نهاية الطاغية باتستا

الناقل : elmasry | الكاتب الأصلى : قصيمي | المصدر : www.qassimy.com

نهاية الطاغية باتستا
حكم كوبا بالحديد والنار وقتل 20 ألف مواطن في سبع سنوات


الطغاة لا يستفيدون أبدا من دروس التاريخ. إنهم يتصورون ماداموا في مراكز السلطة انهم سيظلون أبدا فوق رقاب العباد.. ناسين انهم قد يصبحون ذات يوم أو يمسون ذات مساء، وقد زال عنهم سلطانهم، وأصبحوا وجها لوجه أمام شعوبهم.. و.. ويل لهم من لعنة شعوبهم ولعنة التاريخ.ولنقف أمام نموذج صارخ من نماذج الطغاة.. وكيف عاش حياته يواجه شعبه، فماذا كانت نتيجة ذلك؟
إنه طاغية كوبا 'باتستا'
فقد تسلط هذا الرجل علي شعبه، وسامه سوء العذاب، ولعب بمقدراته ومستقبله، ولم يرع حرمة الانسان الكوبي، وامتهن كرامته، وزج به في ظلمات السجون بلا مبرر من منطق، ولكن لاخافة الناس وبث الرعب في قلوبهم، وعبث بثروات البلد كما يشاء، ويوزعها علي المقربين له، ولأقاربه أيضا، فأصبحت 'كوبا' في عهده بقرة حلوبا لا ينتفع بها إلا هو وحاشيته وأقاربه!

ولم يكتف بذلك، بل كمم الأفواه، ووأد حرية الصحافة.
وسمح هذا الرجل لنفسه أن يكون سمسارا في خدمة الاحتكارات الأجنبية، وكل ما كان يهمه هو أن تمتليء جيوبه بالعمولات، دون نظر الي شعبه البائس الفقير الذي لم يعرف في عهده إلا الفقر والمرض وظلام السجون.

***
وكوبا كانت مستعمرة اسبانية، وعندما نالت استقلالها عام 1898 بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية، زاد النفوذ الأمريكي بها بداية من عام 1899، حيث قامت بتأسيس قاعدة لها في جوانتانامو. مازالت تسيطر عليها حتي الآن، وبها السجن المعروف الذي يعذب فيه ضحايا الحرب الأفغانية!

***
ولنتتبع تاريخ هذا الديكتاتور الذي حكم بلاده بالحديد والنار، ثم كان مصيره في النهاية مذبلة التاريخ.
لقد أصبح 'باتستا' قائدا للجيش الكوبي، ثم اختير عضوا بمجلس الشيوخ، ومن هنا قفز الي السلطة معتمدا علي ولاء الجيش له، وحكم البلاد حكما ديكتاتوريا غاشما، عقب الانقلاب الذي قام به عام 1933م، وعين نفسه جنرالا للجيش الكوبي، ثم دخل الانتخابات الرئاسية بلا منافس، ليحكم كوبا بعد ذلك حكما مطلقا.. وظل يحكم البلاد قرابة عشر سنوات لم تتقدم فيها البلاد، وعندما أجبر عن التخلي عن الحكم عاد اليه ثانية بانقلاب دموي في مارس 1952، وظل في الحكم الي عام .1959
لقد حكم كوبا حوالي ثمانية عشر عاما، لم تر بلاده منه إلا العبث بحرية الانسان وبكرامة الانسان، ولم ير منه الشعب إلا الوعود الكاذبة، والآمال الكسيحة.. وامتلأت السجون بالمعتقلين من الوطنيين الأحرار، وكيلت التهم لكل من يرفع صوته مناديا بقليل من الديمقراطية.. ودخل السجن كل من انتقد ما يجري في كوبا من أوضاع بالغة السوء.
وبالغ الرجل وحاشيته في قسوته، والعصف بكل من يشير ولو اشارة من بعيد عن الفساد التي ازداد في البلاد، وكان كثيرا ما يري الناس الجثث في الشوارع، حتي يزيد من خوف الناس.
ومع كل الارهاب الذي كان يمارس، كان الشعب الكوبي يغلي، وكان شبابه مصمما علي الخلاص من جبروت باتستا.. فهم يعرفون أنه أصبح من كبار الأثرياء، وأصبح يملك أكثر من 300 مليون دولار..!
وقد بلغ من قسوته وتشديده علي شعبه أنه حدثت انتفاضة (مولوزا).. ولكنه قمع هذه الانتفاصة بلا رحمة.. وكان ضحاياه أكثر من عشرة آلاف قتيل!

