من لا يتقدم .. يتقادم شخص خبرته في الحياة وفي العمل .. عشرون سنة ! في كل سنة يتطور .. يترقى .. يضيف شيئاً لنفسه ولعقله ولسيرته .. وينجز أهدافاً ويحقق مراداً .. وشخص آخر .. خبرته .. ثلاثون سنة .. لكنها في الحقيقة .. سنة مكررة ثلاثون مرة ! وفي عالمنا اليوم .. من لم يتقدم خطوة .. فالدنيا كلها حوله تتقدم خطوات .. وسيكتشف بعد مرور الوقت أنه أصبح متأخراً بشكل كبير عمن حوله .. التقدم الفكري والثقافي والمعرفي وحتى المادي وإعداد النفس وتهيئتها وتحقيق ما تصبو إليه ووضع الأهداف والسعي لتنفيذها ومحاسبة النفس .. كلها سبل للتقدم .. التقادم .. سمة لزمت الكثير من عشاق الروتين الممل .. وبقيت ثابتة معهم مع ثبات مبدأهم الباطل .. فأصبحت علومهم قديمة وأفكارهم عقيمة .. بل حتى آراؤهم محفوظة ومكررة دون وعي لما يقولون .. هذه الحقيقة .. ثابتة كرسوخ الجبال في الطبيعة البشرية .. ولهذا حينما يتقدم بالمرء العمر .. وتصبح ثقافة الثبات باقية ومؤصلة .. يصبح تسارع التقادم عنده أكبر ... ويصل للمؤخرة بأسرع مما يتوقع .. عندي أحد الموظفين ! يحب كل قديم ويعشقه .. ويرى أي تطور في الدنيا تخلف وسخف .. بل ويحارب أي شخص غيّر رأيه أو فكره .. ويرى أن الثبات على الشخصية .. ويعشق التقادم والقهقرى بشكل عجيب ! حاولتُ مراراً أن أكتشف كنه شخصيته .. فوجدته من عشاق الأرشفة .. بل ومصاب بدائها .. فدائماً ما يفخر في كل مجلس .. بقوله : لديّ ملفات من عام 1398 هـ .. وعندي أوراق أبي منذ تاريخ 1360هـ .. وهكذا .. قلتُ له مرة : ثم ماذا !؟ فاستشاط غضباً .. وقال : هذا تاريخنا .. هذه أيامنا .. قلتُ أنت ممن أصاب بداء الأرشفة وحب القديم .. وتظن أنك ستكون يوماً شخصاً مهماً بتلك الأوراق ..! كل البشر حولك لديهم أوراق قديمة .. أبادوها لانعدام فائدتها .. وتقادمها مع الزمان .. ليتك تفاخرت يوماً بأنه يوجد لديك أكبر مكتبة إلكترونية ....! ليتك افتخرت ساعة بأنك استطع إنجاز مشروع يخدم الأمة ..! أو تقنية تحفظ سلامة أبنائها ..! ليتك افتخرت يوماً بكتاب وضعت فيه خبرة وعلماً ! أو أي شيء باقي مع بقاء الزمان .. أما أوراق بالية قد أكلة الأرضة أكثرها .. فما الذي تفيدنا بالله عليك !! حقيقة .. أحفظوها ..! من لا يتقدم ... يتقادم !