المحامي الذي غدا حلواني -ج2
الناقل :
elmasry
| الكاتب الأصلى :
شبابيك
| المصدر :
www.shabayek.com
في عام 2002، وبعدما انخرط في دورة تدريبية ساعدته على فهم متطلبات الشروع في العمل الحر ووضع خطة عمل، حصل وارين على قرض صغير من هيئة دعم المشاريع الصغيرة (أحب توضيح معارضتي للقروض الربوية)، استخدمه في افتتاح أول مخبز ومتجر له في العاصمة واشنطن، أسماه حب الكعك أو
CakeLove
ورغم حجمه الصغير (أقل من
55
متر) لكنه احتوى على واجهة زجاجية مكنته من رؤية المارة في الشارع، على أن هذا الحجم الصغير أيضا حبس حرارة الفرن داخله، ما جعل وارين يشعر وكأنه في فرن كبير، ورغم ذلك، بقي وارين سعيدا جدا،
فهو كان يفعل ما يحبه ويهواه
، والأهم، كان يكد لبناء شهرته وشهرة العلامة التجارية الخاصة به.
الجدير بالذكر عن هذه المرحلة هو أن وارين حصل على مساعدة من صديق له تمثلت في وضع أسس للمحافظة على دوران المال (
Cash flow
) في مشروع وارين الناشئ، وأقصد بذلك أن يكون لديه دائما مال/نقود لدفع المصاريف الفورية اللازمة، مثل فاتورة الكهرباء وشراء السمن والدقيق وغير ذلك، هذه النقطة إن لم تدرس بعناية وتروي، فقد تنهي أي مشروع تجاري ولو كان مبشرا بالنجاح.
بل إن وارين يهدينا حكمة بالغة: إ
ن أصعب يوم يمر عليك في عملك الخاص الذي تحبه، لهو أفضل بمراحل من أفضل يوم يمر عليك وأنت موظف ما لدى شخص ما
، ففي عمله، كان وارين هو من يضع القواعد، ويصر على إتباع خطوات صارمة، مثل استخدام مكونات بعينها لصنع الكعك، وكان يخبز بنفسه ويصنع ما أمكنه من المكونات المستخدمة في خبيز هذا الكعك، لما لا وهو يريد تقديم نوعية فاخرة من الكعك، نوعية تجعل من يتذوقه يشعر بتحسن فوري سريع! يؤكد وارين على أن الخبز لهو فن قائم بذاته، على المرء أن يتعلمه، ويلاحظ قواعده.
يشجع وارين زبائنه على أن يخبزوا كعكهم في بيوتهم بأنفسهم، ومن مكونات خام، وهو يدعوهم دائما لتجربة الجديد، واستعمال مكونات جديدة، لكن الأهم طبيعية قدر الإمكان، وهو يسعد بأسئلة العملاء عن فن الخبز وإعداد الكعك، ويسعد بالإجابة على الاتصالات الهاتفية التي ترده من كل الولايات، خاصة تلك التي يشاركه أصحابها حبهم لهواية أو عمل ما، ورغبتهم في أن يفعلوا مثله، لكنهم يخشون من خسارة وظائفهم المريحة!
بعد كل هذا الشغف وهذه العواطف، من الطبيعي أن تكون الخطوة التالية هي التوسع والانتشار، وفي عام 2002 افتتح وارين أول مطعم له (
LoveCafe
)، وبعدها بعام فعل الخطوة الأهم: توقف عن التدخل في الخبيز وإدارة المطاعم، فهو أراد بناء علامة تجارية راسخة وشركة قوية لا تعتمد على فرد، ولذا حصل على إجازته الأولى بعد عامين من العمل الشاق لم يحظ خلالها بأي راحة أو إجازة، ورغم هفوة أو اثنتين من فريق إدارة الشركة في فترة غيابه، لكن الشركة لم تنهار، على أن فريق العمل لديه تعلم أنه محل ثقة وارين، الأمر الذي انعكس إيجابا على روح الفريق.
