فضل يوم النحر( يوم العيد ):
لقد فضل الله يوم النحر بأن جعله يوماً من أيامه المشهودة، وهو عيد من أعياد المسلمين، كما جاء في حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يومُ عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق، عيدنا أهلُ الإسلام …)
[1].
وهو أعظم أيام العام عند الله تعالى، كما جاء في حديث عبد الله بن قُرْط رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أعظم الأيام عند الله تعالى يوم النحر، ثم يوم القَرِّ)
[2]. ويوم القر: هو اليوم الذي يلي يوم النحر؛ لأن الناس يقرون بمنى.
فهو أفضل أيام العام؛ كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "أفضل أيام العام هو يوم النحر، وقد قال بعضهم: يوم عرفة، والأول هو الصحيح؛ لأن فيه من الأعمال ما لا يعمل في غيره: كالوقوف بمزدلفة، ورمي جمرة العقبة وحدها، والنحر، والحلق، وطواف الإفاضة، فإن فعل هذه فيه أفضل بالسنّة واتفاق العلماء"
[3].
ويقول ابن القيم رحمه الله: "فخير الأيام عند الله يوم النحر، وهو يوم الحج الأكبر"
[4].
وقد جاء تسميته بـِ: "يوم الحج الأكبر" في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، يقول الله تعالى: {وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} (سورة التوبة (3).
وجاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف يوم النحر في الحجة التي حج فيها، فقال: (أي يوم هذا؟) فقالوا: يوم النحر، فقال: (هذا يوم الحج الأكبر)
[5].
في هذا اليوم المشهود يتقرب العباد إلى ربهم بإراقة دماء الأضاحي والهدي، وهذا من أفضل القربات، وأجل الطاعات، فقد قرن الله الذبح بالصلاة، قال تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (سورة الكوثر:2)، وقال جل وعلا: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (سورة الأنعام:161، 162).
أعمال الحاج يوم العيد:
- يدفع الحجاج من مزدلفة إلى منى بعد فجر يوم العيد إذا أسفر الصبح جداً قبل أن تشرق الشمس، ويجوز للضعفة وأصحاب الحاجات الدفع بعد منتصف ليلة النحر. فإذا وصل الحاج إلى منى فإنه يقوم بأعمال عديدة في هذا اليوم. وسيكون حديثنا عن أعمال الحجاج في هذا اليوم تبعاً لنسك كل حاج.
أولا: المتمتع:
وهو من تمتع بالعمرة إلى الحج ، فجاء بالعمرة كاملة في أشهر الحج ثم تحلل منها، ثم أحرم بالحج بعدها.
أعمال المتمتع يوم العيد هي:
أولا: رمي جمرة العقبة الكبرى -وهي الجمرة التي تلي مكة في منتهى منى- بسبع حصيات مكبراً مع كل حصاة، ومقدار الحصاة مثل حصى الخذف؛ لحديث جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثم سلك الطريق التي تخرج على الجمرة الكبرى، حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة، فرماها بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة منها مثل حصى الخذف) رواه مسلم(2137). وحكم رميها واجب، ويجبر تركه بدم، وهذا قول الجمهور.
ثانيا: نحر الهدي أو ذبحه، ويجوز أن ينحر في أي مكان آخر من منى أو في مكة، لحديث جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نحرت هاهنا، ومنى كلها منحر؛ فانحروا في رحالكم...) رواه مسلم(2138).
ثالثا: حلق الشعر أو تقصيره، والحلق أفضل. والمرأة تأخذ من شعرها قدر أنملة.
رابعا: طواف الإفاضة، وهو ركن من أركان الحج؛ قال تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (سورة الحج: 29). ويجوز تأخيره إلى اليوم الحادي عشر أو الثاني عشر أو مع طواف الوداع. لكن السُّنة أن يطوفه يوم العيد ضحى.
خامساً: السعي، وهو ركن من أركان الحج، وهو سبعة أشواط، ويجوز تأخيره لليوم التالي، أو الذي يليه، أو مع طواف الوداع.
سابعاً : الرجوع إلى منى والمبيت بها ليلة الحادي عشر. والمبيت بمنى ليالي أيام التشريق واجب من واجبات الحج. والسنة أن يبيت الليل كله، فإن شق عليه، فالضابط في ذلك أن يبقي في منى أكثر الليل، فإن فعل ذلك فقد أدى الواجب سواءً كان من أول الليل أو من آخره.
ثانيا: القارن
وهو من أحرم في نسكه بالجمع بين الحج والعمرة، أو أدخل الحج على العمرة. أو أدخل العمرة على الحج في بعض أقوال أهل العلم.
