الشـتيمة تلتصق بصاحبها ودعوة لمنع اللبان

الناقل : elmasry | الكاتب الأصلى : ‏ أمينة خيري | المصدر : massai.ahram.org.eg

معاقبة الطفل الذي يخطئ بالضرب والسب تؤدي غالبا الي اصابة هذا الطفل بحالة من التبلد الذي يتيح له التخلص التدريجي من الشعور بالضيق او الغضب لدي تعرضه للضرب والسب‏
 

 فنجد ان مثل هذا الطفل الذي يتعرض للسب والشتم بصفة مستمرة يدافع عن نفسه من خلال هذا التبلد‏.‏ وما يحدث‏,‏ هو ان الطفل المضروب والمشتوم يتوقف عن القيام بالفعل الخاطئ اثناء ضربه او شتمه‏,‏ لكنه سرعان ما يعود الي تكرار الخطأ‏.‏ ويلاحظ ايضا انه قد يصل لدرجة من التبلد تمكنه فيما بعد من ان يستمر في القيام بالخطأ حتي اثناء ضربه وشتمه‏!‏
هذا بالنسبة للطفل الذي تسهم السنوات الاولي في تشكيل شخصيته وتحدد مساره في المجتمع والملاحظة ان هذا الاسلوب في التربية منتشر بشكل كبير لدينا‏.‏ وهو انتشار يسير في خط مواز للخط الرسمي الذي يعمل علي نشر ثقافة مضادة للعنف ومحاربة للقسوة في تربية الصغار‏.‏ وهناك مئات المؤتمرات والفعاليات التي يتم تنظيمها كل عام تحت شعارات مختلفة يدور جميعها حول حق الطفل في المعاملة الطيبة‏,‏ والابتعاد كل البعد عن العنف والتعنيف‏!‏ لكن للاسف ان الخطين يسيران متوازيين وقلما يلتقيان‏.‏
والحقيقة ان الاهانة تولد اما التبلد‏,‏ او العنف‏,‏ او الغباء‏,‏ او الانفجار او كل هذه الاشياء مجتمعة‏.‏ اعتقد ان هذا هو ما يحدث في الشارع المصري منذ سنوات ولانه يحدث علي مدي سنوات طويلة وبطريقة تدريجية‏,‏ فان المعايش للاوضاع لا يلحظ ما يحدث الا اذا ابتعد بضع سنوات‏.‏
مهن هامشية
وفي الاسبوع الماضي‏,‏ استقبلت شقيقتي التي تعيش خارج مصر منذ سنوات طويلة‏,‏ وعادت لتمضي بضعة ايام مع الاسرة‏.‏ وكانت الملاحظة الاولي التي ابدتها تتعلق بالكم الهائل من البشر الذين يعملون في مهن هامشية‏.‏ فكلما توقفنا بالسيارة لبضع ثوان‏,‏ قفز عدد كبير من ـ السياس ـ‏(‏ جمع سايس‏)‏ لجمع الجباية نظير وقوف السيارة في الشارع‏,‏ وجميعهم غير تابع لجهة ما‏,‏ اي انهم لا يعملون في البلدية او الحي او المحليات او حتي الدوليات ـ وهم لا يتحرجون من مد ايديهم لتقاضي ـ ثمن ـ الانتظار في الشارع المملوك للدولة وهم يعللون ذلك بانه رزق من الله‏.‏
ولاحظت شقيقتي كذلك الـ نيو لوك ـ الذي طرأ علي جموع العاملين في منظومة الشحاذة‏.‏ قالت لي وهي غير مصدقة‏:‏ ـ زمان كان الشحاتون اما مسنون او معاقون ـ حتي لو كانوا يدعون الاعاقة او متمسكنين‏,‏ اما الان فأراهم في اتم صحة وافضل حال كما تغيرت فئاتهم العمرية‏,‏ ومواصفاتهم النفسية والاجتماعية ـ وحين سألتها عن مقصدها‏,‏ قالت انها لا تر اي انكسار في اعينهم فهم يمدون ايديهم بكل عنفوان وقوة‏,‏ وينظرون الي الناس في اعينهم نظرات مباشرة لا اثر فيها للمسكنة او الحرج‏.‏
