حكم تداول أسهم الشركات التي في مرحلة التأسيس (شركة الصحراء للبتروكيماويات أنموذجا)
د. يوسف بن عبدالله الشبيلي (*)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، أما بعد : فيكثر السؤال في هذه الأيام عن حكم تداول أسهم شركة الصحراء ، وهي شركة حديثة التأسيس رأسمالها ألف وخمسمائة مليون ريال ، أنشأت بغرض الاستثمار في المنتجات البتروكيماوية ، وقد طرحت أسهمها للتدوال بيعاً وشراءً مع أن أغلب موجوداتها في هذه الفترة من النقود ، وليس لها مشروعات إنتاجية قائمة حتى الآن . وتحقيقاً للفائدة فقد جمعت هذه الأحرف اليسيرة لاستبانة الحكم الشرعي لتداول هذه الأسهم ، وقسمت هذه الورقة إلى العناصر الآتية : الأول : موجودات الشركات المساهمة . الثاني : التكييف القانوني والشرعي للسهم . الثالث : بيع الأسهم ذات الموجودات المختلطة وعلاقته بمسألة " مد عجوة ودرهم " . الرابع : خلاصة البحث . أسأل الله أن يلهمنا الصواب ، وأن يجنبنا الزيغ والارتياب . أولاً- موجودات الشركات المساهمة لا تخلو عامة الشركات المساهمة في أي لحظة من اللحظات من الموجودات الآتية : أولاً- الأعيان : والمقصود بالأعيان هنا: ما سوى النقود والديون ، وهي ما يعبر عنها بلغة المحاسبة الحديثة بـ (الأصول الحقيقية)، وتشمل: أ- الأصول الثابتة : وهي إما أن تكون : 1. عقارات : كالأراضي والمباني والضيعات ونحو ذلك . 2. أو منقولات : كالسيارات المعدة للاستخدام ، والأجهزة والأثاث ونحو ذلك من عروض القنية . ب- الأصول المتداولة غير المالية : وهي ما يعبر عنها الفقهاء بـ (( عروض التجارة )) ، وهي العروض المعدة للبيع ، سواء كانت منتجات زراعية أو صناعية أو تجارية أو طبية أو غير ذلك . ثانياً- المنافع : المنفعة لغة : ما يتوصل به الإنسان إلى مطلوبه(1) والمقصود بالمنفعة هنا : الفائدة العرضية التي تستفاد من الأعيان بطريق استعمالها ، كسكنى المنازل وركوب السيارة ولبس الثوب وعمل العامل ، ولا تتناول الفوائد المادية كاللبن بالنسبة إلى الحيوان ، والتمر بالنسبة إلى الشجر والأجرة بالنسبة إلى الأعيان التي تستأجر ونحو ذلك(2) وعرفها ابن عرفه : ما لا يمكن الإشارة إليه حساً دون إضافة ، يمكن استيفاؤه ، غير جزء مما أضيف إليه(3) فالمنافع تكتسب من الأعيان بواسطة استعمالها ، وهي الهدف من ملكية الأعيان وغايتها في الحقيقة ، فليس تملك الأعيان إلا لأجل الحصول على منافعها . غير أن ملك المنفعة قد يكون مستقلاً ومنفصلاً عن ملك مصادرها من الأعيان فيملك منفعة العين من لا يملك العين ، وعندئذٍ يكون له ملك المنفعة دون ملك العين (4) فمن ملك داراً فقد ملك عينها ومنفعتها ، ومن استأجر داراً للسكنى ملك منفعة سكناها ومن استأجر عاملاً لعمل معين ملك عمله الذي حدد في عقد الإجارة . فالمنفعة تارة يكون محلها عيناً من الأعيان كالسكن بالنسبة للدور ، وتارة يكون محلها الذمم كالأعمال بالنسبة للعمال (5) وتتجسـد ملكيـة المنافع في الشركات المساهمة في حال وجود أصول ذات منافع كالمباني والآلات ، أو منافع مجردة كالبيوت المستأجرة ، والموظفين والعمال التابعين للشركة . ولا خلاف بين الفقهاء على جواز المعاوضة على المنافع من حيث الأ(6)، فيمكن أن يكون ثمناً ومثمناً ، كما لو استأجر رجل داراً مقابل انتفاع المؤجر بسيارة المستأجر (7). ثالثاً-الحقوق المعنوية : وهذه الحقوق ملازمة لوجود الشركة منذ تأسيسها ، إذ لا تخلو شركة مساهمة – ولو في مرحلة التأسيس – من هذه الحقوق . وتشمل هذه الحقوق : الاسم التجاري للشركة ، والتصريح بالاكتتاب والتداول ، والدراسات السابقة لنشأتها ، وكلفة المخاطرة ، وكفاءة الإدارة وجودتها وغير ذلك . فحصة مستثمر مع مدير للاستثمار ذي كفاءة عالية قيمتها عند البيع أعلى من حصة آخر مع مدير كفاءته أقل ، ولو تساوت حصتاهما من حيث القيمة الرأسمالية النقدية ، لأن الزيادة ليست بسبب زيادة في الموجودات العينية بل بسبب قوة الإدارة. وقد توهم البعض أن هذه الحقوق المجردة ليست محلاً للعقد ، لأنها ليست بمال متقوم شرعاً ، وهذا الرأي ضعيف جداً ، فإن المعاوضة كما تكون على عينٍ محسوسة يصح أن تكون على حقٍ معنويٍ غير ملموس ، وقد أجاز جمهور الفقهاء بيع الحقوق المجردة ، مثل حق المرور ، وحق التعلي ، وحق التسييل ، وحق الشرب ، وحق وضع الخشب على الجدار ، وحق فتح الباب ، ونحو ذلك (8)، ودلت الشريعة على جواز المعاوضة ببذل المال للتنازل عن حقٍ من الحقوق ، كالمصالحة على العفو عن القصاص ، والخلع ، والصلح بعوض للتنازل عن حق الشفعة ، وبيع العربون ، وغير ذلك من المعاوضات التي يكون محل العقد فيها حقاً مجرداً . رابعاً- النقود : وبيع النقد بنقد هو الصرف ، ويشترط فيه : 1. التماثل إذا بيع النقد بجنسه ، فإن بيع بغير جنسه فلا يشترط التماثل . 2. والتقابض في الحال . خامساً- الديون : وقد تكون بسبب تسهيلات ائتمانية من الشركة لبعض عملائها ، أو مستحقات مالية بسبب بيوعٍ آجلة ونحو ذلك . وقد اختلف أهل العلم في حكم بيع الدين من غير من هو عليه والأظهر هو جواز بيع الدين من غير من هو عليه بثمن حاضر ، بالشروط الآتيه : 1. ألا يتفق العوضان (الدين وعوضه) في العلة الربوية ، كأن يكون الدين ريالات ويشترى بريالات أو دولارات ، أو يكون الدين براً ويشترى بتمر أو ببر ، لأن من شرط المبادلة بين هذه الأصناف التقابض ، ولا يتحقق القبض إذا كان أحدهما ديناً . قال في القواعد الفقهية : ((بيع الصكاك قبل قبضها ، وهي الديون الثابتة على الناس .. فإن كان الدين نقداً وبيع بنقد لم يجز بلا خلاف ، لأنه صرف بنسيئة)) (9). 2. ألا يربح الدائن من البيع ، فله أن يبيعه بنفس قيمته أو بأقل ولا يزداد ، لئلا يدخل في النهي عن ربح ما لم يضمن . فهذه هي الموجودات المعتادة للشركة المساهمة ، حيث تتألف من الأعيان والمنافع والحقوق والنقود والديون ، أو من أوراق مالية ترجع إلى شيء من ذلك . وفي الشركات التي في مرحلة التأسيس تكون الغالبية العظمى من هذه الموجودات هي النقود المحصلة من أموال المكتتبين ، ففي شركة الصحراء مثلاً تصل نسبة النقود من موجودات الشركة في هذه الفترة ما يزيد عن تسعين بالمائة حسب إفادة القائمين عليها ، ومع ذلك فالشركة لا تخلو من بعض الموجودات الأخرى ذات القيمة المعتبرة شرعاً ، كالحقوق المعنوية ومنافع الأعيان والأشخاص العاملين فيها إضافة إلى بعض الممتلكات اليسيرة . والسؤال المطروح الآن :هل المعتبر عند بيع هذه الأسهم قيمتها السوقية بغض النظر عما تمثله من موجودات في الشركة ؟ أم ينظر إلى موجودات الشركة ويأخذ البيع حكم تلك الموجودات ؟ وعلى الثاني يجب أن تطبق شروط الصرف في بيع أسهم الشركات التي أغلب موجوداتها النقود ، فيلزم التماثل والتقابض ، ويتحقق التماثل في بيع الأسهم أثناء فترة الاكتتاب وقبل التشغيل ببيعه بقيمته الاسمية دون زيادة أو نقصان ، أما بعد التشغيل فيتحقق التماثل ببيع السهم بقيمته الحقيقية ، وهي النصيب الذي يستحقه السهم في صافي أموال الشركة ، فيشمل رأس المال المدفوع وموجودات الشركة وما أضيف إلى رأس المال من الأرباح والاحتياطيات (10). وتساوي هذه القيمة : القيمة الدفترية لآخر فترة ، مضافاً إليها الأرباح المحتجزة . والجواب عن هذا السؤال يتطلب تحرير التكييف القانوني والشرعي للسهم ، وعلاقة السهم بموجودات الشركة ، وهذا ما سنجيب عنه بمشيئة الله تعالى في الأسطر القادمة ثانياً-التكييف القانوني والشرعي للسهم التكييف القانوني : السهم في القانون التجاري هو صك يمثل حصة في رأس مال شركة المساهمة(11). وللأسهم خصائص متعددة منها :التساوي في القيمة ، والقابلية للتداول ، والقابلية للتسييل (12) ، وعدم القابلية للتجزئة ، وغير ذلك (13). وخلافاً للنظرة الشرعية ، فإن القانون التجاري – بما يمنحه للشركة المساهمة من شخصية اعتبارية – يميز بين ملكية السهم ، وملكية الأصول والأعيان التي يتضمنها السهم . فالسهم يملك على وجه الاستقلال عن ملكية الأصول والأعيان التي تملكها الشركة ، بحيث إن الحصص المقدمة للمساهمة في الشركة تنتقل على سبيل التمليك إلى ملكية الشركة ، ويفقد الشركاء المستثمرون كل حق عيني عليها ، ولا يبقى لهم إلا حق في الحصول على نصيب من أرباح الشركة أثناء وجودها ، وفي اقتسام قيمة بيع موجوداتها عند التصفية . ولقد لا حظت كثير من القوانين هذا الاستقلال ففرضت ضريبة الدخل أو الأرباح على الشركات بشكل منفصل عن ضريبة الدخل على الأفراد ، فالشركة تدفع ضريبة على مجموع أرباحها سواء وزعتها أم لم توزعها ، والمستثمر يدفع ضريبة أيضاً عما حصل عليه من أرباح موزعة ، دون أن يعتبر ذلك ازدواجاً ضريبياً ، لأن للشركة أو الصندوق الاستثماري شخصية قانونية وذمة مالية مستقلتين عما للمستثمرين أفراداً أو مجتمعين (14). التكييف الشرعي للسهم : لا يختلف التكييف الشرعي للسهم كثيراً عن التكييف القانوني ، إلا في دمج ملكية السهم بملكية موجوداته ، فالسهم لا يملك على وجه الاستقلال عن ملكية الأصول والأعيان ، بل إن الشركة أو الوعاء الاستثماري مملوك بما فيه للمساهمين . وعلى هذا فالتكييف الشرعي للسهم أنه: ((حصة شائعة من موجودات الشركة ، أياً كان نوع هذه الموجودات)). فقد تكون موجودات الشركة أصولاً مالية – نقوداً أو أوراقاً مالية – ، وقد تكون أصولاً حقيقية من عقارات وسلع ومنافع وغير ذلك ، وقد تكون مزيجاً من هذه الأصول أو بعضها . وقد أوجدت الطبيعة المزدوجة للسهم ، تبايناً في وجهات النظر عند العلماء المعاصرين ، في تحديد النظرة الشرعية التي يجب أن يعامل بها السهم لتنـزيل الأحكام الشرعية عليه . فمع أن الجميع متفقون على أن السهم حصة شائعة في موجودات الشركة ، إلا أن قابليته للتداول والتسييل بسهولة جعل البعض يميل إلى تكييفه على أنه (( عَرْضٌ )) مطلقاً بصرف النظر عما يتكون منه من نقود أو ديون أو منافع أو غير ذلك ، وهو رأي يقترب من النظرة االقانونية التي قدمناها آنفاً ، والتي تفصل بين ملكية السهم ، وملكية موجوداته ، فموجودات الشركة ليست بالضرورة – على هذا الرأي – هي موجودات السهم . ويظهر أثر هذا الاختلاف جلياً في ثلاثة أبواب من أبواب الفقه ، هي : - باب الزكاة . - وباب البيع . - وباب الرهن . وفيما يلي عرض لهذين الرأيين ، وما يترتب على كل منهما من أثر في هذه الأبواب ، وإن كان بعضهم قد أبدى رأيه في باب دون الآخر إلا أن إجراء الحكم في جميع المسائل من لازم قوله . فنقول : اختلف العلماء المعاصرون في تكييف الأوراق المالية التي تمثل حصص ملكية كالأسهم على قولين: القول الأول : يرى بعض العلماء أن الأسهم أموال قد اتخذت للاتجار ، فإن صاحبها يتجر فيها بالبيع والشراء ، ويكسب منها كما يكسب كل تاجر من سلعته ، فهي بهذا الاعتبار عروض تجارة ، مهما كانت موجودات أو طبيعة عمل الشركة التي أصدرتها (15). وإلى هذا ذهبت ندوة البركة الثانية ، وبعض الهيئات الشرعية للمصارف الإسلامية وذلك إذا كان من ضمن موجودات الشركة نسبة ولو يسيرة من الأعيان (غير النقود والديون) (16) ويمكن أن يستدل لهذا القول بما يلي : الحجة الأولى : قوله عليه الصلاة والسلام : ((من باع عبداً له مال فماله للذي باعه إلا أن يشترطه المبتاع)) (17). ووجه الدلالة منه : أنه اجتمع في المبيع : عبد وهو عَرض ، ومال ، فأعطي الجميع حكم العرض ، فيجوز بيعه سواء كان المال الذي معه معلوماً أو مجهولاً ، من جنس الثمن أو من غيره ، عيناً كان أو ديناً ، وسواء كان مثل الثمن أو أقل أو أكثر (18). وقياساً على ذلك يجوز بيع الورقة المالية بغض النظر عما في موجوداتها من الديون والنقود ، فإن من موجوداتها عروضاً من مبانٍ وآلات ونحو ذلك ، ونقوداً ، فتأخذ حكم العروض بدلالة الحديث . ويمكن مناقشة هذه الحجة : (بأن الحديث محمول على أن قصد المشتري للعبد لا للمال ، فيدخل المال في البيع تبعاً ، فأشبه أساسات الحيطان والتمويه بالذهب في السقوف ، فأما إذا كان المال مقصوداً بالشراء فيجوز اشتراطه إذا وجدت فيه شرائط البيع من العلم به ، وألا يكون بينه وبين الثمن ربا ، كما يعتبر ذلك في العينين المبيعتين ، لأنه مبيع مقصود) (19)أ.هـ. وعليه : فيصح الاستدلال لو كان القصد من الورقة المالية هو العروض دون النقود . ويجاب عن هذه المناقشة : بأن المساهم – عند شرائه السهم – لا يقصد امتلاك موجودات ذلك السهم ، بل لربما لا يعرف مافي الشركة من موجودات ، وإنما قصده الحصول على الربح إما بالمضاربة بالسهم في السوق المالية (الأرباح الرأسمالية) أو بالاحتفاظ به حتى موعد توزيع الأرباح (الأرباح الدورية)، فالنقود أو الديون التي من موجودات الشركة ليست مقصودة له ولو كانت تمثل النسبة العظمى من تلك الموجودات . الحجة الثانية : أن الأوراق المالية ومنها الأسهم أصبحت سلعاً تباع وتشترى ، وصاحبها يكسب منها كما يكسب كل تاجر من سلعته ، وقيمتها الحقيقية التي تقدر في الأسواق ، تختلف في البيع والشراء عن قيمتها الاسمية (20). ويمكن مناقشة هذه الحجة : بأن كون الأوراق المالية قابلة للتداول لا يخرجها عن ماهيتها وحقيقتها الشرعية ، فالنقود الورقية أصبحت سلعاً تباع وتشترى ، ومع ذلك فهي ليست عروض . ما يترتب على هذا القول : (1)- في الزكاة : يجب أن تزكى الأوراق المالية زكاة عروض التجارة مطلقاً ، سواء قصد المشتري من امتلاك الورقة المالية التجارة أو الغلة ، وذلك بأن تقوم تلك الأوراق في نهاية الحول بقيمتها السوقية ، ويؤخذ ربع العشر من قيمتها. (2)- في البيع (21). ينطبق على بيع الورقة المالية أحكام بيع العروض ، فلا يجري فيها ربا الفضل