نوازل في الحج

الناقل : SunSet | الكاتب الأصلى : أ.د. سليمان العيسى / د.حسين العبيدي | المصدر : saaid.net

 
(1)
الحج مع حملات باهظة الثمن

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
إنه لا ينبغي الحج مع تلك الحملات لما في ذلك من الإسراف والتبذير الذي نهى الله عنه، قال _تعالى_: "وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ" (الأعراف: من الآية31).
هذا والحج جهاد وليس ترفهاً ولا أدري كيف يشعر هؤلاء بالعبادة والإنابة وهم ينتقلون إلى البيت رفاهية وقد جعل الرسول _صلى الله عليه وسلم_ الحج نوعاً من الجهاد في سبيل الله حينما سألته أم المؤمنين عائشة _رضي الله عنها_ هل على النساء جهاد؟ قال: عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة، رواه أحمد وابن ماجه والبيهقي وغيرهم.
هذا وعلى الحاج وغيره أن يقتدي بنبيه محمد _صلى الله عليه وسلم_ فقد حج _صلى الله عليه وسلم_ على رحل رث وقطيفة تساوي أربعة دراهم أو لا تساوي رواه ابن ماجه. قال ابن القيم _رحمه الله_: (وكان حجّه على رحل لا في محمل ولا هودج ولاعمارية، وقد تذكَّر صاحبُه ابن عمر _رضي الله عنهما_ بعد سنين حاله _صلى الله عليه وسلم_ تلك حيما مرت به رفقة يمانية، ورحالهم الأدم وخُطُم إبلهم الخُزُم، فقال: من أحب أن ينظر إلى أشبه رفقة وردت العام برسول الله _صلى الله عليه وسلم_ وأصحابه إذ قدموا في حجة الوداع فلينظر إلى هذه الرفقة، وفيها أن راحلته _صلى الله عليه وسلم_ كانت زاملته التي يحمل عليها متاعه وزاده، ولم تكن له ناقة أخرى خاصة بذلك كما جاء في حديث ثمامة قال: "حج أنس على رحل ولم يكن شحيحاً، وحدَّث أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ حج على رحل وكانت زاملته" رواه البخاري.

ومنها إردافه _صلى الله عليه وسلم_ أسامة بن زيد _رضي الله عنهما_ من عرفة إلى مزدلفة والفضل بن العباس _رضي الله عنهما_ من مزدلفة إلى منى، ومنها عدم تميزه في الموسم عن الناس بشيء وأعظم ما تجلى فيه ذلك أنه _صلى الله عليه وسلم_ جاء إلى السقاية فاستسقى، فقال العباس: يا فضل اذهب إلى أمك فأت رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ بشراب من عندها، فقال: أسقني. قال: يا رسول الله، إنهم يجعلون أيديهم فيه، قال: أسقني فشرب منه، رواه البخاري، وفي رواية أنه _صلى الله عليه وسلم_ قال - حين قالوا نأتيك به من البيت-: لا حاجة لي فيه أسقوني مما يشرب منه الناس. انتهى هذا.
وبعد هذا العرض الموجز لشيء من سيرته _صلى الله عليه وسلم_ في حجه أوصي الإخوة الذين يتنافسون في اختيار الحملات الباهظة الثمن ويفتخرون بذلك أنهم قد خالفوا هدي المصطفى _صلى الله عليه وسلم_، فالحج ليس نزهة أو رحلة ترفيهية، بل هو عبادة فيها معنى الجهاد كما تقدم.

نسأل الله أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، إنه على كل شيء قدير.
وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين.

أ.د. سليمان بن فهد العيسى
 



(2)
تغطية الرأس من أجل البرد

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
إن من محظورات الإحرام على الذكر تغطية الرأس ولبس المخيط ، فقد قال _صلى الله عليه وسلم_ في المحرم الذي وقصته راحلته: "كفّنوه في ثوبيه ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً" متفق عليه، لكن إن احتاج المحرم إلى تغطية رأسه أو إلى لبس المخيط من أجل الحكة أو الحساسية أو البرد الشديد ونحو ذلك فله فعل ذلك وعليه الفدية وهي ذبح شاة أو إطعام عشرة مساكين لكل مسكين نصف صاع من طعام أو صيام ثلاثة أيام، قياساً على فدية الأذى، قال _تعالى_: "وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ" (البقرة: من الآية196)، وهذه الفدية على التخيير.

هذا ولو أنه دفع البرد بأن غطى جسمه ما عدا رأسه بقباء أو فرو ولم يدخل يديه في الكُمين أو بطانية ونحو ذلك مما لا يُعَدُّ مخيطاً جاز له ذلك ولا فدية عليه.
وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين.

