حوار مع الدكتورة / رقية المحارب
الدكتورة رقية المحارب الأستاذة في كلية البنات في الرياض ، إحدى البارزات في مجال الدعوة النسائية ، ومن المهم أن نتعرف إلى توجهات العمل الدعوي النسائي : الواقع والطموحات ، كما أنه من المهم أن نتعرف إلى بعض قضايا المرأة من وجهة نظر المرأة نفسها ، ومن إحدى الناشطات في الدعوة النسائية ، لذلك كان لنا معها الحوار التالي :
1 : كيـف ترين واقع الدعوة في الوسط النسائي في المملكة ؟ وفي الخليج عامة ؟ ج: يقول تعالى : (ولئن شكرتم لأزيدنّكم) [إبراهيم : 7] ونحن نتوجه بالشكر إلى الله عز وجل على ما في مجتمعنا من دعوة وخير وعلم ، ولا شك أن الطموحات كبيرة لكن ما نراه - ولله الحمد - من مظاهر العودة إلى دين الله ، والحرص على الأعراض ، ونشوء شابات حريصات على الدعوة ، وهن في سن السادسة عشرة والثامنة عشرة أمر يسر ويثلج الصدر ، ومدارس تحفيظ القرآن المنتشرة في كل قرية ومدينة تملأ قلوبنا بالتفاؤل ، وتدفعنا إلى مزيد من العمل من أجل تسديد المسيرة الدعوية والاهتمام بالعلم الشرعي نشرًا وتعليمًا في أوساط البنات . كذلك ما نراه في الكليات والمدارس من نشاطات المصليات واللجان الثقافية والاجتماعية وغيرها يدل على نهضة دعوية مباركة لا تزال في بداياتها بحكم أن الدعوة في أوساط النساء كانت مهملة فترة طويلة . وبالنسبة للخليج فإنني أسمع عن نشاطات طيبة وعودة للدين وتمسّك بالحجاب رغم ما ينشره الإعلام عن نماذج منحرفة لا تمثل السواد الأعظم من بنات الخليج . إن ما ينشره الإعلام ويحاول إبرازه وتقديمه على أنه نموذج للمرأة في الخليج يؤدي - بدون شك - إلى ازدياد هذه النماذج ، ولكن الأمل في وعي الفتاة وإدراكها لمخطـطات المنافقين ، ووجود مرجعية فكرية ثقافية تربي في قلبها الاعتزاز بدينها . ومع ما أسمعه من خير فإن هناك خللاً كبيرًا في التواصل بين الداعيات ونقصًا في إيصال المعلومات عبر وسائل الإعلام المختلفة ، بالإضافـة إلى مشكلات أخرى .
س2: هل بالإمكان أن نتعرف إلى ملامح العمل الدعوي النسائي : سلبياته وإيجابياته من وجهة نظركم ؟ ج2: لا يخلو أي عمل من سلبيات ولا سيما إذا كان حديثـًا.. والعمل الدعوي النسائي ضحية إهمال الدعاة والمصلحين . ربما يكون سبب ذلك أن المرأة كانت مصونة من التعرّض للفتن وللأفكار المنحرفة لعوامل اجتماعية لا تخفى ، وبالتالي فإن أي عمل في بداياته لا شك سيكون من أهم سلبياته نقص الداعيات المؤهلات ، وعدم وجود المرجعية النسائية أو القيادة الدعوية النسائية القادرة على ترتيب الأوراق ، ودراسة الأولويات ، وإنشاء المشروعات المناسبة ،ومن السلبيات ضعف اهتمام الدعاة - حتى هذه اللحظة - بإيجاد محاضن تربوية تخرج للمجتمع المصلحات المؤهلات ، كذلك من أبرز السلبيات في نظري ندرة وجود مؤسسات دعوية نسائية متخصصة توفر كل ما تحتاجه المرأة من استشارة اجتماعية وفقهية وتربوية وغيرها. وأما الإيجابيات فكثيرة ، منها : العاطفة لدى المرأة فسرعة استجابتها للخير معلومة ، ومنها قوة الترابط الأسري الذي لا يزال يوفر دعامة للمحافظة واحترام التعاليم الشرعية ، ومن الإيجابيات في العمل الدعوي النسائي سهولة الوصول للمرأة بخلاف الوصول للرجل لانشغاله وغير ذلك .
س 3: كيف السبيل إلى تفعيل دور المرأة ، ولا سيما أن الدعوة النسائية تعاني من فقر وضعف في المستوى والمؤهلات والاهتمامات ؟ وما الذي تطمحون إليه في مجال الدعوة ؟ ج3: عندما نتأمل في رموز العلمانية من النساء الحاملات راية تغريب المرأة نجد أنهن أولاً كبيرات في السن في الغالب ، وثانيـًا شاركن في كثير من اللقاءات الثقافية والمؤتمرات ، وثالثـًا وجد من تبناهنّ منذ سن مبكرة ومكّن لهن في الصحف والمجلات وغير ذلك . هذه الخبرات المتراكمة لا شك تؤدي إلى وضوح في التصورات - وليس وضوح التصورات يعني صحة التصورات - وهذا الوضوح نتج عنه تأليف كتب ، ونظم قصائد ، وإقامة جمعيات متنوعة ، وتأسيس دور نشر ومراكز بحوث وغيرها ، وأدى هذا إلى تأثر طبقة من النساء بهذه الطروحات . وعندما نأتي للحديث عن كيفية تفعيل دور المرأة الدعوي فإننا لا بد أن نبذل جهدًا كبيرًا فيه من الألم والتعب ما فيه ، وهذه سُنَّة من سنن الله الكونية كما قال تعـالى : (إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون) [النساء :104] . فالألم لا بد منه ، ولكننا نسأل الله الإخلاص في القول والعمل نرجو الجنة والنجاة من النار .
