التبعية لله وحده رياض محمد المسيميري إنَّ الحمدَ لِله نحمدهُ ونستعينهُ، ونستغفرهُ، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا، ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، منْ يَهدهِ اللهُ فلا مُضلَ لـهُ، ومنْ يُضلل فلا هاديَ لـه. وأشهدُ أنَّ لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ لـه، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسوله. ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَـمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) (آل عمران: 102). ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) (النساء: 1). ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)) (الأحزاب: 70-71). أما بعدُ: فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرُ الهدي هديُ محمدٍ r وشرُّ الأمورِ مـُحدثاتُها، وكل محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار. أما بعد، أيَّها المسلمون: فإنَّ كثيراً من المسلمين اليومَ، يقولون بأفواههم لا إله إلا الله، محمدُ رسولُ الله، ويُرددونها مراتٍ عديدة، في مناسباتٍ كثيرة، ويعلمون كذلك، أنَّ هذه الشهادة: هي شرطُ الإسلامِ، وأساسُهُ الذي لا يقومُ بدونه، ثُمَّ تنظُر بعد ذلك إلى حياتهم وتصرفاتهم، فتجدُهم ينقضون هذا العهد، ويُكذِّبون هذه الشهادة بتصرفاتهم وأعمالهم، وفي تصوراتهم وأفكارهم. وأخطرُ أنواعِ التصرفاتِ التي تناقضُ الإسلامَ، وتهدُمه، صرفُ التبعيةِ والولاءِ لغيرِ حكمِ الله وشرعه، وانظر إن شئتَ في بلادِ المسلمين، تجد كثيراً من المسلمينَ، أفراداً وشعوباً، قد صرفوا ولاءَهم، وتبعيُتَهم إلى حكامٍ طواغيت، أو إلى أمراء وسادة، أو إلى أحبارٍ وكهنةٍ، شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله، وأفتوا بغيرِ علم، سعياً وراء شهوةٍ أو شُبهة، وسار كثيرٌ من المسلمين في ركابِ أولئكَ الطواغيت، يأخذون عنهم تشريعاتِهم، ويخضعون لحكمهم، فتحول هذا المظهَر إلى واقعٍ أليم. فبشرٌ يُشرِّعون، ويحكمون، وآخرون يُنفَّذون ويَخضعون، أيّ تحول بعضُ البشر إلى أربابٍ وآلهة، وعُبدَ هم الباقون وقدَّسوهم. فهل أوضحُ من هذا المظهر من مظاهرِ الوثنية؟ بل إنك لتقرأُ في كتبِ القانون، التي يؤلفها مسلمون في بلادٍ إسلامية، ما يلي مثلاً: قال المشرعُ الفرنسيُّ كذا وكذا، وقال المشرعُ البريطانيَّ كذا وكذا، ! أمَّا الفقيهُ الأمريكيُّ الكبير فقد قال كذا وكذا، وأجمَعَ الفقهاءُ الروس على كذا وكذا! إذاً، فقد وصلَ الأمرُ بأولئك الطواغيت إلى أن جعلَوا أنفسَهم مشرعينَ، وفقهاءَ يخضعُ لهم الخلق من دون الله، وقد استساغ َ هذا الواقعُ الأليم كثيرٌ من المسلمين، وألِفُوهُ حتى إنَّك لتكادُ تُصعق وأنت تقرأ عن نزاهةِ القضاء، وشجاعةِ القاضي الكبير فلان! وسعادةِ المستشار، وتتساءلُ في عجب!! أيُ قضاءٍ هذا؟! فتخطرُ في بالك مظاهرُ القضاءِ الحقيقي، الهيئاتُ الإسلاميةُ المهيبة، وآياتُ اللهِ وأحاديثُ رسولِه التي يُهتدى بها، وشرعُ اللهِ الذي يَحكُم ويتصاغرُ أمامَه الحكَّامُ والأمرءُ، والسادة والكبارُ والصغار، حتى يؤخذَ الحق منهم. ولكنك لا تلبثُ أن تُصعقَ، حينما ترى الوجوهَ المصقولَةِ، والهيئاتِ الأجنبيةِ البغيضةِ لأولئك المُسمِّين بالقضاةِ، وبين أيديهِم وفي عقولِهم أفكارُ طواغيتِ البشرِ وطغاتِهم، يحكمونَ بها بين الناس، وما هو في الحقيقةِ إلاَّ قضاءٌ نزلَ بالمسلمين بعد أن غيروا ما بأنفسهم، فأفلَتَ المجرمون، والقتلة يسفكون دماءَ المسلمين، ويستبيحونَ أموالَهم ونساءَهم، وشُربتِ الخمورُ في الشوارع، وبيعت في الدكاكينِ والمحلات، واعتلى المرتدون والزنادقةُ المنابرَ يسخر ونَ من شعائرِ الدين، ويتنقصونَ صَاحبَ الرسالةِ- عليه الصلاة والسلام - ويصفون كلَّ متدينٍ شريف، بالتخلفِ والرجعيةِ والإرهابِ. وحرسَ تلك المخالفاتِ والتجاوزات، أولئك المستكبرونَ بقوةِ شرعهِم وقانونِهم، وعَبَّدُوا المسلمين لغيرِ الله، فخضعَ أكثرُهم، وأعطى تبعيتَه، وولاءهُ لغيرِ الله - تعالى -، ونسي المسلمُ المسكين كتابَ ربه، وهو يُحذِّرهُ عاقبةَ التبعيةِ لغيرِ اللهِ - تعالى -، ويُصورُ لهُ مواقِفَ حيةً لأولئكَ المتبوعين، والأتباعِ يومَ القيامة حين يرون العذاب، بين يدي اللهِ الواحدِ القهار، وكيف يتبرأُ بعضُهم من بعض، وتعلُوهم الحسرةُ، والندامة، ويتمنونَ لو عادوا إلى الدنيا، فيخلصوا للهِ وحدهُ من دونهم، ويكفروا بهم وبقوانينهم. وفي هذا يقول الله - تعالى -: ((إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ)) [البقرة: 166، 167]. إنَّهُ منظرٌ مرعبٌ مخيفٌ، تتقطعُ فيه العلائقُ والأسباب، يومَ يقفُ المستكبرون، من حكَّامٍ وأمراء، وسادةٍِ وكهنة، وعلماءِ سوءٍ. تصطكُّ أسنانُهم وركبُهم من الرعبِ والخوفِ والهلع، وهم يرون تلهُّب النارِ وزَفِيرَها، ويقفُ الأتباعُ من الشعوبِ المستضعفةِ الخانعةِ لأولئكَ المستكبرين أمامَ بعضهم، فيرتَجفُ المستكبرون وهم يرون شاهدَ جريمتهِم أمامَهم، ويتبرؤونَ منهم، ويُنكرون صِلَتَهم بهم، وهُنا يستأ سدُ أولئكَ المستضعفونَ على طواغيتهم، بعد أن رأوا زيفَ سلطتِهم، وكذِبَ بهارِجهم، فيتمنونَ العودةَ إلى الدنيا، ليكفروا بهم، ويتمردُوا على سلطانِهم، ولكن هيهات! فهي حسرةٌ مُستمرة، ولوعةٌ قاتلة، وما هم بخارجين من النارِ، ويعرضُ القرآنُ الكريم موقفاً أخر، أكثرَ صراحةً، ورُعباً من سابقه، يقولُ اللهُ - تعالى -عن أمثالِ هؤلاء: ((وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ * وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَاداً وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)) [سـبأ: 31، 33]. هذا موقفٌ آخر، يحدثُ يومَ القيامةِ بين طغاةِ البشرِ، وبين الذين اتبعوهم وأطاعوهم في الدنيا من دونِ الله - تعالى -، وكيفَ يُلقي المستضعفونَ على الذين