شرح أحاديث عمدة الأحكام

الناقل : SunSet | الكاتب الأصلى : عبد الرحمن بن عبد الله السحيم | المصدر : saaid.net


ح 232
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ , لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ, إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ ، لا شَرِيكَ لَكَ .
قَالَ : وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما يَزِيدُ فِيهَا : " لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ , وَسَعْدَيْكَ , وَالْخَيْرُ بِيَدَيْكَ , وَالرَّغْبَاءُ إلَيْكَ وَالْعَمَلُ .

في الحديث مسائل :


1= أول الحديث مُتّفق عليه ، رواه البخاري ومسلم ، وأما الزيادة فهي من أفراد مُسلم .

2= في رواية لمسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اسْتَوَتْ به راحلته قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهَلّ ، فقال : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.
قالوا : وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول : هذه تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال نافع : كان عبد الله رضي الله عنه يزيد مع هذا : لبيك لبيك وسعديك ، والخير بيديك لبيك ، والرغباء إليك والعمل .

3= في حديث جابر في صِفة حجه عليه الصلاة والسلام : وأهَلّ الناس بهذا الذي يُهِلّون به ، فلم يَرُدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم شيئا منه .
مِن هذا الإهلال ما جاء عن ابن عمر وغيره من مثل هذه الزيادة .
قال القاضي عياض رحمه الله تعالى : فيه إشارة إلى ما رُوي من زيادة الناس في التلبية من الثناء والذِّكْر ، كما روي في ذلك عن عمر رضي الله عنه أنه كان يزيد : لبيك ذا النعماء والفضل الْحَسَن ، لبيك مرهوبا منك ، ومرغوبا إليك . وعن ابن عمر رضي الله عنه : لبيك وسعديك والخير بيديك ، والرغباء إليك والعمل . وعن أنس رضي الله عنه : لبيك حقا تعبدا ورِقًّا . قال القاضي : قال أكثر العلماء : المستحب الاقتصار على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم . وبه قال مالك والشافعي . [ نقله النووي ] .

4= معنى " لبيك " :
1 – أي إجابة لك بعد إجابة .
2 – اتِّجاهي وقصدي إليك .
3 – إخلاصي لك .
4 – مُقيم على طاعتك .

5= معنى " سَعْدَيْك " :
1 – أسعِدْنا سعادة بعد سعادة .
2 – مُساعدة لِطاعتك بعد مُساعَدة . [ ذَكَر ذلك كله ابن الملقِّن ] .

6= السُّـنَّة رفع الصوت بالتلبية بالنسبة للرِّجال .
عن أنس رضي الله عنه قال : صَلَّى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة الظهر أربعا ، والعصر بذي الحليفة ركعتين ، وسمعتهم يصرخون بهما جميعا . رواه البخاري .
قال ابن حجر : قوله : " وسمعتهم يَصرخون بهما جميعا " أي بالحج والعمرة ، ومراد أنس بذلك من نَوى منهم القِران ، ويحتمل أن يكون على سبيل التوزيع : أي بعضهم بالحج ، وبعضهم بالعمرة ، قاله الكرماني . ويُشْكِل عليه قوله في الطريق الأخرى ، يقول : لبيك بحجة وعمرة معا . اهـ .
وفي رواية للبخاري : قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن معه بالمدينة الظهر أربعا ، والعصر بذي الحليفة ركعتين ، ثم بات بها حتى أصبح ، ثم ركب حتى اسْتَوتْ به على البيداء حَمِد الله وسَبّح وكَبّر ، ثم أهَلّ بِحَج وعمرة ، وأهل الناس بهما .

وروى بن أبي شيبة عن بكر بن عبد الله المزني قال : كنت مع ابن عمر فَلَبّى حتى أسْمَعَ ما بين الجبلين .
قال ابن حجر : إسناده صحيح .
وأخرج أيضا من طريق المطلب بن عبد الله قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون أصواتهم بالتلبية حتى تُبَحّ أصواتهم . قال ابن حجر : إسناده صحيح .
وروى أيضا من طريق المطلب بن عبد الله بن حنطب عن خلاد بن السائب عن زيد بن خالد الجهني قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : جاءني جبريل فقال مُرْ أصحابك يرفعوا بالتلبية ، فإنها شِعار الحج .
وروى أيضا من طريق المسيب بن رافع قال : كان ابن الزبير يقول : التلبية زينة الحج .

