الأنظمة الخبيرة في التطبيقات الصناعية

الناقل : elmasry | الكاتب الأصلى : zahrah | المصدر : www.arabteam2000-forum.com

الأنظمة الخبيرة في التطبيقات الصناعية
1- تمهيد :
منذ اختراع الحاسبات الإلكترونية حرص الباحثون على تطوير نوع من الذكاء في برمجة الحاسبات. وقد برز حقل الذكاء الإصطناعي Artificial Intellegence بشكل بدائي أولاً ثم ازداد تطوراً مع الزمن منذ الستينات. لقد ثار جدل طويل أولاً حول هل يمكن للحاسبات أن يكون لها ذكاء؟ ولكن بمضي الزمن استقر حقل الذكاء الإصطناعي ليشمل فروعاً متعددة منها فرع الإنسان الآلي Roboties وفرع معالجة اللغات الطبيعية Natural Language Processing وفرع الأنظمة الخبيرة Expert Systems وفرع الألعاب Game Playing وفرع تمييز الأنماط Perception وحل المسائل Problem Solving ونظرية التعلم Learning Theory وغيرها. وقد تطورت لغات برمجية خاصة لحقل الذكاء الإصطناعي منها لغة Lisp ولغة Prolog. وتمتاز هذه اللغات بكونها مناسبة لبرمجة المفاهيم أكثر من كونها مناسبة لبرمجة الأرقام والمعادلات الرياضية. ولقد ساعدت الخوارزميات والبرامج المساعدة على توسيع قابليات الأنظمة الخبيرة.
تستند فكرة الأنظمة الخبيرة على مفهوم فصل المعلومات المتعلقة بالخبرة في الحقل الذي يستعمل فيه النظام الخبير عن البرامج المكونة للنظام. ويشبه ذلك عملية فصل البيانات Data عن االبرامج Programs في اللغات البرمجية مثل فورتران أو كوبول. فالنظام الخبير الجاهز يدعى Expert System Shell يتكون من وسائل برمجية متعددة مهيأةً لكي تستقبل تطبيقات في حقول مختلفة. فاذا ما أدخلت خبرة ما في حقل معين الى النظام (تدعى قاعدة المعرفة Knowledge base) فان الناتج هو ما يسمى نظام قاعدة الخبرة Knowledge base system وسندعوه هنا نظام خبير في حقل معين. ان من الأمور التي يمكن أن يقوم بها النظام الخبير هي خزن المعرفة وإبرازها عند الحاجة، وخزن العلاقات والقواعد التي تربط أجزاء تلك المعرفة وإجراء إستنتاجات منطقية مستندة الى منطق دقيق أو تقريبي، ومن ثم يمكنها أن تتعلم من الخبرات المتراكمة فيها. كما أن النظام يمكن أن يقوم بقرارات تكون أساساً لقاعدة الخبرة وكذلك إيضاح وتعليل الأساليب التي تم التوصل بها الى القرارات .

إن معظم الأنظمة الخبيرة تستند إلى ما يشبه إستنتاج الانسان، إذا حدث (حادث أول معين) وحدث (حادث ثان) فان النتيجة هي (كذا) وتسمى هذه في الأنظمة الخبيرة قاعدة Rule. إن عملية إحضار الخبرة وتغذيتها الى الأنظمة الخبيرة ليست بالعملية السهلة، لذلك ظهرت الحاجة الى مهندس المعرفة Knowledge engineer الذي يقوم باستقصاء المعرفة من الخبراء البشر في حقل معين وإعادة صياغتها بما يناسب لغة برمجة النظام الخبير، إضافة الى برمجة المعرفة وصياغة وتحديد معالم قواعد المعرفة.

لقد أدخلت الأنظمة الخبيرة الى تطبيقات عديدة، لعل من أهمها وأكثرها فاعلية حقل الإستشارة أو إتخاذ القرارات. فالمعروف أن عملية إتخاذ القرار هي عادة عملية منطقية يقوم بها متخذ القرار بعد الأخذ بنظر الإعتبار أمور عديدة وبدرجات مختلفة من الأهمية والقيام بموازنتها ومن ثم صياغة القرار النهائي الذي يحقق أفضل ما يمكن من مواصفات حسب الظروف الموضوعية. ولقد تطورت الوسائل البرمجية في بعض الأنظمة الخبيرة لكي تكون مناسبة لمثل هذه التطبيقات. وبذلك دخلت هذه الأنظمة الحقول الإدارية والإقتصادية والهندسية والزراعية والطبية وغيرها.
وتجدر الإشارة الى أن قاعدة المعرفة المعدة لحقل معين لا تصلح الا بحدود ما تم تصميمها من أجله لذلك فان إستخدامها خارج تلك الحدود يعطي نتائج خاطئة وغير دقيقة عادة كما أن مرونة ودقة المعلومات المستخلصة من القاعدة تعتمدان على خبرة مصمم القاعدة ومهندسها وقابليته على إستخلاص المعرفة وإعادة صياغتها لما يناسب النظام الخبير كما أن قابلية التعلم في قاعدة معرفة ما قد تكون محدودة لأنها لم تطور أصلاً. لذلك فان الأنظمة المستندة الى قواعد المعرفة تشكو عادة من ضيق حقل إستخدامها بشكل عام وترتبط بمصممها من جهة وبالوسائل البرمجية والمعرفة المتاحة له من جهة أخرى.

