العروس القاتلة
الناقل :
elmasry
| الكاتب الأصلى :
admin
| المصدر :
www.qassimy.com
الفرحة الكبرى
من بين أحضان أمها غادرت دارين إلى أحضان زوج عطوف ودود .
لقد كانت ليلة الفرح من الليالي الجميلة والتي أختلطت فيها دموع الحزن مع دموع الفرح
ودعت الصغيرة دارين أمها في لحظة وكانت لحظة الوداع من أقسى اللحظات
مطاردة الأمل
السنين تمضي وكلمة ماما لا زالت غائبة
فامت بالليل تبكي وتدعو ربها
وفي النهار بحثت مع زوجها عن العلاج
وفي لحظات الانتظار بدا الأمل كشمعة تذوي في ليل شديد البرودة
صرخة الحياة
لم تستطع دارين أن تسمع صرخة صغيرها وهو يخرج إلى الحياة ، فقد كانت تحت تأثير المخدر بسبب العملية الجراحية التي أجريت لها .
محمد هو اسم صغيرها والذي استقبلت بسببه الموت وهي تبتسم تشتاق لقدومه
قبلته قبلة الحب ، فجرت على خدها دمعة الحزن ، حينما تذكرت المسافات البعيدة والتي تحول بينها وبين أمها .
امتدت يد الزوج تمسح دمعتها وتخفف آلامها
لقد منحتها تلك القبلة الحياة ، ومنحتها تلك اليد الحانية السعادة فحلقت في نشوة الفرح حتى كادت أن تقف على قدميها لولا تلك الكلمات الرقيقة : رفقاً بنفسك حبيبتي فلا زلت حديثة عهدٍ بجراحة
أغمضت عينيها وكأنها تقبض على السعادة بين أجفانها
العودة
عادت إلى المنزل تحمل صغيرها بين يديها وذراع زوجها تحاصرها ، تميل بجسدها إليه دلاً وفرحا
كل شيء في المنزل يبدو باسماً وكأنها ليلة الفرح الأولى
همست في أذنها : هذه غرفتك أخاف عليك من درجات السلم
في بيتنا خادمة
في بيتنا خادمة أمر لابد من حدوثه
جاءت تحمل فقرها وعمرها الذي تجاوز الخمسين
شعرت دارين بالراحة النفسية والجسدية معها
لكنها شعرت بالتعب والإرهاق
استأذنت في أن تحضر ابنتها معها لتساعدها
القرار الشجاع
أشتد التعب بالخادمة الأم ، غابت أياماً ، وحلت البنت جمالات محلها
جمالها وعنايتها بملابسها ، جعل نار الغيرة تشتعل في صدر دارين
واجهتها فلم تستجب ، قررت طردها من المنزل
تدخل الزوج : حبيبتي لا زلت متعبة ، ولم يتبق إلا أيام وتنتهي آلامك وتعودين كما كنت ، فلا تتعجلي بطردها
بداية المآساة
لم تعد الخادمة جمالات تغادر المنزل ، صارت تنام في غرفة قريبة دارين ترعاها وطفلها بالليل والنهار
ليل الألم
تسللت حمى النفاس إلى جسد دارين ، شعرت بها تغزو كل عضو من أعضائها ، سرت الرعشة في جسدها ، ارتفعت درجة حرارتها ، الزوج الحبيب لم يأت بعد ، صغيرها يبكي ويصرخ بجانب أمه التي لم تستطع أن تمد يدها إليه
ليل طويل يمضي والنوم لا يجد طريقاً لعينيها ، وصغيرها لا يتوقف عن البكاء
الصباح الأخير
طلع الصباح وصوت دارين ينبعث في أرجاء المنزل يبحث عن الخادمة جمالات فيعود خاسراً
تحاملت على نفسها ، استعانت بكل شيء أمامها ، صعدت درجات السلم ، وهناك ألقت نظرة على غرفة نومها المغلقة ، فتحت الباب لتلقي نظرة عليها
فتحت الباب ، دارت الأرض بها ، كادت أن تقع ، لم تصدق ما ترى
جمالات الخادمة تنام على سريرها وبملابس النوم
صرخت بها ، وبختها ، أنبتها ، من العيب أن تنامي في غرفة رجل غريب وبهذه الملابس ، رمقتها بنظرات الاحتقار
وهنا كانت الفاجعة التي هزت كيانها لقد صرخت بها جمالات : أرجوك ، أنا لست فاجرة ولا عاهر ، أنا هنا مثلك فأنت زوجة لأبي محمد وأنا كذلك ، لا فرق بيننا
الضحية
كانت المفاجأة أكبر من دارين ، اندفعت نحو جمالات لتصفعها ، لتنتقم منها
سقطت على الأرض تدفق الدم من بطنها
أم حمودي
عاد الزوج إلى المنزل ، أخذ ينادي أم حمودي ، أم حمودي ، دخل غرفتها لم يجدها سأل عنها الخادمة جمالات ، لقد صعد الطابق العلوي
أسرع نحو غرفة النوم فتح الباب ، نظر إليها ، وهي تتخبط في دمائها ، حركها وما تحركت ، وضع رأسها بين يديه ، لقد فارقت الحياة