قال ابن عبد البر :
وكان ابن عمر يرفع صوته بالتلبية .
وقال ابن عباس : هي زينة الحاجّ .
وقال أبو حازم : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يبلغون الرّوحاء حتى تُبَحّ حلوقهم من التلبية .
وأجمع أهل العلم أن السُّنة في المرأة أن لا ترفع صوتها ، وإنما عليها أن تُسْمِع نفسها ، فَخَرَجَتْ من جملة ظاهر الحديث ، وخُصَّتْ بذلك ، وبَقِي الحديث في الرجال ...
ذَكَر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم قال : كان ابن عمر يرفع صوته بالتلبية ، فلا يأت الروحاء حتى يَصْحَل صوته .
قال الخليل : صحل صوته يصحل صحلا ، فهو أصحل ، إذا كانت فيه بُحّـة اهـ .

7= متى يُلبي الحاج أو المعتمر ؟
في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : أهَلّ النبي صلى الله عليه وسلم حين اسْتَوتْ به راحلته قائمة .
وفي رواية : كان بن عمر رضي الله عنهما إذا صلى بالغداة بذي الحليفة أمَرَ براحلته فَرُحِّلَتْ ، ثم ركب فإذا اسْتَوتْ به استقبل القبلة قائما ثم يُلَبِّي حتى يبلغ الحرم ثم يمسك .
وفي صحيح مسلم عن سالم قال : كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا قيل له الإحرام من البيداء . قال : البيداء التي تكذبون فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ! ما أهَلّ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من عند الشجرة ، حين قام به بعيره .

وفي حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن إهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذي الحليفة حين استوت به راحلته . رواه البخاري .
وعند مسلم من حديث جابر رضي الله عنه في صِفة حجه عليه الصلاة والسلام : ثم ركب القصواء حتى إذا استوت به ناقته على البيداء نَظَرْتُ إلى مَدّ بصري بين يديه من راكبٍ وماشٍ ، وعن يمينه مثل ذلك ، وعن يساره مثل ذلك ، ومن خلفه مثل ذلك ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا وعليه يَنْزِل القرآن ، وهو يعرف تأويله ، وما عَمِلَ به من شيء عَمِلْنَا به ، فأهَلّ بالتوحيد : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك . وأهَلّ الناس بهذا الذي يُهِلّون به ، فلم يَرُدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم شيئا منه ، ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته .
وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما : فأصبح بذي الحليفة ركب راحلته حتى استوى على البيداء أهَلّ هو وأصحابه . رواه البخاري ومسلم .
وكذلك في حديث أنس رضي الله عنه : ثم ركب حتى اسْتَوتْ به على البيداء حَمِد الله وسَبّح وكَبّر ، ثم أهَلّ
وفي رواية عنه رضي الله عنه : فلما أصبح ركب راحلته ، فجعل يُهَلِّل ويُسبح ، فلما علا على البيداء لَـبّى بهما جميعا .

قال ابن حجر : وقد أزال الإشكال ما رواه أبو داود والحاكم من طريق سعيد بن جبير : قلت لابن عباس : عجبت لاختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في إهلاله - فَذَكَرَ الحديث - وفيه : فلما صلى في مسجد ذي الحليفة ركعتين أوجَبَ من مجلسه ، فأهَلّ بالحج حين فرغ منها ، فَسَمِع منه قوم فحفظوه ، ثم رَكِبَ فلما اسْتَقَلَّتْ به راحلته أهَلّ ، وأدرك ذلك منه قوم لم يشهدوه في المرة الأولى فسمعوه حين ذاك ، فقالوا : إنما أهَلّ حين اسْتَقَلَّتْ به راحلته ، ثم مضى فلما عَلا شَرَف البيداء أهَلّ ، وأدرك ذلك قوم لم يشهدوه ، فَنَقَلَ كل أحدٍ ما سَمِع ، وإنما كان إهلاله في مصلاه - وأيم الله - ثم أهَلّ ثانيا وثالثا . وأخرجه الحاكم من وجه آخر من طريق عطاء عن ابن عباس نحوه دون القصة . فَعَلَى هذا فكان إنكار ابن عمر على من يَخُصّ الإهلال بالقيام على شرف البيداء . وقد اتفق فقهاء الأمصار على جواز جميع ذلك ، وإنما الخلاف في الأفضل . اهـ .