أعمال القارن يوم العيد هي:
أولاً: رمي جمرة العقبة الكبرى بسبع حصيات مكبراً مع كل حصاة.
ثانياً: نحر الهدي أو ذبحه، ويستثنى من ذلك سكان الحرم، فلا هدي عليهم.
ثالثاً: حلق الشعر أو تقصيره، والحلق أفضل ، والمرأة تقصر من شعرها قدر أنملة.
رابعاً: طواف الإفاضة، وهو ركن من أركان الحج، ويجوز تأخيره إلى اليوم الحادي عشر أو الثاني عشر أو مع طواف الوداع.
خامساً: السعي إن لم يسع مع طواف القدوم. فإن كان قد سعى مع طواف القدوم فلا سعي عليه.
سادساً: الرجوع إلى منى والمبيت بها ليلة الحادي عشر. والمبيت بمنى ليالي أيام التشريق واجب من واجبات الحج. والسنة أن يبيت الليل كله، فإن شق عليه، فالضابط في ذلك أن يبقي في منى أكثر الليل، فإن فعل ذلك فقد أدى الواجب سواءً كان من أول الليل أو من آخره.
ثالثا: المفرد:
وهو من أحرم بالحج وحده.
أعمال المفرد يوم العيد هي:
ثانياً: حلق الشعر أو تقصيره، والحلق أفضل، والمرأة تقصر من شعرها قدر أنملة.
ثالثاً: طواف الإفاضة، وهو ركن من أركان الحج ، ويجوز تأخير طواف الإفاضة إلى اليوم الحادي عشر أو الثاني عشر أو مع طواف الوداع.
رابعاً: السعي إن لم يسع مع طواف القدوم. فإن كان قد سعى مع طواف القدوم فلا سعي عليه.
ترتيب أعمال الحج يوم العيد:
الأفضل ترتيب أعمال يوم العيد كما يلي:
1- الرمي. 2- ذبح الهدي. 3- الحلق أو التقصير. 4- الطواف. 5- السعي.
هذا هو السنة، وهو الأفضل تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم, فإن أخل بالترتيب، وقدَّم بعضها على بعض، فلا حرج. فعن عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف في حجة الوداع فجعلوا يسألونه: فقال رجل لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح قال: (( اذبح ولا حرج )) فجاء آخر فقال لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي، قال: (( ارم ولا حرج )) فما سئل يومئذ عن شيء قدم ولا أخر إلا قال افعل ولا حرج "رواه البخاري ومسلم.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: " أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له في الذبح والحلق والرمي والتقديم والتأخير فقال لا حرج " رواه البخاري 2306 .
يقول العلامة ابن باز رحمه الله: "السنة في يوم النحر أن يرمي الجمرات، يبدأ برمي جمرة العقبة وهي التي تلي مكة، ويرميها بسبع حصيات كل حصاة على حدة يكبر مع كل حصاة، ثم ينحر هديه إن كان عنده هدي، ثم يحلق رأسه أو يقصره، والحلق أفضل. ثم يطوف ويسعى إن كان عليه سعي هذا هو الأفضل، كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم. فإنه رمى ثم نحر ثم حلق ثم ذهب إلى مكة فطاف عليه الصلاة والسلام .هذا الترتيب هو الأفضل الرمي ثم النحر ثم الحلق أو التقصير ثم الطواف والسعي إن كان عليه سعي، فإن قدم بعضها على بعض فلا حرج، أو نحر قبل أن يرمي، أو أفاض قبل أن يرمي، أو حلق قبل أن يرمي، أو حلق قبل أن يذبح كل هذا لا حرج فيه. فإن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن من قدم أو أخر، فقال: (لا حرج لا حرج)"
[6].
بم يكون التحلل؟
التحلل هو خلع الإحرام، ولبس المخيط من الثياب.
ويكون التحلل الأول: بعد رمي جمرة العقبة والحلق أو التقصير، فيحل له كل محظورات الإحرام إلا النساء. وهذا قول الجمهور. وقيل يكون بعد رمي جمرة العقبة فقط، باعتبار أن الحلق ليس نسكاً وهذا خلاف الراجح.والأحوط ما ذهب إليه الجمهور.
التحلل الثاني: ويكون بعد طواف الإفاضة؛ بالنسبة للمفرد والقارن إذا كانا قد أتيا بالسعي عند القدوم، وأما المتمتع يكون بعد طواف الإفاضة والسعي بين الصفا والمروة، ويحل للجميع كل محظورات الإحرام حتى النساء.