***
لم يذكر الناس له إلا التخلف والنهب والسلب.. فلم يكن له مآثر يمكن أن تغطي فضائحه.. ولا كا نت له مشروعات طموحة ترفع من مستوي دخل المواطن، ولكن كان كل همه جمع المال.. من السمسرة ومن الاحتكارات الأجنبية علي حساب المواطن العادي.
وكان يظن أن سحب العبودية التي فرضها علي بلاده سوف تظل الي الأبد، فتمادي في طغيانه حتي أنه أغلق العديد من المصانع والمدارس وبدي للناس أن العالم كله يتقدم ما عدا كوبا فهي تتراجع الي الوراء.. رغم موقعها الهام.. ورغم ثرواتها المتعددة.
ومن هنا فقد كانت الثورة تغلي في أفئدة الناس، وخاصة طبقة المثقفين الذين رأوا ما تسير عليه البلاد من تخلف، و من نهب لثرواتها علي يد الأجانب.
وكان لابد لهذا الظلام أن ينجلي، ولابد لهذه السحب السوداء أن تسوقها رياح الحرية الي منفاها البعيد..!
ولكن كيف جاءت النهاية؟
لنقرأ ما كتبه المؤرخ الدكتور محمود متولي:
'لابد لكل طاغية من نهاية، لأن التاريخ هو سلسلة من الصراع بين القوي الشيطانية بما تمثله من استبداد سياسي وظلم اقتصادي وانحراف اجتماعي وبين عاشقي الحرية ومناصري العدل والباحثين عن الأمن والاستقرار.
إن القوي الشيطانية التي جعلت سلاحها للسيطرة علي الشعب الارهاب والاباحية.. استطاعت عبر (باتستا) أن تضرب نطاقا من العزلة حول الجماهير وأن تعيق حركتها وتخدر قواها.
لقد سقط 'باتستا' تحت أقدام ذوي اللحي أنصار ذلك المحامي الذي امتهن القانون، وضايقه أن تسجن العدالة في بلده، وأقصد به (فيدل كاسترو) الذي تشبه ببطل كوبا القومي 'خوسيه مارتي' وفي الواقع أن شعب كوبا شعب ثوري بطبيعته لا يرضي الضيم ويأبي الظلم، ويدافع عن حقوقه، ومسلح بوعي سياسي يميزه عن بقية شعوب قارة أمريكا اللاتينية.
ومنذ انقلابه الذي قام به في 10 مارس سنة 1952 لم تسكت أصوات المعارضة ضده، وقام ضده كفاح سري تزعمه طلبة الجامعة وبعض العناصر النقابية، وشلت الاضرابات تفكير الديكتاتور وكان أقوي المعارضين هم جماعة 26 يوليو التي تزعمها فيدل كاسترو رئيس الحزب الأرثوذكسي في هافانا. وقامت هذه الجماعة بمحاولة فاشلة لطرد الديكتاتور (باتستا) قامت علي محاولات فردية للاعتداء علي كبار شخصيات الحكومة ثم في ديسمبر 1956 قامت محاولة جديدة لكن الطاغية قتل معظم الذين قاموا بها ومن هؤلاء الأبطال اثنا عشر رجلا هربوا الي جبال 'سبيرا مايسترا' مصممين علي مواصلة الكفاح لاسقاط حكم الطاغية، ولم يلبث أن انضم لهم في نهاية عام 1958 ما يقرب من عشرة آلاف متطوع.
إلا انه خلال عام 1957 هاجم بعض الفدائيين قصر الرياسة الذي يعيش فيه الطاغية بهدف اغتياله لكنهم فشلوا، وكانت أعمال المدنيين في المقاومة السرية متنوعة، حيث قاموا بحملات الدعاية ضد الحكومة وجمعوا ملايين الدولارات من الشعب بجميع صفوفه لشراء الأسلحة والمؤن لجيش الثوار.
ويقول مؤرخنا محمود متولي:
وكلما زاد الثوار عملياتهم الفدائية كلما زاد عنف واضطهاد حكومة (باتستا) للمعارضة، واعتادت منازل كوبا تلك الزيارات الليلية التي كان يقوم بها أعوان الطاغية، لاعتقال أي شخص، حيث يؤخذ المعتقلون الي مراكز البوليس وثكنات الجيش، وكان مصير المعتقلون ينتهي بمجرد اعتقالهم، وتعرض عشرات الألوف من الوطنيين في كوبا لتعذيب آثم. وتقول الاحصاءات أن ما يقرب من عشرين ألفا من المدنيين قتلهم الطاغية 'باتستا' ونظام حكمه، وكانت الجثث تشوه بحيث لا يمكن التعرف عليها، ولكن كان لابد للثورة أن تنتشر، وهكذا نجحت ثورة كاسترو سنة .1959

***
ومعروف أن هذا الطاغية هرب لاجئا الي جمهورية الدومينكان في الأول من يناير سنة 1959، تشيعه لعنات الجماهير التي اكتوت بنار حكمه، وسيظل حكمه صفحة سوداء في تاريخ هذه الدولة التي عرفت وذاقت حكم الطغاة.. ثم أخذت طريقها بعده ليكون لها دورها في عالم اليوم.