وقالت ان هذا يعني ان مد اليد الذي كان قبل سنوات محملا بقدر كبير من الاهانة وضياع عزة النفس وانقشاع الإباء شيئا مقبولا تماما ليس هذا فقط‏,‏ بل ان الشحاذ الذي لا يحظي بالمراد او يحظي بمراد اقل مما يطمح اليه لا يتردد في توجيه كلمات تتراوح بين اللوم والسب الي الشخص المشحوذ منه‏.‏
ملحوظة اخري لاحظتها شقيقتي وهي تفشي كلمات السب والشتم بشكل واضح في الشارع‏,‏ وحتي بين الطبقات الاجتماعية التي كان يفترض فيها الرقي والتربية العالية‏!‏ يعني مثلا في النوادي الرياضية والاجتماعية الراقية‏,‏ عادي جدا ان تخترق اذنيك شتمة من العيار الثقيل يتبادلها شابان صديقان علي سبيل الدعابة‏,‏ او يوجهها شاب لصديقته من باب التلطف‏.‏
الشتيمة لا تلتصق
وهنا تذكرت موقفا كنت بطلته قبل ما يزيد علي عشر سنوات‏.‏ فقد وجه لي احدهم كلمة خارجة اثناء سيري في الشارع وهو ما اعتبرته اهانة بالغة وبالتالي فقد اصررت علي ان اصطحب الشخص الي قسم الشرطة‏,‏ وهو ما اثار ضحك الواقفين الذين تجمعوا لاغراض مختلفة فمنهم من وقف بغرض التسلية‏,‏ واخرون جذبهم حب الاستطلاع وربما الاستنطاع‏,‏ وفريق ثالث تدخل علي الاغلب بحسن نية بغرض اقناعي بان ـ اللي باعمله ده عيب ـ‏,‏ وذلك من منظور ان الست او البنت المؤدبة حين تتعرض للاهانة او المعاكسة او التحرش عليها ان تنظر في الارض وتمضي قدما وكأن شيئا لم يحدث‏!‏ ولكني كنت قد عقدت العزم‏,‏ وخدمني الحظ بان كانت هناك سيارة شرطة تمر بالمصادفة‏,‏ فاستوقفتها‏,‏ وشرحت لامين الشرطة في داخلها ما حدث وهو طبعا تعجب بشدة هو الاخر‏,‏ وظل يسألني اكثر من مرة‏:‏ ـ يعني هو ما عاملش اي حاجة غير الشتيمة؟‏!‏ ـ وفعلا توجهنا الي قسم الشرطة‏,‏ وهناك شرحت للضابط ما حدث‏,‏ وظل يضحك فترة طويلة‏,‏ لكنه حاول ان يهدئ من روعي‏,‏ فقال لي ـ وهي الشتيمة يعني بتلصق؟‏!‏ ـ فما كان مني الا ان قلت له‏:‏ ـ ايوه بتلصق‏!‏ـ والحقيقة ان الضابط صبر علي‏,‏ وقال لي محاولا اكمال عملية التهدئة‏:‏ ـ ده اذا كان كده يبقي زمان العساكر اللي عندي دول انتحروا‏!‏ ده انا باهريهم كل يوم شتيمة‏.‏ وعلي فكرة الشتيمة مش دايما بتكون اهانة‏.‏ يلا فلان تعال هنا‏!‏ لو انا شتمتك وقلت لك يا ـ كذا يا ابن الكذا ـ هتزعل؟ فرد فلان‏:‏ ـ لا طبعا يا باشا‏!‏ ده انا حتي هافرح‏!‏ـ
وبغض النظر عما حدث بعد ذلك‏,‏ الا ان هذا اليوم كان علامة فارقة بالنسبة لي‏!‏ فقد تربيت في بيت يعتبر السب والشتم اهانة بالغة‏,‏ ويعتد بعزة النفس والكرامة لاقصي درجة يمكن تخيلها وقد علمنا والدي ووالدتي ان الشتيمة لا تلتصق فقط بصاحبها‏,‏ بل يمكن ان تقضي عليه‏,‏ وتدمره ان لم يكن فعليا‏,‏ فنفسيا‏.‏