2- عرض لبعض الأنظمة الخبيرة الجاهزة:
هناك العديد من الأنظمة الخبيرة الجاهزة لقبول قواعد المعرفة. نذكر على سبيل المثال ثلاث منها هي
EXSYS ، LEONARDO و VP-EXPERT .
تطورت هذه الأنظمة خلال الفترة 1986-1994 ورغم وجود اختلافات عديدة بينها الا أنها تشترك في أسس عملها وقبولها للخبرة بشكل قواعد. ويمتاز بعضها على البعض الآخر في ملائمتها أكثر من غيرها لأمور خاصة مثل المخططات والأشكال البيانية أو المعادلات والعلاقات الرياضية أو تقييم النتائج بشكل إحتمالي أو في قابليتها لكي يكون لها ملاحق تبرمج باللغات البرمجية الأخرى مثل فورتران أو لغة سي أو غيرها.
فالنظام EXSYS يعتبر هذا النظام من أوسع الأنظمة الخبيرة، ويحتوي قابليات واسعة ودوال عديدة كما أن نتائجه يمكن أن تعطى بأكثر من صيغة واحدة منها الصيغة الإحتمالية.
أما نظام LEONARDO ففيه بعض التحديدات العملية رغم أن له قابليات متعددة.
وقد تم استخدام نظام VP-EXPERT في عدد من التطبيقات التي سنمر عليها في هذا البحث .

3- التطبيقات الصناعية للأنظمة الخبيرة:
شهدت السنوات القليلة الماضية إستعمالات متزايدة للأنظمة الخبيرة في الصناعة، فالميزة التي تميز الأنظمة الخبيرة بتجميعها لخبرات خبراء من البشر في حقل معين، تم إستثمارها في عدد من الحقول الصناعية منها حقول التصميم والصيانة والتشغيل فالمعروف أن التصميم الصناعي والهندسي بشكل عام يتبع قواعد وخطوات منطقية متعاقبة وفق مخطط إنسيابي Flow chart معين، ومن ضمن هذا المخطط يمكن للمصمم التحرك واستعمال قابليته التطويرية وحذقه في إنتاج تصميم جيد وفق معايير معروفة ومتفق عليها. لذلك فان الأنظمة يمكن أن تجمع خبرات عدد من الخبراء المتمرسين وفق المعطيات المدخلة والمواصفات المطلوبة للمنتوج.
أما حقل الصيانة والتصليح فان أهم عقبة تجابه فريق الصيانة والتصليح هي تشخيص العطل بشكل دقيق ثم يلي ذلك اتباع الإرشادات الصحيحة أثناء عملية التصليح. إن الأنظمة الخبيرة هنا يمكنها أيضاً أن تقوم بالعمل بشكل متميز إذا ما زودت بالمعلومات والخبرة اللازمة للقيام بهذه المهام.
أما التشغيل فيتم للمشاريع الصناعية والمحطات الضخمة من قبل مشغلين مدربين، وتكون مهمة هؤلاء المشغلين ذات دقة بالغة وخطيرة في كثير من الأحيان، لما يترتب على الإجراءات التي يقومون بها من عواقب، فهي تحتاج الى دقة ملاحظة وسرعة إجراء وخبرة ودراية بعواقب ما يتخذونه من إجراءات.
لقد سهلت التصاميم الحديثة للمشاريع الصناعية ودخول التشغيل الآلي Automation فيها مهام المشغلين الا أنها زادت من تركيز قيادة وتشغيل هذه المشاريع، فبدل أن كان هناك عدد كبير من المشغلين موزعين في أماكن عديدة، أصبح هناك واحد أو عدد قليل جداً من المشغلين في قاعة تحكم مركزية يقوم بادارتها هؤلاء الممشغلون ذوي الخبرة والأهمية. إن الكثير من المشاريع الصناعية يعمل لمدة 24 ساعة يومياً، ولذلك لا مناص من أن يتناوب على تشغيلها عدد من المشغلين ذوي الخبرات المتباينة. وهذه الخبرات لا تكتسب بالمحاضرات والأمثلة، بل بالخبرة العملية وما يصادفه المشغل أثناء عمله من حالات طارئة. إن كل ذلك جعل من إمكانية إستعمال الأنظمة الخبيرة لكي تكون مساعداً سريعاً ومسانداً للمشغل الذي يقوم بادارة وتشغيل مثل هذه المشاريع أمراً ممكناً. لقد بدأت بالظهور كذلك بعض الأنظمة الخبيرة التي تتدخل ذاتياً في العملية التشغيلية ON-LINE الا أن مثل هذه الأنظمة لا زالت تستخدم بحذر، وتوكل لها فقط العمليات التي يجري التأكد منها بما لا يقبل الشك. أما الخطوات الخطيرة والحاسمة فلا تزال في يد المشغلين من البشر.
هذا وهناك تطبيقات صناعية أخرى عديدة للأنظمة الخبيرة كأعمال التخزين والتطبيقات الإدارية وغيرها.
وسنأتي على بعض الأمثلة عن أنظمة خبيرة تم تصميمها في الجامعة الأردنية باستعمال VP-EXPERT.

