شرح حديث أنه عليه الصلاة والسلام صلّى بالمدينة ثماناً جمعاً وسبعاً جمعاً
الناقل :
SunSet
| الكاتب الأصلى :
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
| المصدر :
www.binbaz.org.sa
شرح حديث أنه عليه الصلاة والسلام صلّى بالمدينة ثماناً جمعاً وسبعاً جمعاً
أرجو التوضيح عما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالمدينة ثماناً جميعاً وسبعاً جميعاً وجاء في رواية مسلم في صحيحه: أن المراد بذلك الظهر والعصر والمغرب والعشاء. وقال في روايته: ((من غير خوف ولا مطر))، وفي لفظ آخر: ((من غير خوف ولا سفر))؟ حفظكم الله ورعاكم.
أن يقال قد سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن ذلك فقال:
(لئلا يحرّج أمته)، قال أهل العلم: معنى ذلك لئلا يوقعهم في الحرج.
وهذا محمول على أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء بالمدينة لسبب يقتضي رفع الحرج والمشقة عن الصحابة في ذلك اليوم؛ إما لمرض عام وإما لدحض وإما لغير ذلك من الأعذار التي يحصل بها المشقة على الصحابة ذلك اليوم. وقال بعضهم: إنه جمع صوري وهو أنه أخّر الظهر إلى آخر وقتها وقدّم العصر في أول وقتها وأخّر المغرب إلى آخر وقتها وقدّم العشاء في أول وقتها. وقد روى ذلك النسائي بإسناد صحيح عن ابن عباس راوي الحديث وهو محتمل. ولم يذكر ابن عباس رضي الله عنهما في هذا الحديث أن هذا العمل تكرر من النبي صلى الله عليه وسلم، بل ظاهره أنه إنما وقع منه مرة واحدة. قال الإمام أبو عيسى الترمذي رحمه الله ما معناه: إنه ليس في كتاب - يعني الجامع - حديث أجمع العلماء على ترك العمل به سوى هذا الحديث وحديث آخر في قتل شارب المسكر في الرابعة. ومراده: أن العلماء أجمعوا على أنه لا يجوز الجمع إلا بعذر شرعي، وأنهم قد أجمعوا على أن جمع النبي صلى الله عليه وسلم الوارد في هذا الحديث محمول على أنه وقع لعذر، جمعاً بينه وبين بقية الأحاديث الصحيحة الكثيرة الدالة على أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي كل صلاة في وقتها ولا يجمع بين الصلاتين إلا لعذر، وهكذا خلفاؤه الراشدون وأصحابه جمعياً رضي الله عنهم، والعلماء بعدهم ساروا على هذا السبيل ومنعوا من الجمع إلا من عذر، سوى جماعة نقل عنهم صاحب النيل جواز الجمع إذا لم يُتخذ خلقاً ولا عادة وهو قول مردود للأدلة السابقة وبإجماع من قبلهم.
وبهذا يعلم السائل أن هذا الحديث ليس فيه ما يخالف الأحاديث الصحيحة الصريحة الدالة على تحريم الجمع بين الصلاتين بدون عذر شرعي، بل هو محمول على ما يوافقها ولا يخالفها؛ لأن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم القولية والفعلية يصدق بعضها بعضاً، ويفسر بعضها بعضاً، ويحمل مطلقها على مقيدها، ويخص عامها بخاصها.
وهكذا كتاب الله المبين يصدق بعضه بعضاً، ويفسر بعضه بعضاً، قال الله سبحانه:
الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ
[1]
، وقال عز وجل:
اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ
[2]
الآية.
والمعنى: أنه مع إحكامه وتفصيله يشبه بعضه بعضاً، ويصدق بعضه بعضاً، هكذا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم سواء بسواء، والله ولي التوفيق.
[1]
سورة هود الآية 1.
[2]
سورة الزمر الآية 23.
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة المجلد الخامس والعشرون.