ولكي ندلّل على ذلك ، سنقوم بجولة في هذا الكون الفسيح لنعرف مدى اتّساعه والقوانين التي تحكمه . لكن قبل ذلك ، لا بدّ لنا أن نختار وحدة لقياس مسافاته الهائلة . في ظنّك ، ما هي هذه الوحدة ؟ هل هي الكيلومتر ؟ الألف كيلومتر ؟ المليون كيلومتر ؟
أبدًا ! إنَّ المسافات بين النُّجوم لا يكفي لقياسها حتَّى المليون كيلومتر ، بل لا بُدَّ من مليون المليون ! ذلك أنَّ أقرب نجمٍ إلينا بعد الشَّمس ، وهو ما يُسمَّى بالفرنسيَّة Proxima Centauri والذي ينتمي إلى النّظام المتعدّد النُّجوم Alpha du Centaure، يَبعدُ عنّا حوالي 41 ألف مليار كيلومتر !!
نعم ، هذا أقرب نجم ! فَما بالُك ببقيَّة النُّجوم ؟! لذلك ، اتّجهَ العلماء في حساب المسافات الفلكيّة إلى استعمال سُرعة الضّوء التي تبلغ 300 ألف كلم في الثَّانية . لكنّ هذا الرَّقم ، على كِبَره ، غير كافٍ أيضًا ! فوقع الاتّفاقُ إذًا على السَّنة الضَّوئيَّة ، وهي المسافة التي يقطعُها الضَّوءُ في سَنة من الزَّمن، كَوحْدة للقياس .
السَّنة الضَّوئيّة = 9.5 ألف مليار كيلومتر .
وعلى هذا ، فَعِوَضًا أن نقول أنَّ المسافة التي تَفصلُنا عن النَّجم Proxima Centauri هي 41 ألف مليار كلم ، نقول أنَّها تساوي حوالي 4.3 سَنة ضوئيَّة ، أي أنَّ هذا النَّجم يبعد عنَّا مسيرة 4.3 سَنة بسرعة الضَّوء ، أي أنَّه لو أرسلَ إلينا شُعاعًا من نُوره لَوَصل إلينا هذا الشُّعاع بعد 4 سنوات وثلاثة أشهر ونصف تقريبًا !
أين تقع أرضنا في هذا الكون الفسيح ؟ الأرضُ هي كوكب ينتمي إلى المجموعة الشَّمسيَّة ، وهذه المجموعة تتكوَّن من : - الشّمس ، طبعًا ، وهي نجم ، وهي المركز الذي تدور حوله الكواكبُ والأقمار التّابعة لها . - ثمّ تِسْع كواكب ، وهي ، ابتداء من أقربها إلى الشّمس : عُطارد Mercure ، ثمّ الزّهرة Vénus ، ثمّ الأرض Terre ، ثمّ المرّيخ Mars ، ثمّ المشتري Jupiter ، ثمّ زُحل Saturne ، ثمّ أورانس Uranus (اكتُشف سنة 1781 م) ، ثمّ نبتيون Neptune (اكتُشف سنة 1846 م) ، ثمّ بلوتو Pluton (اكتُشف سنة 1930 م) .
وتنتمي المجموعة الشّمسيّة إلى مجموعة أخرى أكبر منها بكثير تسمَّى مَجَرَّة دَرْب التّبَّانة (Voie Lactée)، ويُسمّيها البعضُ مَجَرَّة طريق اللَّبن ، وهي تضمُّ حوالي 100 مليار نجم !
ويبلغ طولُ هذه المجرَّة حوالي 100 ألف سنة ضوئيّة ، وارتفاعها حوالي 10 آلاف سنة ضوئيّة ! وتقع المجموعة الشّمسيّة ، بما فيها الأرض ، على بُعد 30 ألف سنة ضوئيّة من مركز هذه المجرَّة ، وعلى بُعد 20 ألف سنة ضوئيّة من أقرب طَرف لها ، وحوالي في وسط ارتفاعها !
لا شكَّ أيّها الزّائر الكريم أنَّك مندهش لهذه الأرقام التي لا يستطيع العقلُ البشري أن يَستَوْعبها لِضَخامتها ! ولكنَّها حقائق ، أكَّدها علماء الفلك في مختلف بلدان العالم .
وسوف تزداد دهشتك إذا علمتَ أنَّ مجرَّتنا درب التّبَّانة ، ليست هي كلّ الكون ! أبدًا ، فالجزءُ مِن الكون الذي تَوصَّل العلماءُ اليوم إلى اكتشافه بواسطة مَراصدهم العملاقة ، يحتوي على حوالي 100 مليون مجرَّة ! ولكن بَقِيَ جزءٌ أكبر لم تطُلْهُ أعيُنُ المراصد ، ومِن المحتمل أنَّه يحتوي أيضًا على عدد أكبر من المجرَّات !
والمدهش أكثر أنَّ المسافة بين هذه المجرَّات تُقدَّر بملايين السّنين الضَّوئيَّة ! وهذا يعني أنَّ الكون ، بالرَّغم من احتوائه على مليارات المليارات من النُّجوم ، إلاَّ أنَّه فارغٌ بأتمّ معنى الكلمة ! وأنتَ عندما تَستلقي على ظهرك تتأمَّلُ السَّماء ، في ليلةٍ ظلماء لا يَشوبُها سحاب ، تُشاهد حشدًا هائلا من النُّجوم، فتظنُّ أنَّ الكون مُزدحم . لكنَّ الحقيقة أنّك لو ركبتَ مثلا مركبةً فضائيَّة لِتَنْقُلَكَ من نجم لآخر، لَبقيَتْ تسير بك ملايين السّنين في فراغ مُوحش وسواد شديد ، لا يعترضُكَ فيه أيُّ شيء حتَّى تصل إلى النَّجم المقْصُود !
فهل عرفتَ الآن أيّها الزّائر الكريم كم هو فسيح جدّا هذا الكون ، وكم هي صغيرةٌ جدّا جدّا جدّا.. هذه الأرض التي نعيشُ فوقَها ؟ ! (يتبع ...)
أخوكم عامر أبو سميّة
موقع الطريق إلى الله