الأوعية الرقمية بين الإعداد الفني والاستخدام الفعلي الدكتور طلال ناظم الزهيري قسم المعلومات الجامعة المستنصرية
المستخلص يناقش البحث المشكلات التي ظهرت مع تجربة تحويل الرسائل الجامعية المنجزة في الجامعات العراقية إلى الصيغة الرقمية بعد تسجيلها على الأقراص الرقمية، ضمن المفهوم الأوسع للأوعية الرقمية التي أخذت تحتل نسبة مهمة مقارنة مع الأوعية الورقية في المكتبات . حيث تطرق البحث إلى أهم العوامل التي أسهمت في موجبات التحول إلى النشر الرقمي للمعلومات وآفاقه المستقبلية. وعرض البحث بالتفصيل المشكلات التي رافقت هذه التجربة محليا ، وقدم مجموعة من المقترحات التي تهدف إلى تحقيق إفادة اكبر من هذه الأوعية في مراحل التنضيد والتخزين والإعداد. أولاً . المقدمة . شكل اختراع الحروف الطباعية المتحركة انعطافا تاريخيا مهما ، وأسهم بشكل فاعل في إحداث ثورة كبيرة بمجال نشر المعرفة البشرية بمجالاتها المختلفة ، وأدى إلى تضخم كبير في حجم النتاج الفكري العالمي ، الذي كان من ابرز سمات المرحلة التي أعقبت هذا الحدث، ولقد أدت المكتبات بوصفها المؤسسات المعنية في جمع وتحليل وإعداد النتاج الفكري المنشور وإتاحة استخدامه من قبل شرائح المجتمع المتباينة دورا مهما في السيطرة على هذا الكم الهائل من المطبوعات . وفي منتصف القرن العشرين ظهرت تقنيات جديدة لنشر المعرفة، تعتمد بشكل مباشر على أجهزة الحواسيب بعد أن سبقتها إلى ساحة التداول المعرفي تقنيات المصغرات الفيلمية(المايكروفورم)، التي سرعان ما انحسر دورها كوعاء من أوعية نقل المعلومات مقابل التزايد المستمر لأوعية نقل المعلومات الرقمية، خاصة بعد ظهور تقنيات الخزن الضوئي. حيث كان هناك تزايد ملحوظ في استخدام الأقراص الليزرية والممغنطة وعاءً جديداً في نشر وتوزيع النتاج الفكري . ونظرة موضوعية إلى مستقبل مؤسسات المعلومات والمكتبات ستكشف عن تنامي دور هذا النوع من الأوعية ، والتي يتوقع لها أن تشكل نسبة كبيرة من مقتنيات هذه المؤسسات ، وعليه لابد من الاستعداد مبكرا إلى دراسة أساليب جديدة للإعداد الفني لضمان تيسير الاستخدام والإفادة الكاملة ، وهو الأمر الذي يحاول البحث مناقشته من خلال الإطار الآتي: 1. المشكلة يمكن تحديد المشكلة بالتساؤلات الآتية : أ. إلى أي مدى يمكن الاعتماد على أدوات الوصف المادي والتحليل الموضوعي المستخدمة مع أوعية نقل المعلومات الورقية في السيطرة على الأوعية الرقمية وتيسير سبل إتاحتها إلى المستفيدين .؟ وهل هناك حاجة فعلية إلى ابتكار أدوات جديدة للتعامل مع هذه الأوعية.؟ ب. هل الطبيعة المادية للأوعية الرقمية تسمح في إعطاء المستفيدين إمكانية مباشرة للتعرف على المحتوى الفعلي للمعلومات .؟ وهل يتمكن المستفيد من الوصول إلى قرار مناسب بشأن ملاءمة او عدم ملاءمة المصدر قبل الاستخدام الفعلي.؟ ت. إلى أي مدى يمكن الاعتماد على موثوقية المعلومات المسجلة في الأوعية الرقمية.؟ وكيف يتم الاستشهاد المرجعي بها في حال استخدامها مصدراً للمعلومات.؟ 