مسألة رفع اليدين عند الدعاء على الصفا والمروة (السعي)

الناقل : SunSet | الكاتب الأصلى : عبدالرحمن بن فؤاد الجارالله | المصدر : saaid.net


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله أجمعين محمد بن عبدالله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان واستن بسنتهم إلى يوم الدين ...أما بعد:
فإن هذه المسألة من المسائل الهامة لأنها تتعلق بأداء عبادة الحج والعمرة, ولذا فقد اعتنى بها أهل العلم رحمهم الله عناية بالغة فأفردها كثير منهم بمؤلفات ومصنفات, وما كان ذلك إلا لعلمهم بأهميتها في حياة المسلم وأدائه للعبادة على وجهها الصحيح كما جاءت في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
ومن هذا المنطلق رأيت أن أبحث في هذه المسألة وأورد أقوال العلماء فيها, علنا أن نصل إلى الصواب بإذن الله.
ولقد قرأت في هذه المسألة ولا أزعم أني قد بلغت الكمال ببحثها فالكمال عزيز, لكني أحسب أني قد أحطت بها من بعض جوانبها, أسأل الله أن يجعل عملنا خالصا لوجهه الكريم, اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.آمين.

بادئ ذي بدء لم أجد من خالف في هذه المسألة إلا ابن الحاجب الكردي المالكي فذهب إلى عدم الرفع ونقل ذلك عن الإمام مالك في كتابه جامع الأمهات (ج1/ص195) :قال:"وإذا فرغ من ركعتي الطواف راح إلى السعي فاستلم الحجر وخرج من باب الصفا فرقى عليها حتى يبدو البيت إن قدر والمرأة إن خلا فيدعوان وفي رفع اليدين راغباً أو راهباً قولان وترك الرفع في كل شيء أحب إليه غير ابتداء الصلاة".

قلت: فاستدل بما نقل عن الإمام مالك ويبدو والله أعلم أن نقله ذلك عن الإمام مالك فيه اضطراب فقد نقل عنه غير واحد بفعله كما سيأتي في الصفحة التالية بما نقل في المدونة الكبرى والذي يظهر لي في ذلك أن ابن الحاجب في نقله ذلك قد خالف الأكثرين ممن نقل ذلك عن الإمام مالك. والله أعلم.
وأما غيره من أهل العلم فلم أجد فيهم من قال بعدم الرفع فمن أورد المسألة ذهب إلى رفعهما ومن لم يورد المسألة لم يذكر بها شيئا من رفع أو عدمه.
ولكن الإجماع منعقد على أن من ترك الرفع لم يلزمه شيء نقله الجصاص في كتابه مختصر اختلاف العلماء (ج2/ص162)عن أبي جعفر.

وأما الرفع فقد ذهب إليه جمع من الصحابة منهم جابر بن عبدالله رضي الله عنهما كما نقل ذلك عنه الملا علي القاري في كتابه مرقاة المفاتيح (ج5/ص494-495).
كذلك ذهب إليه جمع من أهل العلم منهم إبراهيم النخعي رحمه الله كما نقل ذلك عنه الإمام أبو يوسف في كتاب الآثار (ج1/ص21).
وممن ذهب إليه الإمام مالك رحمه الله تعالى كما في المدونة الكبرى (ج1/ص68) , قال:" رفع اليدين في الركوع والإحرام:
قال: وقال مالك: لا أعرف رفع اليدين في شيء من تكبير الصلاة لا في خفض ولا في رفع إلا في افتتاح الصلاة يرفع يديه شيئا خفيفا والمرأة في ذلك بمنزلة الرجل. قال ابن القاسم: وكان رفع اليدين عند مالك ضعيفا إلا في تكبيرة الإحرام.
قلت لابن القاسم: وعلى الصفا والمروة وعند الجمرتين وبعرفات وبالموقف وفي المشعر وفي الاستسقاء وعند استلام الحجر؟ قال: نعم إلا في الاستسقاء, بلغني أن مالكا رئي رافعا يديه وكان قد عزم عليهم الإمام فرفع مالك يديه فجعل بطونهما مما يلي الأرض وظهورهما مما يلي وجهه.