أو النسيئة حتى ولو كان معظم موجوداتها نقوداً أو ديوناً ، فيجوز بيعها بالنقود بقيمتها السوقية ، وإن كانت مختلفة عن قيمتها الحقيقيه ( القيمة الدفترية + الأرباح ) ، ويجوز بيعها أيضاً من غير قبض لثمنها . القول الثاني : ذهب بعض العلماء المعاصرين إلى أن للسهم حكم ما يمثله في موجودات الصندوق أو الشركة التي أصدرته ، من عروض أو نقود أو ديون أو منافع ، فيختلف حكمه باختلاف تلك الموجودات(22). وبهذا القول صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي بجدة في دورته الرابعه (23). احتج أصحاب هذا القول بما يلي : الحجة الأولى : أن السهم ما هو إلا مستنـد لإثبات حق المساهم ، فلا قيمة له في نفسه وإنما بما يمثله من موجودات الشركة ، فيجب أن يأخذ حكمها (24). نوقش : بأن القيمة السوقية للسهم تختلف ارتفاعاً وهبوطاً ، فهي لا تمثل القيمة الحقيقية لموجودات الشركة(25). أجيب : بأن تقلب القيمة السوقية ارتفاعاً وهبوطاً أمر طبيعي لأن رأس المال المدفوع قد استخدمته الشركة في شراء موجوداتها ، وهذه الموجودات استخدمت في أنشطة إنتاجية قد تنجح فتقوي من مركز الشركة المالي ، وقد تفشل فيحدث العكس ، وفي كلتا الحالتين تتأثر القيمة الحقيقية للورقة ، وتبعاً لذلك تتأثر القيمة السوقية ، لأن القيمة الحقيقية تعتبر مؤشراً موضوعياً للقيمة السوقيه (26). الحجة الثانية : أن الشركة المساهمة إما أن تكون على سبيل المضاربة أو العنان ، وعلى كلا الحالين فإن نصيب الشريك نافذ على موجودات الشركة . ويمكن مناقشة هذه الحجة : بأن شركة المساهمة تختلف عن شركة المضاربة والعنان اللتين عرفهما الفقه الإسلامي باعتبارات متعددة ، منها : 1. أن شركة المساهمة من شركات الأموال التي تتجلى فيها الشخصية الاعتبارية المستقلة للشركة عن ملاكها ، بخلاف المضاربة والعنان فإنهما من شركات الأشخاص التي يرتبط تكوينها وماهيتها بأشخاص ملاكها ولهذا تفصل القوانين التجارية بين المساهمين الذين يمتلكون "الأسهم" والشركة التي تمتلك "الموجودات". 2. أن ملكية الأسهم منفصلة عن ملكية موجوداتها ، ولهذا لوصفيت الشركة لا يحق لأي من الشركاء المطالبة بقسمة الموجودات أو بحصته من أعيانها حتى ولو كانت مثلية ،بخلاف شركتي العنان والمضاربة فإن الأصل فيهما هو التصفية الحقيقية لا الحكمية (التقديرية) ، فلو طلب الشريك عند التصفية حصته بعينها من الموجودات أي المقاسمة لزم الآخر إجابته إلى ذلك ، قال في المغني : " وإن طلب أحدهما القسمة والآخر البيع أجيب طالب القسمة دون طالب البيع "(27) . 3. أن السهم –إذا تحقق المتعاقدان بأنفسهما أوبقول من يثقان به من خلوه من المحاذير الشرعية– فإنه يجوز تداوله بيعاً وشراءً وإن لم يعلما حقيقة ما يمثله من موجودات الشركة ، ولايعد بذلك من عقود الغرر ، لأن قصدهما في الربح لا في الموجودات ، والغرر إنما يؤثر في العقد إذا كان مقصوداً لا تابعاً ، أما حصة الشريك في العنان والمضاربة فلا يجوز بيعها أو شراؤها إلا بعد العلم بموجوداتها تحديداً وإلا كان من عقود الغرر ، لأن تلك الموجودات مقصودة بذاتها. 4. أن شركة المساهمة ذات مسؤلية محدودة بخلاف العنان والمضاربة . 5. قابلية السهم في الشركات المساهمة للتداول والتسييل بخلاف حصة الشريك في العنان والمضاربة . 6. اختلاف القيمة السوقية للسهم عن القيمة الحقيقية ( القيمة الدفترية + الأرباح ) بخلاف حصة الشريك في العنان والمضاربة فإن قيمتها عند التصفية بقيمة ما تمثله من موجودات . 7. ثبوت حق الشفعة في العنان والمضاربة عند توفر شروطه بخلاف الشركات المساهمة . فكل هذه الاعتبارات وغيرها تمنع من تطبيق أحكام العنان والمضاربة وغيرها بحذافيرها على الشركات المساهمة ، وتجعل العلاقة بين السهم وموجوداته أضعف مما هي عليه في شركات الأشخاص. ما يترتب على هذا القول : 1- في الزكاة : يأخذ السهم حكم زكاة موجودات الشركة التي أصدرته وطبيعة نشاطها ، فينظر إلى موجودات الشركة ونشاطها وتحسب الزكاة وفقاً لذلك . 2- في البيـع : تأخذ الأوراق حكم بيع موجوداتها ، فإن كانت ديوناً فلها حكم بيع الديون وإن كانت نقوداً فلها حكم بيع النقود ، وإن كانت أعياناً أو منافع فلها حكم بيع الأعيان والمنافع . الترجيح بين القولين السابقين : مما لاشك فيه أن الخلاف السابق جوهري ويترتب عليه مسائل متعددة ، وأحكام متباينة ، ولكني سأحجم عن الترجيح بين القولين لأن نتيجة القولين في المسألة التي نحن بصدد دراستها بخصوصها واحدة كما سيأتي . ثالثاً-بيع أسهم الشركات وعلاقته بمسألة "مد عجوة ودرهم" عرفنا فيما تقدم أن موجودات الشركات المساهمة لا تخلو من كونها خليطاً من أنواعٍ متعددةٍ من الأموال ، ولكن أغلب هذه الموجودات في الشركات حديثة التأسيس تكون من النقود ، فعلى قول من يرى أن للأسهم حكم العروض مطلقاً فلا إشكال في تداول أسهم هذه الشركات بقيمتها السوقية بغض النظر عن موجوداتها ، لأن الحكم للأعيان مطلقاً ، اكتفاءً بمبدأ الخلطة ، فلا يشترط للبيع تقابض ولا تماثل ولو كانت النقود أو الديون هي الغالبة. أما على رأي من يرى أن حكم بيع الأسهم له حكم بيع موجوداتها فإنه ينظر إلى الأغلب من تلك الموجودات ، فيعطي الأسهم حكم الأغلب فإن كانت الأعيان هي الغالبة ، فله حكم بيع الأعيان ، وإن كانت النقود هي الغالبة ، فله حكم المصارفة ، وإن كانت الديون هي الغالبة فله حكم بيع الديون . وإلى هذا القول ذهب مجلس مجمع الفقه الإسلامي بجدة (28). ويجري على هذا القول – الثاني – الخلاف بين الفقهاء المتقدمين فيما إذا بيع ربوي بجنسه ومعـهما أو مع أحدهما من غير جنسهما ، وتعرف بمسألة (( مد عجوة ودرهم )) (29). وللفقهاء في هذه المسألة ثلاثة أقوال : 1. المنع مطلقاً . 2. الجواز إن كان المفرد أكثر من الذي معه غيره ، أو كان مع كل واحد منهما من غير جنسه . 