لا بد من إقامة المحاضن التربوية والملتقيات الثقافية التي تكون أهدافها واضحة وطويلة المدى ، بعيدًا عن ردود الأفعال كما هو حالنا في كثير من الأحيان . والذي أطمح إليه هو أن تبادر المرأة المثقفة إلى ميدان الدعوة ، وأن تساهم بمواهبها وقدراتها ، فنحن بحاجة إلى الدعوة ودين الله منصور ظاهر ، ولكننا نأمل أن نكون من الطائفة التي ينصر الله بها دينه ، لا بد لتفعيل دور المرأة من تشجيعها وإعطائها الفرصة للكتابة والإلقاء في المجتمعات النسائية ، وصقل تجربتها بالقراءة وإقامة الملتقيات الثقافية المكثفة لنخبة مختارة من الفتيات القادرات على تحمّل الجهد الدعوي ، ولا بد من تربية قوية للقلب ، واهتمام بالعلم الشرعي ، والبعد عن تغليب جوانب الترفيه على جوانب التأصيل الذي يحمي بإذن الله من الشبهات والشهوات والله المستعان .
س4: ما هي وظيفة المرأة برأيكم ؟ وهل يعتبر الزواج هو نهاية ما تصل إليه المرأة ؟ بمعنى : ما هو دور المرأة وواجباتها الدينية والاجتماعية ؟ ج4: وظيفة المرأة هي عبادة الله عز وجل ، والله عز وجل أمرها بأوامر حماية لها ، وهو الخالق العليم سبحانه ، وأوصاها بالقرار في البيت ، ولا يعني هذا القرار ألا تخرج ، كلا بل المقصود أن الأصل هو في قرارها في بيتها ، وهذه إحدى صفات الحور في الجنة عند قوله تعالى : "حور مقصورات في الخيام" [الرحمن : 72] ، هذا القرار لا يعني أيضًا حبسها بين جدران أربع ، وعندما تتأمل سيرة الصحابيات تجد عجبًا من فقههن رضي الله عنهن لمعنى القرار . أيضـًا عندما نقارن بين بيوتنا اليوم وبيوت الصحابيات ، فإننا نستغرب من حالنا مع هذا التوجيه الرباني ، وهذا الموضوع - موضوع القرار- يحتاج إلى تأمل ودراسة ؛ حتى ندرك الأسرار ، ولا يتسع المقام لهذا ، فوظيفة المرأة هي في الالتزام بأوامر الله عناية بقلبها ، وملاحظة لسلوكها ، وتعلمًا لدينها ، وتربية لأولادها ، وأن تعيش بين أقاربها ومعارفها ناشرة للطيّب من القول والعمل ، مبتعدة عن مواطن الفتن في مكان العمل والأسواق إلاّ لحاجة ماسة .
والزواج في نظري نعمة من النعم تسخرها المرأة لطاعة الله ، وتدرس ماذا أمرها الله كزوجة من حسن التبعّل لزوجها ، وحسن رعاية لأولادها ، وهو بداية للنشاط الدعوي الكبير في نظري ، فالزوجة لديها من مجالات الدعوة ما ليس لغير المتزوجة ، فهذا زوجها تحاول دلالته إلى الخير وحثه على أن يكون في الصف الأول في كل شيء ، وهؤلاء أولادها تؤهلهم وتعلمهم وتحثهم على معالي الأمور ، وتتعاهدهم في صلاتهم وأخلاقهم ومعاملاتهم ، وهؤلاء أقارب زوجها تعاملهم معاملة راقية فتعتني بمراعاة خواطرهم وإهدائهم والبعد عما يسبب المشاحنات والبغضاء والتغاضي عن الأخطاء ؛ فإن من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه ، وتحاول أن تؤثر عليهم بقدر ما تستطيع ، وبالأسلوب الحكيم المناسب فتزرع من سنابل الخير ما تستطيع ، فهذه الدنيا مزرعة ، ومسكينة تلك التي تجني على نفسها بسوء القول والعمل . الزواج بداية لمشوار الدعوة الحقيقي وفتح لأبواب من الخير كثيرة .