هذه الروح ساعدت الشركة الوليدة على تحمل تبعات تراجع الأعمال بعد حادثة 11 سبتمبر، وبعدها حمى إتباع حمية
اتكنز
في عام 2003، وارتفاع أسعار منتجات الألبان في 2005، لكن هذه التقلبات من سمات أي نشاط تجاري، وعلى ربان السفينة أن يبحر ما بين هذه العواصف ويحافظ على مركبه طافية، وبعد مرور سنوات على هذا المحامي غير السعيد، أصبح بعدها عصاميا صاحب أنشطة تجارية متعددة وناجحة، انطلاقا من مخبز صغير ساخن جوه في معظم الأوقات. لليوم لا زال وارين
يكتب في مدونته
، وله
كتاب منشور
.
ختاما، أريد أن أؤكد على بعض النقاط،
نعم، اتبع ما تحبه، لكن لا تحرق سفنك كلها،
فبطلنا هنا أخذ إجازة طويلة من عمله، ليحكم بروية على مشروعه الناشئ، ولا عيب في عدولك عن تنفيذ حلمك الآن، ما دمت ستتعلم من أخطائك وتعيد الكرة من جديد. ليس الأمر الدعوة لأن تترك وظيفتك، بل أن
تزرع بذرة الأمل، وتتعهدها حتى تنبت وتصبح شجرة وارفة
،
بدون تهور أو تردد
. كذلك لا ننسى أن زملاء وارين ساعدوه حين اتخذ قراره بترك وظيفته، ولم أجد منه ذكرا لأي زميل عارضه أو حذره أو لام عليه بسبب فكرته هذه، بل شجعه الجميع وساعدوه لتحقيق حلمه، وهذا ما نسميه
ضرورة أن تحسن اختيار الرفاق
!
كذلك، أكرر الجملة الجميلة التي قالها وارين: إن أصعب يوم يمر عليك في عملك الخاص الذي تحبه، لهو أفضل بمراحل من أفضل يوم يمر عليك وأنت موظف ما لدى شخص ما، ولو خرجت من كلامي الكثير هذا بهذه الجملة فقط، فهو النجاح لي و لك بمشيئة الله.
طارد حلمك ولو إلى المريخ، ولا تقعد حتى تحققه، ولا ترض بعبودية وظيفة، لقد خلقك الله لكي تكون حرا، فلا تترك تفكيرك يجعلك عبدا.
أخيرا
، بفضل من الله، نجح مسعاي مع خدمة الدعم الفني لدى موقع لولو لحل مشكلة الحقوق الفكرية التي كنت قد حكيت لكم عنها من قبل، حيث تبين أن أحدهم اتهمني بسرقة عمله في ترجمة كتاب فن الحرب، ولما أرسل كتابه لموقع لولو، قاموا بعمل مقارنة بين الكتابين، ووجدوا الاختلافات كثيرة، فقاموا برفض دعواه، وأرسلوا لي رسالتي اعتذار، ورغم أنهم حذفوا ملفات كتابي، لكني أعتبرها رسالة من السماء لكي أعود إلى هذا الكتاب فأجدد ما جاء فيه، ولعلي طلبت من قرائي تصميم غلاف جديد له، لكن هذا له مقال آخر.
كما أود التهنئة بدخول
أول يوم من شهر ذي الحجة
، داعيا الله بأن يتغمدنا برحمته، وأن يتقبل من الحجيج الدعاء والعمل الصالح، وأن يرزقنا زيارة بيته الحرام مرات ومرات، وأذكر الجميع أن كرة مطاطية تتقاذفها النعال والأحذية لا تستحق أن يراق من أجلها نقطة دم واحدة، أو أن يروع بسببها إنسان واحد، وأحذر نفسي والجميع من أن ينظر الله إلينا في هذه الأيام المباركة، فيجدنا في مشاحنة وبغضاء، فننقلب بغضب من الله عز وجل بدلا من أن تتنزل علينا الرحمات والبركات، والله نسأل أن يخمد نار هذه الفتن.