتغلا بهذا الأمر ، كلما كان لهجا بذكره متعلقا بفكره فمقل ومستكثر ، ولعل من أكثر الأمثلة على هذا الشعراء كما قال خالد بن يزيد بن معاوية"وكنت أقول إن الهوى لا يتمكن إلا من صنفين من الناس هم الشعراء والأعراب فالشعراء ألزموا قلوبهم الفكر في النساء ووصفهن والتغزل بهن فمال طبعهم إلى النساء فضعفت قلوبهم عن حمل الهوى فاستسلموا له منقادين (18) فالانشغال بأمور النساء سبب في إطلاق النظر فيهن ومما يؤسف له أن هذا الأمر قد تسرب لمجالس كثير من أهل الخير حتى أصبحت بعض مجالسهم تكاد لا تخرج عنه وهذا مؤشر خطير ينبغي أن يحذر منه أهل الخير ويرتقوا بمجالسهم إلى ما هو أعلى من ذلك وخير منه كما قال بعض العلماء "جنبوا مجالسنا الدنيا والنساء "ولا يشتغلوا بتوافه الأمور ولا بدنيء الهمم ، وأما أولئك المتسمرون أمام الشاشات والمتأملون فيها الساعات تلو الساعات ، فقد فتك بقلوبهم حب الغانيات وعصف بمشاعرهم مشاهد العاهرات ، حتى قادتهم إلى سبل الشيطان وأردتهم في مهاوي الهلاك ، علموا بذلك أم لم يعلموا ، وقد سكروا بكؤوس النظر التي يتجرعونها ، وأنسوا بالمستنقعات وهي ماء زلالا يظنونها ، فشرقوا بغصصها وغرقوا في لججها ، فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم.
5- التقليد وحب الاستطلاع : وأكثر ضحايا هذا القسم هم من فئة الشباب حين يسمعون أو يقرؤون أو ينظرون إلى من حولهم من الأصحاب والإخوان ، يتحدثون عن المغامرات العاطفية وخاصة أن بعض الشباب وللأسف ينشئون في بيئة لا تعرف معروفا ولا تنكر منكرا ، فيرى الشاشات وما يعرض فيها من صور للحب الساقط والتصنع المبتذل ، ويسمع من حوله يتحدثون عن حب فلانة وفلان فإنه حينئذ يتحفز لاستجلاء هذا الأمر وسبر غوره ، ولكي يكون عنده رصيد يتحدث ويفتخر به ، فتبدأ مرحلة الشقاء بإطلاق النظر في كل مليحة ومليح ، فإن كان ذلك و إلا صنعه في الخيال وحاك حوله القصص والأساطير ، فيكون هو أول المصدقين بذلك ، فيخوض في غمار اللجج ويطلب النجاة و لكن هيهات
الحب أولـــــــــه شيء يهيم به قـلب *** المحب فيلقى الحـب كاللـعـــــــــب يكون مبدؤه من نظــــــــرة عرضت *** أو مزحة أشعلت في القلب كاللهب كالنــــار مبدؤها من قدحــــــة فإذا *** تضرمت أحرقت مستجمـــع الحـب
ومن أسباب إطلاق البصر محادثة النساء الأجنبيات: قال ابن القيم "والشعراء قاطبة لا يرون بالمحادثة والمخاطبة والنظر للأجنبيات بأسا وهو مخالف للشرع والعقل وفيه تعريض للطبع لما هو مجبول عليه من ميل كل واحد للآخر ، وكم من مفتون بذلك في دينه ودنياه لأن ذلك مدعاة لتركيز النظر والتنقيب عن المحاسن حتى تنقش في القلب وكلما تواصلت النظرات وتتابعت كلما زاد تعلق القلب وهيجانه ، مثل المياه تسقى بها الشجرة فإذا أكثر من المياه فإنها تفسد الشجرة ، وكذلك النظر إذا كرر وأعيد فإنه يفسد القلب لا محالة فإذا تعرض القلب لهذا البلاء فإنه يعرض عما أمر به ويخرج بصاحبه إلى المحن (19).
وقال ابن الجوزي "ومن التفريط القبيح الذي جر أصعب الجنايات على النفس محادثة النساء الأجانب والخلوة بهن وقد كانت عادة الجماعة من العرب ، ويرون أن ذلك ليس بعار ويثقون من أنفسهم بالامتناع عن الزنا ويقتنعون بالنظر والمحادثة وتلك الأشياء تعمل في الباطن و هم في غفلة من ذلك إلى أن هلكوا ، و هذا الذي جنى على مجنون ليلى وغيرهم فأخرجهم إلى الجنون والهلاك (20). وبعض الناس يستصعبون محادثة النساء البعيدات عنهم ولكنهم يخالطون من حولهم من النساء كزوجات إخوانهم ونحو ذلك وينظرون إليهن ويدخلون عليهن ولذلك سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك خاصة فقيل له أرأيت الحمو؟فقال ((هو الموت )) [رواه البخاري5232 ، ومسلم2172] فليحذر المسلم من مخالفة أمر الله و رسوله صلى الله عليه وسلم ولتكن علاقاته مبنية على أصول الشرع لا يتعدى ولا يفرط ، ولا يجعل هذه الأمور لهوى نفسه ونزعات شيطانه .