4- أمثلة على أنظمة خبيرة:
4-1 نظام خبير لإصلاح المحركات الكهربائية:
تم إعداد نظام خبير لإصلاح المحركات الكهربائية بأنواعها (تيار مستمر، تيار متناوب، محركات حثية، محركات تزامنية، طور واحد وثلاثة أطوار).
يقوم النظام مبدئياً بتحديد نوع المحرك من خلال بعض المواصفات الظاهرية له، وبعد أن يتعرف على نوع المحرك يقوم باستقصاء العطل من خلال خطوات متعاقبة تعتمد على نوع المحرك، فاذا لم يكن نوع المحرك معروفاً يقوم البرنامج بخطوات متعاقبة لتساعد في تحديده. فمثلاً إن كان المحرك معروفاً بأنه يعمل بالتيار المستمر (d.c) الا أنه من غير المعروف هل هو محرك توالي seies أو توازي shunt أو مركب compound بنوعيه، فيجري شرح كل نوع من الأنواع مع الرسوم التوضيحية لكي يستطيع المستخدم المضي في تحديد نوع المحرك، ومن ثم يطلب قراءة لوحة المحرك name plate بما فيها من معلومات تتعلق بالفولتية والتيار والقدرة الحصانية والتردد (في حالة التيار المتناوب) والسرعة. يجري بعد ذلك اعطاء خيارات لتحديد طبيعة العطل، مثلاً -عدم الدوران، الدوران ببطء أو الدوران بسرعة عالية جداً، وجود ضوضاء، وجود دخان أو وجود شرارة وغيرها.
في كل حالة من الحالات يجري الطلب ببعض الإجراءات مثل إجراء فحوص معينةأو تدقيق بعض الأمور. ويتم إجابة معظم هذه الإجراءات بنعم أو لا أو إختيار واحد من عدد من الخيارات المعروضة.
وبعد إجراء هذه الإجراءات يتم الوصول الى الخيار الذي يشير الى العطل بأعلى درجة من التوقع.
ورغم سعة وتنوع المعلومات التي زود بها هذا النظام فقد تم الأخذ بنظر الإعتبار احتمال اضافة خبرة جديدة له وذلك من خلال اجراء تحوير على قاعدة سبق وأن أدخلت أو من خلال اضافة قواعد جديدة سواء كانت تتعلق بعطل جديد لم يحسب حسابه في البرنامج أو تتعلق بمحرك من نوع جديد لم يتم إدخاله الى النظام.