3. الجواز إن كان غير الربوي تابعاً . وقبل الشروع في ذكر الخلاف وما يترتب عليه وحجج كل فريق ، يحسن أولاً تحرير محل النزاع في المسألة . فثمت مسائل اتفقت هذه الأقوال عليها : 1- إن باع ما فيه الربا بغير جنسه ، ومعه من جنس ما بيع به ، إلا أنه – أي الربوي – تابع غير مقصود ، فإن كان يسيراً ، فالبيع جائز ، قال ابن قدامة : (( لا أعلم فيه خلافاً )) (30). ووجود الربوي في هذا البيع كعدمه . وذلك مثل أن يشتري داراً مموهاً سقفها بالذهب ، بذهب ، أو بدار سقفها مموه بالذهب . وتتفاوت المذاهب في تحديد القدر الذي يتسامح فيه بوجود الربوي في الصفقه ، فنجد المذهب الشافعي أشد هذه المذاهب ثم المالكي والحنبلي ثم الحنفي . فالشافعية يضبطون ذلك بأن يكون الربوي يسيراً تابعاً بالإضافة إلى المقصود ، كبيع حنطة بشعير ، وفيها أوفي أحدهما حبات من الآخر يسيرة (31). والحنابلة يحددون ذلك بأن يكون الربوي التابع يسيراً غير مقصود ، كالملح فيما يعمل فيه ، أو كثيراً لمصلحة المقصود كالماء في خل التمر والزبيب (32). بينما يرى المالكية جواز بيع المحلى إذا بيع بنقد من غير جنسه بثلاثة شروط : الأول : أن تكون الحلية مباحة ، كتحلية السيف والخاتم ونحوهما ، فإن كانت محرمة كالثياب فلاتجوز. الثاني : أن تكون الحلية مسمرة . الثالث : أن يباع معجلاً من الجانبين ، لأن العقد اجتمع فيه بيع وصرف . فإن بيع بجنسه فيشترط إضافة إلى ما تقدم شرط رابع وهو أن تكون الحيلة بقدر الثلث فأقل . ومع هذه الشروط فالمالكية يرون أن العقد مشتمل على المصارفة ولذا اشترطوا التقابض . وفيما سوى ذلك لا يجوز بيع ما فيه فضة أو ذهب بنوع ما فيه منهما إلا أن يكون ما فيه من الفضة والذهب إذا نزع لم يجتمع منه شيء له بال فلا بأس حينئذٍ ببيعه بنوع ما فيه نقداً أو نسأً ، لأن وجود النقد كعدمه (33). ويقيد الحنفية ذلك بما إذا كان النقد يسيراً كالتمويه اليسير الذي لا يحصل منه شيء يدخل في الميزان بالعرض على النار ، فوجود الربوي في هذه الحالة لا يؤثر (34). ويرى الإمام الأوزاعي : إن كانت الحلية تبعاً وكان الفضل في الفضل جاز بيعه بنوعه نقداً وتأخيراً(35). 2- لا أعلم خلافاً بين العلماء أنه إذا بيع ربوي بجنسه ومع أحدهما من غير جنسه ، وكان كل منهما – أي الربوي وغير الربوي – مقصوداً في العقد ، فيجب التقابض بين العوضين . فحتى الأحناف الذين يرون صحة البيع لا ينازعون في أن العقد يشتمل على الصرف فيجب فيه التقابض . قال في الهداية : ((إن باع سيفاً محلى بمائة درهم ، وحليته خمسون فدفع من الثمن خمسين جاز البيع وكان المقبوض حصة الفضة .. فإن لم يتقابضا حتى افترقا بطل العقد في الحلية)) قال في الشرح: ((لأنه صرف فيها)) (36). 3- إذا بيع النقد من غير جنسه ومع أحدهما أو كليهما متاع ، كما لو بيع ذهب بفضة وثوب ، أو ريالات بدولارات وكتاب ، وحصل التقابض في المجلس ، صح العقد عند الجمهور مطلقاً مجازفة كان أو متفاضلاً أو متساوياً لاختلاف الجنسين ، ويصح عند المالكية أيضاً بشروطهم السابقة (37). فإذا بيع الربوي بجنسه ومعهما أو مع أحدهما من غير جنسهما ، وكان كل من الربويين مقصوداً في العقد ، فقد اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال : القول الأول : المنع مطلقاً . وهذا مذهـب الجمهـور مـن المالكيـة(38)، والشافعيـة(39)، والحنابلـة في الروايـة المشهورة (40)والظاهرية. (41). استدل أصحاب هذا القول بما يلي : الدليل الأول : ما روى فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال : أتي النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر بقلادة فيها ذهب وخرز ، وهي من المغانم تباع ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذهب الذي في القلادة فنزع وحده ، ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الذهب بالذهب وزناً بوزن))(42). ووجه الدلالة منه : (( أنه أمر بنزع الخرز وإفراد الذهب ليمكن بيعه ، ولو جاز بيعه مع الخرز لما احتاج إلى وزنه ، ثم قال : ((الذهب بالذهب وزناً بوزن)) فنبه بذلك إلى أن علة إفراده بالبيع أن يتحقق فيه الوزن بالوزن)) (43). نوقش هذا الاستدلال من جهتين : الأولى : من حيث ثبوته : فإن الحديث مضطرب ، فقد روي بألفاظٍ مختلفة (44)، ، ففي بعض الروايات أنه اشترى قلادة ((فيها خرز وذهب))(45). وفي بعضها ((ذهب وجوهر)) (46). ، وفي بعض الروايات أنها بيعت ((باثني عشر ديناراً)) (47)، وفي بعضها (( بتسعة دنانير أو بسبعة دنانير)) (48). أجيب : (( بأن هذا الاختلاف لا يوجب ضعفاً بل المقصود من الاستدلال محفوظ لا اختلاف فيه وهو النهي عن بيع ما لم يفصل ، وأما جنسها وقدر ثمنها فلا يتعلق به في هذه الحالة ما يوجب الحكم بالاضطراب ، وحينئذٍ فينبغي الترجيح بين رواتها ، وإن كان الجميع ثقات فيحكم بصحة رواية أحفظهم وأضبطهم ، وتكون رواية الباقين بالنسبة إليه شاذة )) (49). الثانية : من حيث دلالته : فإن الحديث لا دلالة فيه على المقصود لأمرين : الأول : أنه يحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم رده لأن ذهب القلادة أكثر من ذهب الثمن بدليل ما جاء في بعض روايات مسلم : ((أنه اشتراها باثني عشر ديناراً ، قال : ففصلتها فوجدت فيها أكثر من اثني عشر ديناراً))(50). الثاني : ويحتمل أنه رده لأن هذه القلادة لا يعلم مقدار ذهبها أهو مثل وزن جميع الثمن أو أقل من ذلك أو أكثر ، ومن شرط صحة البيع التحقق من أن الثمن أكثر من الذهب (51). أجيب : بأن ما ذكر من احتمالات غير وارد لثلاثة أمور : 1. (( أن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق الجواب من غير سـؤال فـدل على استـواءالحالين)) (52). 2. أنه جاء في رواية أبي داود أن المشتري قال : (( إنما أردت الحجارة )) فدل على أن الذهب يسير دخل على وجه التبع (53). 3. أن فضالة بن عبيد رضي الله عنه وهو صاحب القصة قد حمل النهي على العموم ، فقد سئل عن شراء قلادة فيها ذهب وورق وجوهر ، فقال : انزع ذهبها فاجعله في كفة ، واجعل ذهبك في كفة ، ثم لا تأخذه إلا مثلاً بمثل ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فلا يأخذن إلا مثلاً بمثل))(54). الدليل الثاني : عموم الأحاديث في النهي عن بيع الربوي بجنسه إلا مثلاً بمثل ، مثل قوله عليه الصلاة والسلام : (( لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل ، ولا تشفوا بعضها على بعض ، ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلاً بمثل ، ولا تشفوا بعضها على بعض )) ووجه الدلالة : أن وجود شيء مع الربوي يمنع من تحقق المساواة التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فلا يصح البيع إلا بفصل الربوي وحده . ويناقش : بأن شرط المساواة متحقق فيما إذا كان المفرد أكثر من الذي معه غيره ، بأن يجعل الربوي المخلوط بما يقابله من المفرد ، وما فضل من المفرد بالخِلط الذي مع الربوي . الدليل الثالث : أن العقد إذا جمع عوضين مختلفي القيمة ، كان الثمن مقسطاً على قيمتهما على الشيوع ، لا على أعدادهما . يوضح ذلك أصلان : أحدهما : أن من اشترى شقصاً (55).