قال ابن القاسم: وسمعته يقول: فإن كان الرفع فهكذا مثل ما صنع مالك.
قلت لابن القاسم: قوله: إن كان الرفع فهكذا. في أي شيء يكون هذا الرفع؟ قال: في الاستسقاء وفي مواضع الدعاء. قلت لابن القاسم: فعرفة من مواضع الدعاء".
كما ورد فيها (ج2/ص398) :" قلت لابن القاسم: فهل كان يستحب مالك أن ترفع الأيدي على الصفا والمروة؟ قال: رفعا خفيفا ولا يمد يده رافعا. قال: ورأيت مالكا يستحب أن يترك رفع الأيدي في كل شيء. قلت لابن القاسم: إلا في ابتداء الصلاة؟ قال: نعم إلا في ابتداء الصلاة, قال: إلا أنه قال: في الصفا والمروة إن كان فرفعا خفيفا".

قلت: هذا مما يدل على اضطراب ابن الحاجب في نقله السابق_كما مر معنا_ويلحظ أنه مماثل للنص السابق الذي نقله ابن الحاجب. وأما عن صفة الرفع في المرادبـ"رفعا خفيفا" فانظر النقل الأول من المدونة.
كما ذهب إلى ذلك الإمام الشافعي رحمه الله تعالى كما في الأم (ج7/ص201), وكما نقل ذلك عنه البيهقي في سننه الكبرى (ج2/ص82),و نقل ذلك عنه البيهقي الخسروجردي في معرفة السنن والآثار (ج1/ص561- 562), والنووي في المجموع (ج3/ص361), ونقل ذلك عنه زين الدين أبو الفضل عبد الرحيم بن الحسيني العراقي في طرح التثريب في شرح التقريب (ج2/ص227).
وممن نقل عن جمع من أهل العلم الجصاص كما في كتابه مختصر اختلاف العلماء (ج2/ص131), وفيه قال:" في المواطن التي ترفع فيها الأيدي: وروى أصحابنا عن إبراهيم لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن افتتاح الصلاة وقنوت الوتر والعيدين وعند استلام الحجر وعلى الصفا والمروة وبجمع وعرفات وفي المقامين عند الجمرتين.
وحكى عن أبي يوسف أنه قال في افتتاح الصلاة والوتر والعيدين وعند استلام الحجر يجعل بطون كفيه مما يلي القبلة وظهورهما قبالة وجهه وأما الدفع بجمع وعرفات وفي المقامين عند الجمرتين وعند الصفا والمروة فيستقبل وجهه ببطون كفيه يعني استلام الحجر.
وقال مالك في استلام الحجر يكبر ويمضي ولا يرفع يديه وقال في الصفا والمروة يرفعهما أيضا خفيفا وكذلك بعرفات ولم يحفظ عنه في المقامين", قلت: وسبق أن أوردت مايريد بالرفع الخفيف كما مر.
وقال الشافعي ليس في رفع اليدين عند رؤية البيت شيء اكرهه ولا أستحبه وهو حسن
قال أبو جعفر الفضل بن موسى السيناني روى ابن أبي ليلى عن نافع عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا ترفع الأيدي إلا في سبع مواطن افتتاح الصلاة وعند رؤية البيت وعلى الصفا والمروة وبعرفات وبالمزدلفة وعند الجمرتين".
كذلك ممن ذهب إلى رفعهما ابن نجيم الحنفي كما في البحر الرائق (ج2/ص 358), وذكر صفة رفعهما (ج1/ص341) ، قال:"وعند الصفا والمروة وبعرفات يرفعهما كالدعاء باسطا يديه نحو السماء .كذا في الفتاوى الظهيرية من المناسك".
