مضاعفة السيئة في مكة

الناقل : SunSet | الكاتب الأصلى : الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز | المصدر : www.binbaz.org.sa

مضاعفة السيئة في مكة
 

هل تضاعف السيئة في مكة مثل ما تضاعف الحسنة؟ ولماذا تضاعف في مكة دون غيرها؟
 

الأدلة الشرعية دلت على أن الحسنات تضاغف في الزمان الفاضل مثل رمضان وعشر ذي الحجة، والمكان الفاضل كالحرمين، فإن الحسنات تضاعف في مكة مضاعفة كبيرة. وقد جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجدي هذا))[1] فدل ذلك على أن الصلاة بالمسجد الحرام تضاعف بمائة ألف صلاة فيما سوى المسجد النبوي، وفي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم خير من ألف صلاة فيما سواه سوى المسجد الحرام، وبقية الأعمال الصالحة تضاعف، ولكن لم يرد فيها حد محدود إنما جاء الحد والبيان في الصلاة، أما بقية العمال كالصوم والأذكار وقراءة القرآن والصدقات فلا أعلم فيها نصاً ثابتاً يدل على تضعيف محدد، وإنما فيها في الجملة ما يدل على مضاعفة الأجر وليس فيها حد محدود. والحديث الذي فيه: ((من صام رمضان في مكة كتب له مائة ألف رمضان)) حديث ضعيف عند أهل العلم. والحاصل: أن المضاعفة في الحرم الشريف بمكة لا شك فيها (أعني مضاعفة الحسنات)، ولكن ليس في النص فيما نعلم حداً محدوداً ما عدا الصلاة فإن فيها نصاً يدل على أنها مضاعفة بمائة ألف كما سبق. أما السيئات فالذي عليه المحققون من أهل العلم أنها لا تضاعف من جهة العدد، ولكن تضاعف من جهة الكيفية، أما العدد فلا؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقولك: مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا[2]. فالسيئات لا تضاعف من جهة العدد لا في رمضان ولا في الحرم ولا في غيرهما، بل السيئة بواحدة دائماً وهذا من فضله سبحانه وتعالى وإحسانه. ولكن سيئة الحرم وسيئة رمضان وسيئة عشر ذي الحجة أعظم في الإثم من حيث الكيفية لا من جهة العدد، فسيئة في مكة أعظم وأكبر وأشد إثما من سيئة في جدة والطائف مثلاً، وسيئة في رمضان وسيئة في عشر ذي الحجة أشد وأعظم من سيئة في رجب أو شعبان ونحو ذلك، فهي تضاعف من جهة الكيفية لا من جهة العدد. أما الحسنات فإنها تضاعف كيفية وعدداً بفضل الله سبحانه وتعالى، ومما يدل على شدة الوعيد في سيئة الحرم، وأن سيئة الحرم عظيمة وشديدة قول الله تعالى: وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ[3] فهذا يدل على أن السيئة في الحرم عظيمة وحتى الهمَّ بها فيه هذا الوعيد. وإذا كان من همَّ بالإلحاد في الحرم يكون له عذاب أليم، فكيف بحال من فعل الإلحاد وفعل السيئات والمنكرات في الحرم؟ فإن إثمه يكون أكبر من مجرد الهمَّ، وهذا كله يدلنا على أن السيئة في الحرم لها شأن خطير. وكلمة إلحاد تعم كل ميل إلى باطل سواء كان في العقيدة أو غيرها؛ لأن الله تعالى قال: ومن يرد فيه بإلحاد بظلم فنكَّر الجميع، فإذا ألحد أي إلحاد – والإلحاد هو الميل عن الحق – فإنه متوعد بهذا الوعيد. وقد يكون الميل عن العقيدة فيكفر فيكون ذنبه أعظم وإلحاده أكبر، وقد يكون الميل إلى سيئة من السيئات كشرب الخمر أو الزنا أو عقوق الوالدين أو أحدها فتكون عقوبته أخف وأقل من عقوبة الكافر. بظلم هذا يدل على أنه إذا كان يرجع إلى الظلم فإن الأمر خطير جداً فالظلم يكون في المعاصي، ويكون في التعدي على الناس، ويكون بالشرك بالله، فإذا كان إلحاده بظلم نفسه بالمعاصي أو بالكفر فهذا نوع من الإلحاد، وإذا كان إلحاده بظلم العباد بالقتل أو الضرب أو أخذ الأموال أو السب أو غير ذلك فهذا نوع آخر، وكله يسمى إلحاداً وكله يسمى ظلماً وصاحبه على خطر عظيم. لكن الإلحاد الذي هو الكفر بالله والخروج عن دائرة الإسلام هو أشدها وأعظمها كما قال الله سبحانه: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ[4]، والله أعلم.

 
 
 
رواه الإمام أحمد في (أول مسند المدنيين) حديث عبد الله بن الزبير بن العوام برقم 15685.
 
 
 
سورة الأنعام، الآية 160.
سورة الحج، الآية 25.
 
 
 
سورة لقمان، الآية 13.
نشر في كتاب (فتاوى تتعلق بالحج والعمرة والزيارة) ، وفي مجلة (التوعية الإسلامية ) العدد 9 ، وفي مجلة (الدعوة) العدد 1539 ، وفي جريدة (المسلمون ) العدد 522 - مجموع فتاوى و مقالات متنوعة الجزء السابع عشر