عجائب في سوق الأسهم
عبد الله بن سعيد آل يعن الله
الله يبتلي عباده بالسراء والضراء والنعمة والبأساء والصحة والمرض والغنى والفقر ((وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ )) أيها الموحد – في فترة ماضية كنا نعيش في ظل استثمارات متنوعه في البلد، ورغم ذلك أتقنا التقليد في الاستثمار ، حتى إذا فتح احدهم محلا للتسويق، أو صالونا للحلاقة في احد الشوارع التجارية ولاقا نشاطه،إلا وتجد الأكثرين يحتشدون بالمحلات المماثلة ، وليست المسألة كما يفسرها البعض نوعا من الحسد بل هو نوعا من الافتقار الأكيد للأفكار الاستثمارية ، ولا يلام المرء في البحث عن الثراء، فكلنا يسعى لتطوير قدراته وإمكاناته المادية ، وكلنا يسعى للهروب من شظف العيش ، وقد يمضي عمر الإنسان والسؤال معلق على شفتيه كيف أحقق الثراء ؟! حتى جاء سوق الأسهم ببريقه الخادع --
وجاءت طفرةٌ في عالم الأسهم هبّت رياحها على هذه البلاد ، وتُوِّجَ العام الذهبي قبلَ المنصرمِ بارتفاعٍ في الأسهم لم يسبِق له مثيل ، وبلغتِ القيمةُ السوقيةُ بخاناتِ تِلِرْيون بعد ما تجاوزت المليارات ، ودخل في هذا السوقِ من الناس الكثرةُ الكاثرة ، لقد دخلت حمّى المضاربة فاجتاحت المجتمع ، حتى صارت حديثَ البيوتِ والرجالِ والنساءِ وطبقاتِ المجتمع من الأغنياء ومتوسطي الدخلِ وحتى الفقراء ، وصارت الشاشاتُ فتنةً للناس ، وأصبحَ التشاؤم في اللون الأحمر والتفاؤل في اللون الأخضر ، ويشهد المجتمعُ ظاهرةَ التعلّقِ المحموم بهذه الأسهم والاهتمامِ الشديد بها ، حتى طغت على أداءِ الحقوق وأشغلت الناس عن الموازنة في الدخول لذلك -- أخي بارك الله فير رزقك -- اسمح لي أن أسدل الستار عن بعض الغرائب والعجائب التي تحلى بها بعض المساهمين في سوقنا ، وهؤلاء من نعرفهم ويعيشون بين أظهرنا - وقد تجنبت من خلال ما ستقرأ ، بعض المواقف والغرائب الصحيحة ، لأنها تمثل الصور المثالية أو الشاذة وتكون بعيدة عن الواقعية – وتوضيحي لذلك ليس من باب المعاتبة ، وليس من باب التوبيخ والاستشفاء ، فيكفي أن بعض المساهمين مرهق بأزمة الانهيار ، لكن ارجوا أن لا يكون ذلك مانعا في توضيح وتبيين العبر— وأي حدث يمر به المسلم ، ينبغي أن يقوده للاتعاظ والإعتبار ، واقتناص فرائد الفوائد من مكنوناته وأسراره -- وحسبي من ذلك الإصلاح ، وإضاءة الدروب وإنارة العقول وتبصير البصائر -- وكم نعمة مقرونة ببلية على الناس تخفى والبلايا مواهب أُخي / كان اغلب الناس في فترة مضت لا يعرفون سوق الأسهم ، ولا يفهمون تحليلاته وأسراره وأغواره ، وقد كان أهل الخير الذين يقومون بحلق التحفيظ والمؤسسات الخيرية يعلنون لبعض الناس أبواب الصدقات والمساهمة في دروب الخير، فتجد ردود الفعل من بعضهم (( اتقوا الله فينا ، ليس معنا إلا ما يكفينا من قوت يومنا ، وعلينا التزامات لا تساعدنا في الاستجابة لمطالبكم ))- وعندما حصل الانهيار، وفاحت رائحة الدمار، وحصحص المال السليم من الضار ، حصلت الاعترافات من هؤلاء ، فخرج ذلك الذي انزعج من فتح أبواب الخير لديه ويقول بأن خسارته أكثر من عشرة ملايين ريال، وكان ذلك جميع ما يملك ، والأدهى والأطم أن بعض هؤلاء ، هم من الذين اعترفوا بعدم زكاة أموالهم في السنين الماضية -- وهذا مانطق به احد المتمسكنين منهم ، ( يقول كان لي 800 ألف ريال ، وكلما أردت الزكاة كان ذلك صعبا على نفسي ، والآن ليس في محفظتي سوى 74 ألف ريال ثم ينهي كلامه بقوله ( هذه عقوبة من الله عز وجل ) -- وهذا أحدهم ، وهو فوق السبعين من عمره يقول ( حسبنا الله على فلان الفلاني ) قلنا له لماذا ؟ قال أعطيته 50000 ريال من أجل أن يشغلها في محفظته ، فهرب بها ولم يعطني أي ريال من الأرباح ، ثم يقول متحسرا ( والله أنني جمعت هذه الخمسين ألف ريال -- ريالا – ريالا-- حتى الزكاة لم أخرجها منها طوال السنين الماضية - وعنما رُويت قصة هذا الشيخ الكبير على أحد المعلمين الذين لهم ثلاثين عاما في حقل التعليم -- قال : حتى أنا مثل صاحبكم لا أخرج الزكاة - قال الله تعالى -- يمحق الله الربا ويربي الصدقات - و يروى أن امرأة كانت توصي زوجها عندما يخرج للعمل وطلب الرزق فتقول له "يا هذا اتق الله فينا : إنا لنصبر على الجوع ولا نصبر على النار" . فلا بارك الله في مال يجلب الشقاء يوم يقوم الأشهاد - ومن العجائب الأخرى -- أنك تجد في الفترة الماضية من تشبع بطفرة السوق ، حتى زاد رأس ماله ، وتحسنت أحواله ، فصِنفٌ أظهروا نعمت الله عليهم بالشكر والتواضع ، والبذل والإنفاق ، وآخرين بدأ منهم من يترفع عن مخالطة أقرانهم ، ومخالطة الناس ، لأنه يرى بأنه من قائمة ما يسمى (( بالهوامير )) ، فأظهر الكبر ، وتفاخر وتباهى ببيعه وشرائه وأرباحه ، من أجل أن يسهم في رفع مكانته في مجتمعه ،، وما إن ظهر الانهيار،إلا وتجد رأس من هذا ديدنه يطرق ويعود إلى حاله القديم ، أو أسوأ من ذلك ، معترفا بمشهده الصامت (( أن التواضع هو حلية المؤمنين )) - يقول الأحنف بن قيس --- عجبت لمن جرى في مجرى البول مرتين كيف يتكبر - فيا مظهر الكِبرِ إعجاباً بصورته *** انظر خلاءك إن النتن تثريب لوفكر الناس فيما في بطونهم *** ما استشعر الكبر شبان ولا شيب وصدق عمر بن الخطاب عندما قال – ما وجد أحدٌ في نفسه كبراً إلا من مهانة يجدها في نفسه - وقد قال سيد المتواضعين صلوات ربي وسلامه عليه ( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر )- ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم حق على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه " [ رواه البخاري ] وهذا أمر ثابت عند الله تعالى أن لا يرتفع شيء من أمور الدنيا إلا وضعه الله وحطّه وطرحه ، وذلك لماذا ؟! لهوان الدنيا على الله والتنبيه على ترك المباهاة والمفاخرة فيها، وحتى يتعلم الناس أن الدنيا لا تدوم . ومن العجائب أيضا -- أن أناس عظموا البخل والطمع في نفوسهم ، فالأرصدة ممتلئة بالنقود ، والمحفظة مخزونة بالأسهم ، لكنهم أحجموا عن الإنفاق بالمعروف على زوجاتهم وأولادهم ، وقطعوا الوصال عن أرحامهم ، ونسوا العلاقة مع الفقراء والأيتام ، وأقتروا على أنفسهم حتى أن حال سيارة وملبس ومنزل كل واحد منهم أشبه بحال من لا يجد قوت يومه ، وبين عشية وضحاها ينهار السوق ، وتحصل الخسائر ، فيكون أول الشاكرين لله على ذلك ، الزوجة والأولاد ، بسب سيطرة البخل والإقتار من والدهم - قال تعالى ( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا ) وذي حرص ٍ تراه يلُمُّ وفرا *** لوارثه يدفع عن حماهُ ككلب الصيد يمسك وهو طاوٍ *** فريسته ليأكله سواهُ وقد قيل في المثل / بشر مال البخيل بحادثٍ أو وارث-- ومن العجائب أيضا -- أولئك الذين ساد الطمع عليهم ، حينما رأوا بريق الأرباح يكثر في السهم الحرام ، فأصبحوا لا يملكون الشعور بحلال أو حرمة الشركة ، حتى اختلط الحابل بالنابل ، وحصلت الخسائر مع اكتساب الكبائر -- جمع الحرام إلى الحلال لكُثرهِ **** جاء الحرام على الحلال فبعثره يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (( يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ المال أمن حلال أم من حرام)) رواه البخاري - يقول الله تعالى ( يمحق الله الربا ) - والمتأمل في واقع بعض المساهمين بعد انهيار السوق ، يجد بأن أولئك الذين يتحرون الحلال ، هم أكثر الناس ثباتا واحتسابا ، لأنهم مؤمنين بقضاء الله وقدره فحالهم كما قيل - أحزم الناس عاقلا **** لمس الجرح فابتسم ونجد بأن آخرين يفيقون من رقدتهم ، ويلومون أنفسهم بأنهم ارتكبوا كبيرة الوقوع في الربا ، ثم بعد ذلك نُسفت ومحقت ، فلا هم سلموا من الخسائر ولا الوقوع في الربا -- قال الرسول صلى الله عليه وسلم / لعن الله آكل الربا ) - وما أوقع أولئك المساكين إلا الطمع ، وعدم القناعة ، والقناعة أعظم كنز ، وإذا رزق العبد القناعة أشرقت عليه شمس السعادة . ومن جميل ما يروى لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- : أفادتني القناعة كل عز *** وهل عز أعز من القناعة فصيّرها لنفسك رأس مال *** وصيّر بعدها التقوى بضاعة تحز ربحا وتغنى عن بخيل *** وتنعم في الجنان بصبر ساعة وقال الشافعي رحمه الله : رأيت القناعة كنز الغنى *** فصرت بأذيالها ممسك فلا ذا يراني على بابه *** ولا ذا يراني به منهمك وصرت غنياً بلا درهم *** أمرّ على الناس شبه الملك ومن العجائب أيضا -- انسياقنا خلف بريق لمعان الأرباح التي تصدر من المحافظ الإستثمارية ،، فالكثير منا من لُدِغ ، والمؤمن لا يلدغ من جحره مرتين ، والمعضلة بأن منا من يُلدغ مرات عديدة ، ويتناسى آثار ذلك ، عند طغيان الفترة التي تعطي النشوة بكثرة المال ، فيبدأ -- ويعود على حاله الأول من ضياع المال ، بسبب الثقة العمياء التي لا حت على ناظريه - والغريب والمحزن أن مليارات من المواطنين انقرضت ، وكأنها لم تكن ، بسبب تصرفات حمقى من أولئك الذين خدعوا الناس بكثرة أرباحهم ، والتظاهر بأمانتهم وصدقهم ، حتى اصطلى بنار هذا الخداع ضعفاء ونساء ودخل فيها أموال مساكين ويتامى وأرامل وأيامى ، طلباً للرزق الحلال وتغطية للتكاليف الأسرية ، وسدادا للديون السابقة-- ولكن لا نقول إلا حسب من خدع الناس وحسب من فقد ماله الله ونعم الوكيل - ولكن كما قيل – إذا خانك أحدهم مرة ً ، فالذنب ذنبه ،،، وإذا خانك مرة ثانية ، فالذنب ذنبك ،،، ومن العجائب أيضا -- ما أخبرني به أحد الوسطاء في إحدى المحافظ الإستثمارية التي لجأ مشغلها إلى التسهيلات البنكية ، من أجل أن يزيد رأس ماله الذي قدر بأكثر من خمسمائة مليون على الأقل ، وبعد الإنهيار لجأ البنك إلى بيع الأسهم من غير علم صاحب المحفظة ، حتى بقي 10% من رأس المال ( وكان من ضحايا هذا التصرف إحدى القرى الصغيرة الذي بلغ رأس مال هذه القرية عند هذا المشغل أكثر 60 مليون ريال وهي حصيلة بيع للأغنام والممتلكات ، و بيع الذهب للنساء ، والأدهى من ذلك أن بعضهم غرق في الديون وليس لديه إلا الضمان الإجتماعي - وآخر في أحد القرى ، يملك عشرة ملايين في محفظته ، ولما رأى بأن السوق منتعش لجأ إلى التسهيلات البنكية من أحد البنوك بأخذ قيمة مماثلة لما يملك ، ولما حصل الإنهيار ، أخبروه