أدب الاستقرار والتدرج نحو الزخرف إلى حدّ الإغراق في الصنعة :
زمنيا من القرن العاشر الميلادي إلى آخر العصر العباسي
المطلون دراسته :
1-يمثله في الشعر : المتنبي -وأبو فراس الحمداني - وأبو العلاء المعري - والشريف الرضي و سندرس أبا العلاء المعري
2- يمثله في النثر : ابن العميد
– وابن الفارض في التزامهما السجع والإكثار من المحسنات البديعيّة والاقتباس
3- الفن القصصي: سيرة عنترة – وألف ليلة وليلة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــ
أدب الاستقرار والتدرج نحو الصنعة والجمود
تحولت الكتابة في هذا العصر إلى زيّ مستظرف يأخذ به كلّ متأدب وإلى جانب الشعراء الكبار كثر الشعر الذي
تسرب إليه الجمود والآن نتناول بغض أعلامه
أبو العلاء المعري أحمد بن عبد الله بن سليمان المعري عاش بين ( 363 – 449 ) والمعرّي نسبة إلى موطن رأسه معرة النعمان
كان واسع المعرفة ما=لمّاً بالثقافة والتاريخ والمذاهب طويل الباع في اللغة والأدب قال عنه التبريزي :
(ما أعرف أن العرب نطقت بكلمة ولم يعرفها المعري ) اجتمع في شخصه علم واسع وذكاء وقّاد وحافظة قويّة
وشعور رقيق ومزاج عصبي جعله دائم الشكّ والتشاؤم
أسلوبه :
استخدم الغريب من المفردات والإشارات التاريخيّة وصاغ صور القدماء صياغة جديدة والتزم رسالة الأدب وقدّم للثقافة العربيّة عطاء متميّزا
أغراضه الشعرية :
الرثاء : جمع في رثائه صدق اللوعة وعمق الفكر وحرارة العاطفة والحكمة العميقة والصور الرائعة ومن قصيدة في رثاء صديقه أبي حمزة الفقيه تجاوزه إلى رثاء الإنسانية جمعاء قال : غير مجد في ملتي واعتقادي نوح باك ولا ترنم شاد وشبيه صوت النعي إذا قبس بصوت البشير بكل ناد صاح هذي قبورنا تملأ الأرض فأين القبور من عهد عاد خفف الوطأ ما أظنّ أديم الأر ض إلا من هذه الأجساد وقبيح بنا إذا قدم العصـر هوان الآباء والأجـداد ربّ لحد قد صار لحداً مراراً ضاحكا من تزاحم الأضداد
الوصف : سق المعري المبصرين في وصفه وأكثر وصفه في المعنويات وفيه الكثير من التشبيه والتمثيل .
فقال في وصف الليل:
ليلتي هذه عروس من الزن ج عليها قلائد من جمان
هرب النوم عن جفوني فيها هرب الأمن عن فؤاد الجبان
وكأن الهلال يهوى الثريا فهما للوداع معتنقان
وسهيل كوجنة الحب في اللو ن وقلب المحب في الخفقان
المدح :
تقليدي في مجمله بعضه في الأمراء والسلاطين وتكثر فيه المبالغات والعناية بالصنعة ويتحوّل إلى بحث عقلي
ليس فيه من الشعر إلا الوزن وبعض الصّور ومن ذلك قوله :
والكبر والحمد ضدان اتفاقهما مثل اتفاق فناء السن والكبر
يجني تزايد هذا من تناقص ذا والليل إن طال غال اليوم بالقصر
وآخر في أصدقائه يتسم بالعاطفة الصادقة قال في القاضي أبي محمد التنوخي :
و قاض لا يزال الليل عندي وطول نهاره بين الخصوم
يكون أبرّ بي من فرخ نسر بوالده وألطف من رحيم
آثاره :
اللزوميّات ديوان كبير مرتب على حروف الهجاء فيه تأمل ونقد للحياة وقد التزم في قوافيه حرفا أو أكثر قبل الويّ
سقط الزند : جمع فيه ما نظمه في صباه
رسالة الغفران : رحلة خياليّة كتبها على صورة رسالة ووجّهها لابن القارح وطاف به الجنّة والنار وأجاب فيها عن مسائل ،وقدّم آراء
أدبيّة ولغويّة ونقداً اجتماعيا ممزوجا بالتهكم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشريف الرضيّ محمد بن الحسين (359 -406 ) هجريّة
أغراض شعره :
الرثاء : رثاء الأهل والأصدقاء وهو حافل بذكر الألم والمرارة والتوجّع والشكوى، رثاء الملوك فيه حكم
واعتبارات من الحياة والموت، له طابع رسمي ، رثاء الحسين وهو وصف وتهديد بالثأر وكلام حزين حكيم
قال يرثي صديقا :
إلا يكن جسدي أصيب فإنني فرقته فدفنته أعضاء
الفخر : فخره شدة ولين وشكوى وتوعّد وهو قسمان :
- فخر بقومه فيه العزّة والمحبة والحزن وكلّه إعجاب بآل البيت
فال مفتخراً بقومه :