أ.د. سليمان بن فهد العيسى
 



(3)
الأعذار التي تجيز للحاج المبيت خارج منى

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
المبيت بمنى واجب من واجبات الحج على القول الصحيح مع الإمكان فإذا لم يتمكن الحاج من وجود مكان بمنى يصلح للمبيت فإنه يسقط عنه، ولا تصلح الأرصفة ولا الطرقات مكاناً للمبيت لوجود الضرر والخطر فيها وعدم صلاحيتها للمبيت، وعندئذٍ فإذا لم يجد الحاج مكاناً بمنى يصلح للمبيت سقط عنه ولا شيء عليه؛ لأن التكليف مشروط بالقدرة على العمل؛ لقول الله _تعالى_: "فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ" (التغابن: من الآية16)، وقوله: "لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا" (البقرة: من الآية286)؛ ولذا ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية قاعدة مفادها "لا واجب مع العجز" والواجبات كلها تسقط بالعجز، ومن ذلك إذا عجز الحاج عن المبيت بمنى أيام التشريق لعدم وجود مكان بها فبات خارج حدودها فإنه لا شيء عليه؛ لأن الواجبات جميعها تسقط بالعجز.

وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين.

د.حسين بن عبد الله العبيدي
 



(4)
دخول الحاج في الخيام غير المسكونة بمنى ومزدلفة وعرفة

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
من سبق إلى مكان فهو أحق به فيكون من اختصاصه، وقد روى أبو داود وابن ماجه والترمذي وحسنه أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: "منى مناخ من سبق" وهذه الخيام المنصوبة بمنى لا شك أن لها أصحاب وعليكم أن تستأذنوا أصحابها إن وجدتموهم فإن لم تجدوهم وأنتم بضرورة أو حاجة إليها فلكم البقاء فيها حتى يأتي أصحابها فإن أذنوا فبها ونِعْمَتْ وإن لم يأذنوا فعليكم الخروج منها؛ لأن لهم حق الأسبقية.
هذا وإن كان المقصود من السؤال هو الأماكن الفارغة حول تلك الخيام فنقول إن كان قد عُمل حولها أروقة دائرية عليها فالحكم كما تقدم لكن على من حجزها وهو غير محتاج لها أو ينتظر من يؤجرها عليه أو يهبها له الإثم وعلى من عرف وعلم بحال هؤلاء من أنهم يحجزون الأماكن من غير حاجة قائمة ومن ثَمَّ يحرمون غيرهم ممن هم في أمس الحاجة إلى تلك الأماكن أن يرفع بهم إلى الجهة المختصة لتمنعهم من ذلك وهذا من باب النهي عن المنكر، والله أعلم.

وفّق الله الجميع لكل خير، وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين.

أ.د. سليمان بن فهد العيسى
 


 


(5)
اعتبار البرد عذراً شرعياً في المبيت خارج منى

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
في نظري أن البرد وحده ليس عذراً للسكن خارج منى كما أن الحر كذلك، فالبرد يمكن دفعه بوسائل التدفئة وباللباس؛ لأن الحاج في منى ليالي أيام التشريق قد حل التحلل الأول الذي يبيح له ما شاء من الثياب، أما إذا لم يجد الحاج مكاناً في منى فإنه لا حرج أن يبيت خارج منى لكن يكون منزله متصلاً بمنازل الحجاج؛ لقوله _تعالى_: "فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ" (التغابن: من الآية16)، فهذا الذي يستطيع ويكون والحالة هذه كالنازل في منى كالجماعة إذا امتلأ المسجد يصفون عند نهاية الصفوف ويكون لهم حكم المصلين داخل المسجد، هذا ولا يلزمه أن يذهب إلى منى يدور بسيارته معظم الليل أو يجلس على الأرصفة بين السيارات وقد يكون ذلك خطراً عليه.

وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين.

أ.د. سليمان بن فهد العيسى
 



(6)
مغادرة الحاج إلى بلده قبل إكمال حجه ثم رجوعه

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
أما مغادرة الحاج مكة قبل إنهاء مناسك حجه كلها فمن المعلوم أن الحاج متلبس بهذا النسك العظيم ولا يفرغ منه إلا بإكمال أعماله وختامه بطواف الوداع عند سفره، ومن المعلوم أيضاً أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ لزم منى، بل أفاض يوم النحر فصلى الظهر بمنى ولم يخرج منها ليلاً ولا نهاراً إلا بعد نهاية الرمي في اليوم الثالث عشر، وهكذا هو الواجب على المسلم لزوم منى ليلاً ونهاراً لأنه في عبادة لكن الواجب هو الليل، وعليه فلا ينبغي للحاج أن يخرج أو يسافر قبل إكمال حجه لهذه المخالفة، ولأنه قد يعرض حجه للنقص وعدم التمام حينما يعرض له ما يخل بحجه ولا يستطيع إكماله، وليس له السفر إلا من ضرورة دون مسافة قصر وهذا خاص بأيام التشريق أما قبل الإحرام بالحج كيوم التروية فله أن يسافر حيث شاء.

وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين.