س5: لا تزال قضية "تحرر المرأة" تشغل الكثير والكثيرات في عالمنا العربي ، كيف تفهمين التحرر ؟ وما هي رؤيتك للعلاقة بين الرجل والمرأة ، هل هي علاقة سلطوية (سيد ومسود) ؟ ج5: التحرر في الحقيقة هو في الانعتاق من أسر الشهوات ، والذين يدعوننا إلى الحرية اليوم انظر إلى واقعهم ، ألا ترى أنهم أبعد ما يوصفون بالأحرار ، أليسوا عبيدًا لشهواتهم؟ أليست حياتهم الخاصة ناطقة بالضياع النفسي والشقاء الكبير ؟ التحرر هو في السيادة على شهوات النفس والاستعلاء على الباطل ، هو في ارتفاع الروح وتحليقها عاليًا عن ثقلة الأرض ، هو في مقاومة الشيطان وعصيانه واتباع أوامر الله عز وجل . وكيفية العلاقة بين الرجل والمرأة لم تكن تطرح سابقًا ؛ لأنها فطرية طبيعية ، خلق الله الجنسين مكمّلين لبعضهما ، يحققان السكينة والاطمئنان لنفسهما حتى تَعْمُرَ الأرض وتستمر الحياة ويعبد الله رب العالمين ، العلاقة بين الزوج وزوجته علاقة محبة ومودة وسكن كما في القرآن العزيز ، وهي في طروحات العلمانية قطعة من العذاب ؛ لأنهم يريدون حياة المجون ، ولأنهم لا يعرفون السعادة ، ولذا فهم يتيهون في الأرض يبحثون عنها ولن يجدوها إلا في اتباع شرع الله والتحاكم إليه .
وهي علاقة سلطوية لا شك ، علاقة سيد بمسود ، ولكن السلطة هنا ليست القمع والتعذيب حسب ما تعودنا عليه ، ولكنها السلطة التي تضمن السعادة للزوجة ، فهي سلطة نافعة طيبة للمرأة لا يمكن أن تكون المرأة سعيدة بدونها طالما كانت في إطارها الشرعي ، سيد ومسود ، الزوج سيد ؛ لأنه قائد الأسرة ولا يمكن أن يكون للأسرة قائدان ، وهذا قانون كوني لا تستقيم الحياة بدونه ، ولكن هذه السيادة مضبوطة بضوابط شرعية ، لا بد لهذا السيد أن يلتزمها وألا يتحول إلى ظالم طـاغية . وقد وضع الشرع حلولاً للتعامل معه يفك الزوجة من عناء المعيشة معه ، السيادة للرجل حق له من خالقنا وانتقادنا لسلوك معين لا يعني سلب هذا الحق وتشويه صورته ، وما تصوره بعض المسلسلات من قسوة وسطوة مجنونة يمارسها الزوج على الزوجة لا يمثل إلا حالات لا تمثل الغالبية . وتكرار طرح الصور الشاذة ؛ يؤدي إلى نفور من الزواج وهذا هدف موضوع مخطط له .
س6: الاستقلال المادي أحد أهم أركان مفهوم "تحرر المرأة" عند دعاته ؛ لأن التبعية المادية (النفقة) تستدعي التبعية الكاملة ، ومن ثمَّ تمَّ التأكيد على "عمل المرأة" ثم "الحقوق السياسية" وغيرها . كيف تنظرين إلى حقوق المرأة ، ما هي ؟ وهل ثمَّة هضم متعمّد لشيء من تلك الحقوق ؟ وما رأيك بعمل المرأة كمبدأ عام ، دون أن نخوض في التفاصيل ؟ . ج:6: صحيح أن الدعـوات إلى عمل المرأة ليس إلا وسيلة لتحريض المرأة على أوليائها بحجة الاستقلال والاعتمـاد على النفس ، وبناءً عليه تلغى القوامة .وغير ذلك
فإن حقوق المرأة مصونة في الشريعة ، ولا نحتاج إلى اتفاقيات صيغت ببيئات ومجتمعات مختلفة عنا عاشت ظروفًا معروفة - لا نحتاج إلى منظمات غربية - للدفاع عن حقوق المرأة المسلمة ، فمنذ متى نصرتنا هذه المنظمات ودافعت عن حقوقنا ؟ أفي أفغانستان عندما كانت تقتل النساء وتنتهك أعراضهن ؟ أم في كشمير المسلمة ؟ أم في الشيشان ؟ أم في فلسطين ؟ حقوق المرأة عند هذه المنظمات أن تخرج سافرة ، وحقوقها عندهم أن تقتحم المطاعم والمقاهي والملاهي عاملة وراقصة ومغنية ، وحقوقها عندهم أن تشارك في المناسبات الرياضية وأن تلبس ما تشاء وأن تقابل من تشاء وقت ما تشاء . ولكن علينا أيضًا أن نفكّر في حلول لبعض الممارسات المؤذية للنساء في مجتمعاتنا الناتجة عن نظرة دونية للمرأة ؛ بسبب البعد عن الدين والعلم الشرعي ، فسرقة مال المرأة حرام ، وحرمانها من الزواج جريمة ، وإجبارها على الزواج بمن لا ترغب وصمة عار ، وغير ذلك من الممارسات يجب أن تتوقف حتى لا يعزف دعاة التغريب على أوتار هذا الواقع المسيء للمرأة .
المصدر شبكة الدعوة الإسلامية