لقد تقدمنا في مقال سابق عن عفة المجتمع وأوضحنا فيه أن الفتاة بيدها مفتاح العفة وتستطيع أن تمنح المجتمع الطهر والعفاف الذي ننشده بما حباها الله من خصائص ومميزات تؤهلها لذلك وخاصة إذا استمسكت الفتاة بالعفة وبعدت عن مواطن الإثارة والغواية .....وقد تحدثنا عن الفتاة التى تقع في الخطيئة وضرورة أن نشدد في لومها وعدم التعاطف معها بحجة أنها من حقها أن تخطئ مثل الرجل دون أن نغلق في وجهها باب الرحمة والتوبة وذلك حتى لا نهوّن من تلك المعصية التي يترتب عليها الكثير من ضياع الحقوق ...... وقد كانت هناك العديد من الأسئلة حول هذا الموضوع أهمها هو هل من الضروري أن تعترف الفتاة بما ارتكبته لمن سيتزوجها أم الستر أفضل ? وهل لابد أن يعترف الرجل للمرأة بما حدث قبل الزواج أيضاً أم من حقه أن يخطئ دون أي مسؤولية لأنه رجل؟ وأنا الآن لا أقدم آراء الفقهاء التي اختلفت بين وجوب الستر وبين الاعتراف ولكن أحاول تفنيد الأمور التي تترتب عند المصارحة وعند الكتمان حتى تكتمل الصورة أمام عيني كل فتاة لتختار هي بنفسها الطريق الذي تختاره ...
أولاً : لماذا المصارحة: قد تكون المصارحة مؤلمة وربما تفقد الفتاة فرصة الزواج عندما تصارح من سيرتبط بها ولكن لندرس معاً ما الذي ستجنيه الفتاة من المصارحة وما الذي ستخسره .
- عندما تتوب الفتاة توبة صادقة وتقلع عن المعصية إقلاعاً تاماً تهجر فيه الماضي بما فيه وتستبدله بحاضر يرضي الله فإن ذلك يغفر لها الذنب الذي ارتكبته في حق الله إن شاء الله تعالى ولكن يبقى هناك حق لذلك المجتمع الذي تهاونت الفتاة في حق عفته وطهره . ربما يكون ذلك المجتمع من وجهة نظر الفتاة مخطئاً لم يقدم لها ما يحميها من الوقوع في الخطأ وربما يكون هو الذي ألقى بها إلى الهاوية وقد تكون الفتاة محقة في ذلك ولكننا لن نحاسب المجتمع في ذلك الموقف وخاصة أن الله تعالى لا يقبل من أحد يوم القيامة أن يعفي نفسه من المسؤولية مهما كان ضعفه ( الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيمَ كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ) فهؤلاء المستضعفون لم يوفر لهم المجتمع المناخ الذي يدفعهم للصلاح بل ربما يكون سهل لهم أسباب المعاصي ودفعهم إليها ولكن لن يكون هذا عذراً لهم أمام الله عن تقصيرهم وليس معنى هذا أن الله لن يحاسب هؤلاء القائمين بأمور المجتمع على ما فرطوا فيه في أمانة الحفاظ على دين الناس ودفعهم للخير , الكل سيحاسب أمام الله يعذب من يشاء ويرحم من يشاء ولكننا هنا في ذلك المجتمع الذي أصبحت الرذيلة والزنا والفاحشة( كما سماها الدين)سهلة وقريبة ومبررة فنسميها خطأ ونسميها ضعفاً إنسانياً وأحياناً شقاوة ونبرر لها بأن الشباب معذور والبنات غصب عنها من كتر اللي بيشوفوه والضغط الموجود في تلك الأيام وكأن الله لم يقل ( ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ) ألم يكن بيد كل فتاة وشاب ريموت يتحكم فيما يراه ؟ألم تكن هناك وسائل وبرامج تمنع من دخول المواقع الإباحية؟ ألم تكن هناك صحبة صالحة تقضي فيها فراغك وتعينك على الطاعة ? ..... ألم يكن هناك شباب وفتيات في مثل الظروف والضغوط والمجتمع يتمسك بالعفة ويدعوالله أن يكون في ظله ? .....إننا نريد من الفتاة التي ستختار طريق المصارحة بعد ما ارتكبته من خطأ أن تعرف الآتي .. لن تكون المصارحة إلا لشخص تثقين في دينه وتقواه بعد أن يرى منك العفة ويتأكد جيدًا من توبتك _إذا وافق الخاطب على الارتباط بك بعد المصارحة سيكون عليك عبء ثقيل في إثبات أنك أهل للعفة والتوبة بمعنى أنك ستحتاجين أن تكوني حذرة في كل تصرفاتك وتحركاتك مع الآخرين حتى لا تثيري أي شك داخله وربما يكون ذلك شاقاً في البداية ولكن عليك أن تتحملي كما قلنا ثمن خطئك فئ حق مجتمع لن يساويك بمن كانت عفيفة واحتفظت بنقائها وطهرها من أجل زوجها . ولكن مع هذا الألم قد تكون المصارحة مفيدة لك فعندما تكونين صادقة مع من سيشاركك الحياة وتحاولين إثبات عفتك له فإنه بلا شك سيتولى حمايتك إذا ظهر في حياتك من يهددك بالماضي بل سيدافع عنك ويكفيك شر مواجهات قذرة مع أشخاص لا يتقون الله وبالتالي فإنك لن تخضعي لمحاولات ابتزاز من أحد أو ضغط يؤرق حياتك وهذا بالفعل ما قد يحدث مع من تتكتم ذلك الأمر والتي قد تعيش في ضغوط وخوف من ذلك الماضي الذي ربما يكشف يوماً .....