6- الإعلام الفاسد بكافة وسائله من المقروء والمسموع والمرئي ، على كافة المستويات حيث يحمل العبء الأكبر من العبث بأفكار وعقول الجيل بل إنه مسخ عقولاً بما يعرضه ويفرضه من صور فاضحة ومشاهد يستحيا من ذكرها فضلا عن رؤيتها ، وخاصة في غياب شبه كامل من أهل الصلاح والخير ، في الوقت الذي نرى فيه أهل الباطل والفساد من أرباب الشهوات والشبهات يفتتحون قنوات تخص باطلهم وتنشر رذائلهم وهم يعملون بدأب عجيب ، فنشكو إلى الله جلد الفاجر وعجز المؤمن.
7-الاختلاط والتبرج والسفور : وهذا أدى إلى انتشار الفواحش وإطلاق الأبصار المسعورة في الصور المعروضة وهو رأس دواعي الفتنة ولذا لم يأل أعداء الإسلام وخاصة دعاة التغريب وسعا في الحث عليه والدعوة إليه والتهافت في ذلك وبذل الوسع والطاقة في جلبه وتحصيله ، ولما اشتدت وطأة التبرج في الكثير من الأقطار الإسلامية كثر المتساقطون في حبالها ، وأصبح الذي يغض بصره في بعض المجتمعات كالقابض على الجمر لكثرة المنكر وانتفاخه ، ولكن ليبشر هؤلاء الصابرون {فإن مع العسر يسرا }
8- المصافحة: وقد يعجب البعض من هذا السبب ولكن لما العجب وقد وردت النصوص في تعظيم هذا الأمر والوعيد الشديد في حق فاعله ، فعن معقل بن يسار رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((لأن يطعن في رأس رجل بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له)) [الصحيحة226] وقد بين ابن القيم رحمه الله سرا في ذلك فقال "والسبب الطبيعي أن شهوة القلب ممتزجة بلذة العين فإذا رأت العين اشتهى القلب فإذا باشر الجسم الجسم اجتمع شهوة القلب ولذة العين ولذة المباشرة(21) فسبحان الله ! كم من مفتون بذلك ، يستسهل هذا الأمر ويستصعب تركه أو بسبب ضغوط من حوله حتى يتلذذ بهذا الأمر ويشتهيه قلبه فما يزال الشيطان به حتى يكبه في أودية الهوى صريعاً والله المستعان .
9- ومن أسباب إطلاق الأبصار : تزيين الشيطان وتسويله : وذلك بإيجاد مسوغ شرعي للنظر كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو مخالطة الغلمان وتعليمهم ونحو ذلك ، ومعلوم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد يحتاج إلى النظر إلى بعض المنكرات ولكن هذا أبيح للضرورة والحاجة فيقدر بقدر ذلك ، وأما أن يسترسل الإنسان في ذلك ويديم النظر أكثر من الحاجة فهذا قد تجاوز الحد المباح فلينتبه الدعاة وفقهم الله لذلك ويحذروا من خطوات الشيطان ، وكذلك مسألة مخالطة الغلمان من قبل المدرسين أو غيرهم ، ولا شك أن تربية النشء وتعليمهم من أعظم الأعمال ، ولكن أذكر ما قاله ابن الجوزي رحمه الله من لفتة تربوية رائعة حيث قال "والعالم والعابد قد أغلقا على أنفسهما باب النظر إلى النساء الأجانب لبعد مخالطتهن ، والصبي مخالط لهم فليحذر من فتنته فكم زل فيها من قدم وكم قد حلت من عزم ، وقل من قارب هذه الفتنة إلا وقع فيها(22) ولست هنا أدعوا إلى ترك الشباب لدعاة الفساد والشهوات ، بل أؤكد على الدعاة وفقهم الله أن يتحملوا هذه المسؤولية فهم أحق بها أهلها ، ولكن أدعوا إلى الحذر من الانزلاق إلى طريق لا تحمد عقباه ، ولا يكون ذلك إلا بالصدق مع الله فإنه سبحانه نعم المولى ونعم النصير .