من المتصل – Who’s Calling – الجزء الأول

الناقل : elmasry | الكاتب الأصلى : شبابيك | المصدر : www.shabayek.com

إذا تحتم عليك الاشتراك في اللعبة، فيجب أن تتفق على أشياء ثلاثة:
قواعد اللعبة – مخاطرها – ووقت الخروج منها.
مثل صيني
في شهر أكتوبر من عام 1987، جلس لوني بيسون في شقته، عاطلا عن العمل، مفلسا، جائعا، متأخرا ثلاثة أشهر عن دفع إيجار بيته، على شفا الطرد للعيش في الأزقة والحواري… فوق كل هذا، كان لوني يعاني من مرض أعقاه عن التركيز لفترة طويلة، فهو كان غير قادر ذهنيا على لعب الشطرنج، أو قراءة كتاب كبير، أو احتمال اجتماع أعمال مدته ثلاث ساعات!
ثم واتته تلك الفكرة: أن يبدأ عمله الخاص، في مجال الهواتف التي أحبها منذ صغره، فإن فعلها، فهو قادر على أن يسحب البساط من تحت أقدام شركات الهواتف الكبرى. كان لوني يعيش في مدينة سياتل، المجاورة لمدينة تاكوما، ورغم تجاور المدينتين، لكنهما وقعتا في تصنيفين مختلفين لفئة تكلفة الاتصال بين البلدتين، ولذا إن أردت إجراء مكالمة مع قريب يسكن هناك، فكان عليك أن تختصر، أو تذهب لتزوره، أو تدفع فاتورة تليفون سمينة.
لمعت الفرصة في عين لوني، فلو وفر للمتصلين حلا يجعلهم يجرون المكالمات بتكلفة أقل، لدر ذلك عليه دخلا رائجا. لكن كيف لعاطل مفلس مثله أن يحقق فكرة مثل هذه؟ تصادف أن كان لبطلنا لوني جارا قدم على سياتل مؤخرا، وهو لمس في لوني عقلا تجاريا ومشروعا رابحا، لذا لم يتردد في إقراضه رأس المال اللازم لتحقيق ما دار في عقل لوني من أفكار – كان هذا المبلغ 350 دولار أمريكي، استعمله لوني في تأسيس شركة فونلينك – أو وصلة الهاتف!
كانت فكرة لوني بسيطة لكن ذكية، فهو اختار بقعة قريبة المسافة من المدينتين، وأقام بنفسه جسرا إلكترونيا ما بين شبكتي الهواتف داخل كل مدينة، وباستخدام حاسوب بسيط، برمجه لوني ليكون حلقة الوصل بين الشبكتين، بدأ لوني تقديم خدماته، موفرًا فرصة الاتصال بين المدينتين، بسعر رخيص وثابت بغض النظر عن طول مدة المكالمة، كان هذا السعر يعادل تكلفة الدقيقة الواحدة بالنظام العادي! بالطبع، كان على المتصلين دفع اشتراك سنوي 20 دولار للاستفادة من هذه الخدمة.
أراد لوني الدعاية لخدماته الجديدة، ولذا حين عرض عليه أحدهم إرسال دعاية إلى صناديق بريد 10 آلاف شخص مقابل 300 دولار، وافق لكنه دفع له نصف الثمن على هيئة مكالمات مجانية، والنصف الآخر على صورة شيك بنكي، لم يصرفه الرجل إلا بعد يومين – لحسن حظ لوني! بعد توزيع الدعايات، بدأ لوني في تلقي 10-15 اتصالا في اليوم، واستمر هذا الرقم في التصاعد دون توقف.
قاوم لوني كل أسباب إنفاق المال، فهو برمج بنفسه تطبيقا لمحاسبة المتصلين، جعله يعمل على ذات الحاسوب في ساعات الليل المتأخرة، التي عادة ما شهدت أقل معدلات اتصال، وبدلا من استخدام طابعة غالية الثمن لطباعة الفواتير، استخدم ست طابعات رخيصة التكلفة أدت له ذات الوظيفة.
كان مبدأ لوني بسيطا للغاية، يوجزه بالقول: “رفضت إنفاق أية مبالغ تفوق المال الذي أكسبه!” وهو استمر على هذا النهج، ولهذا فشركته ليس عليها أية ديون بسبب الاقتراض. في أول شهر، كان إجمالي قيمة الفواتير 70 دولار، والثاني 3 آلاف دولار، وبعدها اضطر لوني لتأجير غرفة أكبر، ولتوظيف اثنين من الموظفين ليقابل زيادة حجم الأعمال.
بدأت القصص الإنسانية المؤثرة تنتشر بين الناس، مثل تلك السيدة العجوز التي كانت تنفق 170 دولار شهريا لتبقى على اتصال مع ابنتها التي سكنت البلدة المجاورة، هذا المبلغ هوى إلى 5 دولارات في الشهر بسبب الخدمة الجديدة التي اخترعها لوني!
بعد مرور عام على بدء النشاط، كانت شركة لوني تحقق عوائد قدرها 100 ألف دولار أمريكي في الشهر! في عام واحد تحول لوني من فقير بائس إلى غني يجمع أموالا لا يعرف ماذا يفعل بها!
بعد مرور عامين، كان لدى لوني 25 ألف عميل سعيد راض، لكن أرباح لوني كانت تعني خسائر فادحة لشركات الاتصالات (قدرها لوني بمقدار 3 إلى 4 مليون دولار شهريا)، ولذا كان طبيعيا أن يزوره ممثلو هيئة تنظيم الاتصالات، والتي طلبت منه التحول إلى شركة اتصالات رسمية، إذا هو أراد الاستمرار في نشاطه.
كان الظن بغيره أن يخاف ويفر بغنيمته ويختفي، لكن لوني لم يناقش الأمر، فقد انطلق ليحقق الشروط الحكومية ليصبح شركة اتصالات رسمية، لكن الحق أنه كان سيفعلها من نفسه، ذلك أن لوني رأى فرصا كثيرة ليكرر فكرته مرات ومرات…
لقد كان لوني من أولئك الناس القادرين على اكتشاف الفرص الصغيرة، التي ستتحول إلى كبيرة بمرور الوقت. لقد أبصر لوني أن المستقبل لشركات الاتصالات، لأن جميع الناس ستستخدم هذه الخدمة، ولهذا قرر لوني تغيير اسم شركته إلى فوكس للاتصالات، فهو أراد اسما يعكس الفكر الجديد لشركته، ألا وهو تقديم شتى أصناف الاتصالات.
في عام 1996، دلف لوني بشركته إلى عالم خدمات الهواتف النقالة، وبدأ لوني يشعر بصعوبة الدعاية لخدمات الاتصالات النقالة، التي كانت حكرا وقتها على رجال الأعمال، لتكلفتها المرتفعة وقتها…
لا، لم تنتهي القصة هنا، بل هي تكاد تبدأ… لكن قبلها، هل لي بسؤال:
هل مرت عليك فرصة الجمع بين عالمين – مدينتين – شبكتين – خدمتين – فكرتين؟ احك لنا عنها الآن…
وأما إذا كان جل ما يجول في بالك الآن هو ماذا كان ليحدث لو طبقت مثل هذه الفكرة في عالمنا العربي – فأنت تبدد طاقة خلايا التفكير في عقلك سدى – فكر كيف تتغلب على المشاكل، لا كيف تشكو منها…