ح 244 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : طَافَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى بَعِيرٍ , يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ . المِحْجَنُ : عصا مَحْنِيَّةُ الرَّأْسِ . فيه مسائل : 1= قوله : " طَافَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ " قد يُشعر بأنه حجّ غير هذه الحجة بعد الهجرة ، أما قبل الهجرة فقد حجّ النبي صلى الله عليه وسلم ، ويدلّ عليه ما في الصحيحين من حديث جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ : أَضْلَلْتُ بَعِيرًا لِي فَذَهَبْتُ أَطْلُبُهُ يَوْمَ عَرَفَةَ ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقِفًا بِعَرَفَةَ ، فَقُلْتُ : هَذَا وَاللَّهِ مِنْ الْحُمْسِ ! فَمَا شَأْنُهُ هَا هُنَا ؟ قال عُرْوَةُ بن الزبير : وَكَانَ يُفِيضُ جَمَاعَةُ النَّاسِ مِنْ عَرَفَاتٍ ، وَيُفِيضُ الْحُمْسُ مِنْ جَمْعٍ . رواه البخاري . وفي رواية لمسلم : وَكَانَتْ الْحُمْسُ لا يَخْرُجُونَ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ ، وَكَانَ النَّاسُ كُلُّهُمْ يَبْلُغُونَ عَرَفَاتٍ . وزاد مسلم في رواية له : قَالَ هِشَامٌ : فَحَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : الْحُمْسُ هُمْ الَّذِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ : (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ) . 2= سبب ركوبه عليه الصلاة والسلام أثناء الطواف : لِيَرَاهُ النَّاسُ ولِيَكون بارزا ولِيسألوه ولئلا يُضرب الناس عنه ففي حديث : جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قال : طَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِيَرَاهُ النَّاسُ ، وَلِيُشْرِفَ ، وَلِيَسْأَلُوهُ فَإِنَّ النَّاسَ غَشُوهُ . رواه مسلم . وفي حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : طَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ حَوْلَ الْكَعْبَةِ عَلَى بَعِيرِهِ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ كَرَاهِيَةَ أَنْ يُضْرَبَ عَنْهُ النَّاسُ . رواه مسلم . قال النووي : قولها " كراهية أن يُضرب عنه الناس " هكذا هو في معظم النسخ " يُضْرَب " بالباء ، وفي بعضها " يُصْرَف " بالصاد المهملة والفاء ، وكلاهما صحيح . اهـ . 3= هل يُشرع الطواف راكبا من غير عِلّة ؟ أما مِن عِلّة فيجوز ، ودليله حديث أُمِّ سَلَمَة رضي الله عنها قَالَتْ : شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي أَشْتَكِي فَقَالَ : طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَة . قَالَتْ : فَطُفْتُ . رواه البخاري ومسلم . قال ابن المنذر : وأجمع أهل العلم على جواز طواف المريض على الدابة ومَحمولا . اهـ . وأما من غير عِلّة فاتّفقوا على أن المشي أفضل ؛ لأن الْخُطى تُحتَسب . واخْتَلَفوا في إجزاء الطواف للراكِب مِن غير عِلّة . فلإمام مالك يرى أن عليه الإعادة ما لم يرجع إلى بلَدِه ، فإن رجع إلى بلده لَزِمه دم . وقال الشافعي : من طاف راكبا من غير علة فلا إعادة عليه ولا فدية . ولا أحب لمن طاف ماشيا أن يركب ، فإن طاف راكبا أو حاملا من عذر أو غيره فلا دم عليه . اهـ . والرواية الثَّالِثَةُ عند الحنابلة : يُجْزِئُهُ ، وَلا شَيْءَ عَلَيْهِ . قال ابن قدامة : وَهِيَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ ؛ لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ رَاكِبًا . قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : لا قَوْلَ لأَحَدٍ مَعَ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَلأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالطَّوَافِ مُطْلَقًا ، فَكَيْفَمَا أَتَى بِهِ أَجْزَأَهُ ، وَلا يَجُوزُ تَقْيِيدُ الْمُطْلَقِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ . اهـ . وهو بِخلاف السعي بين الصفا والمروة . قال ابن قدامة : فَأَمَّا السَّعْيُ رَاكِبًا ، فَيُجْزِئُهُ لِعُذْرٍ وَلِغَيْرِ عُذْرٍ ؛ لأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي مَنَعَ الطَّوَافَ رَاكِبًا غَيْرُ مَوْجُودٍ فِيهِ . اهـ . 