4-2 نظام خبير للتحكم في خطة إنتاج الإسمنت:
يقوم هذا النظام بإعطاء الخبرة للتحكم في خطة إنتاج الإسمنت (بالتعاون مع معمل الإسمنت في الفحيص) وقد تم تزويد النظام بمعلومات فيها بعض الخصوصية عن الخط المذكور لأن بناء نظام عام يصلح لكل معامل الإسمنت ليس بالأمر السهل. وقد تكون هذا النظام من عدد كبير من القواعد تتعلق بالحالات الطارئة مثل انقطاع القوة الكهربائية وتسرب المواد من البوابات الجانبية وعدم إشتعال الشعلة وازدياد الدخان المتسرب من المداخن ووجود منطقة سوداء في الشعلة وتوقف الشعلة وحدوث اهتزازات في الطواحين وتغير الضغط في نهاية الفرن ودرجة حرارة جسم الفرن ودرجة حرارة الغازات الخارجة وتغير التيار للمحرك الرئيسي للفرن وقراءات غاز أول أوكسيد الكاربون وعامل الجير الحر ووضع مراوح التبريد وغير ذلك.
إن النظام الخبير يقوم بالأخذ بنظر الإعتبار كل الأمور التي ذكرت أعلاه وغيرها ويعطي للمشغل الإرشادات عند حدوث أي من الأعطال المتعلقة بذلك ويرشده الى فحوى العطل، ومن ثم ما يجب أن يقوم به.
رغم أن الخطوات التي يقوم بها المشغل يمكن حصرها بمخطط إنسيابي إعتيادي إلا أن تشغيل خط الإسمنت يحتاج في تحديد بعض القرارات الى حس المشغل واستخدامه لخبرته وحنكته عند بعض الحالات. ومثل هذه الأمور لا يمكن برمجتها بالطرق الإعتيادية نظراً لأن الحاسبة الإلكترونية تتخذ قرارات حدية (مثلاً عندما ترتفع درجة الحرارة فوق 1200 فإن الإجراء يتخذ حتى ولو كان إرتفاع درجة الحرارة بمقدار واحد بالألف من الدرجة). أما المشغل ذي الخبرة فإنه قد يحس أن إرتفاع درجة الحرارة فوق 1200 مثلاً، مع وجود حيثيات أخرى، قد يشير الى أن الوضع طبيعي ولا داعي لإتخاذ ذلك الإجراء.
لقد تطور مؤخراً حقل جديد من الرياضيات المنطقية يدعى المنطق المشوش Fuzzy Logic بحيث يمكن أن يقبل هذا المنطق عبارات عامة مثل (عالي، متوسط، واطئ، قليل، ضعيف، حار، ... الخ) ويعطى لهذه المفاهيم علاقات غير محددة (فمثلاً حرارة عالية، قد تعني 30 درجة في الشتاء، ولكنها تعني 45 درجة في الصيف) وباستخدام هذه العلاقات أمكن برمجة ملحق بالنظام الخبير هذا لكي يتخذ إجراءات صحيحة تتعلق باهتزاز طواحين المواد الأولية في الخط الإنتاجي بحيث يعتمد الإجراء الناتج على تيار الطاحونة وعلى الإهتزاز بنفس الوقت. وهكذا أمكن إدخال مفهوم جديد للتحكم في الخط. هذا وقد تم جمع ما أمكن من المعلومات من المشغلين قدر ما سمحت الظروف بذلك.

4-3 نظام خبير للتحكم في تشغيل محطة توليد الطاقة الكهربائية:
تم بناء نظام خبير للتحكم في تشغيل محطة توليد طاقة كهربائية (محطة الحسين الحرارية في الزرقاء) وذلك لمساعدة مشغل المحطة في عمله. فقد تم جمع المعلومات الأساسية من مشغلي المحطة ومن مواصفات المحطة ومطبوعاتها. إن النظام يحتوي على جزئين، الجزء الأول يتعلق بالإشتغال في الوضع الطبيعي، والجزء الثاني يتعلق بحالات العطل Tripalarm.
إن الإشتغال في الوضع الطبيعي يتعلق بتشغيل وحدة وتتبع الخطوات اللازمة لحسن إجراء عملية التشغيل Start Up. كما يتعلق بمراقبة الوضع الإعتيادي وكذلك بعملية الإيقاف Shutdown . لقد تم تصميم واجهة لكل واحدة من هذه الحالات الثلاثة بخطوات تتوافق قدر الإمكان مع ما يتم فعلاً في المحطة من إجراءات وفق مواصفاتها الفعلية.
أما واجهات الأعطال فتتعلق بالإنذارات الإعتيادية Normal Alarm وإنذارات التوقعات Triplarm وقد تم إدخال أكثر من سبعين. نوعاً من الإنذارات وبواجهات تتشابه مع الواجهات الملاحظة في المحطة فعلاً.
إن مثل هذا النظام رغم أنه مفيد جداً للإستعانة به فعلاً أثناء تشغيل المحطة، إلا أنه كذلك مفيد جداً لعملية تدريب المشغلين الجدد بدون خطورة أو تكاليف عالية.

5- الخلاصة والإستنتاجات:
تحوي الأنظمة الخبيرة على قابليات كامنة هائلة للمساعدة في التطبيقات الصناعية خاصة في قطر نامٍ كالأردن وذلك لندرة الخبرات البشرية في حقول متخصصة دقيقة. لذلك فان إستغلال قابليات هذه الأنظمة وتزويدها بالخبرات الكافية من الخبراء المتوفرين, وبناء قواعد خبرة لتطبيقات صناعية معينة يمكن أن يخدم الصناعة المحلية مساعدة كبيرة.
لقد تم في هذا البحث إعطاء ثلاثة أمثلة عن تطبيقات محلية يمكن أن تكون بداية للمزيد من التطبيقات المفيدة، كما أنها يمكن أن تكون نواة لتعاون مثمر بين الجامعة والصناعة.

أ.د محمد زكي محمد خضر
المؤتمر التقني الرابع لنظم الإتصالات والمعلومات في الدول الإسلامية