من بيع الدهانات، إلى التطبيقات
الناقل :
elmasry
| الكاتب الأصلى :
شبابيك
| المصدر :
www.shabayek.com
بسبب طبيعة وظيفة والده العسكرية، كان عليه التنقل كثيرا بين المدن والولايات، وحين أنهى دراسته الثانوية، غادر بوب ويليامسون منزله وعمره 17 ربيعا، وتحول ليعيش بعدها في الشوارع وعلى الأرصفة، وتدهور حاله حتى دخل السجن عدة مرات، لكنه استطاع أن يتحول من قاع الفشل إلى قمة النجاح، وهنا سنعرف كيف. لعل مشكلة بوب الفعلية هي الإشارات السلبية التي كان يتلقاها صغيرا بسبب سوء سلوكه، فكما أخبر محرر مجلة
Inc
فالكل كان يخبره في صغره ألا فائدة ترتجى منه.
لتغيير نمط حياته، ارتحل بوب من مدينته إلى أطلانطا عبر الركوب المجاني مع المسافرين على الطريق، ولم يكن يملك سوى ملابسه التي يرتديها، ولم يكن يعرف أحدا في هذا المكان الجديد الذي هبط عليه. كانت أول وظيفة يحصل عليها عامل بناء، لكنه بعدها بفترة قصيرة تعرض لحادث اصطدام سيارة كاد أن يكلفه حياته، وبينما يرقد على سرير المستشفى، بدأ يتعرف على مبادئ دينه ويتمسك بها. بعد تعافيه من هذا الحادث، تعرف على زوجته التي لازمته بقية حياته.
بسبب سجله الإجرامي، لم تتوفر له فرص توظيف كثيرة، لذا قبل العمل في شركة دهانات، في وظيفة هي الأدنى في سلم الأهمية، قابعا في غرفة صغيرة في الدور السفلي من مبنى الشركة، يلصق الملصقات على علب الدهان. لكن بوب عمل بجد حتى أنه حصل على 8 ترقيات في فترة عامين، حيث ساعد الشركة لتنتقل من اللصق اليدوي للصق الآلي عبر أنظمة الكمبيوتر، ليدير بعض المشاريع الخاصة في الشركة. بحكم وظيفته، تعلم بوب بعض أساسيات الكيمياء، وتعرف على بعض الكيميائيين المهرة، وفي أوقات فراغه، بدأ يتعلم الرسم بالفرشة، وانتقل بعدها ليعمل في شركتي دهانات أخرى.
لكن هذا الوقت (سبعينيات القرن الماضي) كان ينقصه العديد من الأدوات الحديثة التي نعتمد عليها اليوم، ولذا أنفق بوب عامين من عمره في اختراع ألوان خاصة، مكنته من رسم بعض اللوحات الفنية التي أثارت إعجاب الكثيرين، حتى أنه حين شارك في معرض فني، تزاحم الناس لشراء دهاناته. عندها أدرك بوب أن عليه تأسيس شركته، وهو ما كان انطلاقا من الدور السفلي في منزله حيث يقيم في عام 1977، إلى الجراج ثم مبنى صغير، حيث كان يبيع الألوان والكيمياويات والفرش التي يحتاجها الفنانون والرسامون في أعمالهم.
زاد عدد ما تبيعه شركة بوب الجديدة حتى فاق 7000 عنصر، وكان يبيع أغلبها عبر الطلبات بالبريد، حتى أنه أطلق مجلة فنية متخصصة ونشر كتب في تعليم الرسامين كيفية استغلال المكونات والأدوات الجديدة من أجل إبداع لوحات فنية غير مسبوقة. لتنظيم هذا التوسع في مجال عمله، كان بوب يدخل أنظمة الإدارة الآلية المعتمدة على الكمبيوتر. كما يقول بوب، في هذا الوقت لم يكن بإمكان شراء تطبيقات جاهزة، ولذا عمد إلى توظيف مبرمجين ليطوروا له نظام إدارة خاص به.
لكن بوب كان على موعد مع مفاجأة مؤلمة غير متوقعة في عام 1988. فجأة استقال مديره المالي، وتبعه العديد من الموظفين لديه. اكتشف بوب بعدها فساد موظفي الحسابات لديه، وكذلك فقدان العديد من المستندات المالية والفواتير، وأن شركته مدينة بقرابة المليون دولار، وأن حساب الشركة لدى البنك مكشوف بقرابة ربع مليون دولار! كان بوب مقتنعا بقدرته على القيام من هذه العثرة، حتى أنه ترجى دائنيه ألا يلجئوا لإجراءات قانونية بعد تعثر الشركة في السداد، وكان يرسل لهم رسالة أسبوعية يطلعهم فيها على سير الأمور معه. من بعدها تعلم بوب الدرس، وأصبح يراجع بنفسه حسابات الشركة ويقارنها مع بيانات الحسابات البنكية.
في هذا الوقت، أراد بوب دخول معترك جديد لا ينافسه فيه كثيرون، ولذا باع شركته بعد تعافيها من عثرتها وبدأ يفكر في مجال جديد يدخله. في هذه الأثناء، كان أبناء بوب يشبون عن الطوق ويريدون بدء شركتهم الخاصة في مجال البرمجيات، وكان لدى بوب في تجارته اثنان من خيرة المبرمجين، ولذا دخل معهم في شراكة جديدة وأسس
شركة هورايزون للبرمجيات
في عام 1992. كما ذكرنا، كان بوب في شركته السابقة يعتمد على تطبيقات لإدارة كل شئون الشركة، وكانت البداية هي محاولة بيع هذا التطبيق للغير. كان ظن بوب أن الأمر سيمضي كما كان في شركته لبيع الدهانات، لكنه اكتشف أن بيع البرامج أمر مختلف.