4= التفريق بين طواف الرجال والنساء . قال ابن عبد البر : وَأَمَّا طَوَافُ النِّسَاءِ مِنْ وَرَاءِ الرِّجَالِ فَهُوَ لِلْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ : " طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ " وَلَمْ يَكُنْ لأَجْلِ الْبَعِيرِ ، فَقَدْ طَافَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَعِيرِهِ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنِهِ ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى اتِّصَالِهِ بِالْبَيْتِ لَكِنْ مَنْ طَافَ غَيْرُهُ مِنْ الرِّجَالِ عَلَى بَعِيرٍ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ إِنْ خَافَ أَنْ يُؤْذِيَ أَحَدًا أَنْ يَبْعُدَ قَلِيلا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَوْلَ الْبَيْتِ زِحَامٌ ، وَأَمِنَ أَنْ يُؤْذِيَ أَحَدًا فَلْيَقْرُبْ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِنَّ مِنْ سُنَّتِهَا أَنْ تَطُوفَ وَرَاءَ الرِّجَالِ ؛ لأَنَّهَا عِبَادَةٌ لَهَا تَعَلُّقٌ بِالْبَيْتِ ، فَكَانَ مِنْ سُنَّةِ النِّسَاءِ أَنْ يَكُنَّ وَرَاءَ الرِّجَالِ كَالصَّلاةِ . قال المهلّب : ينبغي أن تخرج النساء إلى حواشي الطرق ، وقد استنبط بعض العلماء من هذا الحديث طواف النساء بالبيت من وراء الرجال لِعِلّة التزاحم والتناطح . قال ابن بطال : قال غيره : طواف النساء من وراء الرجال هي السنة ؛ لأن الطواف صلاة ، ومِن سُنة النساء في الصلاة أن يَكُنّ خَلف الرجال ، فكذلك الطواف . اهـ . قال النووي : سُنة النساء التباعد عن الرجال في الطواف . 5= جواز إدخال الدابة للمسجد من أجل الحاجة . قال البخاري : بَاب إِدْخَالِ الْبَعِيرِ فِي الْمَسْجِدِ لِلْعِلَّةِ . ثم روى بإسناده حديث ابن عباس هذا . ومِن العلماء من يَرى التفريق بين ما يُؤكَل لحمه ، وما لا يُؤكَل لحمه ، من أجل التفريق بين حُكم أرواثها وأبوالها . قال ابن رجب : وأما ما لا يؤكل لحمه من الحيوانات ، فيُكْرَه إدخاله المسجد بغير خلاف . اهـ . 6= سبق معنى الاستلام . فإن لم يستطع استلمه بواسطة ، كما في استلامه عليه الصلاة والسلام الحجر بالمحجن ، فإن لم يستطع أشار إليه إشارة ، كما في رواية لحديث ابن عباس : كُلَّمَا أَتَى عَلَى الرُّكْنِ أَشَارَ إِلَيْهِ . رواه البخاري . فإن قيل : كيف يُجمَع بين هذه الرواية وبين قوله في حديث الباب " يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ " ؟ فالجواب : أنه إذا قَرُب من الحجر استلمه بالمحجن وهو على البعير ، وإن بَعُد عنه أشار إليه إشارة ، وجائز أن يكون هذا في بعض الطواف و، وذاك في بعضه . 7= هل يُقبِّل الْمِحْجَن إذا استلَم به الحجر الأسود ؟ نعم ، ففي حديث أَبي الطُّفَيْلِ رضي الله عنه قال : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَيَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ مَعَهُ ، وَيُقَبِّلُ الْمِحْجَنَ . رواه مسلم . قال النووي : فيه دليل على استحباب استلام الحجر الأسود ، وأنه إذا عجز عن استلامه بيده بأن كان راكبا أو غيره استلمه بعصا ونحوها ، ثم قَـبَّل ما استلم به . اهـ . روى ابن أبي شيبة من طريق عبيد الله عن نافع قال : رأيت ابن عمر استلم الحجر بيده وقَـبَّل يده ، وقال : ما تركته منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله . وروى عبد الرزاق وابن أبي شيبة من طريق ابن جريج عن عطاء قال : رأيت ابن عمر وأبا هريرة إذا استلموا الرَّكن - يعني الْحَجَر - قَـبَّلُوا أيديهم . قال : قلت لعطاء : وابن عباس ؟ قال : وابن عباس . قال ابن حجر : وبهذا قال الجمهور : أن السنة أن يَستلم الرَّكن ويُقَـبِّل يَده ، فإن لم يستطع أن يَستلمه بِيده استلمه بشيء في يده وقَـبَّل ذلك الشيء ، فإن لم يستطع أشار إليه واكتفى بذلك . اهـ . 8= في الرواية التي أوردها المصنِّف فيه طوي تقبيل المحجن ، والإشارة إليه إن بَعُد عنه ، والتكبير . ففي رواية للبخاري : كُلَّمَا أَتَى الرُّكْنَ أَشَارَ إِلَيْهِ بِشَىْءٍ كَانَ عِنْدَهُ وَكَبَّرَ . قال العيني : دَلّ هذا على استحباب التكبير عند الركن الأسود في كل طوفة . 9= قول المصنف : " المِحْجَنُ : عصا مَحْنِيَّةُ الرَّأْسِ " هذا تفسير منه للمحجن . قال القاضي عياض : والمحجن : عصا مُعقفة ، يتناول بها الراكب ما سَقط له ، ويُحَرِّك بطرفها بعيره للمشي .