تحرير رأي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في التفضيل بين الإفراد والتمتع

الناقل : SunSet | الكاتب الأصلى : فهد بن سعد أبا حسين | المصدر : saaid.net


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد :

فهذه المسألة وهي هل الأفضل للحاج التمتع أم الإفراد فصَّل فيها الشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله .

وقبل أن نحرِّر رأي الشيخ تقي الدين رحمه الله ، لابد أن نذكر صور الإفراد وصور التمتع التي تكلم عنها رحمه الله .
فشيخ الإسلام جعل الإفراد عدة صور ، والتمتع عدة صور بعضها أفضل من بعض .
بل إن الإفراد له صور بعضها أفضل من بعض .

ونذكر حالات الإفراد التي تكلم عنها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

الأولى : أن يأتي في أشهر الحج بالحج فقط . بدون أن يأتي بعمرة قبله .

الثانية : أن يأتي المفرد قبل أشهر الحج فيأتي بالعمرة ويمكث في مكة إلى الحج ثم يحج مفرداً . كما يحصل من كثيرٍ من الناس اليوم يأتون بالعمرة في شهر رمضان فإذا جاء الحج أحرموا بالحج فقط ، فهؤلاء جاءوا بالعمرة قبل أشهر الحج ثم جاءوا بالحج لوحده فهم مفردين،وهؤلاء ليس عليهم هدي التمتع.

الثالثة : من جاء بالعمرة ثم رجع إلى بلده ثم سافر مرة أخرى للحج وحده . يعني مفرداً بالحج .

هذه ثلاث حالات للمفرد .

وأما حالات المتمتع :

فالأولى : أن يأتي في أشهر الحج بعمرة ثم بالحج في نفس السنة .

الثانية : أن يأتي بالعمرة ثم يرجع إلى بلده ثم يسافر مرةً أخرى للحج فيأتي بعمرة فيكون جاء بعمرتين وحج .

هذه حالات التمتع .

ثم نذكر هذه الصور ، وتفصيل شيخ الإسلام ابن تيمية بينها .

الصورة الأولى : من أتى في أشهر الحج بعمرة وحج متمتعاً . فهو أفضل ممن جاء بالحج مفرداً .

الصورة الثانية : من أتى بالعمرة في رمضان فمكث في مكة حتى أتى الحج فأحرم مفرداً بالحج ، فهذا أفضل ممن جاء في أشهر الحج بالعمرة والحج متمتعاً .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى (26/101) : فصل في الأفضل من ذلك : فالتحقيق في ذلك أنه يتنوع باختلاف حال الحاج فإن كان يسافر سفرة للعمرة ، وللحج سفرة أخرى ، أو يسافر إلى مكة قبل أشهر الحج ، ويعتمر ويقيم بها حتى يحج فهذا الإفراد له أفضل باتفاق الأئمة الأربعة ، والإحرام قبل أشهر الحج ليس مسنوناً بل مكروه وإذا فعله فهل يصير محرماً بعمرة ، أو بحج ، فيه نزاع .

وأما إذا فعل ما يفعله غالب الناس . وهو أن يجمع بين العمرة والحج في سفرة واحدة ويقدم مكة في أشهر الحج : وهن شوال ، وذو القعدة ، وعشر ذي الحجة ، فهذا إن ساق الهدي فالقران أفضل له ، وإن لم يسق الهدي فالتحلل في إحرامه بعمرة أفضل .... الخ .

وقال في الفتاوى (26/49 ) : وهذا الإفراد هو الذي استحبه الصحابة ، وهو مستحب أيضاً عند أحمد وغيره ، فإن الاعتمار في رمضان ، والإقامة إلى أن يحج أفضل من التمتع وإن كان الرجوع إلى بلده ثم السفر للحج أفضل منها .

الصورة الثالثة : من أفرد للعمرة سفرة ، ثم رجع إلى بلده ثم سافر مرة أخرى فأتى بالحج وحده بدون عمرة فهذا أفضل ممن جاء في أشهر الحج بسفرة واحدة متمتعاً وهذا النوع من الإفراد هو الذي كان يدعو له أبو بكر وعمر رضي الله عنهما .

ولم يكن رأي أبي بكر وعمر أن الإفراد أفضل من التمتع بإطلاق . وإنما هي صورة من صور الإفراد وهي هذه أفضل من التمتع . [ انظر مجموع الفتاوى لابن تيمية في رأي أبي بكر وعمر رضي الله عنهما 26/276 ـ 300]

وقال شيخ الإسلام في الفتاوى (26/37) : ومذهب أحمد أنه إذا أ فرد الحج بسفرة ، والعمرة بسفرة فهذا الإفراد أفضل له من التمتع نص على ذلك في غير موضع وذكره أصحابه كالقاضي أبي يعلى في تعليقه، وغيره ، وكذلك مذهب سائر العلماء حتى أصحاب أبي حنيفة ... الخ

وقال أيضاً في الفتاوى (26/85) : فالتحقيق في هذه المسألة : أنه إذا أفرد الحج بسفرة ، والعمرة بسفرة فهو أفضل من القران ، والتمتع الخاص بسفرة واحدة وقد نص على ذلك أحمد وأبو حنيفة ، مع مالك ، والشافعي ، وغيرهم .