وممن ذكر صفة رفعهما وذهب إليه الكليبولي المدعو"بشيخي زاده" في مجمع الأنهر (ج1/ص400), قال:" ويستقبل كفيه إلى السماء عند رفع الأيدي على الصفا والمروة".
وكذلك ممن ذهب إليه وذكر صفة رفعهما الإمام الطحاوي الحنفي في حاشيته على مراقي الفلاح (ج1/ص171-172), حيث قال:" لا ترفع الأيدي إلا في مواطن منها ما هنا وهو افتتاح الصلاة ومنها الكبير للقنوت في الوتر وفي العيدين وعند استلام الحجر وعلى الصفا والمروة وبجمع مزدلفة وعرفات وعند المقامين وعند الجمرتين الأولى والوسطى كذا ورد في الحديث وفي حديث آخر عن ابن عباس يدل الاستلام الحجر وحين يدخل المسجد الحرام فينظر إلى البيت وصفة الرفع فيها مختلفة وذكر فيها وفيما عدا ذلك كالداعي فيرفع يديه حذاء صدره باسطا كفيه نحو السماء ويكون بينهما فرج".
وذهب إليه حسن الوفائي الشرنبلالي أبو الإخلاص في نور الإيضاح (ج1/ص49).
وكذلك ذهب إليه كثير من أهل العلم.

ولعلي هنا أورد ما وقفت عليه من الأحاديث والأقوال في ذلك:
من أهم ما ورد في ذلك ما رواه الإمام مسلم (ج3/ص1405) في باب فتح مكة قال الإمام مسلم رحمه الله :" حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا سليمان بن المغيرة حدثنا ثابت البناني عن عبد الله بن رباح عن أبي هريرة قال وفدت وفود إلى معاوية وذلك في رمضان فكان يصنع بعضنا لبعض الطعام فكان أبو هريرة مما يكثر أن يدعونا إلى رحله فقلت ألا أصنع طعاما فأدعوهم إلى رحلي فأمرت بطعام يصنع ثم لقيت أبا هريرة من العشي فقلت الدعوة عندي الليلة فقال سبقتني قلت نعم فدعوتهم فقال أبو هريرة ألا أعلمكم بحديث من حديثكم يا معشر الأنصار ثم ذكر فتح مكة فقال أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قدم مكة..." وذكر فيه"وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقبل إلى الحجر فاستلمه ثم طاف بالبيت قال فأتى على صنم إلى جنب البيت كانوا يعبدونه قال وفي يد رسول الله صلى الله عليه وسلم قوس وهو آخذ بسية القوس فلما أتى على الصنم جعل يطعنه في عينه ويقول جاء الحق وزهق الباطل فلما فرغ من طوافه أتى الصفا فعلا عليه حتى نظر إلى البيت ورفع يديه فجعل يحمد الله ويدعو بما شاء أن يدعو".
ورواه أبو داود (ج2/ص175), في كتاب المناسك باب رفع اليدين إذا رأى البيت حيث قال:" حدثنا أحمد بن حنبل ثنا بهز بن أسد وهاشم يعني بن القاسم قالا ثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن عبد الله بن رباح عن أبي هريرة قال أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل مكة فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحجر فاستلمه ثم طاف بالبيت ثم أتى الصفا فعلاه حيث ينظر إلى البيت فرفع يديه فجعل يذكر الله ما شاء أن يذكره ويدعوه قال والأنصار تحته قال هاشم فدعا وحمد الله ودعا بما شاء أن يدعو".

واستدل به ونقل عن الإمام مسلم جمع من أهل العلم منهم :
الإمام الشوكاني رحمه الله في تحفة الذاكرين (ج1/ص72), ومحمد بن محمد بن داود في سلاح المؤمن في الدعاء (ج1/ص108-109).
