الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد: لقد منح الإسلام المرأة أكثر مما كانت تحلم به، فبعد أن ذاقت من الذل والهوان والامتهان ما يندى له الجبين؛ جاء الشرع ليكرمها ويحميها، وإن من صور إكرامها أن فرض عليها الحجاب، هذا الحجاب الذي جعلها جوهرة مكنونة ولؤلؤة مصونة، فالله – سبحانه و تعالى – لم يشرع أمراً إلا كان فيه من الحكم والخير والآثار الحميدة الشيء الكثير، وها هو الحجاب حفظ لكرامة المرأة وصيانة لجمالها وعفتها وحشمتها من السفور والتدنيس .. نعم .. إنه عزة وكرامة وسمو لحواء ورقي بها إلى العفة ! – الأدلة الشرعية على مشروعية الحجاب من الكتاب والسنة — أولاً : من الكتاب - قوله تعالى : " وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضنَ مِن أَبْصَارِهِنَّ وَ يَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَ لَا يُبدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنهَا وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ " [النور:31] فقد دلت الآية الكريمة على وجوب ستر الوجه من خمسة أوجه هي : 1 – قوله – تعالى – : " وَ يَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ".. فإن الله – تعالى – أمر المؤمنات بذلك صيانة لهن من أسباب الفتنة وتحريضاً لهن على أسباب العفة، ومن وسائل حفظ الفرج تغطية الوجه . 2- قوله – تعالى – : " وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ".. ووجه الدلالة : أن الآية نهت عن إبداء الزينة إلا ما ظهر منها والمراد الثياب ، والنهي عن إبداء الزينة نهي عن إبداء مواضع الزينة، فإذا كانت مأمورة بستر زينتها من حلي ونحوه عن نظر الرجال الأجانب خشية أن يفتتنوا بها؛ فلأن تؤمر بستر وجهها أولى وأحرى لأنه زينة خلقية فهو مجمع المحاسن وموضع الفتنة . 3- قوله – تعالى – : " وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ " .. فهذه الآية دلت على أن النساء مأمورات بتغطية وجوههن وبيان ذلك أن المرأة إذا كانت مأمورة بسدل الخمار من رأسها إلى جيبها لتستر صدرها فهي مأمورة بستر ما بين الرأس والصدر وهما الوجه والرقبة ، ولقد فهمت نساء الصحابة – رضي الله عنهن – أن الآية تعني لزوم تغطية الوجه امتثالاً لأمر الله – تعالى – .. تقول عائشة – رضي الله عنها – لما نزلت هذه الآية " وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ " : " أخذن أزرهن فشققنها من قبل الحواشي فاختمرن بها" . قال الحافظ ابن حجر – رحمة الله – : " قوله : " فاختمرن " : أي غطين وجوههن، وصفته أن تضع الخمار على رأسها وترميه بالجانب الأيمن على العاتق الأيسر وهو التقنع . وهذه الآية من أعظم الأدلة وأصرحها في لزوم الحجاب لجميع نساء المسلمين كما قال الشنقيطي – رحمة الله – " . 4- قوله – تعالى – : " وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ" .. و وجه الدلالة أن الله – تبارك و تعالى – لم يرخص بإبداء الزينة الباطنية لغير المحارم بعد الزوج إلا للتابعين غير أولى الإربة من الرجال أو الطفل الذي لم يطلع على عورات النساء، فدل ذلك على أن من عداهم من الأجانب لا يحل إبداء الزينة لهم، فيقتضي ذلك الأمر بستر الوجه عن الأجانب ولو كان كشفه مباحًا لما كان لاستثناء هؤلاء الأجانب فائدة. 5 – قوله – تعالى – : "وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ " .. و وجه الدلالة أن الله تعالى ينهى المرأة المؤمنة أن تضرب الأرض برجلها إذا مشت لتسمع الناس صوت خلخالها، فإذا كانت منهية عن إظهار صوت الزينة الخفية لئلا يثير ذلك كوامن الفتنة ويوقظ المشاعر النائمة، فكيف يباح لها أن تكشف وجهها ، وأي الزينتين أولى بالستر؟ وجه ممتلىء نضارة وجمالا ؟ أو صوت خلخال في رجل امرأة لا يدري ما سنها وما جمالها ؟ - كذلك من أدلة الكتاب على مشروعية الحجاب ؛ قول الحق – جل و علا – : "وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60) " [النور:60] . ووجه الدلالة أن الله تعالى نفى الجناح – وهو الإثم – عن القواعد وهن العجائز اللاتي لا يرجون نكاحاً لعدم رغبة الرجال فيهن لكبر سنهن فنفى عنهن الإثم في وضع ثيابهن بشرط ألا يكون الغرض من ذلك التبرج بإظهار ما يجب إخفاؤه ، ومن المعلوم بداهة أنه ليس المقصود بوضع الثياب أن يبقين عاريات وإنما المراد : وضع الجلباب أو الرداء أو نحوهما مما يستر جميع البدن – كما قال ابن عباس وابن مسعود وغيرهما – فتخصيص الحكم بهؤلاء العجائز دليل على أن النساء اللاتي يرجون نكاحاً لا يجوز لهن وضع شيء من الثياب عند الأجانب ولو كان الحكم شاملاً للجميع في جواز وضع الثياب ولبس درع ونحوه مما لا يستر ما ظهر غالباً كالوجه والكفين لم يكن لتخصيص القواعد فائدة . - أيضاً قوله – تعالى – : "وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَاب ذَلِكُم أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُم وَ قُلُوبِهِنَّ" [الأحزاب:53] . ووجه الدلالة : أن الله تعالى يأمر المؤمنين إذا سألوا نساء النبي – صلى الله عليه وسلم – متاعاً أن يكون ذلك السؤال من وراء حجاب، فدلت الآية على وجوب الحجاب على جميع النساء .. يقول الشنقيطي – رحمة الله – : " ولو فرضنا أن آية الحجاب خاصة بأزواج النبي – صلى الله عليه وسلم – فلا شك أنهن خير أسوة لنساء المسلمين في الآداب الكريمة المقتضية للطهارة التامة وعدم التدنس بأنجاس الريبة فمن يحاول منع نساء المسلمين كالدعاة للسفور والتبرج اليوم من الاقتداء بهن في هذه الأدب السماوي الكريم المتضمن سلامة العرض والطهارة من دنس الريبة غاش لأمة محمد – صلى الله علية وسلم – ومريض القلب" .
