سنن منى وعرفة ومزدلفة

الناقل : SunSet | الكاتب الأصلى : موقع مناسك | المصدر : www.mnask.com

 

سنن منى وعرفة ومزدلفة

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه إلى يوم الدين، أما بعد:

 

مما ينبغي على الحاج لبيت الله عز وجل قبل أن يذهب إلى الحج أن يتعرف على أمور الحج وأركانه، وواجباته وسننه، وأن يطَّلع على الهدي النبوي الشريف فيه؛ ليضمن بذلك أن يكون حجُّه سليماً على وجه ما أراد الشارع الحكيم.

 

وقد أحببنا أن نتطرق إلى بعض السنن الواردة في ذلك، وأن نذكر سنن الحبيب صلى الله عليه وسلم في منى وعرفة ومزدلفة منتظمة حسب ترتيب أعمال الحج، ومن هذه السنن:

 

1- الإكثار من التلبية والتهليل، والتكبير والدعاء، والذكر والاستغفار؛ منذ أن يحرم؛ وحتى يغادر البلد الحرام، حيث يشرع للمحرم التلبية التي تعتبر من سنن الحج، وتشرع بعد انعقاد النية عقب لبس ثياب الإحرام, ولا يقطعها إلا عند رمي جمرة العقبة, وصيغتها أن يقول: "لبيك اللهم لبيك, لبيك لا شريك لك لبيك, إن الحمد والنعمة لك والملك, لا شريك لك" فيُهلُّ بها (أي يرفع بها صوته), والمرأة ترفع بها صوتها بقدر ما يسمعها من بجانبها, ويستحب الاقتصار على تلبية النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا زاد فلا بأس، فقد زاد عمر رضي الله عنه: "لبيك ذا النعماء والفضل الحسن، لبيك مرهوباً منك، ومرغوباً إليك"، وعن ابن عمر رضي الله عنهما: "لبيك وسعديك، والخير بيديك، والرغباء إليك والعمل"، وعن أنس رضي الله عنه: "لبيك حقاً، تعبداً ورقاً" شرح النووي على مسلم (4/312).

2-  التوجه إلى منى قبل الزوال يوم الثامن, والإحرام لمن كان متمتعاً، أو كان من أهل مكة ولم يحرم بعد، فيصلي بمنى ظهر اليوم الثامن والعصر، والمغرب والعشاء قصراً من غير جمع؛ "لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالناس من أهل مكة وغيرهم بمنى وعرفة ومزدلفة قصراً، ولم يأمر أهل مكة بالإتمام, ولو كان واجباً عليهم لبينه لهم"

[1].

3- المبيت بمنى ليلة عرفة لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه، وفيه: "فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إِلَى مِنًى فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ، وَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، وَالْفَجْرَ، ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلاً حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ،"

[2].

 

4- صلاة فجر اليوم التاسع بمنى لفعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك كما في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه السابق.

 

5- التوجه إلى عرفة ضحى اليوم التاسع، لأن الوقوف بعرفة ركن من أركان الحج كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((الحج عرفة)) رواه الترمذي (814)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح (2/113).

 

ويسير الحاج صباح يوم التاسع بعد طلوع الشمس من منى إلى عرفة كما جاء عن جابر رضي الله عنه: "فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بمنى الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، والصبح، ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس، وأمر بقبَّة له من شعر فضربت بنمرة، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تشك قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم واقف عند المشعر الحرام بالمزدلفة كما كانت قريش تصنع في الجاهلية، فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة، فوجد القبَّة قد ضربت له بنمرة فنزل بها" مسلم (3009).

 

6- النزول بنمرة حتى الزوال يوم التاسع، وصلاة الظهر والعصر قصراً وجمعاً في وقت الأولى منهما، فقد جاء في حديث جابر: " ثُمَّ أَذَّنَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئاً،" مسلم (3009).

 

7- دخول عرفة بعد الزوال؛ لما جاء في حديث جابر السابق والذي فيه: "، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ إِلَى الصَّخَرَاتِ، وَجَعَلَ حَبْلَ الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفاً حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ، وَذَهَبَتْ الصُّفْرَةُ قَلِيلاً حَتَّى غَابَ الْقُرْصُ" .

8- الإكثار من الدعاء يوم عرفة، فيوم عرفة هو يوم الضراعة والابتهال، والتوجه والقرب من الله عز وجل، ولهذا ينبغي للحاج أن يكثر من التهليل والتكبير، وذكر الله جل وعلا يوم عرفة، كيف لا؟ وهذا ما أكد النبي صلى الله عليه وسلم عليه حين قال: ((أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة))

[3].

9-  السكينة عند الدفع من عرفة ومزدلفة لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث جابر: "فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس، وذهبت الصفرة قليلاً، حتى غاب القرص، وأردف أسامة بن زيد خلفه، فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شنق القصواء بالزمام، حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله، ويقول بيده اليمنى: أيها الناس السكينة السكينة))

[4].

 

10-  الإسراع عند المرور بوادي محسر فإن النبي صلى الله عليه وسلم أسرع كما في حديث جابر: "حتى أتى بطن محسر، فحرك قليلاً، ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى، حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة" رواه مسلم (3009).