ومما ورد في المسألة من الأحاديث ما أورده الإمام ابن خزيمة في صحيحه (ج4/ص230) في باب رفع اليدين عند الدعاء على الصفا حيث قال:" ثنا عبد الله بن هاشم ثنا بهز يعني بن أسد ثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت قال ثنا عبد الله بن رباح قال وفدت وفود إلى معاوية أنا فيهم وأبو هريرة وذاك في رمضان فذكر حديث طويلا من فتح مكة. وقال: فقال أبو هريرة: ألا أعلمكم بحديث من حديثكم يا معشر الأنصار؟ فذكر فتح مكة. قال: وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل مكة. فذكر الحديث بطوله وقال: فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحجر فاستلمه وطاف بالبيت وفي يده قوس أخذ بسية القوس فأتى في طوافه صنما في جنبة البيت يعبدونه فجعل يطعن بها في عينيه, ويقول:"جاء الحق وزهق الباطل" ثم أتى الصفا فعلاه حيث ينظر إلي البيت فرفع يديه فجعل يذكر الله بما شاء أن يذكره ويدعوه والأنصار تحته ثم ذكر باقي الحديث ثناه الربيع بن سليمان ثنا أسد بن المغيرة عن ثابت البناني عن عبد الله بن رباح بنحوه وقال فرفع يديه فجعل يحمد الله ويدعوه بما شاء الله".
وكذلك ما أورده البيهقي في سننه (ج5/ص72) في باب رفع اليدين إذا رأى البيت, قال:" أخبرنا أبو بكر بن الحسن القاضي ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أنبأ الربيع بن سليمان أنبأ الشافعي أنبأ سعيد بن سالم عن بن جريج قال حدثت عن مقسم مولى عبد الله بن الحارث عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ترفع الأيدي في الصلاة وإذا رأى البيت وعلى الصفا والمروة وعشية عرفة ويجمع عند الجمرتين وعلى الميت كذا في سماعنا وفي المبسوط وعند الجمرتين وبمعناه رواه شعيب بن إسحاق عن بن جريج عن مقسم وهو منقطع لم يسمعه بن جريج من مقسم ورواه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن بن عباس وعن نافع عن بن عمر مرة موقوفا عليهما ومرة مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم دون ذكر الميت وبن أبي ليلى هذا غير قوي في الحديث".
كذلك ورد في مجمع الزوائد للإمام الهيثمي، (ج3/ص238) في باب رفع اليدين عند رؤية البيت وغير ذلك, قال:" عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا ترفع الأيدي إلا في سبع مواطن حين يفتتح الصلاة وحين يدخل المسجد الحرام فينطر إلى البيت وحين يقوم على الصفا وحين يقوم على المروة وحين يقف مع الناس عشية عرفة ويجمع والمقامين حين يرمي الجمرة رواه الطبراني في الكبير والأوسط إلا أنه قال رفع الأيدي إذا رأيت البيت وفيه وعند رمي الجمار وإذا أقيمت الصلاة وفي الإسناد الأول محمد بن أبي ليلى وهو سيئ الحفظ وحديثه حسن إن شاء الله وفي الثاني عطاء بن السائب وقد اختلط باب مايقول إذا نظر إلى البيت".
كذلك أورد الطبراني رحمه الله في الأوسط (ج2/ص192), قال:" وبه عن النبي رفع الأيدي إذا رأيت البيت وعلى الصفا والمروة وبعرفة وبجمع وعند رمي الجمار وإذا أقيمت الصلاة لم يرو هذين الحديثين عن عطاء إلا ورقاء ولا عن ورقاء إلا سيف تفرد به أبو يزيد".
