سرعة الضوء هي "السرعة القصوى" في الكون والطبيعة؛ فلا وجود لشيء (جسماً كان أم جسيماً) يُمْكنه أنْ يَسْبِق الضوء، أو أنْ يسير بسرعة تتجاوز سرعته، فالأشياء جميعاً، وعلى ما نَعْرِف حتى الآن، إمَّا أنْ تصل مع الضوء وإمَّا أنْ تصل بعده. ولو سُئِلْت "كم هي سرعة الضوء؟"، لأجَبْتَ الإجابة التي حفظناها جميعاً عن ظهر قلب، وهي "300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة". لكنَّ هذه الإجابة الصحيحة، من حيث المبدأ والأساس، قد تغدو خاطئة، إذا لم نتمثَّل جيِّداً معاني الفرضية الشهيرة الثانية في نظرية "النسبية الخاصة" لآينشتاين، التي أعلنها ونشرها سنة 1905. بحسب هذه الفرضية، يسير الضوء في "الفراغ (Vacuum)" بسرعة ثابتة (لا تزيد، ولا تنقص) مقدارها بالضَّبْط 299.792.458 (أي 300.000 تقريباً) كيلومتر في الثانية الواحدة، على أنْ يقيسها "مراقِب مخصوص"، وليس أي مراقِب؛ وهذا "المراقِب المخصوص" هو "المراقِب غير المتسارِع، عديم الوزن، غير المتأثِّر بالجاذبية، والموجود هو نفسه في الفراغ، أو الفضاء الفارِغ، أي في خارج حقول الجاذبية، وبعيداً عنها". ثمَّة "مختبَر (محل، موضع) مخصوص"، يقيس منه المراقِب سرعة الضوء في الفراغ (وفي الفراغ فحسب) فيجدها دائماً 300 ألف كيلومتر في الثانية، تقريباً. وهذا "المختبَر المخصوص" يمكن أن نتخيَّله على هيئة "حجرة زجاجية (شفَّافة)"، موجودة في خارج حقول الجاذبية، بعيداً عن النجوم والكواكب..، وفي داخلها يُوْجَد مراقب، مزوَّد أدوات ووسائل وأجهزة للقياس، منها على وجه الخصوص، "ساعة"، و"متر" على هيئة "قضيب معدني". في هذا "الوسط (الفيزيائي) المثالي"، أي في هذا الفضاء الفارغ (من "المادة") والحُرُّ من الجاذبية، تسير (أي يجب أنْ تسير) هذه الحجرة (أو هذا "الإطار المرجعي" المخصوص) بسرعة ثابتة منتظَمة، وفي الاتِّجاه نفسه، أي في خطٍّ (أو مسارٍ) مستقيم. ليس مُهِمِّاً "مقدار" سرعتها؛ فإنَّ المهم، في هذا المثال، هو أنْ تسير بسرعة ثابتة؛ قد تكون 100 متر، أو 1000 كيلومتر، أو 100 ألف كيلومتر، أو 290 ألف كيلومتر، في الثانية الواحدة. المراقب في داخل هذه الحجرة (التي هي "إطار مرجعي"، أو "زمكان"، خاصٌّ به) هو مراقِب عديم الوزن، غير متسارِع، غير متأثِّر بالجاذبية. إنَّه مراقب موجود في داخل "مختبَرٍ ساكن"؛ فإنَّ السير في الفضاء بسرعة ثابتة منتظَمة، وفي مسارٍ مستقيم، هو، أيضاً، "حالة سكون". هذا المراقِب سيشرع الآن يُجْري تجارب عدَّة، يقيس من خلالها سرعة الضوء؛ لكنْ يُفضَّل أنْ نَعْرِف، أوَّلاً، "ما هي السرعة"، و"ما هو الضوء". الضوء يشبه مياه جارية؛ و"القطرة" هي، افْتراضاً أو تخيُّلاً، "الجزء الأصغر" من هذه المياه. أقول "افتراضاً أو تخيُّلاً"؛ لأنَّنا جميعاً نَعْلَم أنَّ "الجزيء (Molecule)"، وليس "القطرة"، هو هذا "الجزء الأصغر". و"القطرة" من الضوء هي جسيم يُدْعى "فوتون ((Photon"؛ وهذا الجسيم غير قابل للتجزئة، لا يملك شيئاً ممَّا يسمَّى "كتلة السكون (Rest Mass)"، وينبغي له، من ثمَّ، أن يسير بسرعة 300 ألف كيلومتر في الثانية. و"القطرة (من الضوء)"، أو (في تشبيه آخر) الصُرَّة، أو الحزمة، أو الرزمة، منه (أي جسيم "الفوتون") هي كوعاء يحتوي "طاقة". الضوء يسير وينتشر، يُطْلَق ويُمْتَص، على هيئة "صُرَر (Packets, Bundles) تحتوي طاقة". والجسيمات على نوعين: نوع كجسيم الضوء (الفوتون) لا يملك ما يسمَّى "كتلة السكون"، ونوع كجسيم الإلكترون يملكها؛ وكل جسيم يملك شيئاً من "كتلة السكون" لا يُمْكنه أبداً أن يسير بسرعة الضوء. إنَّ الضوء هو الشيء الذي بفضله نرى الأشياء؛ وإنَّ معظمه يأتي من أشياء تُطْلِق حرارةً. بعضٌ من المادة (كالهواء والزجاج والماء) يَخْتَرقه الضوء؛ وبعضٌ منها يرتدُّ عنه (أي لا يَخْتَرِقه). وفي أمْر "السرعة"، نسأل: ما معنى أن تقول إنَّ هذا الجسم يسير بسرعة 100 متر في الثانية الواحدة؟ معناه هو أنَّ هذا الجسم يسير "مبتعداً عنك"، أو "مقترباً منك"، 100 متر في كل ثانية؛ فهو بعد 10 ثوانٍ من انطلاقه من حيث تَقِف، مبتعداً عنك، مثلاً، يصبح على بُعْد 1000 متر منك. السرعة (كل سرعة غير سرعة الضوء) يجب أن تكون "نسبية"؛ فهل من جسم يسير بسرعة معيَّنة؛ لكن من غير أن يكون هناك جسم آخر، أو شيء آخر، يبتعد عنه، أو يقترب منه، ذلك الجسم السائر؟! الجسم A والجسم B يسيران في الفضاء جنباً إلى جنب؛ وكلاهما يسير بسرعة 80 متراً في الثانية. كلاهما يرى الآخر ساكناً، فإذا أسرع الجسم A وسار بسرعة 100 متر في الثانية؛ لكن في الاتجاه نفسه، فإنَّ الجسم B الذي يَعْتَبِر نفسه ساكناً سيرى أنَّ الجسم A يسير (إلى الأمام) مبتعداً عنه بسرعة 20 متراً في الثانية؛ أمَّا إذا أسرع الجسم A وسار، في اتِّجاه معاكس، بسرعة 100 متر في الثانية، فإنَّ الجسم B الذي يَعْتَبِر نفسه ساكناً سيرى أنَّ الجسم A يسير (إلى الوراء) مبتعداً عنه بسرعة 180 متراً في الثانية. إنَّ سرعة الجسم لا تتعيَّن إلاَّ نِسْبَةً إلى جسم آخر، ومن خلال إحدى عمليتين حسابيتين (عملية الطرح أو عملية الجمع). وليس في الكون كله من جسم واحد (ساكن) يَصْلُح لتعيين كل سرعة (في الكون) نِسْبَةً إليه. في الفراغ، يسير الضوء (الذي في جزئه الأصغر يشبه "رصاصة" أو "قذيفة") بسرعة ثابتة، مقدارها 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة (تقريباً). ويسير في الاتِّجاه نفسه، أي في خطٍّ (أو مسارٍ) مستقيم. وتعيين "السرعة (Velocity)"، على وجه العموم، إنَّما يَسْتَلْزِم تعيين شيئين هما "المقدار (أو الكمية)"، أي "مقدار الحركة"، و"الاتجاه" الذي فيه يتحرَّك الجسم أو الجسيم. إذا كنت موجوداً في "الفضاء الفارغ (من المادة)"، أي في خارج حقول الجاذبية، وقِسْتَ سرعة "رصاصة ضوئية (أي الضوء)" أطْلَقْتَها، وأنتَ واقِفٌ، ثابتٌ، لا تتحرَّك، فسوف تجدها 300 ألف كيلومتر في الثانية؛ فهذه "الرصاصة"، وبصرف النظر عن الاتِّجاه" الذي فيه تتحرَّك، تبتعد عنك 300 ألف كيلومتر كل ثانية، أي أنَّها بَعْد 10 ثوانٍ، مثلاً، تصبح مبتعدةً عنك 3 ملايين كيلومتر. إذا أطْلَقْتها في الاتجاه نفسه الذي تسير فيه بسرعة ثابتة مقدارها 100 ألف كيلومتر في الثانية (مثلاً) فإنَّ سرعتها تظل، بحسب قياسك لها، 300 ألف كيلومتر في الثانية؛ إنَّها لن تكون 200 ألف كيلومتر في الثانية. وإذا أطْلَقْتها في الاتجاه نفسه الذي تسير فيه بسرعة ثابتة مقدارها 250 ألف كيلومتر في الثانية (مثلاً) فإنَّ سرعتها تظل، بحسب قياسك لها، 300 ألف كيلومتر في الثانية؛ إنَّها لن تكون 50 ألف كيلومتر في الثانية. وإذا أطْلَقْتها في الاتجاه المعاكس وأنتَ تسير بسرعة ثابتة مقدارها 250 ألف كيلومتر في الثانية (مثلاً) فإنَّ سرعتها تظل، بحسب قياسك لها، 300 ألف كيلومتر في الثانية؛ إنَّها لن تكون 500 ألف كيلومتر في الثانية. إنَّ سرعة الضوء (في الفراغ) ومهما كان اتِّجاهها لا تتأثَّر أبداً بسرعة المراقب (الموجود في خارج حقول الجاذبية) ما دامت سرعة هذا المراقب ثابتة المقدار والاتجاه؛ وبهذا المعنى نفهم سرعة الضوء على أنَّها "سرعة مُطْلَقَة"؛ فسرعة الضوء لا تعتمد على سرعة المراقب الذي يقيسها، ولا على سرعة مَصْدَر هذا الضوء. في "الفضاء الفارغ (من المادة)"، أو في خارج حقول الجاذبية، "فحسب" يسير الضوء (في خطٍّ مستقيم) بسرعة ثابتة مقدارها 300 ألف كيلومتر في الثانية، مهما كان اتِّجاه حركته أو سرعته، ومهما كانت سرعة "مَصْدَر" هذا الضوء، "إذا ما (أي بـ "شرط")" كان المراقب الذي يقيسها موجوداً هو أيضاً في هذا الفضاء نفسه، ويسير بسرعة ثابتة (مهما كان مقدارها) في الاتِّجاه نفسه، أي في خطٍّ، أو مسارٍ، مستقيم. هذا المراقب يكفي أنْ "يتسارع" كأنْ يزيد مقدار سرعته (أو يحيد عن الاستقامة في خطِّ سيره) حتى تتغيَّر سرعة الضوء في الفراغ؛ فكلَّما زادت سرعته (مثلاً) زادت سرعة الضوء (في الفراغ) بحسب قياسه لها؛ إنَّها لن تظل 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة؛ فهي يمكن أن تصبح (مثلاً) 400 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة. مراقبنا هذا كان موجوداً في داخل حجرة (زجاجية) صغيرة الحجم والكتلة؛ وهذه الحجرة (الموجودة في خارج حقول الجاذبية، أو في "الفضاء الفارغ") كانت غير متسارعة؛ لأنَّها كانت تسير بسرعة ثابتة منتظَمة، في خطٍّ مستقيم. وهذا إنَّما يعني أنَّ مراقبنا هذا كان وزنه صفراً؛ ففي داخل حجرته لا وجود لأيِّ أثر للجاذبية. الآن تسارعت حجرته، أي تزايدت سرعتها (مثلاً). لو ظلَّت تسير في الاتِّجاه نفسه؛ ولكن بسرعة تزداد كل ثانية بما يسمح بتوليد جاذبية في داخلها تَعْدِل، لجهة شدتها، الجاذبية عند سطح الكرة الأرضية، فإنَّ مراقبنا سيكتسب وزناً مماثلاً لوزنه على سطح الأرض. وإذا ظلَّت الحجرة تسير بالتسارع الذي يولِّد في داخلها جاذبية تَعْدِل، لجهة شدَّتها، الجاذبية الأرضية، بالغةً، بعد انقضاء زمن معيَّن، سرعةً تقارب سرعة الضوء، فإنَّ مراقبنا لن يرى سرعة الضوء في الفراغ تفوق سرعته الاسمية (300 ألف كيلومتر في الثانية). ولو كانت سرعة الحجرة تزداد كل ثانية بما يسمح بتوليد جاذبية في داخلها تَعْدِل، لجهة شدتها، الجاذبية عند سطح "نجم نيوتروني"، مثلاً، لاكتسب مراقبنا نفسه وزناً هائلاً جدَّاً؛ وإنَّ تباطؤ (أو تأخُّر، أو تمدُّد، أو انحناء) الزمن (في داخل هذه الحجرة مثلاً) هو من العواقب المترتبة حتماً على كل تسارع، وعلى التسارع الهائل، ولو ظلَّ ثابتاً. تخيَّل أنَّ سرعة تلك الحجرة كانت تزداد 1000 متر في الثانية، كل ثانية. عندئذٍ تصبح الثانية الواحدة عند مراقبنا أطول كثيراً من الثانية الأرضية، ويصبح متره، الموجود على هيئة قضيب معدني، أقصر كثيراً من المتر الأرضي. وقياس السرعة (كل سرعة) إنَّما يستلزم وجود "الساعة" و"المتر". افْتَرِضْ أنَّ مراقبنا المتسارع هذا قد قاس سرعة الضوء في الفراغ فوجدها 500 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة. إنَّ هذه الزيادة النسبية (أي نسبةً إليه) في سرعة الضوء (في الفراغ) هي النتيجة المترتبة حتماً على تباطؤ الزمن، وتقلَّص المتر. وهذا التقلُّص، وذاك التباطؤ، هما النتيجة المترتبة حتماً على تسارع تلك الحجرة (مع ما يولِّده هذا التسارع من جاذبية في داخلها). إذا ظلَّت تلك الحجرة تسير بالتسارع نفسه فإنَّ سرعة الضوء (في الفراغ) تظل هي نفسها (500 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة) من وجهة نظر مراقبنا، ولو أصبحت حجرته (بعض انقضاء زمن معيَّن) تسير بسرعة تقارب سرعة الضوء؛ فإنَّ "التسارع الثابت" لا يزيد بطء (أو تمدُّد، أو انحناء) الزمن، ولو أدَّى إلى جَعْل تلك الحجرة تسير بسرعة تقارِب سرعة الضوء. أمَّا إذا أردت جَعْل سير الزمن في الحجرة أبطأ من ذي قبل فإنَّ عليك أنْ تزيد التسارع نفسه (وأنْ تولِّد، من ثمَّ، في داخل الحجرة جاذبية أشد وأقوى). افْتَرِضْ أنَّك فَعَلْتَ هذا (أي زِدتَّ التسارع نفسه) فهل تظل سرعة الضوء في الفراغ مثلما قِسْتها من قبل؟ كلاَّ، لن تظل؛ فهي قد تصبح الآن 700 ألف كيلومتر في الثانية. الحجرة بتسارعها الثابت والكبير لا بدَّ لها من أن تبلغ، بعد انقضاء زمن معيَّن، سرعة تقارب سرعة الضوء؛ فإذا توقَّفت عن التسارع، وظلَّت تسير (في الاتِّجاه نفسه) بسرعة ثابتة منتظَمة مقدارها (مثلاً) 250 ألف كيلومتر في الثانية، فإنَّ مراقبنا سيجد سرعة الضوء في الفراغ، لدى قياسه لها، قد عادت لِتَعْدِل سرعته الاسمية (300 ألف كيلومتر في الثانية). مراقبنا غير المتسارِع وَضَعَ في طريق الضوء (أو الرصاصة الضوئية، أو "الفوتون") جداراً سميكاً من الزجاج، فوجد أنَّ سرعة الضوء قد قلَّت قليلاً عن 300 ألف كيلومتر في الثانية في أثناء سيره في داخل هذا الجدار؛ لكنَّ الضوء ما أنْ خرج من الجدار الزجاجي إلى الفراغ، أو الفضاء الفارغ، حتى استأنف السير بسرعته الاسمية، أي بسرعة 300 ألف كيلومتر في الثانية؛ فسرعة الضوء تقلُّ قليلاً جداً عن سرعته الاسمية في أثناء اختراقه بعض المواد، كالهواء والماء والزجاج؛ وفي أثناء سيره في معظم أجزاء الفضاء بين النجوم؛ ويتناسب التضاؤل في سرعة الضوء مع كثافة المادة المنتشرة في الفضاء بين النجوم. الآن، أراد مراقبنا غير المتسارِع، والموجود في الفضاء الفارغ، أو في خارج حقول الجاذبية، أنْ يقيس سرعة الضوء الذي يسير ليس في الفضاء الفارغ وإنَّما على مقربة من "ثقب أسود"، أي في الفضاء الأقرب إلى سطح "الثقب الأسود"، والمسمَّى "أُفْق الحدث"؛ لقد قاسها، فوجدها تساوي بضعة أمتار في الثانية الواحدة. لِنَفْتَرِضْ أنَّ هذا المراقب، مع حجرته، انطلق نحو "ثقب أسود"؛ ثمَّ شرع يسقط سقوطاً حرَّاً نحو سطحه، بعد دخوله حقل الجاذبية الخاص بهذا الجسم (أي "الثقب الأسود"). في أثناء سقوطه الحر هذا، أطلق مراقبنا من "مسدَّسه" الضوئي "رصاصة" ضوئية في الفضاء المحيط به، والذي يسقط فيه؛ ثمَّ قاس سرعتها، فوجدها 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة. مراقبنا هذا، مع حجرته، يسقط سقوطاً حرَّاً؛ وهذا إنَّما يعني أنَّ حجرته (وهو أيضاً) تسقط نحو سطح "الثقب الأسود" بسرعة تزداد كل ثانية ازدياداً ثابتاً؛ لكن هائلاً. هذه الحجرة هي الآن في تسارع ثابت لم تتسبَّب به "قوَّة خارجية"، فأيُّ جسم يسقط سقوطاً حرَّاً ضمن أيِّ حقل من حقول الجاذبية لا بدَّ له من أن يتسارع، في سقوطه، تسارعاً ثابتاً (معيَّناً). وفي أثناء هذا السقوط الحر، وبسببه، لا يَعْرِف مراقبنا شيئاً من الجاذبية في داخل حجرته، فهنا لا وجود للجاذبية، مع أنَّ الحجرة نفسها تسقط (سقوطاً حرَّاً) ضمن حقل للجاذبية الشديدة. كل جسم في داخل هذه الحجرة الساقطة يفقد وزنه؛ وكأنْ لا فَرْق يُذْكَر بين أن يكون مراقبنا في داخل حجرته التي تعوم بحرية في خارج حقول الجاذبية وبين أن يكون في داخلها وهي تسقط سقوطاً حرَّاً ضمن حقل للجاذبية. ولو دارت الحجرة نفسها حول "الثقب الأسود" بسرعة ثابتة المقدار فإنَّ هذا الدوران لا يأتي بما يجعله مختلفاً عن "السقوط الحر"، فـ "الدوران (ولو بسرعة ثابتة المقدار)" هو نوع من "السقوط الحر"، فلا يرى مراقبنا، من ثمَّ، في داخل حجرته الدائرة شيئاً من الجاذبية، مع أنَّ الحجرة نفسها تدور ضمن حقل الجاذبية (الخاص بـ "الثقب الأسود"). رأينا