ألم الإهانة
وحتي نكون صادقين مع انفسنا‏,‏ علينا ان نسلم بحقيقة مرة واقعة في مصر‏,‏ وهي ان رؤيتنا للاهانة تغيرت وتبدلت‏.‏ فتعرض شخص ما للاهانة او الذل لم يعد مسألة موجعة‏,‏ بل يتم التعامل معها حينا من منطلق ـ الغاية تبرر الوسيلة ـ اي انه اذا كانت الاهانة ستؤدي في نهاية المطاف الي نيل شكل من اشكال المنفعة‏,‏ فعلي بركة الله‏.‏
فمثلا علي سبيل المثال لا الحصر‏,‏ حين يتردد الواحد منا علي مكتب حكومي لانهاء مصلحة ما‏,‏ فيجد الموظف اياه متجهما لا يرد علي سلام او كلام‏,‏ وان رد فمن ـ طرطوفة ـ انفه‏,‏ وغالبا فإنه يبذل كل ما لديه من جهد لعرقلة المصلحة‏.‏ وهو يعرف تمام المعرفة أن معاملته السيئة للمواطن الواقف أمامه لن تنتج عنها أي أضرار له‏,‏ لأن المواطن المذلول لن يجرؤ علي رد الإهانة من باب إللي له حاجة عند الكلب يقول له ياسيدي‏.‏
وفي السياق نفسه‏,‏ فإن صاحب المنصب الكبير أو السلطة المتناهية كثيرا مايتعامل مع المحيطين به من هذا المنطلق‏.‏ فهو يعتمد علي سطوته وقوته وسلطته في التعامل معهم‏,‏ ويعرف تماما أن كل من هو أقل منه أو أفقر منه أو أقل سلطة منه لن يجرؤ علي إلحاق الضرر به‏.‏
تضاؤل العزة
وللأسف ان تضاؤل حجم عزة النفس وانقشاع مساحة الكرامة أثر بشكل كبير علي المظهر العام للمصريين‏.‏ فهو لايتجلي فقط في منظومة الشحاذة المتفشية‏,‏ لكنه يبدو واضحا كذلك من خلال تعامل الناس مع بعضهم البعض‏.‏ تقف في طابور التذاكر وتدفع قيمتها للموظف‏,‏ فيكاد الموظف يقذف التذكرة في وجهك‏.‏ تقف في طابور الخبز وتجد أرغفة الخبز وهي تتراقص امام عينيك بينما البائع يلقي بها الواحد تلو الآخر‏.‏ وقس علي ذلك كل شيء حتي في البوتيكات ومحلات الملابس‏,‏ تدفع قيمة ما اشتريت‏,‏ فتفاجأ بالموظف يلقي بالباقي بطريقة أقل مايمكن ان توصف به هو أنها مهينة ومذلة‏.‏ والغريب أن كثيرين منا اعتادوا ذلك وكأنه شيء عادي‏.‏ وأكبر دليل يظهر في الحالات النادرة التي يعترض فيها مواطن علي مثل هذه المعاملة‏,‏ إذ يفاجأ ببقية المواطنين وهم يؤنبونه لأن مافيش حاجة حصلت وإنه يهيأ له أن الموظف قصد إهانته‏,‏ وقلما يقف أحد منهم في صف المواطن الذي وقع ضحية الإهانة‏.‏
ولايفوتنا في هذا الصدد أن نشير إلي منظومة الضرب علي القفا التي يتعرض لها البعض في الشارع وهي منظومة غير منصوص عليها في أي من القوانين‏,‏ بما في ذلك قانون الطوارئ ذات نفسه‏!‏
تصريحات موجعة