من دارٍ وعبداً بألف فاستحق الشقص بالشفعة كان مأخوذاً بحصته من الثمن اعتباراً بقيمته وقيمة العبد ولا يكون مأخوذاً بنصف الثمن . الثاني : أن من اشترى عبداً وثوباً بألف ثم استحق الثوب أو تلف كان العبد مأخوذاً بحصته من الألف ، ولا يكون مأخوذاً بنصف الألف . وبتطبيق ذلك على العقد هنا يلزم الفساد لأن العقد يتردد بين أمرين : إما العلم بالتفاضل أو الجهل بالتماثل ، وكلاهما مفسد للعقد ، لأنه يجوز أن تكون قيمة المد الذي مع الدرهم أقل أو أكثر أو يكون درهماً لا أقل ولا أكثر ، فإن كان أقل أو أكثر كان التفاضل معلوماً ، وإن كان درهماً كان التماثل مجهولاً ، لأن التقويم ظن وتخمين والجهل بالتماثل – في باب الربا –كالعلم بالتفاضل ، ولذلك لم يجز بيع صبرة بصبرة بالظن والخرصِ (56). نوقش هذا الاستدلال من ثلاثة أوجه : الأول : أن انقسام الثمن بالقيمة لغير حاجة لا دليل عليه (57). الثاني : (( أن مطلق المقابلة تحتمل مقابلة الجنس بالجنس على سبيل الشيوع من حيث القيمة كما قلتم ، وتحتمل مقابلة الجنس بخلاف الجنس .. إلا أنا لو حملناه على الأول لفسد العقد ، ولو حملناه على الثاني لصح ، فالحمل على ما فيه الصحة أولى )) (58). الثالث : وعلى فرض التسليم بأن التماثل مبني على الظن ، فإن بيع الربوي بالربوي على سبيل التحري والخرص جائز عند الحاجة ، إذا تعذر الكيل أو الوزن ، كما يقول ذلك مالك والشافعي وأحمد في بيع العرايا بخرصها (59). الدليل الرابع : أن هذا العقد ممنوع سداً لذريعة الربا ، فإن اتخاذ ذلك حيلة على الربا الصريح وارد ، كبيع مائة درهم في كيس بمائتين جعلاً للمائة في مقابلة الكيس ، وقد لا يساوي درهماً (60). القول الثاني : الجواز إذا كان ما مع الربوي تابعاً . فيجوز بيع الفضة التي لم يقصد غشها بالخالصة مثلاً بمثل . وهو رواية في مذهب الإمام أحمد (61). ، اختارها شيخ الإسلام ابن تيميه في أحد قوليه (62).استدل أصحاب هذا القول : بقولـه عليه الصلاة والسلام: ((من ابتاع عبداً له مال فماله للذي باعه إلا أن يشترط المبتاع )). ووجه الدلالة منه : أن الحديث دل على جواز بيع العبد بماله إذا كان قصد المشتري للعبد لا للمال ، فيجوز البيع سواء كان المال معلوماً أو مجهولاً ، من جنس الثمن أو من غيره ، عيناً كان أو ديناً ، وسواء كان مثل الثمن أو أقل أو أكثر(63). ويقاس عليه إذا كان الذي مع الربوي تابعاً غير مقصود (64). ويناقش : بأن الربوي في مسألة مد عجوة ودرهم مقصود بالعقد ، أما المال الذي مع العبد فالمقتضي لجواز بيعه بثمن من جنسه كونه تابعاً غير مقصود بالأصالة ، ولا يصح قياس إحدى المسألتين على الأخرى لأمرين: الأول : أن الربوي إذا كان تابعاً غير مقصود لا يتصور كون العقد حيلة على الربا ، بخلاف ما إذا كان غير الربوي هو التابع . الثاني : أنه إذا بيع الربوي بما يساويه من جنسه ومع أحدهما جنس آخر غير مقصود ، فإن ذلك يؤدي إلى التفاضل ، لأن غير الربوي له قسط ولو يسيراً من قيمة العوض المفرد . القول الثالث : جواز بيع الربوي بجنسه ومعه من غير جنسه بشرط أن يكون المفرد أكثر من الذي معه غيره ، أو يكون مع كل واحد منهما من غير جنسهما . وهذا مذهب الأحناف (65).، ورواية عن الإمام أحمد ، اختارها شيخ الإسلام ابن تيميه في أشهر قوليه (66)، وقيد الإمام أحمد وشيخ الإسلام ابن تيمية الجواز بقيدٍ آخر وهو ألا يكون القصد من هذه المعاملة التحايل على الربا ، وذلك بأن يكون لما مع الربوي قيمة حقيقية (67). وجوز الشافعية في وجه ضعيف عندهم : إذا باع مداً ودرهماً بمد ودرهم ، والدرهمان من ضرب واحد ، والمدان من شجرة واحدة فإنه يصح(68). فعلى هذا القول : من باع سيفاً محلى بثمن أكثر من الحلية ، وكان الثمن من جنس الحلية جاز وذلك لمقابلة الحلية بمثلها ذهباً كانت أم فضة ، والزيادة بالنصل والحمائل والجفن (69). فإن تساوى المفرد مع المضموم إليه غيره ، أو كان المفرد أقل بطل البيع ، لتحقق التفاضل ، وكذا إذا لم يدر الحال لاحتمال المفاضلة أو الربا . قال في الهداية : (( ولو تبايعا فضة بفضة أو ذهباً بذهب ، وأحدهما أقل ، ومع أقلهما شيء آخر تبلغ قيمته باقي الفضة جاز البيع من غير كراهية ، وإن لم تبلغ فمع الكراهة ، وإن لم يكن له قيمة كالتراب لا يجوز البيع )) (70). فإن تساوى المفرد مع المضموم إليه غيره ، أو كان المفرد أقل بطل البيع ، لتحقق التفاضل ، وكذا إذا لم يدر الحال لاحتمال المفاضلة أو الربا . قال في الهداية : ((ولو تبايعا فضة بفضة أو ذهباً بذهب ، وأحدهما أقل ، ومع أقلهما شيء آخر تبلغ قيمته باقي الفضة جاز البيع من غير كراهية ، وإن لم تبلغ فمع الكراهة ، وإن لم يكن له قيمة كالتراب لا يجوز البيع)) (71). نوقش هذا الاستدلال من وجهين : الأول : أن الواجب حمل العقد على ما يقتضيه من صحة وفساد ، وليس تصحيح العقد ، ولو كان ما قالوه أصلاً معتبراً لكان بيع مد تمر بمدين جائزاً ليكون تمر كل واحد منهما بنوى لآخر (72). الثاني : أن هذا منتقض (( بمن باع سلعة إلى أجل ثم اشتراها نقداً بأقل من الثمن الأول فإنه لا يجوز عند الأحناف مع إمكان حمله على الصحة ، وهما عقدان يجوز كل واحد منهما على الإفراد ، فجعلوا العقد الواحد هاهنا عقدين ليحملوه على الصحة فكان هذا إفساداً لقولهم))(73). الدليل الثاني : أن الربا إنما حرم لما فيه من ظلم يضر المعطي ، وقد يكون في هذه المعاوضة مصلحة للعاقدين هما محتاجان إليها ، كما في الدراهم الخالصة بالمغشوشة ، والمنع من ذلك مضرة عليهما ، والشارع لا ينهى عن المصالح الراجحة ، ويوجب المضرة المرجوحة ، كما قد عرف ذلك من أصول الشرع (74). الترجيح : باستعراض الأقوال المتقدمة وأدلتها نجد أن الفريق الثالث يستند إلى البراءة الأصلية بينما استدل الفريقان الأول والثاني على المنع بأدلة لا تخلو من مناقشة : فحديث فضالة بن عبيد – وهو عمدة المانعين – لا يسلم الاستدلال به للاحتمالات الواردة عليه ، وهي احتمالات قوية ، والقاعدة أن الدليل إذا طرأ عليه الاحتمال ، وكان الاحتمال قوياً ، بطل به الاستدلال . وأجوبة الفريق الأول عن هذه الاحتمالات غير وجيهة لأن الثابت في صحيح مسلم أن الذهب الذي في القلادة أكثر من الثمن . وأما الدليل العقلي فقد أجيب عنه . ويبقى كون العقد ذريعة إلى الربا ، وهو دليل متوجه وقوي ، لكن ينبغي حمله على ما إذا تضمن العقد تحايلاً على الربا ، فيحرم لذلك ، أما إذا لم يكن حيلة للربا بأن كان ما مع الربوي مقصوداً فعلاً للعاقد فلا يظهر المنع ، لا سيما وأن هذه المعاملة قد يحتاج إليها العاقدان ، ولا يتمكنان من إجراء العقد على سبيل التفضيل بأن يقول : بعتك مداً بمد ، ودرهماً بمد ، وهي الصورة التي يجيزها الفريق الأول(75). وأقرب شاهد على ذلك العقد الذي نحن بصدده ، وهو بيع الأسهم التي موجوداتها مختلطة ، فمن الصعوبة بمكان أن يلزم العاقدان بالتفصيل على النحو السابق . ولذلك فإن الذي يترجح هو جواز هذه المعاملة إذا لم تكن حيلة على الربا وكان الربوي المخلوط أقل من الربوي المفرد ، وذلك بأن يكون ما مع الربوي له قيمة حقيقية ، ولم يؤت به للتحليل ، والله أعلم . وتطبيقاً للأحكام السابقة : فعلى فرض صحة القول الثاني وهو أن بيع الأسهم له حكم بيع موجوداتها : 1. فإن بيع الأسهم إذا كانت موجوداتها مختلطة من نقود وغيرها وكانت تلك النقود مقصودة لذاتها فالبيع لا يصح عند الجمهور إلا إذابيعت بعملة غير عملة الأسهم فيصح عند الجميع سوى المالكية . وأما على القول الراجح فيصح البيع بنفس العملة بشرطين : الأول : أن يكون الثمن الذي يشترى به السهم أكثر من قيمة موجوداته من النقود والديون . الثاني : أن يتقابضا العوضين - شهادة الأسهم وثمنها -قبل التفرق . 