أنَّ سرعة الضوء التي قاسها مراقبنا في محله (أو موضعه) وهو يسقط سقوطاً حرَّاً نحو سطح "الثقب الأسود" تَعْدِل سرعته الاسمية (300 ألف كيلومتر في الثانية). إذا أراد مراقبنا الآن، حيث يسقط سقوطاً حرَّاً، قياس سرعة الضوء الذي يسير على مقربة من سطح "الثقب الأسود" فسوف يجدها تقلُّ كثيراً عن سرعته الاسمية؛ أمَّا إذا أراد، في الوقت نفسه، أن يقيس سرعة الضوء الذي يسير في الفضاء البعيد عن "الثقب الأسود"، وفي خارج حقول الجاذبية، فسوف يجدها تفوق أضعافاً مضاعفةً سرعته الأسمية؛ فهو، أي مراقبنا، يمكن، مثلاً، أن يجد سرعة الضوء الذي يسير في خارج حقول الجاذبية 100 مليون كيلومتر في الثانية الواحدة؛ وقد يجدها تريليون كيلومتر في الثانية الواحدة! وهذا يُظْهِر الفرق النوعي والكبير بين أن يكون مراقبنا في داخل حجرته يعوم بحرية في خارج حقول الجاذبية وبين أن يكون في داخلها وهي تسقط سقوطاً حرَّاً ضمن حقل الجاذبية الخاص بـ "الثقب الأسود"، أو ضمن أي حقل للجاذبية. مراقبنا أراد، في أثناء سقوطه الحر، أنْ يقاوِم هذا السقوط، مسْتَعْمِلاً "قوَّة خارجية"، هي صواريخ حجرته، فأطلق هذه الصواريخ، دافعاً حجرته في اتِّجاه معاكس (أي إلى أعلى). من قَبْل، كانت حجرته تسقط سقوطاً حرَّاً (متسارعاً تسارعاً ثابتاً) نحو سطح "الثقب الأسود"؛ أمَّا الآن (أي بعد إطلاقه لصواريخ حجرته) فأصبحت تصعد إلى أعلى، مقاوِمةً السقوط الحر؛ لقد أصبحت متسارعة تسارعاً تسبَّبت به تلك "القوَّة الخارجية". وبسبب تسارعها هذا تولَّدت في داخلها جاذبية. من قَبْل (أي في أثناء السقوط الحر) قاس مراقبنا سرعة الضوء في محله، أو موضعه، فوجدها 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة؛ أمَّا الآن (أي في أثناء تسارع حجرته إلى أعلى بفضل إطلاق صورايخها) فوجدها أكثر من 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة؛ لقد وجدها، مثلاً، 500 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة. وتعليلاً لهذا الفرق في سرعة الضوء المحلية نقول إنَّ تسارع الحجرة (بسبب تلك "القوَّة الخارجية") جَعَل الزمن في داخل الحجرة أبطأ، والمتر أقصر، فانعكس هذا التغيُّر وذاك في قياس مراقبنا لسرعة الضوء في محله، أو موضعه. مرَّة أخرى قرَّر مراقبنا (الذي يتسارع الآن ضدَّ السقوط الحر) أن يقيس سرعة الضوء الذي يسير على مقربة من سطح "الثقب الأسود". لقد قاسها فوجد أنَّها أقل بُطْئاًً من ذي قبل. ولمَّا قاس سرعة الضوء في خارج حقول الجاذبية وجدها أقل قليلاً من ذي قبل، وإنْ ظلت تفوق أضعافاً مضاعفةً سرعته الاسمية. مراقبنا قرَّر أن يتوقَّف عن مقاومة السقوط الحر، وأنْ يَسْتأنِف، من ثمَّ، سقوطه الحر نحو سطح "الثقب الأسود"؛ فدعونا نتخيَّل أنَّه يقف الآن على هذا السطح. من موضعه الجديد هذا (أي من "إطاره