فهذا لمن قام بأعمال يوم النحر على الترتيب الوارد في السنة ، وحيث إنه يجوز التقديم والتأخير في أعمال يوم النحر ، فإن التحلل يكون بفعل ثلاثة أمور ، من فعل اثنين منها حلّ التحلل الأول، إذا رمى وحلق أو قصر، أو رمى وطاف وسعى إن كان عليه سعي، أو طاف وسعى وحلق أو قصر. ويحصل التحلل الثاني بفعل الثلاثة: برمي جمرة العقبة والحلق أو التقصير وطواف الإفاضة وسعي الحج.
وقت رمي جمرة العقبة:
اتفق العلماء على أن أفضل وقت لرمي جمرة العقبة بعد طلوع شمس يوم النحر إلى الزوال، لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، كما في حديث جابر : " رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمرة يوم النحر ضحى، وأما بعد فإذا زالت الشمس " رواه مسلم (2290 ). فمن رماها من طلوع الشمس إلى الزوال فقد أصاب سنتها ووقتها المختار.
- واختلفوا في أول وقت رميها على أقوال:
الأول: يبدأ وقت جواز الرمي، من بعد نصف الليل الأول من ليلة النحر وبه قال الشافعي وأحمد. وذلك لما روته عائشة رضي الله عنها قالت: "استأذنت سودة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة أن تدفع قبله، وكانت ثبطة، أي ثقيلة، فأذن لها" (رواه البخاري(1568) ومسلم(2271). وقولها أيضاً رضي الله عنها: " أرسل النبي صلى الله عليه وسلم بأم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر، ثم مضت فأفاضت، وكان ذلك اليوم الذي يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ يعني عندها " رواه أبوداود[7] . قال النووي رحمه الله: "قال الشافعي والأصحاب: السنة تقديم الضعفاء من النساء وغيرهم من مزدلفة قبل طلوع الفجر بعد نصف الليل إلى منى ليرموا جمرة العقبة قبل زحمة الناس.."[8]. فلما كان منتصف الليل وقت للدفع من مزدلفة، فكان وقتاً للرمي، كبعد طلوع الشمس، وما ورد من الرمي بعد طلوع الشمس هو للاستحباب، وهذا وقت الجواز جمعاً للأحاديث.
الثاني: يبدأ وقت الرمي بعد طلوع الفجر الثاني من يوم النحر، وبه قال أبو حنيفة ومالك وإسحاق وابن المنذر، ورواية عن الإمام أحمد. ومما استدلوا به حديث ابن عباس رضي اله عنهما: " أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث به مع أهله إلى منى يوم النحر، فرموا الجمرة مع الفجر" رواه أحمد.
الثالث: يبدأ من طلوع الشمس يوم العيد، ولا يجوز قبل ذلك، وبه قال مجاهد والنخعي، والثوري، وابن حزم[9]. ودليلهم ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما:" أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بضعفة أهله فأمرهم ألا يرموا الجمرة حتى تطلع الشمس"
[10]
الرابع: أول وقته للضعفة من طلوع الفجر، ولغيرهم من بعد طلوع الشمس، قال به جماعة من أهل العلم، واختاره ابن القيم رحمه الله والشنقيطي[11]. لأن النبي صلى الله عليه وسلم رمى بعد طلوع الشمس كما في حديث جابر الطويل، وقال: (لتأخذوا مناسككم) رواه مسلم(2286)، والإذن إنما هو للنساء والضعفة، يقول العلامة ابن عثيمين رحمه الله: "وقت الرمي بالنسبة لجمرة العقبة يوم العيد يكون لأهل القدرة والنشاط من طلوع الشمس يوم العيد، ولغيرهم من الضعفاء ومن لا يستطيع مزاحمة الناس من الصغار والنساء يكون وقت الرمي في حقهم من آخر الليل، وكانت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما ترتقب غروب القمر ليلة العيد فإذا غاب دفعت من مزدلفة إلى منى ورمت الجمرة، أما آخره فإنه إلى غروب الشمس من يوم العيد، وإذا كان زحام أو كان بعيداً عن الجمرات وأحب أن يؤخره إلى الليل فلا حرج عليه في ذلك، ولكنه لا يؤخره إلى طلوع الفجر من اليوم الحادي عشر"
[12].
- واختلفوا في آخر وقت رمي جمرة العقبة على أقوال:
الأول: غروب شمس يوم النحر، وهو قول الثوري، ومالك ووجه عند الشافعية. قال ابن عبدالبر رحمه الله: "أجمع أهل العلم على أن من رماها يوم النحر قبل المغيب فقد رماها في وقت لها، وإن لم يكن مستحباً لها"
[13].
الثاني: طلوع فجر اليوم الثاني، وهو قول أبي حنيفة، ووجه عند الشافعية أيضاً.