2- فإن كانت موجودات الأسهم من النقود والديون تابعة غير مقصودة فيصح البيع مطلقاً عند الجميع من غير اشتراط التقابض أو زيادة الثمن على قيمة تلك النقود والديون ، لأن هذه النقود تابعة فلا حكم لها والقاعدة عند أهل العلم أن " التابع تابع " و " يثبت تبعاً ما لايثبت استقلالاً". والذي يحدد كون النقود والديون تابعة أم لا ، هو طبيعة نشاط الشركة ، فإذا كانت الشركة تستثمر أموالها في بيوع آجلة فالديون أصيلة فيها حتى ولو كانت نسبتها – عند بيع السهم -من الموجودات قليلة. وإذا كانت الشركة مصرفية فالنقود أصيلة فيها ولو كانت نسبتها من الموجودات قليلة . وإذا كانت شركة ذات نشاط زراعي أو تجاري أو عقاري أو صناعي أو أي استثمارات حقيقية أي غير مالية ، فالنقود والديون تعتبر تابعة وليست مقصودة ، فيصح بيع السهم بمثل قيمته الحقيقية أو بأقل أو بأكثر ، وبقبض وبدون قبض . وعلى هذا فليست العبرة في جريان أحكام الصرف على المعاملة بغلبة نسبة النقود إلى موجودات الشركة – كما قال به أصحاب القول الثاني – وذلك لعدة أمور: 1. أن هذا القول إذ لم يقل به أحد من أهل العلم المتقدمين – فيما أعلم – . 2. فضلاً عن أن هذا الأمر لا ينضبط في تداول الأسهم إذ تتغير المراكز المالية للشركات بصورة مستمرة . 3. ولأن هذا القول نظر إلى الموجودات المحسوسة للشركة ولم يلتفت إلى العوامل والحقوق الأخرى غير المحسوسة والتي لا تقل أهمية في التأثير على القيمة السوقية للسهم عن الموجودات المحسوسة . رابعاً-خلاصة البحث ومن خلال ما تقدم فالذي يظهر هو جواز تداول أسهم الشركات حديثة التأسيس التي تمارس أنشطة مباحة – ومنها شركة الصحراء – ولو كان الأغلب في موجوداتها هو النقود ، لما يأتي : أولاً - لأن هذه الشركات لا تخلو من موجودات أخرى غير النقود وهي ذات قيمة معتبرة شرعاً ، ومن ذلك : 1. الحقوق المعنوية كالاسم التجاري للشركة،والدراسات السابقة لإنشائها ، وتصاريح العمل ، وقوة الإدارة وكفاءتها ،وغير ذلك. 2. بعض الأصول المملوكة للمنشأة من أراضٍ أو سياراتٍ أو أثاثٍ أو غير ذلك . 3. ومنافع الأعيان المستأجرة والأشخاص العاملين في الشركة وقت تأسيسها . ثانياً- ولأن التكييف الشرعي للأسهم –على رأي بعض العلماء المعاصرين- أنها عروض مهما كانت موجودات أو طبيعة عمل الشركة التي أصدرتها لأنها أموال قد اتخذت للاتجار ، وصاحبها يتجر فيها بالبيع والشراء ، ويكسب منها كما يكسب كل تاجر من سلعته ، وهذا الرأي له قوة وحظ من النظر ، ويتأيد بعددٍ من الاعتبارات الشرعية والقانونية ، ومنها : 1. أن القانون التجاري – بما يمنحه للشركة المساهمة من شخصية اعتبارية – يميز بين ملكية السهم ، وملكية الأصول والأعيان التي يتضمنها السهم ، فالسهم يملك على وجه الاستقلال عن ملكية الأصول والأعيان التي تملكها الشركة ، بحيث إن الحصص المقدمة للمساهمة في الشركة تنتقل على سبيل التمليك إلى ملكية الشركة ، ويفقد الشركاء المستثمرون كل حق عيني عليها ، ولا يبقى لهم إلا حق في الحصول على نصيب من أرباح الشركة أثناء وجودها ، وفي اقتسام قيمة بيع موجوداتها عند التصفية. 2. ولأن القيمة السوقية للسهم لاتعكس بالضرورة القيمة الفعلية لموجودات الشركة ( القيمة الدفترية ) ، فقد تتناقص قيمة موجودات الشركة بينما القيمة السوقية للسهم في تصاعد ، والعكس كذلك ، وقد تخسر الشركة وقيمتها السوقية تزداد وهكذا ، فقيمة السهم لا تعبر بالضرورة عن قيمة الموجودات ، فهي قد تتأثر بها ولكنها لا ترتبط بها ارتباطاً مباشراً صعوداً وهبوطاً ، وذلك لوجود مؤثرات أخرى في قيمة السهم غير موجودات الشركة ونشاطها ، فجودة الإدارة وسمعتها التجارية وخبرتها في مجال النشاط كلها عوامل ترفع من قيمة السهم ، مما يعني أن الزيادة في قيمة السهم ليست مقابل الموجودات وإنما لعوامل أخرى متعددة . 3. ولأن النقد إنما يمثل أغلبية بالنظر إلى قيمة الموجودات العينية ( المحسوسة ) للشركة ، أي بالنظر إلى القيمة الاسمية للأسهم ، لا إلى قيمتها السوقية ، لأن القيمة السوقية تتأثر بعوامل أخرى –كما سبق- لا تقل أهمية عن الموجودات العينية ، فإذا أخذ بعين الاعتبار تلك العوامل المعنوية المؤثرة على قيمة السهم السوقية والتي يكتسبها المساهم بمجرد دخوله في الشركة فإن نسبة النقد إلى موجودات الشركة الإجمالية تكون أقل ، والواجب عند النظر إلى موجودات السهم أن ينظر إلى الموجودات والحقوق التي يشتمل عليها السهم بقيمته السوقية ( أي العوامل التي أوصلته إلى تلك القيمة ) ، لا أن ينظر إلى موجودات قيمته الاسمية فحسب . 4. ولأن الزيادة في قيمة السهم بعد بدء التداول ليست زيادة في قيمة موجودات السهم ، وإنما هي زيادة في قيمة السهم نفسه ، و"السهم" شيءٌ و " ما يمثله من موجودات في الشركة" شيءٌ آخر ، ولهذا لو طلب مالك السهم حصته من الموجودات لم يُمَكَّن من ذلك لأن امتلاكه للسهم لايعني امتلاكه لما يمثله من موجوداتٍ بأعيانها . 5. ومن الناحية الشرعية فإنه يترتب على القول بأن للسهم حكم ما يمثله في موجودات الشركة التي أصدرته عددٌ من اللوازم الباطلة التي تؤدي إلى القول بتحريم الأسهم مطلقاً وهو أمر لم يلتزم به القائلون بذلك ، ومن ذلك : 6. أن عامة الشركات المساهمة لا تخلو موجوداتها من نقودٍ أو ديون ذات قيمةٍ مؤثرة ، ويتم تداول أسهمها دون مراعاة لضوابط الصرف أو بيع الدين ، والقول بإعطاء الحكم للأغلب من موجودات الشركة لا دليل عليه بل إن النصوص الشرعية تدل على أن المبيع إذا اشتمل على نقدٍ مقصودٍ وبيع بنقد فيأخذ حكم الصرف وإن لم يكن النقد غالباً وكذلك في سائر الأموال الربوية ، فمن يشتري حلياً ثلثه ذهب وثلثاه ألماس فإنه يجب قبض ثمنه قبل التفرق مراعاة للذهب الذي فيه مع أنه الأقل ، ونصوص الفقهاء التي أشرنا إليها في مسألة "مد عجوة ودرهم " وفي مسألة " التخارج " تدل على ذلك ، قال في الهداية : (( وإذا كانت التركة بين الورثة فأخرجوا أحدهم منها بمال أعطوه إياه والتركة عقار أو عروض ، جاز قليلاً كان ما أعطوه إياه أو كثيراً .. وإن كانت التركة فضة فأعطوه ذهباً أو كان ذهباً فأعطوه فضة فهو كذلك .. فلا يعتبر التساوي ويعتبر التقابض في المجلس لأنه صرف . وإن كانت التركة ذهباً وفضة وغير ذلك فصالحوه على ذهب أو فضة فلا بد أن يكـون ما أعطوه أكثر من نصيبه من ذلك الجنس حتى يكون نصيبه بمثله والزيادة بحقه من بقية التركة احترازاً عن الربا ، ولا بد من التقابض فيما يقابل نصيبه من الذهب والفضة لأنه صرف في هذا القدر. وإن كان في التركة دين على الناس فأدخلوه في الصلح على أن يخرجوا المصالح عنه ويكون الدين لهم ، فالصلح باطل ، لأن فيه تمليك الدين من غير من عليه ، وهو حصة المصالح ، وإن شرطوا أن يبرأ الغرماء منه ولا يرجع عليهم نصيب المصالح ، فالصلح جائز )) (76). 