صرخ : جمالات ، أقبلت ، وقفت على الباب ، أخذت تبكي وتولول
لماذا تركتيها تصعد إلى أعلى ؟
لقد حاولت منعها من الصعود لكنها رفضت
قضاء وقدر
لقد ماتت دارين بعد أن سقطت على يد الباب
قضاء الله وقدره أن تموت في غرفة نومها
أمسك الزوج بتقرير الطبيب الشرعي وورقة الدفن وتوجه والحزن يملأ قلبه نحو المقبرة ليودع الثرى الحب الأول في حياته أم حمودي
الأم الثكلى
بعد ثلاثة أيام من الحزن وصل الخبر الحزين إلى أم دارين ، انهمرت الدموع من عينيها ، خارت عزيمتها أنهارت قوتها ، سقطت على الأرض ، أمسك ابنها بها ، أمرت ابنها أن يستعد للسفر
كيف ماتت دارين ؟
انطلقت السيارة والدموع لم تتوقف ، كيف ماتت دارين ؟ كان السؤال الأول
أمسك الزوج بتقرير الطبيب الشرعي ، قضاء وقدر
قدم لها محمد حملته بين يديها أغرقته بدموعه راحت تقبله وتحتضنه سكن بين يديها تأملته : عينا دارين ، شفتا دارين ، أنامل دارين ، ضحكته بكاؤه كل شيء فيه يشبه دارين ، بكت بحرقة ، سكنت لحظة ثم قالت : سوف أخذ محمد معي
الحقيقة لا تخفى على الله
وقفت جمالات قريبة من زوجها ، نظرت إليها أم دارين ، سألته : من هذه ؟
فأجاب : هذه زوجتي تزوجته في حياة دارين
تسلل الشك إلى قلبها ، تحول الحزن إلى قوة خفية انبعثت في صوتها وهي تقول : اسمع يا أبا محمد إذا كانت الحقيقة اختفت عن المخلوق فلن تختفي عن الخالق .. فلن تختفي عن الخالق
سيدة القصر
تنقلت جمالات بين أرجاء الفيلا ، التي غاب عنها دارين وغاب عنها محمد ، ومع كل سنة جديدة كان المنزل على موعد مع صرخة جديد
رحلة الشقاء
ثمانية من البنين والبنات ، ومنزل رائع ، وزوج لا يبخل على الجميع بالبذل والعطاء
اقتربت جمالات من زوجها ، همست له : لماذا لا نذهب في رحلة إلى أحد المصائف ؟ منذ زمن بعيد لم نخرج معاً
سرت الهمسة إلى قلبه ، هز رأسه لا مانع لديّ
استعد الجميع للرحلة
انطلقت السيارة بهم حيث كانت المصيبة الكبرى تنتظرهم ، إنها مصيبة الموت ، التي نزلت بالجميع ما عدا جمالات وابنها الكبير
ولازالت العقوبة
استيقظت جمالات فلم تجد زوجها أمامها ، ووجدت الحقيقة التي غابت عنها ، لقد مات الجميع وبقي الابن الأكبر ، صعقت بالخبر ، عادت إلى غيبوبتها ، وعندما أفاقت كانت قد فقدت نصف جسدها الذي أصابه الشلل
بقايا أمل تتلاشى
لم تعد عينا جمالات قادرة على البوح بالدموع ، فقد جفت ، لم يبقى لها من الأمل سوى ابنها الوحيد تنتظر مجيئه ليعيدها إلى المنزل بعد ثلاث سنوات من الألم
مضت الدقائق والساعات لكنها لم يأت ، الأطباء والممرضين يتعاقبون عليها وفي أعينهم الكثير من علامات الاستفهام والدموع التي ترقرقت في أعينهم
تسلل الخوف إلى قلبها هل نسي الابن أمه ؟
هل قرر هجري ؟
صرخت بهم ما الذي يحدث ؟
وكانت الإجابة : لقد مات ابنك في حادث قبل أن يصل إليك ..
توبة ولكن ..
لقد فقدت كل شيء ، لقد انتقم الله مني ..
خسرت الزوج والأبناء خسرت صحتي
أرجوك يا أم دارين سامحيني ، سامحيني
أنا القاتلة وأنا القتيلة في كل لحظة وفي كل ثانية
ارحميني ، سامحيني ، كلمة منك تريحني ، أرجوك ، أمسكت أم دارين بمحمد ثم توجهت نحو الباب ، وقبل أن تغيب التفت إلى جمالات ثم قالت : حسبي الله ونعم الوكيل ، حسبي الله ونعم الوكيل ، هذا جزاء الدنيا وادعو لله أن يأخذ منك جزاء الآخرة وينتقم منك
نهاية الظلم
مات الأب ، منحت أخاها توكيل ، انطلق في حياة اللهو والفجور أنفق كل الأموال ، سافر إلى الخارج ، تركها رهينة الصدقات والحسنات ، رهينة الشلل النصفي ، رهينة العذاب النفسي .
وفي غرفة حقيرة ماتت جمالات ميتة شنيعة ..
لقد ماتت ولم يشعر الناس بها إلا وقد انتشرت رائحتها المنتنة في كل مكان .
ماتت بعد أن خسرت كل شيء ، كل شيء ..