الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فإن أحكام زيارة المسجد النبوي والصلاة فيه تخفى على كثير من الناس، ويقع الكثيرون أثناء بقائهم في المدينة في جملة من المخالفات الشرعية؛ ولذا فقد حرصت هذه الرسالة على بيان الأحكام والتنبيه على المخالفات وفق ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، في عرض مرتب وأسلوب سهل يناسب العامة. فإليك هذه الأحكام: 1- يشرع السفر من أجل الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في أي وقت؛ لما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام) "متفق عليه". 2- السفر من أجل الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم لا علاقة له بالحج؛ وعليه فليس من سنن الحج أو كماله زيارة المسجد النبوي قبل الحج أو بعده. 3- إذا وصل المسلم إلى المسجد استحب له ما يستحب عند دخول كل مسجد، وهو أن يقدم رجله اليمنى عند الدخول، ويقول: (بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم افتح لي أبواب رحمتك)، (أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم). 4- ثم يصلي ركعتين تحية المسجد. 5- وبعد الصلاة يستحب أن يذهب إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه أبي بكر وعمر- رضي الله عنهما- ويسلم عليهم، فيقول: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا عمر، ثم ينصرف ولا يقفل، كما كان ابن عمر رضي الله عنهما يفعل إذا قدم من سفر، فإن زاد شيئاً يسيرًا من الدعاء لهم دون أن يلتزمه فلا بأس إن شاء تعالى. 6- ويستحب لمن كان بالمدينة أن يتطهر في بيته ثم يأتي مسجد قباء ويصلي فيه ركعتين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه ركعتين كان له كأجر عمرة) "حديث صحيح أخرجه أحمد والنسائي وغيرهما". 7- ويستحب أن يزور مقبرة البقيع وقبور شهداء أحد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزورهم ويدعو لهم؛ ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها) "أخرجه مسلم" وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية) "أخرجه مسلم". 8- ومما يجب معرفته أن البناء على القبور من قباب وغيرها أو بناء المساجد على القبور، أو دفن الموتى في المساجد من أعظم المحرمات التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم أشد التحذير في نصوص كثيرة منها: أ- عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) "متفق عليه". ب- وعن عائشة أيضاً أن ام حبيبة وأم سلمة رضي الله عنهما ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات، بنوا على قبره مسجداً، وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة) "أخرجه مسلم". ج- وعن جابر رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه) "أخرجه مسلم". د- وعن ابي مرثد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تجلسوا على القبور، ولا تصلوا إليها) "أخرجه مسلم". أما وجود قبر النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدفن في المسجد، وإنما دفن في حجرة عائشة رضي الله عنها، وكانت حجرتها خارج المسجد، واستمر الأمر على ذلك إلى أن انقرض عصر الصحابة بالمدينة. ثم وسع المسجد في خلافة الوليد بن عبدالملك وأدخلت فيه الحجرة (انظر مجموعة فتاوى ابن تيمية 27/323).وكان الواجب ألا تكون التوسعة من جهة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما تكون من الجهات الثلاثة الأخرى، فيبقى القبر خارج المسجد، كما حصل في توسعة عمر وعثمان رضي الله عنهما للمسجد.
* أخطاء وتبيهات: 1- يسافر كثير من الناس إلى المدينة بقصد زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا العمل لا يجوز. والمشروع أن يقصد المسلم بسفره الصلاة في المسجد النبوي، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى) "متفق عليه". 2- زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه والبقيع وغيرها من القبور خاص بالرجال؛ أما النساء ليس لهن زيارة شيء من القبور؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله زوّارات القبور) "حديث صحيح،أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجة". 3- لا يجوز لاحد أن يتمسح بالمنبر ولا بالحجرة التي فيها قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه رضي الله عنهما، ولا أن يقبلها، أو يطوف بها؛ فإن هذا كله بدعة منكرة. 4- لا يجوز لأحد أن يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم ولا غيره قضاء حاجة، أو تفريج كربة، أو شفاء مريض، أو أن يشفع له في الآخرة، أو نحو ذلك؛ لأن هذا كله لا يطلب إلا من الله سبحانه، وطلبه من الأموات شرك بالله تعالى. 5- من الأعمال المبتدعة ما يفعله بعض الزوار من رفع الصوت عند قبره صلى الله عليه وسلم، وطول القيام، وتحري الدعاء عند قبره، وقد يستقبل القبر رافعاً يديه يدعو، وكذا ما يفعله بعض الناس من استقبال القبر من بعيد وتحريك شفتيه بالسلام او الدعاء، أو زيارة القبر النبوي بعد كل صلاة أو كلما دخل المسجد أو خرج منه؛ وهذا كله خلاف ما عليه السلف الصالح من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم واتباعهم بإحسان، بل هو من البدع المحدثة. 6- سبق بيان ما يشرع زيارته لمن زار المدينة، وما عدا ذلك فلا يشرع؛ كالمساجد السبعة، ومسجد القبلتين وغيرها، وكذا الذهاب مع مَنْ يُسمّوْن (بالمزورين) لتلقينهم الأدعية.