7. ولأن الكثير من المساهمين لا يعلم حقيقة ما يمثله السهم من موجودات في الشركة ، بل لربما لا يعرف موجودات الشركة أصلاً أو نشاطها ، ومن الشروط المتفق عليها لصحة البيع : العلم بالمبيع ، وإذا قلنا : إن المبيع هو حصته من الموجودات فيلزمه العلم -ولو إجمالاً- بتلك الموجودات ، وهو ما لايقع ، لأن نظر المساهم إلى أمرين فقط هما : القيمة السوقية ، والأرباح الدورية . ومن باب الاستطلاع فقد قمت بسؤال عددٍ من المستثمرين في شركتي "اللجين"و "أميانتيت " عن نوعية نشاط تينك الشركتين ، فكانت الإجابة بعدم العلم ، فعرفت أن الكثير من المساهمين إنما يستقي معلوماته عن نشاط الشركة من اسمها فقط ، وأن غاية ما يبذله في التحري أن يسأل أهل العلم عن حكم المساهمة في تلك الشركة دون دراية بما فيها من النقد وما عليها من المديونيات وما لها من الأصول وغير ذلك. 8. ومن لازم هذا القول تحريم تداول أسهم البنوك الإسلامية بقيمتها السوقية لأن الغالب في موجودات تلك البنوك أنها نقود أو ديون في ذمم المتمولين ، ومع ذلك فعامة الهيئات الشرعية لتلك البنوك على الجواز . ثالثاً-وعلى فرض التسليم بصحة التكييف الثاني لبيع الأسهم – وهو أن له حكم ما يمثله السهم من موجودات – فالذي دل عليه حديث ابن عمر السابق "من باع عبداً له مال فماله للذي باعه إلا أن يشترطه المبتاع" أن المبيع إذا اشتمل على نقدٍ واشتري بنقدٍ من جنسه ، ولم يكن النقد المخلوط مقصوداً فلا يلتفت إليه بمعنى أنه لايجري على الصفقة حكم الصرف ، حتى ولو كانت قيمة النقد المخلوط أكثر من قيمة الخِلط الذي معه ، قال ابن قدامة –رحمه الله- : "الحديث دل على جواز بيع العبد بماله إذا كان قصد المشتري للعبد لا للمال... فيجوز البيع سواء كان المال معلوماً أو مجهولاً ، من جنس الثمن أو من غيره ، عيناً كان أو ديناً ، وسواء كان مثل الثمن أو أقل أو أكثر (77). ومن المعلوم أن العبد لا يملك وأن المال الذي بيده مآله للمشتري ، ومع ذلك جاز البيع مطلقاً بدون تقابض ولا تماثل حتى مع اتفاق النقدين ( المال الذي معه ، والثمن الذي يشترى به العبد ) ، وحتى لو كان المال الذي مع العبد أكثر من قيمة العبد نفسه . ولا يشكل على هذا الحديث حديث القلادة – المتقدم – فإن الذهب الذي في القلادة مقصود للمشتري بخلاف المال الذي مع العبد . وهذا أحسن ما قيل في الجمع بين الحديثين . ويؤخذ من هذين الحديثين أن العبرة بالقصد لا بقيمة المال الربوي ، فإن كان المال الربوي مقصوداً فوجوده في الصفقة مؤثر ، وإن كان تابعاً فلا يؤثر ، كما أن هذا التفصيل يتماشى مع القواعد الشرعية : " العبرة في العقود بالمقاصد " و " التابع تابع " وغيرها. وبخصوص الشركة التي نتحدث عنها ، وهي شركة الصحراء ، وغيرها من الشركات الإنتاجية حديثة التأسيس فإن النقد الذي فيها ليس بمقصود لأمرين : الأول : أن المشتري –بشرائه السهم- لا يقصد الحصول على النقد الذي في الشركة ، ولا ينتقي من الشركات ما هو أكثر نقديةً ، بل قصده الحصول على الربح الرأسمالي أو الدوري أياً كانت الموجودات . والثاني : لأن المقصود من نشاط الشركة هو الاستثمار في المنتجات البتروكيماوية ، وهي من العروض ، وأما غلبة النقدية في موجوداتها لفترة من الفترات فهي أمر عارض ولا يعد ذلك من نشاطها المقصود. رابعاً- وعلى فرض التسليم بأن النقد الذي في الشركة مقصود وأن بيع الأسهم له حكم بيع موجوداتها فإن صورة هذه المعاملة كمسألة " مد عجوة ودرهم " وهي : بيع الربوي بجنسه ومع أحدهما من غير جنسهما ، وكل من الربويين مقصود في العقد ، وبيان ذلك أن الأسهم مؤلفة من : 1. النقد ، وهو بالريالات . 2. والأموال الأخرى من حقوقٍ وأعيانٍ ومنافع . والثمن من الريالات ، فالريالات في طرفي العقد مقصودة ، ومع أحد الطرفين مالٌ غير ربوي . والذي ترجح من الخلاف السابق في مسألة " مد عجوة ودرهم" - وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ورواية عن الإمام أحمد - أن العقد يصح بشرطين : الأول :أن يكون المال الربوي المفرد أكثر من الذي معه غيره . والثاني : ألا يكون القصد من المعاملة التحايل على الربا وذلك بأن يكون ما مع الربوي له قيمة حقيقية ، ولم يؤت به للتحليل. وكلا الشرطين متحققٌ في بيع هذه الأسهم ، فإنها تباع بقيمتها السوقية وهي أعلى من القيمة الاسمية التي تم الاكتتاب بها ، كما أن الموجودات الأخرى غير النقدية في الشركة ذات قيمة حقيقية ولم يؤت بها حيلة . وقد يرد على هذا التخريج أن الأصول العينية للشركة عند بدء التداول لا تمثل شيئاً مقارنة بالنقدية التي فيها . والجواب عن ذلك : أن المقصود بالموجودات الأخرى غير النقدية أعم من أن يكون أعياناً فقط ، فقد تكون أعياناً أو منافع أو حقوقاً ، فكل ما يؤثر في القيمة السوقية للسهم – إذا كان له قيمة معتبرة شرعاً- فتحمل الزيادة في قيمة السهم على أنها مقابله ، ونظير ذلك ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من أهل العلم من جواز بيع المصوغ من الذهب والفضة بجنسه من غير اشتراط التماثل، ويجعل الزائد في مقابلة الصنعة ، وهي منفعة وليست عيناً ،والله أعلم. نسأل الله أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ، والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . --------------------------------------------- (*) الأستاذ المساعد بقسم الفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية (1) المصباح المنير ص 236 ، المفردات في ألفاظ القرآن الكريم ص 819 . (2) معجم المصطلحات الاقتصادية في لغة الفقهاء ص 330 . (3) الحدود لابن عرفه ص 556 . وخرج بقوله: ((حساً دون إضافة)) : ما يمكن الإشارة إليه حساً من الأعيان كالثوب والدابة ، فإنهما ليسا بمنفعة لإمكان الإشارة إليهما حساً دون إضافة ، بخلاف ركوب الدابة ولبس الثوب . وبقوله : ((يمكن استيفاؤه)) أخرج العلم والقدرة لأنهما لا يمكن استيفاؤهما . وبقوله : ((غير جزء مما أضيف إليه)): أخرج به نفس نصف الدار مشاعاً لأنه يصدق عليه . (4) الملكية في الشريعة الإسلامية، لعلي الخفيف ص 180 . (5) الملكية في الشريعة الإسلامية، لعلي الخفيف ص 181 . (6) يرى أبو حنيفة وصاحباه خلافاً لزفر والجمهور أن المنفعة لا تعتبر مالاً حقيقية ، وإن كان يصح الاعتياض عنها ، وكونها ثمناً أو مثمناً ، وترتب على هذا الخلاف مسائل