 

11-  جمع المغرب والعشاء بمزدلفة عند وصولها وقبل أن يضع رحله، فإذا وصل الحاج إلى مزدلفة صلى المغرب والعشاء جمعاً بأذان واحد، ويدل عليه حديث جابر رضي الله عنه والذي فيه: "حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ولم يسبح بينهما شيئاً" رواه مسلم (3009).

 

12-  الوقوف عند المشعر الحرام بعد فجر اليوم العاشر والدعاء حتى يسفر الصبح جداً لقول الله عز وجل: {فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ}(سورة البقرة:198)، ولما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، فعن جابر قال: "ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة فدعاه وكبَّره، وهلله ووحده، فلم يزل واقفاً حتى أسفر جداً، ودفع قبل أن تطلع الشمس" رواه مسلم (3009).

13- ترتيب أعمال يوم النحر: و"ترتيب أعمال يوم النحر سنة، وهو أن يرمي، ثم يذبح، ثم يحلق، ثم يطوف، فلو قدم منها نسكاً على نسك لا شيء عليه عند أكثر أهل العلم، وإليه ذهب مجاهد، وطاووس، وبه قال الشافعي وأحمد"[5]، وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: "السنَّة في يوم النحر أن يرمي الجمرات، يبدأ برمي جمرة العقبة وهي التي تلي مكة، ويرميها بسبع حصيات كل حصاة على حدة، يكبر مع كل حصاة، ثم ينحر هديه إن كان عنده هدي، ثم يحلق رأسه أو يقصره، والحلق أفضل، ثم يطوف ويسعى إن كان عليه سعي هذا هو الأفضل، كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه رمى، ثم نحر، ثم حلق، ثم ذهب إلى مكة فطاف عليه الصلاة والسلام، هذا الترتيب هو الأفضل: الرمي، ثم النحر، ثم الحلق، أو التقصير، ثم الطواف والسعي إن كان عليه سعي، فإن قدم بعضها على بعض فلا حرج، أو نحر قبل أن يرمي، أو أفاض قبل أن يرمي، أو حلق قبل أن يرمي، أو حلق قبل أن يذبح؛ كل هذا لا حرج فيه، فالنبي صلى الله عليه وسلم سئل عن من قدم أو أخَّر فقال: ((لا حرج، لا حرج)) رواه البخاري (1721)"

[6].

 

14-  قطع التلبية عند ابتداء الرمي بجمرة العقبة، ويقطع التلبية لأنه شرع في أسباب التحلل فعن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن النبي صلى الله عليه و سلم أردف الفضل من جمع، قال: فأخبرني ابن عباس أن الفضل أخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة" رواه مسلم (3148).

 

15-  التكبير عند الرمي مع كل حصاة، وهذا الفعل هو الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم، فعن جابر رضي الله عنه قال: "ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى، حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة منها مثل حصى الخذف، رمى من بطن الوادي" رواه مسلم (3009).

 

16-  الحلق: وهو أفضل من التقصير لما روي عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اللهم ارحم المحلقين))، قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟، قال: ((اللهم ارحم المحلقين))، قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟، قال: ((والمقصرين))، وقال الليث: حدثني نافع: رحم الله المحلقين مرة أو مرتين، قال: وقال عبيد الله حدثني نافع وقال في الرابعة ((والمقصرين)) رواه البخاري (1727)، ومسلم (3206).

 

17-  المبادرة بطواف الإفاضة بعد رمي جمرة العقبة يوم النحر، وطواف الإفاضة واجب يفوت الحج بفواته؛ لقوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (سورة الحج:29)، ولا يجزئ عنه دم، وسمِّي طواف الإفاضة لأنه يؤتى به عند الإفاضة من منى إلى مكة، وسمي طواف الزيارة لأن الحاج يأتي من منى فيزور البيت ولا يقيم وإنما يبيت بمنى، وأفضله بعد رمي جمرة العقبة، وذبح الهدى، والحلق، ويكون ذلك ضحوة يوم النحر، ويجوز في جميع يوم النحر بلا كراهة، ويُكره تأخيره عنه بلا عذر، وتأخيره عن أيام التشريق أشد كراهة لحديث جابر: "ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثاً وستين بيده، ثم أعطى علياً فنحر ما غبر، وأشركه في هديه، ثم أمر من كل بدنة ببُضعة فجُعلت في قدر، فطُبخت، فأكلا من لحمها، وشربا من مرقها، ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفاض إلى البيت، فصلى بمكة الظهر" رواه مسلم (3009).

 

نسأل الله عز وجل أن يوفقنا إلى كل خير، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.

موقع مناسك
 


 

[1] التحقيق والإيضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة والزيارة على ضوء الكتاب والسنة لابن باز (1/46)، وفتاوى تتعلق بأحكام الحج والعمرة والزيارة (1/101) لعبد العزيز بن عبد الله بن باز، واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.

 

[2] مسلم (3009).

 

[3] السنن الكبرى (8174)، وحسنه الألباني في صحيح وضعيف الجامع الصغير (5/429).

 

[4] ابن ماجه (3074)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجة (7/74).

 

[5] شرح السنة (7/213).

 

[6] مجموع فتاوى ابن باز (17/347).