ملحق مهم بما يجب على العبد معرفته أوجزه في المسائل الآتية: أولاً: إن أعظم واجب على المسلم أن يعبد الله وحده لا شريك له، قال تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) "الذاريات: 56". وقال تعالى (ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) "النحل: 36". وقال تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً) "النساء: 36". ومن صرف أي نوع من أنواع العبادة لغير الله فقد وقع في الشرك، قال تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) "النساء: 48". وقال تعالى: (إن الشرك لظلم عظيم) "لقمان: 13". * والشرك قسمان: القسم الأول: الشرك الأكبر وهو المخرج من الملة، ومن الأمثلة عليه: 1- دعاء غير الله؛ كأن يذهب إلى قبر نبي أو رجل صالح فيقول: اشفع لي، أو اشف مريضي ونحو ذلك. 2- الذبح لغير الله؛ كالذبح للجن والشياطين، أو للأنبياء والصالحين عند قبورهم. 3-الطواف حول القبور. 4- الحكم بغير ما أنزل الله (على التفصيل المذكور في كتب العقيدة). 5- تعليق التمائم على الرقبة، أو اليد، أو على الأطفال، أو في البيت أو السيارة، واعتقاد أنها تجلب النفع أو تدفع الضر. 6- السحر. * القسم الثاني: الشرك الأصغر، وهو إثم عظيم لكنه لا يخرج من الملة، ومن أنواعه: 1- الرياء، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر. فسئل عنه؟ فقال: الرياء) "أخرجه أحمد وإسناده حسن". 2- الحلف بغير الله، مثل: والنبي، وحياتي، وأبي، وشرفي، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (من حلف بغير الله فقد كفر أو شرك) "حديث صحيح، أخرجه احمد وابو داود وغيرهما". 3- قول ما شاء الله وشاء فلان؛ فعن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا: ما شاء الله ثم شاء فلان) "أخرجه أبو داود وغيره بسند صحيح. وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (ما شاء الله وشئت. فقال: (أجعلتني لله نداً، بل ما شاء الله وحده) "حديث صحيح، أخرجه أحمد وابن ماجة وغيرهما". ثانياً: أن العبادة لا تصح إلا بثلاثة شروط: 1- الإسلام؛ فلا تصح العبادة من غير المسلم كاليهودي والنصراني وغيرهما. 2- الإخلاص؛ فمن أشرك في العبادة شركاً أكبر أو أصغر كالرياء فعبادته باطلة. 3- المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم؛ فمن زاد صلاة سادسة أو صلى الظهر خمس ركعات، فعمله بدعة يأثم به، وصلاته باطلة ولو كان مخلصاً، أو قال: إن قصدي زيادة الأجر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) "أخرجه مسلم". ثالثاً : أن جملة من المحاذير الشرعية قد انتشرت بين الناس اليوم فانتبه إليها أخي المسلم، واحذر من الوقوع فيها، ومن هذه المحاذير: 1- احذر تأخير الصلاة عن وقتها؛ فإنه من أعظم الكبائر في الإسلام. 2- احذر ترك الصلاة جماعة في المسجد وخصوصاً الفجر والعصر. 3- احذر الذهاب إلى السحرة والمشعوذين. 4- احذر التبرك بغير المشروع؛ كالتبرك بقبور الأنبياء والصالحين، أو بأستار الكعبة وبنائها. 5- احذر شرب الخمر وتعاطي المخدرات. 6- احذر أخذ المال بالحرام؛ كالربا، والسرقة، والغش في البيع، وتطفيف الميزان. 7- احذر جريمة الزنا ومقدماتها من النظر إلى النساء والاختلاط بهن. 8- احذر عقوق الوالدين وقطيعة الرحم. 9- احذر مزالق اللسان كالكذب والغيبة والنميمة. 10- احذري -أيتها المسلمة- كشف شيء من العورة أمام الرجال الأجانب؛ كالوجه، والشعر، واليدين، والرجلين، أو تتركي لبس العباءة، فعليك بارتداء الحجاب الساتر لجميع البدن. هذا وآخر الرسالة الحمد لله، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
المصدر شبكة الإسلام اليوم