مشروعي التجاري الناجح الأول

الناقل : elmasry | الكاتب الأصلى : شبابيك | المصدر : www.shabayek.com

الديك الفصيح من البيضة يصيح، هكذا علمونا في مصر، فمنذ الصغر، تظهر علامات تخبر كيف سيكون الفرد منا حين يكبر.
بعد مشاهدتي لهذا الفيلم عن هذا السجين الأمريكي (روبرت ستراود) عاشق عصافير الكناريا، أحببت الاهتمام بهذه الكائنات الصغيرة اللطيفة، ثم حدث أن كنت أتجول بين جنبات معرض للكتب الإنجليزية، ووجدت هذا الكتاب الملون الرائع عن طرق تربية العصافير المنزلية، فما كان مني سوى أن جمعت كل قروشي ودراهمي، واشتريت الكتاب، وخرجت سعيدا.
الصعوبة الأولى كانت اللغة الإنجليزية، ففي هذا الوقت الجميل من عمري، كنت لا زلت طالبا في الثانوي، لكن الصبر يبلغ الأمل، وشيئا فشيئا بدأت ألاحظ تكرر بعض الكلمات الانجليزية في الكتاب، ثم كان أن حفظتها، وتدريجيا حللت مشكلة اللغة، وكم كانت سعادتي وأنا أتجول بين أقفاص العصافير مفرقا بين هذا النوع والآخر، مستعرضا على أصدقائي قدراتي على التمييز بين الذكر والأنثى منها.
ثم كان أن هبطت علي هذه الفكرة، لماذا لا أعمد إلى تزاوج هذه العصافير وأبيع صغارها؟ بدأت بنوع من العصافير الاسترالية، لكنها استعصت وأبت إلا حياة العزوبية في ضيافتي، حتى حينما اقترضت تلك الأنثى الولود من صديقي، إذ وجدتها تقبض على خطيبها الذكر وكادت تأكل رأسه لولا تدخلي لإنقاذ “العريس” المسكين (لا، لم يزهد هذا الأخير في إناث جنسه، لكنه لم يقرب هذه الفتاكة مرة أخرى!).
بعد قناعتي بوجود سبب أجهله يمنع هذه العصافير من التوالد عندي، قررت الانتقال إلى نوع آخر، زيبرا فينشز، وهي عصافير صغيرة، كثيرة الحركة، عذبة الصوت والغناء ذكورها. كان السوق المصري وقتها لا يعرف – على نطاق عريض – كيفية توالد هذه الصغيرة، لكن الكتاب الذي اشتريته شرح الكيفية، إذ أن هذه العصافير لا تفضل التزاوج في أعشاش خشبية، بل أعشاش مغزولة دائرية.
بنظرة في بيئتي المحيطة، وجدت الدوبار (أحبال صغيرة من اللوف البيض) وعمدت إلى خياطته بشكل دائري لأصنع منه عشا لعصافيري. لا زلت أذكر سعادتي الغامرة حين أدخلت العش في القفص، فدنا منه الذكر، ثم دخله، ثم خرج منه، ثم دخلته أنثاه، ثم بدآ يأخذان عيدان القش التي علقتها لهم على جدران القفص، وطفقا يفرشان عشهما الجديد!
ما هي إلا أسابيع، حتى فقس البيض، وخرجت إلى الدنيا عصافير صغيرة توالدت في الأسر عندي! بالطبع، كان هؤلاء مثل أولادي أو أكثر، ولولا تحذير الكتاب أن كثرة مراقبة هذه العصافير أثناء الرقود على البيض قد يدفعها لهجران البيض، لربما تهورت واحتضنت هذا البيض ورقدت عليه بنفسي!
بالطبع، مشاهدة الأب المسكين وهو يأكل ليطعم 4-5 أفراخ مع أمهم في البداية، منظر تطرب له العيون، وكم حزنت حين كان أصغر الأفراخ يموت لضيق العش، وهنا أضاء مصباح الأفكار، لماذا لا أخيط عشا أكبر؟ بذلك، سيكون هناك مساحة كبيرة تسمح لجميع البيض بأن يفقس، وبأن يعيش الأفراخ حتى تطردهم أمهم من العش.
بالطبع، الحياة البرية تعلمنا الكثير، ومنها أن العصافير تتوالد بسرعة، والأم التي كانت تطعم صغيرها بالأمس – ربما قتلته اليوم بعدما كبر، لذا توجب فصل الصغار عن ذويهم ما أن يشتد عضدهم. هذا الفصل يجعلهم رؤوسا قد أينعت وحان بيعها! من مزايا الكتاب الذي اشتريته أن دلني على طرق علاج الأمراض التي قد تصيب هذه العصافير، والمزيج الغذائي الذي يساعدهم على حياة أفضل وألوان أزهى. بالطبع، بدأت ألاحظ تأثير الوراثة على الصغار، وبدأت أزوج هذا مع تلك لأحصل على ذرية جميلة الشكل.
أثبتت الأعشاش الكبيرة جدواها، وبدأت نسبة الفاقد تقل كثيرا، خاصة وأن العش له مدى زمني لا يزيد عن مرتين أو ثلاث مرات ولادة، فما كان مني إلا أن أقنعت اثنين من أصدقائي بخياطة الأعشاش معي، وبدأنا نبيعها بسعر لا بأس به، وكانت الحصيلة أن غطينا المصاريف وحققنا أرباحًا زادت عن 100% لكنها كانت أرباحا ضئيلة في مجموعها، خاصة وأن هذه الأعشاش لم تلقى الرواج المتوقع لها، كما وبدأ غيري يقلدون أعشاشي ويبيعوها، ما جعل شريحتي في السوق تقل كثيرا.
ثم كان أن هاجم النمل طعام العصافير، ناقلا معه الأمراض لهم، ثم جاءت النهاية حين سمعت فتوى من شيخ عالم أحبه واحترمه وأثق في رأيه، حلل فيها بشكل بسيط سبب حرمانية حبس مخلوقات الله في سجون من أجل التلهي والتفرج عليهم. كانت هذه نهاية مشروعي التجاري الناجح الأول.
والآن، أريد أن اقرأ منكم مشاريعكم التجارية الناجحة الأولى، وأقصد بالنجاح هنا تحقيق مبيعات تغطي التكلفة، هيا، شاركوني ذكرياتكم الجميلة، أريد أن اقرأ لكم.
هذه التدوينة أهديها إلى أصدقاء الدرب، خالد و وليد.