وصل بوب بتفكيره إلى أنه محتاج لتحديد طبقة نيتش من المستخدمين، تكون لديها حاجة، وهذه الحاجة لا تجد من يلبيها على الإطلاق، أو على الأقل بشكل كاف. كان لدى بوب موظف مبيعات يطوف معه على المدارس ليبيع لها أدوات التلوين، وكان لبعض هذه المدارس قاعات تناول طعام كبيرة، تعاني لإدارتها بنظام ناجح. عاد بوب إلى مبرمجيه، وطلب منهم تعديل نظام إدارة المخزون والتوزيع ليناسب طبيعة الكافتيريات ومطاعم المدارس. كان هناك أكثر من 97 ألف مدرسة بحاجة لهذا النظام الذي صممه، لكن الرياح لم تأت قط بما تشتهيه السفن!
رغم أنه وظف رجال مبيعات من ذوي الكفاءات، لكنهم فشلوا في بيع هذا التطبيق، حتى اضطر بوب لأن يحاول بنفسه. قبلها، وكما يقول بوب، كان يكره المبيعات ورجالها، لكنه حين جرب الأمر بنفسه، اكتشف أنه بائع بالفطرة، وأنه ماهر جدا في هذا المجال. ذهب بوب بنفسه إلى مسؤولي هذه المطاعم وأخبرهم كيف يمكن لنظامه مساعدتهم على تقليل كم العمل اللازم، وتحقيق الوفورات وإدارة الأعمال بشكل آلي يعتمد عليه، خاصة وأن النظام الحالي وقتها كان يدويا، يعتمد على المستندات الورقية وعلى البشر.
خلال أسبوعين من جهوده البيعية، حصل بوب على طلب الشراء الأول، ومنه إلى الثاني والثالث، حتى حصل في النهاية على طلبات من جميع أنحاء ولاية جورجيا حيث كان يقيم. بشكل تلقائي، أصبح بوب مسوؤل البيع الأول في شركته، وأصبح ماهرا جدا في هذا الأمر، حتى أنه ضرب مثلا يماثل عندنا أنه قادر على بيع الماء في حارة السقايين كما نقول.
بمرور السنوات، طورت شركة بوب نظام الإدارة، ليتحول من إدارة قاعات الطعام في المدارس، ليدير المدارس كلها، ومنها إلى الجامعات حتى المستشفيات، وفي عام 2005 حصل على عقد قيمته 10 مليون دولار مع الجيش الأمريكي لإدارة قاعات الطعام في الثكنات العسكرية الأمريكية. عن طريق برامج بوب، يمكن للآباء شراء بطاقات مسبقة الدفع، ليستعملها أبنائهم في شراء الطعام من الماكينات الآلية الموزعة في ردهات المدارس، وعن طريق انترنت، يمكن للآباء معرفة نوعية الطعام الذي يشتريه أبناؤهم، وأن يشحنوا هذه البطاقات بالمزيد من الأموال. للأسف، لم يتسن لي الحصول على معلومات حديثة عن بوب وأين هو اليوم.
أود هنا أن أنتهز الفرصة لأركز الضوء على ضرورة الخروج من البيئة التي يعيش فيها طالب النجاح، خاصة إذا فشل في تحقيق هذا النجاح بسبب إشارات سلبية يتلقاها من المحيطين به. نعم، أقصد بذلك السفر والهجرة في بلاد الله، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة، فحين واجهته الصعاب الشديدة في مكة، سافر / هاجر / ارتحل إلى المدينة، وهناك حيث تمكن من النجاح في إبلاغ رسالته، وفي هذا الأمر الكثير من الحكمة والعظة. رغم حب الرسول صلى الله عليه وسلم الشديد لمكة، لكنه خرج منها ليحقق رسالته، وهذه أيضا لمحة يجب أن نقف أمامها بالتفكير والتدبير.
تصلني رسائل كثيرة من أناس يشكون من عدم قدرتهم على النجاح في بيئتهم، وهؤلاء يصيبهم الذعر من ردي عليهم، حين أنصحهم بالخروج من بلادهم، فإن لم يكن فمن مدنهم. أذكر أني طلبت من شاك يوما أن يركب حافلة / أوتوبيس في بلده ويرتحل إلى أقصى أبعد مدينة في بلده ليزورها ويسير في طرقاتها، وجاء رده مليئا بالعجب والدهشة من ردي، فهو كان يريد حلا على غرار عصى موسى، لكني لست صاحب حلول سحرية تناسب مقاس كل صاحب الشكوى!
كذلك، الشاهد من هذه القصة أن بوب كان يمقت البيع والمبيعات، لكنه حين جرب بنفسه، وجد أن المبيعات والبيع هي نقطة قوته، وأنه ماهر فيها بالفطرة. كم من الأشياء تكرهها وأنت مخلوق لها دون أن تعطي نفسك الفرصة لتكشف عن قدراتها؟
أخيرا عزيزي القارئ، أنت، ماذا استفدت من هذه القصة؟ ماذا رأيت فيها من حكمة ستكتبها بخط كبير وتستفيد منها اليوم، الآن!
[المصادر،
الأول
،
الثاني
]