هل سيحاسبنا الله يوم القيامة على عدم استرداد القدس

الناقل : SunSet | الكاتب الأصلى : الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز | المصدر : www.binbaz.org.sa

 



بالزر الأيمن ثم حفظ باسم

دائماً يا سماحة الشيخ نسمع في خطب الجمعة في بلادنا عن موضوع استرداد القدس الشريف، وبالطبع أنا لست ضد ذلك، ولكن هل من الحق أن نربط بين دخولنا الجنة وإرجاعنا للقدس الشريف، أنا أجد أنه من الأفضل أن نصحح ما في مجتمعنا من أخطاء وفواحش مما يجعلنا أمة قوية تستطيع فتح القدس من جديد، وأقصد بالفواحش مثلاً خروج النساء سافرات، ترك الصلاة والصيام، ترك صلة الرحم، ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، النفاق والنميمة، الاختلاط في كافة مجالات الحياة.. الجامعات والعمل وغيرها وغيرها، وغيرها، أليس من الأولى تعميق العقيدة في النفوس أولاً، فنحن دائماً نحس بالإحباط لدى سماعنا بعض الجمل، مثل: (القدس مش رايحة ترجع لكم وأنتم على هذا الحال)، وهل سيحاسبنا الله سبحانه وتعالى يوم القيامة على عدم استرداد القدس، أم على عدم تطبيق شريعتنا السمحة؟ أفيدونا جزاكم الله عن أمة الإسلام كل خير، ولكم مني كل الشكر والتقدير، أدامكم الله.