كالصخر إن حلموا ،والنار إن غضبوا والأسد عن ركبوا والوبل إن بذلوا
- فخر بنفسه والطامحة إلى العلياء والمعجبة بصفاتها وأخلاقها وشاعريتها
قال مفتخراً بشاعريته :
شعر أثير به العجاج بسالة كالطعن يدمي والقنا تتحطّم
وفصاحة لولا الحياء لهجّنت أعلام ما قال الوليد ومسلم
المدح : لم يمدح للتكسب فالشعر عنده حاجة نفسيّة ، قلّد المتنبي في مدحه ،ولكنه لم يبلغ شأنه .مدح الأمراء والخلفاء والملوك
والعظماء كما مدح أقاربه ولاسيما والده
وقال يمدح الخليفة العباسي :
مهلا أمير المؤمنين فإننا في دوحة العلياء لانتفرق
ما بيننا يوم الفخار تفاوت أبداً كلانا في المعالي معرق
إلا الخلافة ميزتك، فإنني أنا عاطل منها وأنت مطوّق
قال يمدح والده :
إقبال عزّ كالأسنة مقبل يمضي وجدّ في العلاء جديد
وعلا لأبلج من ذؤابة هاشم يثني عليه السؤدد العقود
الوصف : امتاز وصفه بالألوان المبتكرة التي لا تخلو من رونق الصنعة المحببة ، بعض وصفه في الطبيعة و آخر في وصف
الطير والحيوان وركب الحجيج 0
فقال يصف الحيرة :
أين بانوك أيّها الحيرة البيضا ء والموطئون منك الديار
والأولى شقّقوا ثراك من العش ب وأجروا خلالك الأنهار
وحموا أرضك الحوافر حتى لقبوا أرضها خدود العذارى
الغزل : غزاه شديد اللصوق بنفسه فيه اللوعة والصدق والإحساس العميق وعشقه نزاع بين العقل والقلب وظلّ في غزله يترسم خطى
العذريّن ويستعير أساليب الأقدمين فيحمل الريح تحياته وأشواقه ويذكر الودع ويكثر السؤال في لوعة حارة وعاطفة دافقة ، ولهجة
بدويّة لكنه ابتكر في وصف اللوعة والشوق ،وفاض شعره بالكلام اللين العذب السلس الساحر بموسيقاه وهذا واضح في : ( الحجازيات )
قال متغزلاً :
عفافك من دون التقيّة زاجر وصونك من دون الرقيب رقيب
عشقت وما لي يعلم الله حاجة سوى نظري والعاشقون ضروب
وقال أيضا :
وتلفّتت عيني فمذ خفيت عنها الطلول تلفّت القلب
وقال مشبها الحب بالداء :
داء طلبت له الأساة فلم يكن إلا التعلل بالدموع طبيب
ومن غزله أيضا هذه الأبيات الجميلة :
يا ضبية البان ترعى في خمائله ليهنك اليوم أن القلب مرعاك
الماء عندك مبذول لشاربه وليس يرويك إلا مدمعي الباكي
وعد لعينيك عندي ما وفيت به يا قرب ما كذبت عينيّ عيناك
أنت النعيم لقلبي والعذاب له فما أمرك في قلبي وأحلاك
أسلوبه : شعره مزيج من البداوة والحضارة دون خشونة بل فيه ليونة وزخرف ،كثرت فيه أساليب الوجدان وحفل بالموسيقى الساحرة
آثاره : ديوان الشريف الرضيّ ومجموعة نهج البلاغة – كتاب الخصائص – الحجازيات
النثر في عصر الاستقرار والجمود
الترسّل :
تدرّجت أساليب الكتابة الأدبيّة نحو التنميق والزخرف وكثر البديع والسجع مما جعل الكتابة صناعة محضة
يهتم فيها الكاتب بالمبنى أكثر من اهتمامه بالمعنى. إنّ كبار كتّاب الدواوين في العصر العباسي الثاني سلمت
كتاباتهم من التردي وحافظت على روح البلاغة العربية ولكن المتأخرين من كتّاب هذا العصر افتقروا إلى الذوق
السليم والثقافة الكافية وامتلاك أسرار الوشيّ فانحطّت أساليبهم وجمدت أفكارهم وخانهم الابتكار فكان الانحدار.
ابن العميد :
أبو الفضل محمد بن الحسين ( 360 ) هجريّة
كان واسع الثقافة كثير الحفظ ملمّاً بضروب الثقافة في عصره فسمّي : بالجاحظ الثاني
أثاره له مجموعة رسائل في النصح والعتاب
رأس مدرسة كتابية متميّزة ، يقوم أسلوبه على الخرف والتنميق وفيه إيقاع موسيقيّ جميل ،قوامه السجع والعبارة القصيرة
والتصوير والتلوين ، يدمج البديع بضروب البيان مثل قوله :
(لا جرم إني وقفت بين ميل إليك وميل عليك أقدم رجلاً لصدك و أؤخر أخرى عن صدّك 00)
كما أكثر من التوازن والترادف والإطناب في مثل قوله :
( قد يغرب العقل ثمّ يؤوب ، ويغرب اللبّ ثمّ يثوب ، ويذهب الحزم ويفسد العزم ثمّ يصلح 000 )
وكان بارعاً باستخدام أحرف الجرّ وسائر الروابط الكلاميّة ، والإغراب في الإشارات التاريخيّة واللغويّة والعلميّة