8= متى يَقطع التلبية ؟
قال الإمام أحمد : يقطع المعتَمِر التلبية إذا استلم الركن .
قال ابن قدامة في المغني : وبهذا قال ابن عباس وعطاء وعمرو بن ميمون وطاوس والنخعي والثوري وإسحاق وأصحاب الرأي . وقال ابن عمر وعروة والحسن : يقطعها إذا دخل الحرم .
وحُكِي عن مالك أنه إن أحرم من الميقات قطع التلبية إذا وصل إلى الحرم ، وإن أحرم بها من أدنى الحل قطع التلبية حين يرى البيت .
قال : ولنا ما روي عن ابن عباس - يرفع الحديث - كان يُمْسِك عن التلبية في العمرة إذا استلم الحجر . قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح .
وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر ثلاث عُمَر ، ولم يزل يُلَبّي حتى استلم الحجر .
ولأن التلبية إجابة على العبادة ، وإشعار للإقامة عليها ، وإنما يتركها إذا شَرَعَ فيما ينافيها ، وهو التحلل منها، والتحلل يحصل بالطواف والسعي ، فإذا شرع في الطواف فقد أخذ في التحلل ، فينبغي أن يقطع التلبية ، كالحج إذا شَرَع في رمي جمرة العقبة لحصول التحلل بها ، أما قبل ذلك فلم يشرع فيما ينافيها فلا معنى لقطعها . والله أعلم . اهـ .

قال ابن عبد البر : اخْتَلَف العلماء في قطع التلبية في العمرة .
فقال مالك - ما ذكره في موطئه على ما ذكرناه - وأضاف قوله ذلك إلى ابن عمر وعروة بن الزبير .
وقال الشافعي : يقطع المعتمر التلبية في العمرة إذا افتتح الطواف .
وقال مرة : يُلَبِّي المعتمر حتى يستلم الركن وهو شيء واحد .
وقال أبو حنيفة وأصحابه : لا يزال المعتمر يلبي حتى يفتتح الطواف .
قال أبو عمر : لأن التلبية استجابة لما ذكر إليه فرضا أو ندبا ، فإذا وصل إلى البيت قَطَع الاستجابة . والله أعلم . وهؤلاء كلهم لا يُفَرِّقُون بين الْمُهِلّ بالعمرة بعيد أو قريب . اهـ .
هذا بالنسبة لتلبية القادِم للحج أو العمرة .

9= قوله : " وَالْخَيْرُ بِيَدَيْكَ " ، أي : بِيَدِك الخير كلّه .
كما في قوله تعالى : (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) .
وكما في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : لبيك وسعديك ، والخير كله في يديك ، والشر ليس إليك . رواه مسلم من حديث علي بن أبي طالب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا قام إلى الصلاة قال ... –فَذَكَرَه – .
وأهل السنة يُثبِتون بمثل هذه النصوص صِفة " اليَد " لله عَزّ وجَلّ .

10= معنى " والرغباء إليك " :
قال النووي :
قال القاضي : قال المازري : يُرْوى بفتح الراء والمد ، وبضم الراء مع القصر ، ونظيره العلا والعلياء ، والنعمى والنعماء . قال القاضي : وحَكَى أبو علي فيه أيضا الفتح مع القصر الرَّغْبَى مثل سَكْرَى ، ومعناه هنا الطلب والمسألة إلى من بيده الخير ، وهو المقصود بالعمل الْمُسْتَحِقّ للعبادة . اهـ .

والله تعالى أعلم .