2. الهدف يهدف البحث إلى تقديم مقترحات عملية لاعتماد أساليب جديدة في التحكم بأوعية نقل المعلومات الرقمية. ودراسة جدوى الاستفادة من الأدوات المستخدمة في المكتبات والمخصصة للمعالجة الفنية للأوعية الورقية. لتيسير سبل إتاحة المعلومات للمستفيدين بالسهولة التي تحقق الإفادة الكاملة. 3. الحدود الأقراص الرقمية المدمجة التي تتمتع بصفة الاستقلالية المادية ، ولا ترتبط بوعاء ورقي سواء من الناحية التوضيحية او التكميلية. ثانياً : استخدام التقنيات الرقمية في نشر المعلومات لسنوات طويلة مرت كانت مؤسسات المعلومات عموما والمكتبات على وجه الخصوص تعمل بجد على بناء مجموعاتها و أغناء مخازنها بالكتب والدوريات والمطبوعات الورقية الأخرى، يدفعها في ذلك سعيها المتواصل لإشباع حاجات شريحة واسعة من المستخدمين سواء كانوا باحثين أم طلبة أم مثقفين ..الخ. لكن هذه المؤسسات وبسبب الطبيعة المادية للمطبوعات الورقية وجدت نفسها بحاجة مستمرة إلى توسيع بناياتها لاستيعاب كل ما ينشر. ومع مرور الوقت اضطرت العديد منها إلى استحداث بنايات جديدة أو استغلال الفضاءآت الملحقة بها بالشكل الذي انعكس سلبا على المواصفات الهندسية لبناياتها . مقابل هذه المشكلة كانت مؤسسات النشر أيضا تعاني من الكلفة العالية لمتطلبات النشر والطباعة، اللازمة لتوفير المعدات والمواد الأولية والأيادي العاملة لتنضيد وطباعة ونشر كم هائل من المطبوعات، وأصبح تأخير الصدور سمة مشتركة تجمع العديد من دور النشر خاصة في الدول النامية كون معظمها لا تمتلك الإمكانيات المادية الكبيرة لتوفير المستلزمات الضرورية لإنجاز العمل بالسرعة المطلوبة. وإذا ما أخذنا بنظر الاعتبار الحاجة المتزايدة للباحثين للحصول على المعلومات بسرعة لمواكبة التطورات الجارية في مجالات تخصصهم. نستنتج الأسباب التي دفعت هذه المؤسسات إلى التفكير في اعتماد أساليب جديدة واستحداث تقنيات متطورة لخفض الكلفة إلى أدنى حد ممكن، مع الحفاظ قدر الإمكان على الخصائص الفنية والموضوعية لأوعية نقل المعلومات. ويمكن إيجاز مبررات التحول إلى النشر الرقمي إلى مجموعة من العوامل الآتية، مع التأكيد على أن هذا التحول لم يزل تدريجي وما تزال المطبوعات الورقية هي الأكثر مقابل تنامي ملحوظ في النشر الرقمي. 1. تقادم المعلومات كان للنشاط الكبير في مجال بث الحقائق العلمية الذي أعقب نهاية الحرب العالمية الثانية دور كبير في تضخم النتاج الفكري العالمي . حيث كان لنهاية مرحلة السياسات الاستعمارية واستقرار الأنظمة السياسية في العديد من دول العالم عامل مؤثر في كسر احتكار الدول المتقدمة للعلم والعلماء، ولم يعد النتاج الفكري حكرا على دولة أو رقعة جغرافية محددة ، مما ساعد على نشر وبث كميات هائلة من المعلومات التي وجد معظمها طريقه إلى ميدان النشر وبلغات العالم المختلفة. هذا الوضع أدى إلى تنامي المعلومات بشكل خطير جداً ، وخير معبر عن ذلك تداول مصطلح "انفجار المعلومات" Information Explosion . ليصف بدقة الوضع القائم. وهذه المشكلة يمكن النظر إليها من جانبين أحداهما زيادة كبيرة في عدد المطبوعات ، الذي اثر على مؤسسات المعلومات بالطريقة التي ذكرناها سابقاً. والجانب الثاني