وهناك من الإهانات ما هو مباشر وما هو غير مباشر‏!‏ فالتصريحات التي تصدر مثلا عن كبار المسئولين بين الحين والآخر ولاتعكس إلا استهانة بعقلياتهم أو تقليل لقدراتهم الفكرية‏.‏ فهذا شعب غير مستعد للديمقراطية بعد‏,‏ وذاك تفسير ينم عن قصور شديد في فهم التنمية الاقتصادية والنمو الاقتصادي‏.‏ فمثل هذه التطورات لا يشعر بها المواطن العادي ولايفهمها‏,‏ وعليه أن ينتظر بضع سنوات حتي يشعر بها‏.‏ ومحاولة فهمها أو استعجال حدوثها لاتنم إلا عن قلة معلومات وضحالة في الفكر‏.‏
وقد يعتقد البعض ان ماسأقوله الآن بعيد بعض الشيء عن منظومة الإهانة‏,‏ ولكني أعتقد أنه صميم الإهانة‏.‏ فحين تطالعك لافتات ضخمة في كل مكان تبشرك بأن مصر العظيمة اختارت شيبسي بالجمبري‏,‏ أو أن الفول السوداني ثار علي سنوات طويلة من الذل والمهانة وارتدي حلة جديدة أعادت له برستيجه‏,‏ فإن المواطن الذي يعيش في وطن اختار الجمبري وبات ينتظر ماستئول إليه أوضاع الفول السوداني عليه أن يتناسي حكاية عزة النفس هذه‏.‏
وأقترح أن يكون لدينا مشروع قومي هدفه زرع الشعور بعزة النفس ومعاقبة كل من يقترف فعلا يمس كرامة المواطن‏,‏ شرط أن يتم تطبيقة فعليا وعدم الاكتفاء بالتصديق عليه وإحالته إلي الادراج وأقترح أن تكون العبارة الأولي في نص القانون مؤكدة علي أن الشتيمة تلتصق بصاحبها‏,‏ ويعاقب عليها القانون‏.‏
منع اللبان
ربما أكون دقة قديمة‏,‏ أو أنني أحبكها زيادة علي اللزوم كما يقول لي إبني المراهق‏,‏ ولكني للأسف لم أعد في مرحلة عمرية تمكنني من محاولة تغيير نفسي‏.‏ فمدرستي التي أمضيت فيها‏14‏ عاما متصلة علمتني ان مضغ اللبان قلة أدب‏,‏ وكم من طالبة تعرضت للتذنيب‏,‏ وأحيانا استدعاء ولي الأمر بسبب مضغ اللبان‏.‏
وفي البيت لم يعد مسموحا لنا بمضغ اللبان إلا في العطلات والأعياد الرسمية‏,‏ شرط ألا نخرج من باب البيت واللبانة في فمنا‏,‏ وإن أكلناها في البيت‏,‏ فينبغي أن يكون الفم مطبقا عليها تماما‏,‏ ولايصدر منه صوت‏.‏
وقد يكون ذلك شكلا من أشكال المبالغة‏,‏ ولكني شعرت أن مضغ اللبان بالفعل شيء مقزز وغير حضاري وسوقي قبل يومين وتحديدا حين كنت في مطار القاهرة الدولي وتحديدا أمام شباك الخدمات الخاصة لخدمة العملاء‏,‏ وكانت الموظفة ذات الزي الأنيق تمضغ لبانة بهدوء شديد وترو مذهل‏.‏ والحقيقة أنني شعرت أن المنظرالعام الرائع للمطار في حلته الجديدة‏,‏ ورونقه الشديد‏,‏ ونظافته الجمة لايتواءم ومنظر اللبانة‏,‏ ولولا أنني أعلم تماما أن القوانين لاتنفذ بالضرورة‏,‏ لطالبت بسن قانون يحظر مضغ اللبان في أماكن العمل‏.‏ أقترح إصدار قرار داخلي يقضي بمعاقبة الموظف الذي يمضغ لبانة أثناء عمله‏,‏ لاسيما إن كانت طبيعة عمله تحتم عليه التعامل مع الجمهور‏,‏ سواء كان مصريا أو أجنبيا‏.‏