تسلية المساهم
عبد الله بن سعيد آل يعن الله
إن في هذه الدنيا مصائب ورزايا ومحناً وبلايا، آلامٌ تضيق بها النفوس، ومزعجاتٌ تورث الخوف والجزع ... وحديث الساعة في بلادنا ، هو عن موجة أوجعت سوق أسهم بلادنا ، وأورثت الإضطرابات النفسية والصحية لدى مساهمينا ... فترى من كسدت تجارته بسبب الدخول في هذا السوق ... وترى من باع مدخراته ومنازله بسبب ذلك ، وآخر قد ضاع جهده ولم يدرك آماله ... تسليتي للمساهم في هذه المقالة ، ليس تحليلا فنيا ، أو مبشرا بارتداد السوق ، أو ألقي اللوم على هيئة سوق المال ... وإنما هي لمسات أو د أن أضمد بها نفوسا قد أفحمها اللون الأحمر ، وأصاب شررها أغلى ما يملك الإنسان وهو الدين والصحة ... أيها المساهم ... الركن السادس من أركان الإيمان الستة هو الإيمان بقضاء الله وقدره ، عجيب من حال بعض ضعاف الإيمان ... أين هذا الركن الشديد الذي غاب عن نفوسهم ، وتلاشى عن مسلمات دينهم ... المؤمن الحق عند الصدمة الأولى يقول ... الحمد لله على قضاءه وقدره ... قدر الله وما شاء فعل ... إن من آمن بالله، وعرف حقيقة دنياه، وطَّن نفسه على احتمال المكاره وواجه الأعباء مهما ثقلت، وحسن ظنه بربه، وأمَّل فيه جميل العواقب وكريم العوائد. كل ذلك بقلبٍ لا تشوبه ريبةٌ، ونفسٍ لا تزعزعها كربةٌ، وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور [آل عمران:186]. قال تعالى) قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) }التوبة:51{ وقال تعالى( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} ( التغابن:11]{ وقال عليه الصلاة والسلام: ( كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة ) رواه مسلم أيها المساهم ... وما الناس إلا هالك وابن هالك *** وذو نسب في الهالكين عريق هذه الحياة معبر وطريق إلى الآخرة فلا تجعلها أكبر همك ، أرفضها إذا دخلت قلبك ، أرفضها إذا أشغلتك عن طاعتك ... أرفضها وإلا ستهلكك ... ( اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ) ... تلك هي الدنيا، تضحك وتبكي، تجمع وتشتت. شدةٌ ورخاءٌ، سراءٌ وضراءٌ. دار غرور لمن اغترَّ بها، وهي عبرةٌ لمن اعتبر بها. إنها دار صدقٍ لمن صدقها، وميدان عملٍ لمن عمل فيها: لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور [الحديد:23]. إن أثقال الحياة وشواغلها لا يطيق حملها الضعاف المهازيل. لا ينهض بأعبائها إلا العمالقة الصبَّارون أولو العزم من الناس. أصحاب الهمم العالية ... أيها المساهم ... لا تجعل أثر هذا الإنهيار على صحتك ... فصحتك أغلى ما تملك ، ولو اتاك لو قدر الله مرضا تكلفته مئات الآلاف في خارج البلاد ، لبذلت ذلك من غير مبالاة ... لماذ ... لأنها تخدم صحتك ... والمشاهد في يومنا هذا مؤلم جدا ... ارتفاع في الضغط ، مرض السكر ، إغماءات مفاجأة أمام الشاشات ، أرق بالليالي ، تكدس في المستوصفات ... شيء لا يرضاه كل مسلم على أخيه ... نعم ... شيء طبيعي أن يغضب الإنسان ويحزن على ذهاب ماله ، ولكن لا يكون بصورة لا تحمد عواقبها ... تخسأ الدنيا أن تكون سببا في ذهاب الدين و ذهاب الصحة وضياع الأبناء ... وما المال والأهلون إلا ودائع *** ولا بد يوماً أن ترد الودائع أيها المساهم ... اعلم أن الجزع لا يُفيد، بل يضاعف المصيبة، ويفوّت الأجر، ويعرّض المرء للإثم. قال علي بن ابي طالب: ( إن صبرت جرت عليك المقادير وأنت مأجور، وإن جزعت جرت عليك المقادير وأنت مأزور ) وقال بعضهم: ( المصيبة للصابر واحدة وللجازع اثنتان ...