استكبروا تبعةَ الوَقفةِ المرهوبةِ المهِينة، وما يتوقعونَ بعدها من البلاء. يقولونَ لهم هذه القولَةَ الجَاهرَةَ اليوم، ولم يكونوا في الدنيا بقاردينَ على مواجهتِهم، هذه المواجهةُ كان يمنعهم الذل والضعفُ، والاستسلامُ وبيعُ الحريةِ التي وهَبَهَا اللهُ لهم، والكرامةِ التي منحها إيَّاهم، والإدراكِ الذي أنعمَ بهِ عليهم، أمَّا اليوم وقد سقطت القيمُ الزائفة، وواجهوا العذابَ الأليم، فهم يقولونها غيرَ خائفينَ ولا مبالين: ((لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ)) وهُنا يضيقُ الذين استكبروا بالذين استضعفوا، فهم في البلاءِ سواء، وهؤلاءِ الضعفاءُ يُريدون أن يُحَمِلوهم تبعَةَ الإغواءِ، الذي صَارَ بهم إلى هذا البلاء. وعندئذٍ يَردُون عليهم باستنكار، ويُجابهونهم بالسبِ الغليظ. ((قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ)).. فهو التخلي عن التبعةِ والإقرارِ بالهدى، وقد كانوا في الدنيا لا يُقيمون وزناً للمستضعفين، ولا يأخذون منهم رأياً، ولا يعتبرونَ لهم وجوداً، ولا يقبلون لهم مخالفةً ولا مناقشة. أمَّا اليومَ، وأمامَ العذابِ الأليم، فهم يَسألونهم باستنكار، أنحنُ صددناكم عن الهُدى بعد إذا جاءَكم؟؟ ((بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ)) من ذاتِ أنفسِكم لا تهتدون، لأنَّكم مُجرمون في إعراضِكم عن البراهينِ الإلهيةِ الواضحة، واتباعِكم إيَّانا دون علمٍ، ولا هدىً ولا كتابٍ منير، ولو كانوا في الدنيا، لَقَبعَ المستضعفون لا ينبسون ببنتِ شفة.ولكنهم في الآخرةِ حيثُ تسقطُ الهالاتُ الكاذبة، والقيمُ الزائفة، وتتفتحُ العيونُ المغلقة، وتظهرُ الحقائقُ المستورةِ عندها، لا يسكتُ المستضعفون ولا يخنعون، بل يجابهونَ المستكبرين بمكرهِم الذي لم يكن يفترُ ليلاً ولا نهاراً، للصدِ عن الهدى، وللتمكينِ الباطل، ولتلبيسِ الحقِّ، وللأمرِ بالمنكرِ، ولاستخدامِ النفوذِ والسلطان في التظليلِ والإغواء. ((وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَاداً)). ثم يدركُ هؤلاءِ وهؤلاء، أنَّ هذا الحوارُ البائسُ لا ينفعُ هؤلاءِ ولا هؤلاء، ولا يُنجِّي المستكبرينَ ولا المستضعفين، فلكلٍ جريمتهُ وإثمه، المستكبرون عليهم وزرهم وعليهم تبعةُ إضلالِ الآخرينَ وإغوائِهم، والمستضعفون عليهم وزرُهم. فهم مسئُولون عن اتباعهم للطُغاة، ولا يُعفيهم أنَّهم كانوا مُستضعفين. لقد كرمهمُ اللهُ بالإدراكِ والحرية، فعطَّلوا الإدرَاكَ، وباعوا الحرية، ورضوا لأنفسهم أن يكونوا ذيولاً، وقبلوا لأنفسهم أن يكونوا مُستذلين، فاستحقوا العذابَ جميعاً، وأصابهم الكمدُ والحسرةُ، وهم يرون العذابَ حاضراً، مُهيئاً، وأسرُّوا الندامةَ لما رأوا العذاب، وهي حالةُ الكمدِ الذي بَدفنُ الكلماتِ في الصدور، فلا تتفوهُ به الألسنة، ولا تتحركُ به الشِفاه، ثُمَّ أخذهُم العذابُ المُهينُ الغليظ: ((جَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا)). ثم