لا شك أن استرداد القدس من أيدي اليهود أمر مفترض على المسلمين نصراً للمسلمين الذين غلبوا على أمرهم واستبيحت ديارهم؛ وحرصا على إيجاد القدس بين أيدي المسلمين حتى يعمروه بطاعة الله وما يرضيه سبحانه من الصلاة والقراءة وأنواع العبادة التي شرعها الله في القدس، ولكن ليس هذا مربوطاً بين دخولنا الجنة وبين فتح القدس، الجنة لها أعمالها، والله شرع لنا أن نعبده وحده وأن نطيع أوامره وأن ننتهي عن نواهيه فمن استقام على دينه أدخله الله الجنة، سواء فتحت القدس وردت على أهلها أم لا. لكن مسألة القدس متعلقة بولاة الأمور ولاة أمر المسلمين، فعليهم أن يجاهدوا في سبيل الله، وأن يستردوا القدس إلى المسلمين، وأن ينصروا المستضعفين في فلسطين، هذا واجب على ولاة الأمور حسب طاقتهم واستطاعتهم؛ لأن هذا من نصر دين الله ومن نصر المظلومين، ومنع الأذى عنهم والظلم لهم، ومن باب رد بلاد المسلمين إليهم، فهذا شيء يتعلق بولاة الأمور من المسلمين، وعليهم قبل ذلك أن يحكموا شريعة الله، وأن يستقيموا على دين الله حتى ينصرهم الله، فهو القائل سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (محمد:7)، وهو القائل -عز وجل-: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ.. (الحج:40-41) فعليهم أن يستقيموا وأن يحاسبوا أنفسهم وأن يجتهدوا في تطبيق الشريعة في بلادهم وعلى شعوبهم حتى ينصرهم الله على اليهود وعلى غير اليهود، ولا شك أنهم إذا أدوا ما أوجب الله واستقاموا على شريعة الله وجاهدوا في سبيله فهم بهذا يكونون أهلا لنصر الله لهم وإعانته لهم على اليهود، وعونا لهم أيضاً على استرداد القدس وغيره من بلادهم إلى أهلها المسلمين، لكن وجود التفريط في أمر الله والركوب لمحارم الله وعدم تحكيم شريعة الله هذا من أسباب الخذلان ومن أسباب عدم النصر على الأعداء. فالواجب على ولاة أمر المسلمين وعلى المسلمين جميعاً أن يستقيموا على أمر الله وأن يوأدوا ما أوجب الله عليهم، وأن يحذروا ما حرم الله عليهم، والواجب على الحكام المسلمين أن يحكموا شريعة الله في عباده، وأن يقيموا حدوده، وأن ينصروا المظلوم ويردعوا الظالم، وأن يستقيموا على ما شرع الله لهم حتى ينصرهم الله على اليهود وعلى غير اليهود. ثم أمر آخر: وهو أن الواجب على المسلمين جميعا أن يحاسبوا أنفسهم، وأن يتقوا الله في أنفسهم، وأن يدعوا محارم الله، وأن يستقيموا على دين الله سواء كانوا حكاما أو أفرادا وعامة، هذا واجب على الجميع، على كل فرد من المسلمين بل على كل فرد من المكلفين أن يعبد الله وحده وأن يطيع أوامره وأن ينتهي عن نواهيه وأن يقف عند حدوده، هكذا خلقهم الله، هكذا خلقهم الله ليعبدوه وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (الذاريات:56) وأمرهم بهذا حيث قال سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ..(البقرة: من الآية21) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ.. (النساء:59) وقال جل وعلا: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (النور:56). فالواجب على كل مسلم وعلى كل مسلمة تقوى الله وطاعته سبحانه في أداء ما أوجب وترك ما حرم، والوقوف عند حدود الله أينما كان، فيصلي كما أمر الله ويصوم كما أمر الله، ويزكي كما أمر الله، ويحج كما أمر الله، ويبر والديه، ويصل أرحامه، ويبتعد عما حرم الله عليه من الزنا والظلم والسرقة وأكل الربا وتعاطي المحارم كلها من الغيبة والنميمة وغير هذا مما حرم الله. هذا واجب على المسلمين جميعا رجالا ونساء، ومتى استقام المسلمون على دين ربهم نصرهم الله حكاما وشعوبا وأيدهم بنصره وأعانهم على جهاد أعدائهم، وجعل العاقبة لهم في الدنيا والآخرة، كما قال عز وجل: وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً (آل عمران: من الآية120) وقال سبحانه: فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ(هود: من الآية49)، وقال سبحانه: ..وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (الروم: من الآية47)، فالنصر مربوط بأداء الحقوق، النصر مربوط بقيامنا بأمر الله واستقامتنا على دين الله ونصرنا لدينه حتى ينصرنا سبحانه وتعالى، نسأل الله أن يوفق المسلمين جميعاً لما فيه رضاه، وأن يهديهم صراطه المستقيم، وأن يوفق ولاة أمرهم لما فيه رضاه، وأن يشرح صدورهم لتحكيم شريعته، وإلزام الشعوب بها، والاستقامة عليها، إنه سبحانه خير مسئول. يقول مقدم البرنامج: الواقع سماحة الشيخ فكرت ولا زلت أفكر كثيراً في موضوع هذه الرسالة، فنحن نجيب هنا ونحن نحملها على المحمل الحسن، على المحمل النزيه، على المحمل الطاهر، أما إذا حُملت على المحمل السياسي، الذي يلعب به اليهود وأشباه اليهود، فلا بد لسماحة الشيخ من كلام أيضاً، فلربما يقول اليهود أيضاً: أنتم لم تقيموا أمر دينكم فكيف تطالبون بالقدس، أطمع في كلمة من سماحة الشيخ لو تكرمتم؟ ج/ لا شك أن الواجب على المسلمين أن يطالبوا بالقدس وأن يردوها إلى أهلها، وأن يجتهدوا في ذلك؛ لأن أهلها مظلومون ونصر المظلوم لازم وواجب؛ ولأن القدس للمسلمين ما هي للكفار، يجب أن ترد إلى أهلها، والرسول الله - صلى الله عليه وسلم – يقول: ( انصر أخاك ظالما أو مظلوما) وهؤلاء مظلومون فنصرهم واجب، والظالم نصره منعه من الظلم. فالواجب على الدول الإسلامية أن ينصروا المظلوم وأن يستعيدوا هذه البلاد وأن يفعلوا مع ذلك ما يلزمهم من طاعة الله ورسوله والاستقامة على دين الله ورسوله حتى يعانوا حتى يوفقوا لما أرادوا من الخير وحتى تحصل لهم النصرة من ربهم -عز وجل- بتسهيل أمورهم وإذلال الأعداء وتمكين المسلمين من استرداد حقهم السليب، والله المستعان. فهمت مما تفضلتم به سماحة الشيخ أن ديننا كل لا يتجزأ وأن شريعة الإسلام كتلة واحدة من أراد أن يقيمها فليقمها جميعاً ولا يقيم جزأ ويترك الآخر. ج/ هذا فيه تفصيل، هذا الواجب على المسلمين جميعاً، ولكن مع ذلك فيها تفصيل، فقسم منها إذا تركه الإنسان كفر وصار خارجاً من الإسلام، وصار قد أتى ناقضا من نواقض الإسلام، كما لو ترك الصلاة أو ترك عبادة الله وحده وعبد معه سواه أو كذب الرسول - صلى الله عليه وسلم – أو تنقصه وطعن فيه، هذا يكون ردة عن الإسلام بالكلية، نسأل الله العافية، وهكذا لو جحد ما أوجب الله من الأمور المعروفة من الدين بالضرورة، جحد وجوب الصلاة أو جحد وجوب صوم رمضان ، جحد وجوب الزكاة، جحد وجوب الحج مع الاستطاعة، جحد بر الوالدين وأنكره، جحد الجهاد وأنكره الشرعي، هذه ردة عن الإسلام. وهناك أمور لا تزيل الإسلام ويبقى معه الإسلام وإن كان قد أتى ما يخالف الشرع كما لو زنا وهو يعلم أن الزنا حرام، ما يجحد تحريم الزنا يعلم أنه حرام هذا ما يكون مرتدا يكون عاصيا ناقص الإيمان يقام عليه الحد الشرعي إذا ثبت عليه الزنا بإقراره أو بالبينة، وكذلك إذا عق والديه أو قطع رحمه ولم يجحد وجوب بر الوالدين وصلة الرحم ولكنه غلبه هواه وشيطانه حتى عق والديه أو أحدهما أو قطع رحمه أو أكل الربا وهو يعلم أنه محرم أو اغتاب أخاه المسلم أو نم عليه أو كذب عليه أو ما أشبه ذلك من المعاصي هذه ليست تزيل الإسلام بل هذه تجعل المسلم قد أتى نقصاً في دينه وضعفاً في دنيه فيكون إيمانه ناقصاً ودينه ناقصاً وهو تحت مشيئة الله إن مات على ذلك، إن شاء ربنا غفر له وإن شاء عذبه، كما قال سبحانه: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، فالمعاصي التي دون الشرك تحت مشيئة الله، ولا يزول الإسلام بالكلية بل يبقى أصل الإسلام وأصل الدين ويكون صاحبها تحت مشيئة الله، فعلم بذلك أن المعاصي قسمان: قسم يزيل الإسلام بالكلية ويعد كفراً، وقسم لا يزيله ولكن ينقصه ويضعفه كالربا والعقوق والزنا ونحو ذلك ممن فعل ذلك، وهو يعلم أنه محرم ويعتقد أنه محرم. والرضا بوقوع المعاصي ألا يضعف الدين؟ بلا، كيف، الرضا بها مثل فعلها فنسأل الله العافية.