هلوسات عبثية من عقل مُتَعب
الناقل :
elmasry
| الكاتب الأصلى :
شبابيك
| المصدر :
www.shabayek.com
اضطر كل يوم للقيادة ما بين عملي وسكني، ماضياً عبر شوارع المدينة المتصلبة، شاقًا طريقي وسط خطوط لا تنتهي من السيارات والعربات، والطائشين والطائشات، وإذا كان يوم سعدي، استغرق ذلك مني قرابة
الساعة ونصف،
وإذا نفد نصيبي من الحظ، فزد على ذلك ما تشاء وحُطْ.
قد تقول لي تحمل، تجلد، اصبر، احتسب، استغفر… لكن بعد قضاء
خمس سنوات
في قيادة السيارات، يبدأ القلب في الكلل، ويصبح ضغط الدم إلى ارتفاع دون ملل، ويبدأ عقلك في الشطط، وتختبر صنوف الهلوسة، وتفكر في جدوى العبث…
وعندما تكون لك مدونة، يرسل لك زائرها رسالة، يخاطبك فيها باسم
سحر،
يطلب منك فيها أن تراسله، لأن عنده أفكاراً رائعة تتعلق
بالقهوة
… حتمًا ستنفجر…
عندما تصلك رسالة من مُدعي للبطولة، يطلب منك أن ترسل له
نصًا تعبت عليه سنين،
كي تعم الفائدة على المجاهدين، ويتساءل هو متعجبًا، ما فائدة جهدي إن أنا لم أعطه له، ساعتها حتمًا ستكتئب…
عندما تجد سيارة آخر طراز، سواد زجاجها أشد من عتمة الليل، تأتي بكل سرعة من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، حيث تقف أنت في أدب منتظراً دورك لتمضي في حارتك، فتعترض على هذا المغير وتحاول أن تسد عليه الطريق، فتجده يفتح زجاج سيارته لك متوعدًا، وبعدما تجد ضابط المرور واقفاً ينظم الطريق، فتبتهج كالمسكين ظنًا منك بالأمل في أن تشكو له، فتجد هذا الضابط يشد من حاله ويضم قدميه ويؤدي
التحية العسكرية لقائد السوداء،
حتمًا ساعتها ستغتم – فلا هناك أمل يُرتجى أو هِمم…
عندما تجد أن الفقر داء عضال، وأن الجهل مرض فتاك، وألا جدوى من القعود بلا حراك، فتكتب في الناس تطالبهم بكسر القيود، فلا تجد سوى الصمت والسكوت، وقليل من
بعثرة للحروف، لا تخرج عن المألوف
.. ساعتها ستكتب مقالتي هذه…
عندما تعود بعد صلاة الجمعة للسكن، فتجد سيارة دخيلة على البلاد، يجلس فيها الشباب المسلم، يفاوض بارعهُم بائعة جسد وقفت في شرفة فندقها بلا حياء، فتطلب خمسيناً فيقول لها
بل هي ثلاثون،
فتنظر لمن في السيارة وتقول أنتم كثرة، فيضحك لها ويأمرها بالنزول فتنزل، ساعتها ستصاب بالغثيان…
عندما تقف يوماً مع ابنتك تنتظر حافلتها المدرسية، فتجد سيارة وقد ركنت، لتخرج منها أجنبية تدخل إلى حيث نسكن، وهي تلبس أقل ما أمكنها من الثياب، وتكشف أقصى ما سمح به قانون البلاد، ثم تأتي لتداعب صغيرتك، ساعتها ستثور وتهدر- داخلك لا أكثر، فالغلاء والبلاء قد عمّا البلاد،
ما دفع الأجنبية للعمل حتى الصباح،
ساعتها سيملؤك القرف والضجر…
أعترف أن الملل قد حل بي ضيفاً ثقيلاً يأبي الرحيلَ، وغابت علامات الطريق فآثرت الانتظار على التوهان، ولا بأس ببعض العبث والهلوسة، يتبعها الجد وحكيم الكلام، لعل الناس ليس كلهم نيام…
أهدي هذه المقالة لمن سألني يوماً
– وأرجو ألا يكون ذلك منه العبث -
كيف أبدو حين لا أختبئ خلف كلمات التفاؤل والأمل…
هذه حروف ضالة شكلت كلمات عبثية، ترفض أن تحتمل مساءلة أو معاتبة…