الثالث: يمتد إلى غروب شمس آخر يوم من أيام التشريق، وهو قول الحنابلة والمشهور عند الشافعية، وهو الذي ذكره الشافعي رحمه الله في الأم
[14]. إلا أنه عند أحمد: إذا أخر الرمي إلى أيام التشريق فإنه لا يرميها إلا بعد الزوال.
وقد أفتى جمع من أهل العلم، ومنهم الشيخان ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله بجواز الرمي وليلاً ، والدليل على ذلك عدم ورود الدليل المانع، والأصل التوسعة على الناس فيما لم يرد فيه نص صحيح صريح, ولاسيما مع شدة الزحام, وقد تقرر في القواعد أن رفع الحرج أصل من أصول الشريعة، وما خير صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما مالم يكن إثماً، ولا إثم في الرمي ليلاً, إذ لا دليل يمنعه، والأصل عدم المنع . لذا فإنه لا بأس بتأخير الرمي إلى قبيل الفجر من يوم الحادي عشر, والراجح جواز الرمي ليلاً، وأن وقت رمي جمرة العقبة يمتد إلى طلوع الفجر من يوم الحادي عشر، فمن رماها في هذا الوقت فقد أصاب النسك. ويستدل عليه أيضاً بحديث: (رميت بعد ما أمسيت) فقال: (لا حرج) رواه البخاري(1608).
وكذلك فإن من أخر رمي جمرة العقبة إلى الليل ورماها فإن رميه هذا أداء لا رمي قضاء على الصحيح من أقوال أهل العلم؛ لأن القضاء فعل العبادة بعد خروج وقتها, والليل وقت للرمي, فالرمي في الليل رمي في الوقت لا رمي خارج الوقت فيكون أداءً لا قضاء والله ربنا أعلى وأعلم"
[15].
وقت نحر الهدي وذبحه:
الصحيح في ذلك أن وقت ذبح الهدي هو وقت ذبح الأضحية، فيبدأ وقت الذبح من بعد صلاة العيد أو بقدرها لمن لم يصلِّ، ويستمر إلى غروب شمس ليلة الثالث عشر من ذي الحجة، وكلما بدر بذبحه كان أفضل وانفع للفقراء والمحتاجين، فالأفضل ذبحه يوم العيد، ثم اليوم الحادي عشر وهكذا، وقد قال بعض أهل العلم بجواز ذبح هدي التمتع والقران قبل يوم العيد، وهذا قول ضعيف لا دليل عليه، بل الدليل على عكس ذلك تماماً فإنه صلى الله عليه وسلم لم يذبح هديه قبل يوم العيد، مع أن الحاجة ماسة وداعية إلى ذبحه، لأنه قال: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت، ولولا أن معي الهدي لأحللت"رواه البخاري (1541) ومسلم(2122).
وهذا الحديث دليل على أنه لا يجوز ذبح الهدي قبل يوم العيد وقبل الصلاة، ولو كان ذلك جائزاً لذبحه النبي صلى الله عليه وسلم وحل من إحرامه، فلما لم يفعل ذلك علم أن ذبح الهدي قبل صلاة العيد لا يجوز ولا يجزئ.
مكان نحر الهدي:
ذهب الجمهور من أهل العلم إلى أن نحر الهدي لابد أن يكون داخل الحرم في مكة أو منى أو مزدلفة، سواء كان هدي تطوع أو هدي تمتع أو قران؛ لقوله تعالى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} سورة الحج(33) والمراد بذلك: الحرم كله، كما ذكر المفسرون، وقال صلى الله عليه وسلم: (نحرت هاهنا ومنى كلها منحر) رواه مسلم (1218). وفي رواية: (كل فجاج مكة طريق ومنحر)[16]، وعن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "مناحر البدن بمكة، ولكنها نزهت عن الدماء، ومنى من مكة"
[17].
وعلى هذا فلا ينحر هديه في عرفة أو غيرها من الحل؛ لأنها خارج الحرم، فلا يجزئ على المشهور عند أهل العلم، وبعض الناس قد يغفل عن ذلك، فينبغي التنبه له.
أما الهدي لفعل محظور -كحلق الرأس- فهذا يجوز أن يكون في محل فعل المحظور ويجوز أن يكون في الحرم؛ لأن ما جاز في الحل جاز في الحرم إلا جزاء الصيد، فلابد أن يكون في الحرم؛ لقوله تعالى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ} (سورة المائدة(95).
وأما هدي الاحصار -وهو وجود مانع من الوصول إلى البيت- فإنه يذبحه في مكان الإحصار؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} (سورة البقرة(196)، لكن لو أراد نقله إلى مساكين الحرم فلا بأس.