د.حسين بن عبد الله العبيدي
 



(7)
ترك الحاج بعض أعمال الحج بسبب خشية فوات رحلة دولية

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
من أراد الحج، فالغالب أنه معلوم لديه أن أعمال الحج لا تنتهي إلا بالثاني عشر من شهر ذي الحجة للمتعجل فهو بلا شك لا يحجز إلا بعد هذه المدة. نعم قد يختلف دخول شهر ذي الحجة بالرؤية عنه في الحسابات الفلكية والتقاويم كما حصل في أحد الأعوام الماضية، حيث صار اليوم الثالث عشر بالحساب هو الثاني عشر بالرؤية، فإذا حصل مثل هذا أو كان جاهلاً بأيام الحج (وهذا نادر لمن أراد الحج) فكان حجزه مثلاً في الحادي عشر ونحو ذلك من الأمور القهرية وكان أيضاً قد طاف طواف الحج وسعى إن لم يكن سعى مع طواف القدوم فإننا نرى – والحالة هذه – أن عليه جزاء ما تركه من واجبات الحج ولنفرض أنه سافر في اليوم الحادي عشر من ذي الحجة نقول: تطوف للوداع، وعليك فدية تذبح في مكة عن ترك الرمي، وعليك أيضاً إطعام عن ترك المبيت ليلة الثاني عشر، وقد روي عن الإمام أحمد – رحمه الله – أنه في ترك ليلة يطعم شيئاً، ولو يسيراً. أقول: ويكفي أن يتصدق بشيء من المال ولو خمسة ريالات أو عشرة.

هذا وليعلم أن الفداء الذي يدفعه لترك بعض الواجبات ليس بدلاً عن ذلك على وجه التخيير بينها وبين هذه العبادات وإنما هي جبر لما حصل من الخلل بترك هذه العبادات فلا يصح لحاج أن يقول: أنا أترك بعض الواجبات وأفدي.
هذا ويحسن أن أنقل فتوى عن فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين – رحمه الله – فقد جاء مجموع فتاواه جـ23 ص 304 سؤال رقم 1377 ما نصه (سئل فضيلة الشيخ – رحمه الله تعالى-: بالنسبة لكثير من الحجاج بالطائرة حاجزين في اليوم الثالث عشر وقد تغير دخول الشهر فصار اليوم الثالث عشر هو اليوم الثاني عشر فإذا رموا قبل الزوال تمكنوا من رحلتهم فهل يجوز لهم الرمي قبل الزوال لأنهم إذا تأخروا لن يجدوا حجزاً بالطائرة؟
فأجاب – رحمه الله – بقوله: أرى أنهم في هذه الحالة ينزلون مكة ويطوفون طواف الوداع ويمشون، والقادر منهم يذبح فدية بمكة لترك الواجب الذي هو الرمي ولا يسقط عنهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرخص للضعفاء الذين رخص لهم في العيد أن يرموا قبل الزوال، فإذا كان الرسول لم يرخص مع وجود السبب دل هذا على أنه لا يجوز لكن نقول: إنهم حُصروا عن فعل الواجب وقد قال الله _تعالى_: "فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ" (البقرة: من الآية196)، هذا أقرب شيء انتهى. والله أعلم.

وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين.

أ.د. سليمان بن فهد العيسى
 



(8)
حصر الحجاج بسبب الأمطار والسيول وفوات الحج بسبب ذلك

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
اختلف أهل العلم بماذا يكون الحصر أهو خاص بالعدو أو يكون بالعدو ونحوه من كل مانع من إكمال النسك فمنهم من يرى أن الحصر بالعدو خاصة، ويرى آخرون أن كل مانع من إكمال النسك من عدو أو مرض أو ضياع نفقة أو غير ذلك فهو حصر لعموم قول الله _تعالى_: "فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ" (البقرة: من الآية196)، ومعنى (أُحْصِرْتُمْ أي: منعتم من الوصول إلى البيت لإكمال النسك بمرض أو ضلالة أو عدو ونحو ذلك من أنواع الحصر الذي هو المنع)، فعلى هذا المحصر: من يصير ممنوعاً من مكة بعد الإحرام بمرض أو عدو أو غيره، وهذا ما صححه كثير من أهل العلم وذلك لعموم الآية، فعلى هذا من أصابه عذر منعه من إكمال نسكه من كسر أو مرض أو حادث فإنه يحل من إحرامه بحصول ذلك المانع.

أما من فاته من الحجاج وقت الوقوف بعرفة ولم يستطع الوصول إليها إلا بعد طلوع الشمس يوم النحر من أجل المطر ونحوه فكل من لم يقف بعرفة في شيء من زمان الوقوف المحدد من طلوع الفجر الثاني يوم عرفة إلى طلوع الفجر الثاني يوم النحر فمن لم يدرك الوقوف هذا الوقت فقد فاته الحج بلا خلاف بين أهل العلم سواء فاته الوقوف لعذر من مرض أو عدو أو مطر أو ضل الطريق أو أبطأ به سيره أو ضاعت نفقته، وحينئذٍ يتحلل بعمرة فيطوف ويسعى ويحلق أو يقصر، وعليه فإن كان حجه فرضاً فعليه قضاؤه وإن كان نفلاً فلا قضاء عليه، ولا يفوت الحج إلا بفوات وقت الوقوف بعرفة، وحينئذٍ فمن فاته وقته فاته الحج، ومن أدرك وقت الوقوف أدرك الحج ويأتي ببقية أفعاله، ومن ترك شيئاً من الواجبات فعليه دم.
وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين.

د.حسين بن عبد الله العبيدي


المصدر : موقع المسلم