وهذا هو الإفراد الذي فعله أبو بكر وعمر ، وكان عمر يختاره للناس وكذلك علي ـ رضي الله عنه ـ وقال عمر وعلي في قوله : ( وأتموا الحج والعمرة لله ) قالا : إتمامها أن تهل بهما من دويرة أهلك . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة في عمرتها : (( أجرك على قدر نصبك )) وإذا رجع الحاج إلى دويرة أهله ، فأنشأ منها العمرة ، أو اعتمر قبل أشهر الحج ، وأقام حتى يحج ، أو اعتمر في أشهره ، ورجع إلى أهله ثم حج ، فهنا قد أتى بكل واحد من النسكين من دويرة أهله . وهذا أتى بهما على الكمال . فهو أفضل من غيره .

وقال في الفتاوى (26/303) : والأفضل لمن ساق الهدي أن يقرن بين العمرة والحج ، وإن لم يسق الهدي وأراد أن يجمع بين العمرة والحج فالتمتع أفضل ، وإن حج في سفرة ، واعتمر في سفرة ، فالإفراد أفضل له . أ.هـ

لكن هناك ماهو أفضل من هذه الصورة كما سيأتي في الصورة الرابعة .

الصورة الرابعة : من أتى بالعمرة في رمضان أو في أشهر الحج ثم رجع إلى بلده وأراد الحج . فهل الأفضل أن يأتي بالإفراد أو بالتمتع ؟! يعني هل الأفضل أن يأتي بالحج فقط أو يأتي وحج؟!

وهذه المسألة هي التي أشكلت على البعض ؛ فذكروا أن رأي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في هذه الصورة أن الإفراد أفضل . والصحيح من رأي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في هذه الصورة أن التمتع أفضل . لأن فيه جمع بين عمرتين وحجة وهدي .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية (26/88) : من سافر سفرة واحدة واعتمر فيها ، ثم أراد أن يسافر أخرى للحج ، فتمتعه أيضاً أفضل له من الحج ، فإن كثيراً من الصحابة الذين حجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم كانوا قد اعتمروا قبل ذلك ، ومع هذا فأمرهم بالتمتع ، لم يأمرهم بالإفراد .

ولأن هذا يجمع بين عمرتين وحجة وهدي ، وهذا أفضل من عمرة وحجة .

وكذلك لو تمتع ثم سافر من دويرة أهله للمتعة ، فهذا أفضل من سفرة بعمرة وسفرة بحجة مفردة ، وهذا المفرد أفضل من سفرة واحدة يتمتع فيها .

وأما إن أراد أن يجمع بين النسكين بسفرة واحدة ، ويسوق الهدي ، فالقران أفضل ، اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قرن وساق الهدي ... الخ. أ.هـ

وقال شيخ الإسلام ـ الفتاوى (26/276 ) : ولهذا كان الصواب أن من ساق الهدي فالقران له أفضل ، ومن لم يسق الهدي وجمع بينهما في سفر ، وقدم في أشهر الحج فالتمتع الخاص أفضل له .

وإن قدم في شهر رمضان وقبله بعمرة فهذا أفضل من التمتع ، وكذلك لو أفرد الحج بسفرة والعمرة بسفرة فهو أفضل من المتعة المجردة ، بخلاف من أفرد العمرة بسفرة ، ثم قدم في أشهر الحج متمتعاً فهذا له عمرتان وحجة فهو أفضل ، كالصحابة الذين اعتمروا مع النبي صلى الله عليه وسلم عمرة القضية ، ثم تمتعوا معه في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج فهذا أفضل الإتمام ، وكذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم: اعتمر أولاً ، ثم قرن في حجه بين العمرة والحج لما ساق الهدي ، لكنه لم يزد على عمل المفرد ، فلم يطف للعمرة طوافاً رابعاً ولهذا قيل إنه أفرد بالحج ... الخ .

فتبين بهذا أن من جاء بعمرة في رمضان أو شوال . ثم رجع إلى بلده ، ثم رجع إلى الحج فالأفضل في حقه التمتع .

والله أعلم ،،،
 

الشيخ / فهد بن سعد أبا حسين
Fahad_a@islamway.net