لا تكوني مثلها

الناقل : heba | الكاتب الأصلى : عبداللطيف بن هاجس الغامدي | المصدر : saaid.net

لا تكوني مثلها

عبداللطيف بن هاجس الغامدي

 
الحمد لله الذي خلق الزوجين الذكر والأنثى ، والصلاة والسلام على النبي المصطفى والرسول المجتبى ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، أما بعد :
أختاه !
يا صاحبة الهمة العالية ، والعزيمة المتوقدة ..
يا من تعيشين لغاية ، وتحيين لهدف ..
يا من استشعرت لماذا وجدت في هذه الحياة ..
إليك هذه الرسالة ممن يحب لك الخير وأسبابه ، ويخشى عليك من الشر وأربابه .. نفعك الله بها ، وشرح صدرك لقبولها ..

 

 

 شُغلت بعيوب الناس ونسيت عيوبها ، وتكلَّمت في نقائص غيرها وسكتت عن نقائصها ، ورأت القذاة في عين أختها ولم ترى الجذع منصوبًا في عينها ، وذاك من الخذلان والحرمان !
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قيل للنبي - صلى الله عليه وسلم - : يا رسول الله ، إن فلانة تقوم الليل وتصوم النهار وتفعل وتتصدق ، وتؤذي جيرانها بلسانها . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( لا خير فيها ، هي من أهل النار ) . قالوا : وفلانة تصلي المكتوبة وتصدق بأتور الإقط ولا تؤذي أحدًا . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( هي من أهل الجنة ) .
وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت : قلت : يا رسول الله ، حسبك من صفية كذا وكذا ، وقالت بيدها هكذا ، كأنها تعني : قصيرة . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته )  .

يروى أن رجلاً وقف أمام والدته التي كانت تؤذي المسلمين بلسانها ، وهي تجود بنفسها ، وكانت تعاني من سكرات الموت وكرباته ، وكأنما أطبقت جبال الدنيا على صدرها ، وكأنها تتنفس من خرج إبرة ، وكأنما السموات وقعت على الأرض ، فأخذ يذكرها بالشهادة ليختم لها بخاتمة السعادة .
فعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة )  .
فرفعت بصرها إليه ، وقالت : يا بني إنها أثقل عليَّ من الجبال الراسيات ، وقد حيل بيني وبينها فلا أستطيع نطقها ، ماتت ولم تقلها .
وصدق الله : ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء ) [ إبراهيم : 27 ] .

 

تفرُّ من الذكر ، وتهرب من مجالس الخير ، ويضيق صدرها بكل نصيحة مخلصة ، تضيق عليها الأرض بما رحبت إذا ذُكِّرت بالله أو بشرعه ودنيه .
لا تريد أن تسمع ممن يحذرها عاقبة تفريطها أو ينذرها سوء منقلبها ..
فهي تحب الغافلات ؛ لأنها منهنَّ .
وتكره الصالحات ؛ لأنهن يصادمن غرورها ، ويعارضن شهواتها ، ويحاربن نزواتها .. قد غدت أذنها تلقف ما يصبُّ فيها من الغناء الخليع الماجن الذي هو مزمار الشيطان ، وبريد الزنا ، وطريق الخنا ، ومهاد الفاحشة .. قال تعالى : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوًا أولئك لهم عذاب مهين ) [ لقمان : 6 ] .
* تسيء معاملة والديها ، ولا تُحسن إليهما ، بل تقسو عليهما ، وتستخف بهما ، وتستهزئ بفكرهما ، وتسخر من رأيهما ، وتخالف أمرهما ، وتفعل نهيهما .


* عن أبي بكرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ) ؟ قلنا : بلى يا رسول الله . قال : ( الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ) وكان متكئًا فجلسَ ، فقال : ( ألا وقول الزور وشهادة الزور ، ألا وقول الزور وشهادة الزور )  .
لا تقوم بخدمتهما إلا كارهة لها ، متشاغلة عنهما ، متثاقلة لفعلهما ، وإذا جاءت إليها صديقة عمرها ورفيقة دربها قامت إليها ، وهشَّت لها ، وبشَّت في وجهها ، وهرعت لخدمتها ، نشيطة النفس ، منشرحة الصدر ، متهللة الأسارير !
فأين هي عن أولى الناس بحسن رعايتها وطيب عنايتها ؟!
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال : ( أمك ) . قال : ثم من ؟ قال : ( أمك ) . قال : ثم من ؟ قال : ( أمك ) . قال : ثم من ؟ قال : ( أبوك ) .


يلم بها الألم ، ويسمها السقم ، وتقع عليها البلايا - ببعض الخطايا - فتبحث عن سبيل النجاة والخلاص على أيدي السحرة والدجالين ، والكهنة والمشعوذين ، الذين يخادعونها ، ويلعبون بها ، ويستخفون بعقلها ، ويرجفون قلبها ، فتلتمس الشفاء لديهم ، والعافية عندهم ، وما علمت أنا خسرت دينها ، وأسخطت ربها ، وأغضبت خالقها .
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( من أتى عرافًا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يومًا ) .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : ( من أتى كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ) .
فأي ربح يساوي هذه الخسارة ؟! وأي غنيمة تعادل هذه المصيبة ؟!

فلا تكوني مثلها !

فإنها ستندم - يوم لا ينفع الندم - على العمر الضائع ، والاهتمام الفارغ ، والحياة الخاملة . ستتحسر على كلِّ لحظة مرت عليها لم تقربها من خالقها ..
سترجو الرجوع إلى الحياة الدنيا الفانية مرة ثانية لتعمر العمر بمعالي الأمور ، ومحاسن الحسنات ، وبالباقيات الصالحات .. ولكن ، لا رجوع من بعد الممات لهذه الحياة ، وإنما بعثٌ ونشور ، بين يدي ملك الملوك ، ثم الحساب على ما اجترحت من سيئات وما أصابت من حسنات .. قال تعالى : ( حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون [99] لعلي أعمل صالحًا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون ) [ المؤمنون : 99،100 ] .
فالآن .. الآن .. قبل فوات الأوان !
والساعة .. الساعة .. قبل وقوع الساعة !
فتكون الغفلة والإضاعة هي البضاعة .. فيا بئس البضاعة !
إذا أنت لم تزرع وأبصرت حاصدًا *** ندمت على التفريط في زمن البذر
فما لك يوم الحشر شيء سوى الذي *** تزودته يوم الحساب إلى الحشر

أختاه ..
راجعي هذه التصرفات ، وتذكري تلك الأفعال ، ثم حاسبي نفسك قبل أن تحاسبي من ربك ، فإن كنتِ بريئة منها سالمة من الوقوع فيها فاحمدي الله تعالى على السلامة ، واسأليه الثبات على الحق ، والمزيد من الفضل .
وإن كنتِ وقعتِ فيما قرأتِ ، فالتوبة بابها مفتوح ، وعطاء الله يغدو ويروح ، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له ، قال تعالى : ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين ) [ العنكبوت : 69 ] .

وكتبه
عبداللطيف بن هاجس الغامدي
غفر الله له ولطف به وتجاوز عنه
جدة (21468)
ص.ب (34416)