- لن تتوقف المصارحة على ضمان الهدوء النسبي وراحة البال التي ستعيش فيه الفتاة بل إننا نحمي المجتمع من تبعات تلك المعصية فلا مجال لمحاولات الابتزاز التي تتعرض لها الفتاة وقد تضطرها للعودة للمعصية واختلاط الأنساب وفقدان الثقة بينها وبين زوجها . - سيمتنع هؤلاء العابثون عن تدمير الأسرة وغواية الزوجة وتهديدها بالماضي عندما يظهر الزوج طرفاً في القضية.
- هل يصارح الزوج زوجته بالماضي: في مقابل مصارحة الفتاة هل على الزوج ضرورة المصارحة لزوجته؟ لقد أوضحنا الهدف من المصارحة من جانب الزوجة ولكن إذا نظرنا من جهة الزوج سنجد هناك اختلافاً كبيراً في المصارحة وهذا ليس لأنه رجل ومن حقه أن يخطئ ويفعل ما يشاء فنحن لاندافع عن جنس أو فصيلة أو نتحيز لحزب أو طائفة .إن غاية ما ننشده هو سعادة ذلك المجتمع الذى اختلط فيه الحابل بالنابل والفضيلة بالغش
إذا صارح الرجل زوجته فبحكم طبيعة عمله وخروجه الكثير وبقائه خارج بيته من أجل توفير الحياة الكريمة فقد يعمل في أكثر من وظيفة وينتقل من مكان إلى مكان فسيكون ذلك مصدراً للشك والريبة في نفس زوجته التي ستعتقد أنه عاد للماضي وسترتبك الحياة بينهما عندما تحاصره بظنونها وشكوكها عكس الزوجة التي حتى وإن خرجت للعمل فان لها موعداً محدداً لا تتأخر عنه ولن تمكث خارج البيت كثيراً خاصة إن كانت حريصة على عدم دخول الشك لقلب زوجها – إذا ظهر الماضي في حياة الزوج فلن يشكل ضغطاً كبيراً على أمن الأسرة وخاصة إذا كانت الزوجة على علاقة جيدة بزوجها تستطيع حمايته من أن يعود للمعصية القديمة ومحاولات الاتبزاز والضغط ستكون ضعيفة وهشة وخاصة إذا كان الرجل قوياً مستمسكاً بالطاعة – في أسوأ الظروف عندما لا يستطيع الرجل مقاومة الماضي ويقع تحت ضغط شديد فمن الممكن أن يخرج من المعصية بالزواج الثاني الذي قد تكون عواقبه على المجتمع والأسرة أخف وطأة من وقوع الزوجة في الزنا بعد الزواج إذا وقعت تحت تأثير ضغط الماضي... لذلك قد تكون المصارحة في حق الزوج غير مفيدة على مستقبل الأسرة ليس لأنه رجل بل إبقاءً لسعادة الأسرة وحماية لطهر المجتمع .
- ثانيا : عواقب الكتمان : كما أسلفنا لسنا بصدد توجيه آراء فقهية وتفضيل أحدها ولكننا فقط نحاول إبراز العيوب والمساوئ لكل طريق ...فكما ذكرنا أن هناك ألماً للمصارحة وفوائد لها فهناك أيضاً عواقب للكتمان وفوائد .....قد يكون الكتمان مفيداً في الحصول على الزوج وبناء أسرة سعيدة وخاصة إذا التزمت الزوجة بالفضيلة وحفظت للزوج عفته ولكنها بلا شك ستعيش في قلق من ظهور الماضي الذي يهدد أمنها وربما تكون ضحية للابتزاز من أصحاب النفوس الضعيفة وربما تقع في الزنا مرة أخرى وتستمر في الكتمان فتختلط الأنساب وتنتشر الرزيلة .... وربما يكمل الله فضله في الحالتين بالستر والعافية فلا أحد يعلم حدود فضل الله , ولكننا كما قلنا نوضح معالم الطريق فقط ..وستظل إلى أن تقوم الساعة الصالحات القانتات الحافظات للغيب المستمسكات بالعفة مهما تغير الزمن وساء هن صاحبات البال الهادئ والنفس المستكينة والحياة الآمنة فالله عدلٌ جلَّ شأنه.....إن كل فتاة أخذتها أقدامها إلى المعصية وهتكت بتفريطها ستر الله وكشفت سوءة أسرتها عليها أن تعترف بخطئها وتسكب الدمع من أجل أن يغفر الله لها قبل أن تقرر الزواج ومداراة الإثم وتطلب الستر من الله في كل نفس من أنفاسها وعندما تقرر الزواج تختار من يتقي الله ويحفظ لها دينها وليس من الشخص الذي من السهل أن يخدع حتى لا يكشف سترها إن كانت تريد حياة آمنة فيها تقوى الله وأن تعرف جيداً الطريق الذي ستسير فيه وتختار ما يناسبها ويحفظ لها عفتها ومحبتها في قلب زوجها