كذلك في شرح معاني الآثار للطحاوي، (ج2/ص176)قال:" باب رفع اليدين عند رؤية البيت:
حدثنا بن أبى داود قال ثنا نعيم بن حماد قال ثنا الفضل بن موسى قال ثنا ابن أبى ليلى عن نافع عن ابن عمرو عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" ترفع الأيدي في سبع مواطن في افتتاح الصلاة وعند البيت وعلى الصفا والمروة وبعرفات وبالمزدلفة وعند الجمرتين",
حدثنا فهد قال ثنا الحماني قال ثنا المحاربي عن ابن أبى ليلى عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله قال أبو جعفر فكان هذا الحديث مأخوذا به لا نعلم أحدا خالف شيئا منه غير رفع اليدين عند البيت...", وفيه قال:" فهذا جابر بن عبد الله رضي الله عنه يخبر أن ذلك من فعل اليهود وليس من فعل أهل الإسلام وأنهم قد حجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يفعل ذلك فان كان هذا الباب يؤخذ من طريق الإسناد فان هذا الإسناد أحسن من إسناد الحديث الأول وان كان ذلك يؤخذ من طريق تصحيح معاني الآثار فان جابرا قد أخبر أن ذلك من فعل اليهود فقد يجوز أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر به على الإقتداء منه بهم إذ كان حكمه أن يكون على شريعتهم لأنهم أهل كتاب حتى يحدث الله عز وجل له شريعة تنسخ شريعتهم ثم حج رسول الله صلى الله عليه وسلم فخالفهم فلم يرفع يديه إذا من مخالفتهم[قلت: المراد بهذه الرؤية: رؤية الكعبة-البيت-لا الصفا والمروة لأن من ذكرهما فرق بينهما والله أعلم] فحديث جابر أولى لأن فيه مع تصحيح هذين الحديثين النسخ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما وابن عمر رضي الله عنهما وإن كان يؤخذ من طريق النظر فانا قد رأينا الرفع المذكور في هذا الحديث على ضربين فمنه رفع لتكبير الصلاة ومنه رفع للدعاء فأما ما للصلاة فرفع اليدين عند افتتاح الصلاة وأما ما للدعاء فرفع اليدين عند الصفا والمروة وبجمع وعرفة وعند الجمرتين فهذا متفق عليه...".
قلت: قول الطحاوي:"متفق عليه" المراد به فيما يظهر لي: الاتفاق بين أهل العلم.
وكذلك ورد في مختصر اختلاف العلماء للجصاص, (ج2/ص131), قوله:" في المواطن التي ترفع فيها الأيدي:
وروى أصحابنا عن إبراهيم لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن افتتاح الصلاة وقنوت الوتر والعيدين وعند استلام الحجر وعلى الصفا والمروة وبجمع وعرفات وفي المقامين عند الجمرتين.
حكى عن أبي يوسف أنه قال في افتتاح الصلاة والوتر والعيدين وعند استلام الحجر يجعل بطون كفيه مما يلي القبلة وظهورهما قبالة وجهه وأما الدفع بجمع وعرفات وفي المقامين عند الجمرتين وعند الصفا والمروة فيستقبل وجهه ببطون كفيه يعني استلام الحجر.
وقال مالك في استلام الحجر يكبر ويمضي ولا يرفع يديه وقال في الصفا والمروة يرفعهما أيضا خفيفا وكذلك بعرفات ولم يحفظ عنه في المقامين.
وقال الشافعي ليس في رفع اليدين عند رؤية البيت شيء أكرهه ولا أستحبه وهو حسن.[قلت: كما مر فالمراد بهذا رؤية البيت وهي غير الصفا والمروة فالإمام الشافعي ثبت عنه رفع اليدين في الدعاء على الصفا والمروة].
قال أبو جعفر الفضل بن موسى السيناني روى ابن أبي ليلى عن نافع عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا ترفع الأيدي إلا في سبع مواطن افتتاح الصلاة وعند رؤية البيت وعلى الصفا والمروة وبعرفات وبالمزدلفة وعند الجمرتين..."
وقال في (ص133)," وقد روى حماد عن بشر بن حرب عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو بعرفة فكان يرفع يديه نحو ثندوته.
وإذا ثبت ذلك في الوقوف بعرفة لأجل الدعاء ثبت مثله في الصفا والمروة وبالمزدلفة وعند المقامين عند الجمرتين".
قلت: وهذا من كلام الجصاص رحمه الله.