يلتفتُ السياقَ يُحدثُ عنهم، وهم مسحوبونَ في الأغلال، مهملاً خطابَهم إلى خطابِ المتفرجين، ((هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)). ويُسدلُ الستارُ على المستكبرينَ والمستضعفينَ من الظالمين، وكلاهُما ظالم، هذا ظالمٌ بتجبرهِ وطغيانهِ وتضليلهِ، وهذا ظالمٌ بتنازلهِ عن كرامةِ الإنسان، وإدراكِ الإنسان، وحريةِ الإنسانِ وخنوعهِ، وخضوعهِ للبغي والطغيان، وكلُهم في العذابِ سواء، لا يجزون إلاَّ ما كانوا يعملون، يُسدلُ الستار. وقد شهدَ الظالمون أنفسَهم في ذلك المشهد الحي، شهدوا أنفسهم هُناك، وهم بعدُ أحياءٌ في الأرضِ، وشاهدهم غيرُهم، كأنَّما يرونهم، وفي الوقت متسعٌ لتلافي ذلك الموقفِ لمن يشاء. بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإيَّا كم بالذكرِ الحكيم، واستغفر الله لي ولكم إنَّهُ هو الغفورُ الرحيم الخطبة الثانية الحمد لله يُعطي ويمنع، ويخفضُ ويرفع، ويضرُ وينفع، ألا إلى اللهِ تصيرُ الأمور. وأُصلي وأسلمُ على الرحمةِ المهداة، والنعمةِ المُسداة، وعلى آلهِ وأصحابه والتابعين، أمَّا بعدُ: فإنَّ ما تقدم ذكرُهُ، من تلك المواقفِ المُخيفةِ، التي تجمعُ بين المُستكبرين المتكبرينَ وبين أتباعِهم من السُذَّجِ الغافلين، فيه ذكرى لمن كانَ له قلبٌ أو ألقى السمعَ وهو شهيد. وقد ذكر القرآنُ الكريم في عرضهِ لتلك المواقف، أوصافاً لأولئك المتخاصمين. ولم يحدد أسماءً وأشخاصاً، فكلُّ طاغيةٍ ظالمٍ مُستبد، مرشحٌ لأن يكونَ في صفِ المستكبرين يومَ القيامةِ، مهما كان اسمهُ أو رسمُه، وكلُ تابعٍ ذليلٍ استمرأ الذُلَّ وألِفَه، وانقادَ وراءَ أولئكَ الشياطين، فهو مرشحٌ لأن يقفَ في صفِ الضُعفاءِ الجبناء. ومن هُنا وجبَ على كلِ ذي فهمٍ وإدراك، ألاَّ يصرفَ تبعيَتَه، وولاءَهُ لغير الله - تعالى -، وأن يستعلي بإيمانهِ الذي وهبهُ اللهُ إيَّاه، وأن يعتزَّ بالعبوديةِ التي شرَّفهُ اللهُُ بها، وألاَّ يتنازلَ مثقالَ ذرةٍ، ولا أقلَّ منها عن عبوديتهِ لغيرِ اللهِ - تعالى -، هذا إن أرادَ العافيةَ والسلامة، وإلاَّ فإنَّ اللهَ يقول: ((اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)) [فصلت: من الآية40]. اللهمَّ إنَّا نسألُك إيماناً يُباشرُ قلوبنا، ويقيناً صادقاً، وتوبةً قبلَ الموتِ، وراحةً بعد الموتِ، ونسألُكَ لذةَ النظرِ إلى وجهكَ الكريمِ، والشوق إلى لقائِكَ في غيِر ضراءَ مُضرة، ولا فتنةً مضلة، اللهمَّ زينا بزينةِ الإيمانِ، واجعلنا هُداةً مهتدين، لا ضاليَن ولا مُضلين، بالمعروف آمرين، وعن المنكر ناهين، يا ربَّ العالمين، ألا وصلوا وسلموا على من أُمرتم بالصلاة عليه، إمام المتقين، وقائد الغرِّ المحجلين وعلى ألهِ وصحابته أجمعين. وأرضي اللهمَّ عن الخلفاءِ الراشدين أبو بكرٍ وعمر وعثمان وعلي اللهمَّ آمنا في الأوطانِ والدُور، وأصلحِ الأئمةَ وولاةِ الأمورِ، يا عزيزُ يا غفور، سبحان ربك رب العزة عما يصفون.