وهو الأهم في تقدير الباحث يتمثل في سرعة تقادم المعلومات، العلمية منها على وجه الخصوص ، والمقصود بالتقادم هنا ظهور حقائق جديدة لتكمل الحقائق المعروفة سابقاً أو تناقضها جزئيا أم كلياً. وإذا ما أخذنا بنظر الاعتبار متطلبات البحث العلمي ، والحاجة الملحة لمواكبة التطورات العلمية في الاختصاصات المختلفة. سنجد إن النشاط البحثي لمعظم الباحثين تركز في الدوريات سواء من كان منهم منتجاً للمعلومات أم مستخدماً لها ، بعد إن كان الكتاب هو المصدر الأهم. وذلك لاعتبارات سرعة الصدور مقارنة مع الكتاب. إلا إن الدوريات أصبحت بعد مدة قصيرة مشكلة بحد ذاتها بعد إن كانت حلاً ، بسبب كلفة الاشتراك العالية نسبيا والتي أثقلت كاهل ميزانية المكتبات عموماً، ولصعوبة تحليل مضامين الكم الهائل من المعلومات بالطريقة التي تحقق الإفادة الكاملة منها. لهذا وجدت معظم المؤسسات ضالتها في معدات وأساليب النشر الرقمي لتكون حلاً، والذي قد يكون بدوره مؤقتا للمشكلة. 2. تطور تكنولوجيا المعلومات هناك ثلاث مؤشرات أساسية حصلت في مكونات تكنولوجيا المعلومات. وخاصة في الأجزاء المادية للحواسيب (العتاد) وبرامج الحاسوب، ونظم الاتصال. ففي جانب الأجزاء المادية للحواسب تعاظمت القدرة على التصغير المتناهي للعناصر الالكترونية من الصمامات المفرغة إلى الدوائر الالكترونية المتكاملة ذات الكثافة العالية، الأمر الذي انعكس على وحدة البناء الأساسية، وبالتالي تقلص حجم الحواسيب، وتحققت زيادة هائلة في سرعة معالجة البيانات لتصبح من آلاف العمليات الحسابية في الثانية الواحدة إلى بلايين العمليات الحسابية في الثانية. أما تطور البرامجيات فلقد كان مساره باتجاه التحول من معالجة البيانات لغرض إنجاز العمليات الحسابية، إلى معالجة المعلومات، ليتجاوز الحاسوب بذلك العمليات الحسابية البسيطة المرتبطة بالبيانات الخام، إلى قدرة جديدة يحدد من خلالها العلاقات بين البيانات وبالتالي أصبح قادراً على استخلاص المعلومات المنتقاة على شكل مؤشرات وتحليلات إحصائية. ثم ارتقى الحاسوب ليصبح آلة قادرة على تحديد الفروق الجوهرية بين البيانات والمعلومات من جانب، والمعلومات والمعارف من جانب أخر، بمعنى الانتقال في نتائج المعالجة من البيانات التفصيلية، إلى المعلومات الإجمالية المستخلصة. أما في مجال الاتصالات فقد حدثت نقلة نوعية في استخدام الألياف الضوئية الدقيقة وذات السعة الكبيرة لنقل البيانات لتحل محل أسلاك النحاس التي يزيد سمكها مئات الآلاف من المرات. حيث يتوقع إن تساعد الألياف الضوئية هذه على بناء شبكات اتصال تصل سرعة تدفق البيانات عبرها إلى بليون نبضة في الثانية، وهذه السرعة كافية لنقل ما يقارب مائه ألف صفحة من البيانات في الثانية الواحدة. ويمكن إيجاز أهم هذه التطورات من خلال الشكل رقم (1). الحاسوب الضخم Mainframe الحاسوب الصغير Mini-Computer الحاسوب المصغر Micro-Computer الانترنت Netwark الواقع الافتراضي سلم تطور العتاد معالجة البيانات معالجة المعلومات معالجة المعارف سلم تطور البرامجيات أسلاك النحاس الألياف الضوئية تطور نظم الاتصال