وكذلك مما ورد في المبسوط للسرخسي (ج4/ص23), قال:" والحديث المشهور أن النبي قال لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن عند افتتاح الصلاة وعند القنوت في الوتر وفي العيدين وعند استلام الحجر وعلى الصفا والمروة وبعرفات وبجمع عند المقامين عند الجمرتين وهذا دليل على أنه إنما يقيم عند الجمرتين الأولى والوسطى ولا يقيم عند جمرة العقبة والمراد من رفع اليدين الرفع للدعاء".
وفي بدائع الصنائع للكاساني (ج1/ص207), وفيه قال:" وفي المشاهير أن النبي قال لا ترفع الأيدي إلا في سبع مواطن عند افتتاح الصلاة وفي العيدين والقنوت في الوتر وعند استلام الحجر وعلى الصفا والمروة وبعرفات وبجمع وعند المقامين عند الجمرتين".
وكذلك ممن ذهب إلى رفع اليدين محمد شمس الحق العظيم آبادي في كتابه عون المعبود شرح سنن أبي داود (ج5/ص227),حيث قال:" هذا موضع الترجمة لكن يقال إن هذا الرفع للدعاء على الصفا لا لرؤية البيت وأجيب بأن هذا مشترك بينهما وأما ما يفعله العوام من رفع اليدين مع التكبير على هيئة رفعهما في الصلاة فلا أصل له أن يذكره أي من التكبير والتهليل والتحميد والتوحيد ويدعوه أي بما شاء وفيه إشارة إلى المختار عند محمد أن لا تعيين في دعوات المناسك لأنه يورث خشوع الناسك...".
وممن ذهب إلى ذلك الإمام المناوي في التيسير بشرح الجامع (ج2/ص69), حيث قال:" ورفع اليدين يكون في سبعة مواطن :إذا رأيت البيت الكعبة إذ لم يقل أحد بوجوبه فيما أعلم وعلى الصفا أي إذا رقيت على الصفا والمروة في السعي فيندب رفع اليدين عند الدعاء بالمأثور حالتئذٍ".
وكذلك أورد السيواسي في شرح فتح القدير (ج1/ص309-310) , قوله:" وقد روى الطبراني بسنده عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس عنه صلى الله عليه وسلم لا ترفع الأيدي إلا في سبع مواطن حين يفتتح الصلاة وحين يدخل المسجد الحرام فينظر إلى البيت وحين يقوم على المروة وحين يقف مع الناس عشية عرفة وبجمع والمقامين حين يرمي الجمرة وذكره البخاري معلقا في كتابه المفرد في رفع اليدين فقال وقال وكيع عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما عنه صلى الله عليه وسلم لا ترفع الأيدي إلا في سبع مواطن في افتتاح الصلاة وفي استقبال الكعبة وعلى الصفا والمروة وبعرفات وبجمع وفي المقامين وعند الجمرتين وقال قال شعبة لم يسمع الحكم عن مقسم إلا أربعة أحاديث ليس هذا منها فهو مرسل وغير محفوظ قال وأيضا فهم يعني أصحابنا خالفوا هذا الحديث في تكبيرات العيدين وتكبيرة القنوت انتهى وقال في الإمام اعترض عليه بوجوه تفرد ابن أبي ليلى وترك الاحتجاج به ورواه وكيع عنه بالوقف على ابن عباس وابن عمر".
وفي مجمع الأنهر أورد شيخي زاده في (ج1/ص404), قوله:" فيصعد عليه حتى يشاهد البيت ويستقبل البيت أي يتحول إليه ويمكث فيه قدر ما يقرأ سورة من المفصل لكن إن لم يمكث يجزيه ويكبر ويهلل ويقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون يقوله ثلاث مرات ويصلي على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بأفضل الصلوات وأكمل التحيات رافعا يديه للدعاء ويدعو لربه بحاجته الأخروية والدنيوية إذا كانت نافعة بما شاء".
وكذلك مما ورد في ذلك ما ورد في نصب الراية للزيلعي في (ج1/ص390),حيث قال:" وقال الطبراني في معجمه حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ثنا محمد بن عمران بن أبي ليلى حدثني أبي عن بن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن حين يفتتح الصلاة وحين يدخل المسجد الحرام فينظر إلى البيت وحين يقوم على الصفا وحين يقوم على المروة وحين يقف مع الناس عشية عرفة ويجمع والمقامين حين يرمي الجمرة انتهى حدثنا أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن النسائي ثنا عمرو بن يزيد أبو يزيد الجرمي ثنا سيف بن عبيد الله ثنا ورقاء عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله وسلم قال:"السجود على سبعة أعضاء اليدين والقدمين والركبتين والجبهة ورفع الأيدي إذا رأيت البيت وعلى الصفا والمروة وبعرفة وعند رمى الجمار وإذا قمت للصلاة"انتهى وذكر البخاري الأول معلقا في كتابه المفرد في رفع اليدين فقال: وقال وكيع عن بن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن في افتتاح الصلاة وفي استقبال الكعبة وعلى الصفا والمروة وبعرفات وبجمع وفي المقامين وعند الجمرتين" ثم قال: قال شعبة لم يسمع الحكم من مقسم إلا أربعة أحاديث ليس هذا منها فهو مرسل وغير محفوظ لأن أصحاب نافع خالفوا وأيضا فهم قد خالفوا هذا الحديث ولم يعتمدوا عليه في تكبيرات العيدين وتكبير القنوت وفي رواية وكيع ترفع الأيدي لا يمنع رفعه فيما سوى هذه السبعة انتهى كلامه وقال البزار في مسنده حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي ثنا ابن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن بن عباس وعن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" ترفع الأيدي في سبعة مواطن افتتاح الصلاة واستقبال البيت والصفا والمروة والموقفين وعند الحجر"انتهى. قال: وهذا حديث قد رواه غير واحد موقوفا وابن أبي ليلى لم يكن بالحافظ وإنما قال ترفع الأيدي ولم يقل لا ترفع الأيدي إلا في هذه المواضع انتهى كلامه قلت رواه موقوفا ابن أبي شيبة في مصنفه فقال حدثنا ابن فضيل عن عطاء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: ترفع الأيدي في سبعة مواطن إذا قام إلى الصلاة وإذا رأى البيت وعلى الصفا والمروة وفي جمع وفي عرفات وعند الجمار انتهى".
وما ورد في كتاب الدراية لابن حجر العسقلاني رحمه الله (ج1/ص148),وفيه قال:"حديث لا ترفع الأيدي إلا في سبع مواطن تكبيرة الافتتاح وتكبيرة القنوت وتكبيرات العيدين وذكر الأربع في الحج لم أجده هكذا بصيغة الحصر الصريحة ولا بذكر القنوت ولا تكبيرات العيدين وإنما أخرج البزار والبيهقي من طريق ابن أبي ليلى عن نافع عن ابن عمر وعن الحكم عن مقسم عن ابن عباس مرفوعا وموقوفا لا ترفع الأيدي إلا في سبع مواطن في افتتاح الصلاة واستقبال القبلة وعلى الصفا والمروة وبعرفات وبجمع وفي المقامين وعند الجمرتين وفي رواية والموقفين بدل المقامين وذكره البخاري في رفع اليدين تعليقا قال: وقال وكيع عن ابن أبي ليلى فذكره بلفظ لا ترفع الأيدي إلا في سبع مواطن افتتاح الصلاة وفي استقبال القبلة فذكر الباقي مثله ثم قال: قال: شعبة لم يسمع الحكم هذا من مقسم انتهى.
وقد أخرجه الشافعي من رواية ابن جريج عن مقسم فذكر نحوه وهكذا أخرجه الطبراني من طريق محمد بن عمران بن أبي ليلى عن أبيه عن ابن أبي ليلى به وأخرجه ابن أبي شيبة عن ابن فضيل عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس موقوفا وأخرجه الطبراني من رواية ورقاء عن عطاء به مرفوعا بلفظ السجود على سبعة أعضاء فذكرها ثم قال:وترفع الأيدي إذا رأيت البيت وعلى الصفا والمروة وبعرفة وعند رمي الجمار وإذا قمت إلى الصلاة".