البنك بأن المحفظة يحتاج إلى تغذية ، فأخذ من أحد أبنائه 400 ألف ، ولما جاء يوم آخر ، أشعروه البنك بأن المحفظه تحتاج إلى تغذية ، فأخذ من ابنه الآخر مبلغا من المال ، لأن البنك يهدده بسحب رأس ماله ، وبعد ذلك باع كايملك لتغذية المحفظة ، وفي الأخير سحب البنك رأس المال ، ويبقى هذا الرجل مستدينا من البنك فوق ذلك ، وهو الآن في حالة بئيسة من الأمراض ، والإنفعالات العصبية ،، وغيره كثييييير ، وما خفي كان أعظم - ومن العجائب أيضا -- أن أناسا ضيعوا أسسا متينة في حياتهم ، من أمورٍ دعوية وعبادية ، وتربية للأبناء ، وفقدوا التوازن بين هذا وذاك ،، وكانت النتيجة أن ذاقوا ألم حسرة التفريط ، وألم الإنهيار - والعجائب والغرائب مليئة في هذه الأزمة ، فمساهمين أصيبوا بالنوبات القلبية ، والهوس والجنون ، وبمرض الضغط والسكر ، ويقول أحد أخصّاء الطبّ النفسي: "إن العيادات النفسية انتعشت كثيرا خلال الأيام الماضية ، واستقبلت حالات من ضحايا القلق والاكتئاب والتوتّر والانهيار العصبي"، ويذكر أحد الإخوة في الصيدليات أنّ الإقبال شديد في هذه الأيام على أدوية القلَق والاكتئاب النفسي والمهدئات – ومما يزيد العجب امتداد موجة هبوط الأسهم لتقضي على أربعة مواطنين نتيجة تعرّضهم لأزمة قلبية بعد انهيار رؤوس أموالهم بين عشية وضحاها ، وآخر قتل صديقَه رميا بالرصاص بسبب اختلافهم في مبالغ نقدية في إحدى المحافظ الاستثمارية- ومن العجائب أيضا أن أناسا باعوا ممتلكاتهم ، حتى أن احدهم أخرج أهله وأبناءه من بيته الجديد ، واستأجر بيتا آخر ، ووضع قيمة المنزل ، ومبلغ التقاعد في سوق الأسهم ، وفي النهاية يعيش في هذه المدة في حالة شبيهة بالفقر ، وآخرين قدموا على التقاعد المبكر ، وبعضهم فصل من الوظيفة ، وبعضهم فصل من دراسته ، وحصل انهيار السوق وشعروا بأن الفأس وقع في الرأس ، وعرفوا بأن الوظيفة إن حصل عليها الإنسان فإنه لا يفرط فيها مهما كان الأمر ،، وبعض الشباب أوعد بزواجه في الصيفية القادمة ، وبين لحظة وأخرى تتبدد الآمال ، وتزداد المهام ، ويضطر بذلك إلى تأخير الزواج – وأما حال بعض المساهمين مع الصلاة ، فهو حال مبكي ، وأمر محزن ، ولن أذكر لكم بعض العجائب التي حصلت من بعض الناس في ذلك ، تقديرا لمكانه هذا الركن العظيم ، ولكن يكفي أن أذكر بقول الله تعالى ( رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله و إقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار )- ومن العجائب أيضا – بث الطمأنينة والثقة في السوق لدى المجتمع ، وبعد ذلك ينقلب السوق رأسا على عقب ، من غير مسوغات اقتصادية -- حصل ما حصل ، وما خفي كان أعظم ، والعبرة أن نعتبر ، ونوضح ذلك لأجيالنا ومجتمعاتنا ، حتى لا يقعون كما وقع غيرهم - ونحن لا نعترض على قدر الله عز وجل ،، فما حصل من الإنهيار ، هو بإرادة الله عز وجل وحكمته ، ، وعلى العموم -- يجرى القضاء وفيه الخير نافلة *** لمؤمن واثق بالله لا لاهي إن جاءه فرح أو نابه ترح *** في الحالتين يقول الحمد لله ولعل في هذه الحادثة دعوة إلى التعقل والتوازن وتنويع التجارة والاستثمار لئلا تتعطل مصالح المسلمين أو تذهب أموالهم هدراً وهباءً في يوم وليلة- ولا يفوتوني أن أذكر نفسي وإياك بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي حسنه الألباني ( وإن الرجل ليحرم الرزق بخطيئة يعملها )