مكان تفريق لحم الهدي:
يفرق لحم الهدي داخل حدود الحرم، ثم إن كان هدي تمتع أو قران أو تطوع فله أن يأكل منه ويهدي ويتصدق على مساكين الحرم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أكل من لحم الهدي، كما في حديث جابر رضي الله عنه عند مسلم؛ ولأنه دم نسك فهو بمنزلة الأضاحي، فإن أرسل منه إلى الفقراء في العالم الإسلامي، فهذا عمل مشكور وجهد طيب.
وإن كان لترك واجب -على القول به- فإنه يتصدق بجميع لحمه على مساكين الحرم، ولا يأكل منه شيئاً
[18].
الاشتراك في الهدي:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلين بالحج، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة منا في بدنة) رواه مسلم(2323).
وهذا دليل على جواز الاشتراك في الإبل البقر، فالواحدة منها تجزيء عن سبعة، وسواء كان الهدي هدي تطوع أو واجباً كهدي التمتع والقران، أما الشاة الواحدة فلا يجوز الاشتراك فيها، وقد نقل النووي الإجماع على ذلك
[19].
يقول العلامة ابن القيم رحمة الله: "وكان من هديه صلى الله عليه وسلم ذبح هدي العمرة عند المروة، وهدي القران بمنى، وكذلك كان ابن عمر يفعل، ولم ينحر هديه صلى الله عليه وسلم قط إلا بعد أن حل، ولم ينحره قبل يوم العيد، ولا أحد من الصحابة البتة، ولم ينحره أيضاً إلا بعد طلوع الشمس، وبعد الرمي، فهي أربعة أمور مرتبة يوم النحر"
[20].
تقبل الله من الحجاج حجهم وهديهم، ومن أهل الأمصار صلاتهم ودعاءهم وأضحيتهم، والحمد لله رب العالمين.
[1]
رواه أبو داود (2066) والترمذي (704) والنسائي (2954)، وهو في صحيح أبي داود، برقم(2090).
[2]
رواه أبو داود (1502) وهو في صحيح أبي داود، رقم(1549) وفي المشكاة (2643).
[3]
مجموع الفتاوى (25/ 288) بتصرف يسير.
[4]
زاد المعاد (1/54).
[5]
رواه أبو داوود (1945) وصححه الألباني في صحيح أبي داود، رقم(1700) )
[6]
مجموع فتاوى ابن باز(30)جزءا - (17/ 347-348).
[7]
قال النووي في المجموع ( 8 / 175 ) : رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط مسلم .
[8]
المجموع (8/125).
[9]
انظر: مختصر اختلاف العلماء ( 2/154 ) نهاية المحتاج ( 3/298)، حلية العلماء ( 3/342)، هداية السالك ( 3/1094)، الهداية ( 1/103)، المستوعب ( 4/243)، رؤوس المسائل الخلافية ( 2/634)، ا الإفصاح ( 4/66)، المبسوط ( 4/21) بدائع الصنائع ( 2/137 )، ، إرشاد السالك ( 1/301) الشرح الصغير ( 2/367)، المغني مع الشرح ( 3/449) . المحلى ( 7/176 )
قال النووي: رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وغيرهم بأسانيد صحيحة. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
[11]
انظر: فتاوى شيخ الإسلام ( 6/135)، زاد المعاد ( 472.471) أضواء البيان ( 5/276) .
[12]
فتاوى الحج من أركان الإسلام، ص(48) لابن عثيمين.
[13]
التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد(7/268).
[14]
انظر: رسالة: "رمي الجمرات دراسة فقهية". وكذلك: مختصر اختلاف العلماء (2/156)، بداية المجتهد ( 1/378) المجموع ( 8/141، 179، 181) . البناية ( 3/717)، بدائع الصنائع ( 3/1121)، المغني مع الشرح الكبير (3/479)، الأم ( 2/214).
[15]
تبصير الناسك بأحكام المناسك (138- 139). بتصرف
[16]
رواه أبو داود (1937) وابن ماجة (3048) وأحمد (22/381). وقال الألباني: "الحديث بمجموع طرقه صحيح، ولاسيما وله شاهد من حديث ابن عباس أنه كان ينحر بمكة" انظر السلسلة الصحية حديث رقم (2464).
[17]
أخرجه البيهقي (5/239) وإسناده صحيح.
[18]
ينظر: مسائل يكثر السؤال عنها في الحج، ص(20- 21).
[19]
انظر: شرح النووي على مسلم (9/437) ونيل الأوطار(5/104).
[20]
زاد المعاد(2/315).