المرجعي" الجديد، أو من "زمكانه" الجديد) قاس سرعة الضوء في خارج حقول الجاذبية، فوجدها، مثلاً، 1000 (أو 100000) مليون كيلومتر في الثانية الواحدة؛ وهذا الرقم الهائل إنَّما يعكس البطء الشديد للزمن عنده، والتقلُّص الهائل لمتره. تخيَّل الآن أنَّ في الفضاء الملاصِق لسطح "الثقب الأسود" يمتد أنبوب شفَّاف، طوله، بحسب قياس مراقبنا الموجود على سطح "الثقب الأسود"، 900 ألف كيلومتر. من أحد طرفيه (الطرف A) انطلقت "رصاصة ضوئية (أو "فوتون")"، فسارت في داخله حتى خرجت من طرفه الآخر (الطرف B). مراقبنا أراد قياس سرعة هذا الضوء، فوجدها 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة؛ ذلك لأنَّ تلك "الرصاصة الضوئية" قطعت المسافة 900 ألف كيلومتر في الثانية في 3 ثوانٍ؛ فهل يوافقه الرأي مراقِبٌ يعوم بحرية في خارج حقول الجاذبية؟ كلاَّ، لا يوافقه. هذا المراقب غير المتسارع (أي الذي يعوم بحرية في الفضاء الفارغ) سيقول لمراقبنا (الموجود على سطح "الثقب الأسود") إنَّ طول ذلك الأنبوب، من وجهة نظري أنا، ليس 900 ألف كيلومتر؛ وإنَّما 300 متر فقط (مثلاً). وسيقول له أيضاً إنَّ الثانية الواحدة عندك تَعْدِل (مثلاً) 50 ثانية عندي؛ وإنَّني، من ثمَّ، أرى أنَّ تلك "الرصاصة الضوئية" قد اجتازت أنبوباً طوله 300 متر في 5 ثوانٍ، أي أنَّ سرعة الضوء عندك، ومن وجهة نظري أنا، ليست 300 ألف كيلومتر في الثانية، وإنَّما 6 أمتار في الثانية. ولنتخيَّل الآن أنَّ أنبوباً شفَّافاً يمتد في "الفضاء الفارغ"، أو في خارج حقول الجاذبية، وأنَّ طوله، من وجهة نظري أنا المراقب غير المتسارع، أي الذي يعوم بحرية في هذا الفضاء، يبلغ 900 ألف كيلومتر. لقد انطلقت "رصاصة ضوئية" من طرفه A فخرجت من طرفه B، قاطعةً تلك المسافة في 3 ثوانٍ، فكانت سرعتها، من ثمَّ، ومن وجهة نظري، 300 ألف كيلومتر في الثانية. مراقبنا الموجود على سطح "الثقب الأسود" لن يوافقني هذا الرأي، وسيقول لي إنَّ طول هذا الأنبوب ليس 900 ألف كيلومتر، وإنَّما 9 ملايين كيلومتر، وإنَّ "الرصاصة الضوئية" لم تقطع تلك المسافة في 3 ثوانٍ، وإنَّما في نصف ثانية مثلاً؛ وهذا إنَّما يعني (بحسب وجهة نظر مراقبنا الموجود على سطح "الثقب الأسود") أنَّ سرعة الضوء لديَّ لم تكن 300 ألف كيلومتر في الثانية، وإنَّما 18 مليون كيلومتر في الثانية. إذا نظر المراقب غير المتسارع (الموجود في "الفضاء الفارغ"، بعيداً عن "المادة" وحقول الجاذبية) إلى ضوء يسير في الفضاء الأقرب إلى سطح كوكب شديد الجاذبية، وإلى ضوء آخر يسير في الفضاء الأقرب إلى سطح كوكب ضعيف الجاذبية، فسوف يجد أوَّلاً أنَّ سرعة الضوء في كلا الكوكبين تقلُّ عن سرعة الضوء عنده (أي تقل عن 300 ألف كيلومتر في الثانية). وسوف يجد، من ثمَّ، أنَّ الضوء في الكوكب الأوَّل أبطأ من الضوء في الكوكب الثاني.