الوقاية خير من العلاج
عمارة بنت عبد الله
كنت أرى منذ فترة وعلامات الحيرة على وجهها ،أحببت أن أسألها ثم إنني أجلت ذلك لحين آخر ، حتى جاءتني ذات يوم قلقة ،فهدأت من روعها وسألتها عن أحوالها ،فقالت لي أنها تريد أن تشاورني في موضوع ما، وأنها تظن فيّّ الأمانة وأنها على ثقة بأنني سأبقي موضوعها سرا ، طمأنتها من حيث السرية فإن أحاديث الناس أمانة،وأنه ما من أسرة إلا ولها أسرارها ،بدت بادئ ذي بدء في حيرة ، قلت لها أن لا تخجل من شئ ، وقلت لها أن تتحدث بكل طلاقة وكأنها تحدث نفسها ، فإن حديثها إليّ لا يقلل من شأنها لدي،ولا يفسد علاقتي بها .. فقالت لي أنها رأت ابنتها البالغة من العمر أربعة عشر سنة مع ابنة خالتها في منظر غير لائق .. دون أن تكمل حديثها عرفت القصة بأكملها... واغرورقت عيناي بالدموع،فهي ليست الحالة الوحيدة ، فهذه الآفة انتشرت في المجتمع كانتشار السرطان في الجسد ، ولم أعد أرى وجهها ،وأنا لا أريد أن أسمع شيئا أكثر من هذا،،تكفي للأمة جراحها، وضياع الجيل جرح لا يندمل .. أخذت تلوم بنات الزمن وأولاد الزمن ،فإن جارتها أخبرتها بان ابن قريبتها له علاقة غرامية مع أحد أصدقائه، وأن أختها قالت لها أن ابنة صديقتها قد اغتصبها السائق،وأن ابنة أحد معارفها قد اعتدى عليها أخوها البالغ من العمر السابع عشر،ثم أخذت تلوم الصحبة ،وأخذت تلوم المراهقة .......
قلت لها : ولكنني لا ألوم الزمن و لا ألوم المراهقة ولا ألوم الصداقة،ولا ألوم البنات والأولاد.. لا ألوم إلا أنفسنا وما كسبته أيدينا ،فقد قال الله تعالى :"ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ". قالت لي: و أيش قصرنا في حقهم يأكلون يشربون يتمشون هناء في هناء... قلت لها: هنا يكمن الخطأ، نحن نعتقد أن أبناءنا يحتاجون فقط إلى الأكل في المطاعم والنزهة في الملاهي وهناء في هناء ،وقد غفلنا عن أساس التربية ،إن أساس التربية الغرس والبناء.. غرس مبادئ وقيم ، وبناء أخلاق وفكر واتجاهات.
قلت لها : هل تذكري ذلك اليوم الذي كنت أناقشك فيه عن اللباس وكانت ابنتك تبلغ من العمر الثالثة، ورأيتها تلبس من اللبس الذي قد نعتبره عاديا لأنها كانت صغيرة ، فساقيها بارزتان، والأكمام قد اختفت من البلوزة، إذا تحرك يدها ظهر بطنها ، وإذا رفعته ظهر إبطها ، وإذا جلست أو لعبت تكشف فخذها ... ، ويوم آخر رأيت ابنتك البالغة من العمر التاسعة وترتدي من اللباس الضيق الذي يصف جسمها كاملا،فضحكتِ من كلامي ولم تعيرِه اهتماما قالت لي: وما دخل هذا بذاك؟ قلت لها : من كشف الغطاء ؟ وأذهب بالعفة بالحياء؟ فإن المراهقة مرحلة من مراحل العمر و هي حصاد سنين التربية في الطفولة.. والفتاة المراهقة أو الفتى المراهق ليسوا وليد أنفسهم أما قرأت عن مراهقة الصحابة والتابعين والسلف الصالح.. فذاك أبو هريرة -رضي الله عنه كان عمره_ لما هاجر إلى المدينة_ إحدى وعشرين سنة ونحن نعلم من سيرته ما يغني عن ذكره ، فهو أكثر الصحابة رواية للحديث فقد روى أكثر من خمسة آلاف حديث ، وسعد بن معاذ -رضي الله عنه -الذي اهتز له عرش الرحمن لما توفي وشيعه جمع من الملائكة، كان عمره إذ ذاك سبعا وثلاثين سنة،و معاذ بن جبل-رضي الله عنه - الذي كان من القراء وإمام مسجد بالمدينة الشريفة كان عمره لما هاجر نبي الله-صلى الله عليه وسلم- سبعة عشرة سنة ، و أسامة بن زيد -رضي الله عنه -كان عمره لما قاد الجيش الإسلامي سبعة عشرة سنة. لو كانت المراهقة مشكلة بحد ذاتها لم يكن التشريع جاء بالتكليف في سن المراهقة ، إن المراهقة هي البلوغ والبلوغ هو بداية مشوار العمل للإنسان ، والإعداد لذلك العمل يكون من الآباء والأمهات،أما سمعت عن سهل التستري الذي قام الليل وعمره الثالثة،ولكن من الذي كان دليله،إنه كان يرى خاله يقوم الليل فيقوم معه،ثم حفظ القرآن وعمره ست أو سبع سنين.. والشافعي حفظ القرآن وعمره سبع سنين،وحفظ الموطأ وعمره عشر،ولكن من الذي فتح له الطريق إلى باب العلم والتعلم ولنا أمثلة كثيرة في زمننا هذا أيضا إذا الطريق الذي ترسمين لهم في الطفولة ترين ثمارها بإذن الله في الفتوة،وأنت لست مخيرة بين التربية الحسنة أو عدمها،بل الوالدان مسئولان من الدرجة الأولى عن تربيتهم ، أما تأملت قول الله عز وجل "الذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمن ألحقنا بهم ذريتهم و ما ألتنا من عملهم من شئ كل امرئ بما كسب رهين". إن المشكلة التي نعيشها في أبنائنا هي وليد أنفسنا حاسبي نفسك ماذا غرست أنت وزوجك في أبناءكما؟وماذا رويتما؟ هل غرستما الحشمة والعفة؟ هل غرستما التقوى والورع ؟ هل غرستما الهمة و الجدية؟ هل غرستما حب القراءة والعلم والعبادة؟ فإن هذه القيم وغيرها مهمة في تقويم سلوك الإنسان في أي مرحلة كان، ولكن غرسها يكون من نعومة الأظافر فإن ستر البدن كاملا من أهم دواعي الحياء والحشمة،والحياء خير كله.. الحياء كله خير .. الحياء طريق إلى العفة.. العفة: ذلك الخلق الإيماني الرفيع الذي تسمو به النفس،سواء نفس الذكر أو الأنثى وهي حصول حالة للنفس تمنع بها من غلبة الشهوة عليها. إن الفتى الذي ينظر إلى أختها النصف عارية،كيف تغرسين فيه غض البصر عن المحرمات، أما تعتقدي أن ذلك منزلق خطير للبحث عن الفواحش، أو الوقوع فيها، أو التفكير فيها .. والفتاة التي تعودت على اللباس العاري كيف تغرسين فيها الحياء الذي يمنعها من إبراز مفاتنها للرجال ،أو النساء ، أو التفكير في الرذيلة،أو البحث عنها . ثم إننا لا نرى بأسا عندما نجلس في جلسة عائلية وشريكنا التلفاز ونرى من المناظر ما تقشعر منه الجلود وبيننا من الأبناء والبنات في جميع مراحل العمر.. ماذا ننتظر إذا من أبنائنا ؟ هل نظن أنهم سيكونون أتقياء أنقياء ورعين ونحن لم نرهم ذلك الطريق؟ والتقوى والورع من أهم دواعي محاسبة النفس ومراقبة الله. والجدية والحزم من أهم دواعي التفكر في معالي الأمور ،و عدم التفكر في سفاسف الأمور . إن اللباس العاري والضيق والشفاف يثير الغرائز الجنسية في غير وقتها،وإن كان ذلك اللباس بين المحارم ،أو كان بين النساء فقط ،أو كان بين الأطفال الذين لم يبلغوا الحلم فإنهم سيبلغون الحلم ويعيدون المناظر التي ارتسمت في أذهانهم في الطفولة ، ثم إن الإعلام المرئي والمسموع يزيد الأمر سوءا ويشعل النار في الحطب ، والوقاية من دواعي الشر والفساد أيسر وأكثر خيرا من العلاج ، فالعلاج قد ينفع وقد لا ينفع،ولكن الوقاية حصانة، ومن يحفظ الله يحفظه الله.. سأساعدك في مشكلتك وأقدم لك العلاج ، أول العلاج الإشعار بفداحة الخطأ، فبدون الإشعار لا يمكن العلاج ثم لا بد من الحمية والحمية يأخيتي: § التخلص من المثيرات من المرئي والمسموع . § الابعاد عن اللباس الضيق والشفاف والعاري. § الحث على غض البصر ، فإطلاق عنان النظر له عواقب وخيمة § الحث على حفظ الجوارح من إطلاقها في المحرمات § الإقلال من الأكل و النوم،فالأكل و النوم الكثيرين من مثيرات الجنس. § اختيار الصحبة الصالحة.
ثم العلاج :- § التحبيب في العفة،والإكراه في الرذيلة. § الإكثار من التوبة والاستغفار واللجوء إلى الله. § رسم هدف في الحياة وتحقيق معالي الأمور § بيان أهمية فترة الشباب في حياة الإنسان،وأن من السبعة الذين يظلهم الله تحت ظله يوم القيامة شاب نشأ في عبادة الله § الترغيب في الجنة والترهيب من النار،والترغيب في حوز رضا الله ومحبته والعمل على إرضائه. § الحث على الإكثار من تلاوة القرآن الكريم ،و الإكثار من قراءة الكتب. § الحث على ارتياد مجالس الذكر،وطلب العلم . § الحث على الإكثار من العبادات البدنية والمالية،والمداومة على الأوراد والأذكار . § العمل على إشغال الفكر في معالي الأمور. ولكنني أقول لك مرة أخرى: الوقاية خير من العلاج..