متعددة لا علاقة لها فيما نحن بصدده مثل : ضمان منافع المغصوب ، وإجارة المشاع ، وانتقاض الإجارة بموت أحد العاقدين ، مع أنه ورد في بعض كتب الأحناف ما يشعر بأن المنفعة مال عندهم ، ومن ذلك قول البابرتي ( العنايه 8/7 ) : (( الأعيان والمنافع أموال فجاز أن تقع أجرة )) . (7) رد المحتار 9/85 ، جواهر الإكليل 2/150 ، روضة الطالبين 5/177 ، شرح المنتهى 2/140 . (8) انظر : حاشية الدسوقي 3/14 ، نهاية المحتاج 3/372 ، شرح المنتهى 2/140 . (9) قواعد ابن رجب ص 84 . (10) انظر : الشركات للخياط 2/214 . (11) معجم مصطلحات الاقتصاد والمال وإدارة الأعمال ص 498 . (12) المراد بالتسييل : سهولة تحويلها إلى نقود ( سيولة ) . (13) ينظر : الوجيز في النظام التجاري السعودي ص200 . (14) (( الاستثمار في الأسهم والوحدات والصناديق الاستثماريه )) ص 37 ، أسواق الأوراق الماليه ص 266 . (15) من أنصار هذا القول : أبو زهرة ، وعبد الرحمن حسن ، وخلاف ، والقرضاوي ، والشيخ جاد الحق شيخ الأزهر سابقاً ، انظر : فقه الزكاة 1/527 ، بحوث في الزكاة ص 183 ، أسواق الأوراق الماليه ص 318 . (16) الفتاوى الاقتصادية ص 15 ، صناديق الاستثمار الإسلامية ص 48 ، مناقشات مجلس مجمع الفقه الإسلامي حول سندات المقارضة ، مجلة المجمع 4/3/ ( 2045 – 2060) ، وهذا القول لازم لجميع الهيئات الشرعية التي أجازت تداول أسهم بنوكها بالقيمة السوقيه . (17) أخرجه البخاري ( كتاب المساقاة / باب الرجل يكون له ممر أو شرب في حائط أو نخل ) ومسلم ( كتاب البيوع / باب من باع نخلاً عليها ثمر برقم 1543 ) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما . (18) المغني 6/258 . (19) المغني 6/258 . (20) فقه الزكاة 1/527 . (21) هذا الأثر وإن لم يكن من منصوص قولهم إلا أنه من لازمه ، بل ومن لازم فتاوى الهيئات الشرعية للبنوك الإسلامية التي أجازت تداول أسهم بنوكها بقيمتها السوقية ، مع أن الغالب في موجودات البنك أنها نقود أو ديون في ذمم المتمولين . (22) فقه الزكاة 1/523 ، تنظيم ومحاسبة الزكاة في التطبيق المعاصر ص 84 . (23) مجلة المجمع 4/3/2162 . (24) شركة المساهمة في النظام السعودي ص 347 ، مجلة مجمع الفقه الإسلامي 4/1/761 . (25) الشركات للخياط 2/215 . (26) أسواق الأوراق المالية وآثارها الإنمائية في الاقتصاد الإسلامي ص 186 ، الشركات للخياط 2/216 . (27) المغني 7/132 (28) مجلة المجمع ، الدورة الرابعة ، القرار رقم (5). (29) مثل أن يبيع : مد عجوة ودرهم بمدين ، أو بدرهمين ، أو بمدودرهم . والعجوة : أجود التمر . المغرب ص 306 (30) المغني 6/96 ، وانظر : بداية المجتهد 2/234 ، مجموع فتاوى ابن تيميه 29/461 . (31) مغني المحتاج 2/376 ، وانظر : الحاوي الكبير 6/140 ، تكملة المجموع 10/407 ، حواشي الشرواني 4/286 فتح الباري 5/51 . (32) المغني 6/97،258 ، قواعد ابن رجب ص 252 ، الإنصاف 12/78 ، المبدع 4/137 ، الكافي 2/59 . (33) حاشية الدسوقي 3/40 ، بداية المجتهد 2/234 ، التاج والإكليل 6/134 ، بلغة السالك 2/15 ، حاشية العدوي 5/36 . (34) رد المحتار 7/527 . (35) تكملة المجموع شرح المهذب 10/359 . (36) فتح القدير 6/266 . (37) فتح القدير 6/265 ، رد المحتار 7/528 ، الدسوقي 3/40 ، الحاوي الكبير 6/129 ، المغني 6/96 . (38) الاستذكار 19/240 ، المنتقى شرح الموطا 6/266 ، بلغة السالك 2/15 ، حاشية العدوي 5/36 ، التاج والإكليل 6/134 . (39) الأم 3/21 ، الحاوي الكبير 6/132 ، تكملة المجموع شرح المهذب 10/236 ، نهاية المحتاج 3/441 . (40) مسائل الإمام أحمد لأبي داود ص 196 ، مسائل الإمام أحمد لابنه صالح 1/432 ، المحرر في الفقه 1/320 ، الكافي 3/86 ، الشرح الكبير على المقنع 12/77 ، فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم 7/178 . (41) المحلى 8/494 . (42) أخرجه مسلم ( كتاب المساقاة / باب بيع القلادة فيها ذهب وخرز برقم 1591 ) وأبو داود ( كتاب البيوع / باب في حلية السيف تباع بالدراهم – برقم 3351 ) والترمذي ( كتاب البيوع / باب ما جاء في شراء القلادة وفيها ذهب وخرز – برقم 1255 ) والنسائي ( كتاب البيوع / باب بيع القلادة فيها الخرز والذهب بالذهب – برقم 4573 ) . (43) المنتقى شرح الموطا 6/267 ، المغني 6/94 . (44) شرح معاني الآثار 4/72 ، إعلاء السنن 14/285 . (45) وهي عند مسلم في الموضع السابق . (46) وهي عند مسلم في الموضع السابق . (47) وهي عند مسلم في الموضع السابق . (48) وهي رواية أبي داود في الموضع السابق . (49) التلخيص الحبير 3/20 . (50) المبسوط 14/12 ، مجموع فتاوى ابن تيميه 29/453 . (51) شرح معاني الآثار 4/72 ، مجموع فتاوى ابن تيميه 29/453 . (52) الحاوي الكبير 6/133 . (53) الحاوي الكبير 6/133 . (54) أخرجه مسلم في الموضع السابق . (55) الشِقْص : السهم والنصيب ، النهاية في غريب الحديث والأثر 2/490 . (56) الحاوي الكبير 6/134 ، فتح العزيز 8/174 ، المنتقى شرح الموطا 6/266 ، الفروق 3/251 ، المغني 6/94 ، قواعد ابن رجب ص 249 . (57) مجموع فتاوى ابن تيميه 29/452 . (58) بدائع الصنائع 7/78 ، وانظر : فتح القدير 6/269 ، تبيين الحقائق 4/38 . (59) مجموع فتاوى ابن تيميه 29/454 ، وبيع العرايا : بيع الرطب في رؤوس النخل خرصاً ، بمآله يابساً بمثله من التمر كيلاً معلوماً لا جزافاً . الموسوعة الفقهية 9/91 . (60) القواعد في الفقه الإسلامي لابن رجب ص 249 ، المنتقى شرح الموطا 6/266 . (61) الفروع 4/160 ، الإنصاف 12/78 ، قواعد ابن رجب ص 249 . (62) مجموع فتاوى ابن تيميه 29/462 [ وممن نسب هذا القول لابن تيميه : ابن مفلح في الفروع 4/160 ، والمرداوي في الإنصاف 12/78 ، والذي يظهر أن شيخ الإسلام لا يقول به بإطلاقه بل يشترط لذلك ألا يكون حيلة على الربا ، فإنه قيد الجواز بما إذا كان الربويان متساويين ] . (63) المغني 6/258 . (64) مجموع فتاوى ابن تيميه 29/462،465 ، الفروع 4/160 . (65) المبسوط 12/189 ، بدائع الصنائع 7/78 ، العناية 6/266 ، الاختيار 2/289 . (66) المغني 6/92 ، مجموع فتاوى ابن تيميه 29/452 ، الفروع 4/160 ، الإنصاف 12/78 . (67) قواعد ابن رجب ص 249 ، مجموع فتاوى ابن تيميه 29/466 . (68) روضة الطالبين 3/386 ، تحفة المحتاج 4/287 . (69) النصل : حديدة السيف ، الحمائل : جمع حمالة وهي علاقته ، الجفن : غلافه . طلبة الطلبه ص 103،116 (70) الهداية 6/271 . (71) بدائع الصنائع 7/78 ، فتح القدير 6/267 . (72) المغني 6/94 ، الحاوي الكبير 6/135 . (73) الحاوي الكبير 6/135 . (74) مجموع فتاوى ابن تيميه 29/455 . (75) انظر : الحاوي الكبير 6/135 . (76) الهداية 7/410 ، وانظر : شرح الخرشي 6/6 . (77) المغني 6/258 . المصدر: الإسلام اليوم