ثانياً : من السنة : - ما روى عن ابن عمر – رضي الله عنهما – أن النبي – صلى الله علية وسلم – قال : " لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين " — متفق عليه– . و وجه الدلالة : أن نهي المحرمة عن لبس ما فصل على قدر الوجه كالنقاب أو على قدر اليدين كالقفازين دليل على أن هذا معروف في النساء اللاتي لم يحرمن، وذلك يقتضي ستر وجوههن وأيديهن، ولو لم يكن هذا معروفاً عندهن لم يكن هناك فائدة من هذا النهي . - وعن عائشة قالت : " كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه " رواه أبو داود ( 1833 ) وأحمد ( 24067 ) . - وقال الشيخ الألباني في " جلباب المرأة المسلمة " /107 : وسنده حسن في الشواهد "ومما هو معلوم أن المرأة لا تضع شيئاً على وجهها حال إحرامها ، ولكن عائشة ومن معها من الصحابيات كن يسدلن على وجوههن " - وعن عائشة رضي الله عنها قالت : " يرحم الله نساء المهاجرات الأول لما أنزل الله وليضربن بخمرهن على جيوبهن شققن مروطهن فاختمرن بها "رواه البخاري. قال ابن حجر : قوله : " فاختمرن " أي : غطين وجوههن ." فتح الباري ". - و حديث عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم : " المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان " — أخرجه الترمذي — . قيل في جامع الأصول : " العورة كل ما يستحي منه إذا ظهر، والمرأة عورة لأنها إذا ظهرت يستحى منها " .. فدل على وجوب ستر الوجه لأن الرسول – صلى الله عليه وسلم – أخبر بأن المرأة عورة والعورة يجب سترها ولا يجوز كشف شيء منها .
– صفات الحجاب الشرعي – 1- أن ترتدي المرأة جلبابًا ساترًا، أو ما يقوم مقامه مثل العباءة، امتثالاً لأمر الله تعالى "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (59)" [الأحزاب:59] 2- أن يكون ثخينا لا يشفّ عما تحته . 3- أن يكون فضفاضا غير ضيّق فيصف شيئا من جسمها . 4- أن لا يكون مزينا يستدعي أنظار الرجال . 5- أن لا يكون مبخرا مطيّبا . 6- أن لا يكون لباس شهرة . 7- أن لا يُشبه لباس الرجال . 8- أن لا يشبه لباس الكافرات . 9- أن لا يكون فيه تصاليب ولا تصاوير لذوات الأرواح . – خطر التبرج والسفور – لا يخفى على كل مسلم ومسلمة ما عمّت به البلوى في كثير من البلدان من تبرج الكثير من النساء وسفورهن وعدم تحجبهن من الرجال، وإبداء الكثير من زينتهن التي حرّم الله عليهن إبداءها، ولا شك أن ذلك من المنكرات العظيمة والمعاصي الظاهرة، ومن أعظم أسباب حلول العقوبات ونزول النقمات لما يترتب على التبرج والسفور من ظهور الفواحش وعموم الفساد، فليتقِ الله كل راع في رعيته امتثالا لقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم : " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله و هو مسؤول عن رعيته، و المرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده وهو مسؤول عن رعيته, و الرجل راع في مال أبيه وهو مسؤول عن رعيته فكلكم راع و كلكم مسؤول عن رعيته " . * ختامًا أختي في الله : إن فيما ذكرناه من الأدلة على وجوب الحجاب وتصحيح مفهومه لدى كثير من النساء فيه كفاية بإذن الله لمن أرادت معرفة الحق والعمل به وهذا هو المتعين على كل مسلمة لتفوز بخيري الدنيا والآخرة. ثم لنتذكر جميعًا ما في هذا العصر من فتن عمياء، تستدعي مزيدَ سترٍ وعفةٍ من نسائنا. نسأل الله سبحانه أن يستر عليكن في الدنيا والآخرة، ويجعل حجابكن سترًا من النار.