ومما ورد في المسألة ما ورد في الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة للملا علي القاري (ج1/ص493),وفيه قال:" قال وحديث وكيع عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس وعن نافع عن ابن عمر قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ترفع الأيدي عند سبعة مواطن عند افتتاح الصلاة واستقبال القبلة والصفا والمروة والموقفين والجمرتين لا يصح رفعه والصحيح وقفه على ابن عمر وابن عباس.[قلت: هذا من كلام الملا علي القاري وانظر في كلامه اللاحق].
قلت: وعلى تقدير عدم صحة رفعه تكفينا صحة وقفه لا سيما وهو في حكم المرفوع إذ لا يقال مثل هذا من قبل الرأي كيف وقد رواه الطبراني بسنده عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس عنه عليه الصلاة والسلام:"لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن حين يفتتح الصلاة وحين يدخل المسجد الحرام فينظر إلى البيت وحين يقوم على الصفا والمروة وحين يقف مع الناس عشية عرفة ومجمع والمقامين حين يرمي الجمرة" وذكره البخاري معلقا في كتابه المفرد في رفع اليدين, فقال: وقال وكيع عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس عنه عليه الصلاة والسلام:" لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن في افتتاح الصلاة واستقبال الكعبة وعلى الصفا والمروة وبعرفات وبجمع وفي المقامين عند الجمرتين".
ورجحت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء هذا القول. الفتاوى (ج1/ص295).

وممن نصر هذا القول:
الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى. الفتاوى (ج22/ص436,س966_ص442,س977_ ص445,س980), و في الشرح الممتع في كتاب المناسك حيث اختار هذا القول ونصره.
والشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد حفظه الله تعالى في تصحيح الدعاء(ص513 ).

وأخيراً:
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه ولا تجعله ملتبسا علينا فنضل

فائدة: وما أحسن ما أورد شيخ الإسلام في الفتاوى (ج5/ص117-118),قال:"ومن اشتبه عليه ذلك أو غيره فليدع بما رواه مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام يصلى من الليل قال اللهم رب جبرائيل وميكائيل واسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدنى لما اختلف فيه من الحق بإذنك انك تهدى من تشاء إلى صراط مستقيم وفى رواية لأبى داود أنه كان يكبر في صلاته ثم يقول ذلك فإذا افتقر العبد إلى الله ودعاه وأدمن النظر في كلام الله وكلام رسوله وكلام الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين انفتح له طريق الهدى".

أخيراً: أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم إنه جواد كريم.
وهذا جهد المقل القاصر ومأمولي من الناظر فيه أن ينظر بالإنصاف ويترك جانب الطعن والاعتساف فإن رأى حسناً يشكر سعى زائره ويعترف بفضل عاثره, أو خللا يصلحه أداء حق الأخوة في الدين فإن الإنسان غير معصوم عن زللٍ مبين:
وإن تَجِد عيباً فَسُدّ الخَلَلا *** فَجَلَّ من لا عَيبَ فيه وعَلاَ
فالمنصف لا يشتغل بالبحث عن عيب مفضح والمتعسف لا يعترف بالحق الموضح:
فعين الرضا عن كل عيب كليلة *** ولكن عين السخط تبدي المساويا
وصلى الله على سيدنَا مُحمد وعلى آلهِ وصَحْبِه وسَلم ورضيَ الله عَنْ أصْحابِ رَسولِ الله أجْمَعين وعن التابِعينَ وتابعي التَّابعينَ لهم بإحسانٍ إلى يَومِ الدَّين ولا حَول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

كتبه: عبدالرحمن الجارالله
ليلة الأحد4/8/1425هـ