موسـى وفـرعـون

الناقل : SunSet | الكاتب الأصلى : عبد الله قهبي | المصدر : www.imam.ws

موسـى وفـرعـون

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:

أيها الإخوة المؤمنون : إن الصراع بين الحق والباطل،  من الأمور الثابتة المعروفة،  التي جرت سنة الله فيها دون تبديل أو تغيير، ( سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا الفتح: 23،  ومهما علا وساد الباطل في نظر بعض الناس،  فإنه لابد له من زوال،  لابد له من إبادة،  قال جل جلال لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ الأنفال: 8،  ولكي نعرف ما يفعله الحق بالباطل فلنتأمل قول الله تعالى : ( بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ الأنبياء: 18،  هذه هي نهاية الباطل،  يدمغه الحق فإذا هو زاهق،  لأن الزهوق صفة ملازمة له وصدق الله سبحانه : وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً الإسراء: 81 أي مضمحل،  هالك،  لا ثبات له مع الحق ولا بقاء.  أيها الأخوة المؤمنون : في مثل هذه الأيام،  قبل آلاف السنين،  وقعت معركة عظيمة،  كانت نهايتها في اليوم العاشر من شهر الله المحرم.  وقعت هذه المعركة،  بين أهل التوحيد وأهل الشرك وأهل الإيمان وأهل الأوثان.  وقعت ـ أيها الأخوة ـ بين نبي من أنبياء الله،  وبين طاغية من طواغيت الأرض.  بين موسى هارون عليهما السلام،  وبين فرعون مصر وقومه ووزيره هامان أيها الأخوة المؤمنون : إن قصة موسى عليه السلام،  مع فرعون مثالا حيا لانتصار الحق على الباطل،  وأنموذجاً واضحاً للنهاية المخزية للباطل وأهله.  تأملوا أيها الأخوة،  يرسل الله جل جلاله نبيه موسى ـ عليه السلام ـ إلى فرعون،  أعظم طاغية على وجه الأرض يقول الله له اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى طه: 24،  أذهب يا موسى إلى هذا الطاغية المجرم الذي تجاوز الحد في طغيانه، حتى ادعى الربوبية من دون الله وذلك حين وقف خطيبا في قومه فقال لهم : يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي القصص: 38،  وقال أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى النازعات: 24،  ثم يدلس عليهم ويلقى الشبه في قلوبهم فيقول: يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ الزخرف: 51،  فصدقوه وصفقوا له وطأطأوا له الرؤؤس حتى قال الله فيهم فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ الزخرف: 54،  هذا الطاغية أرسل الله إليه موسى وأخيه هارون وأوصاهما بالرفق به واللين معه حين دعوته فقال تعالى : اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى،  فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (.  ولكن فرعون مجرم عنيد،  غره ملكه،  غره سلطانه،  ينظر إلى قصوره وإلى خدمه،  ثم ينظر إلى موسى،  بأنه راعي غنم ضعيف فقير فيقول أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ الزخرف: 52،  أي: يفصح في كلامه،  حربا إعلامية شرسة اتخذها فرعون مع قومه ليشكك ويطعن في نية نبي الله موسى، وأول هذه الحرب أن قال لهم : إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ غافر: 26،  الله أكبر ! إذا كان موسى يفسد في الأرض فماذا تسمي أنت قتلك الأبرياء وسفكك الدماء، هل هذا إصلاح،  أم قتل الأبرياء وسفك الدماء عندك مباح،  وبعد هذه الحرب الإعلامية الشرسة،  يشاور فرعون ملأه ووزراءه في أمر موسى وأخيه فيستقر الأمر على مناظرة موسى مع السحرة المهرة الذي يعملون تحت قهر فرعون وجبروته،  ويصدر اللعين أوامره الظالمة إلى السحرة لمناظرة موسى، بعد أن أراه موسى آيتين عظيمتين أيده الله بهما الأولى : عصا يحملها موسى كان يهش بها على غنمه،  تنقلب بأمر الله إلى حية عظيمة،  وخروج يده من جيبه بيضاء متلالآه ونبي الله موسى كان شديد سمار اللون عليه الصلاة والسلام وما أن رأى فرعون اللعين الآيتين العظيمتين،  حتى هلع وانخلع قلبه منهما، ليتخذ اللعين قراره في إجراء مناظره كبرى تبطل سحر موسى على حد زعمه الضال قال تعالى: وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ ( ) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ الأعراف: 113-114،  موسى يا عباد الله لم يكن ساحرا وحاشاه من ذلك فإن السحر كفر،  ولكنه نبي آتاه الله آيات بينات مؤيدة لدعوته وصدق رسالته، والخطأ كل الخطأ أن يقال ( هذا سحر موسى ) عباد الله : التقى الفريقان،  فريق الرحمن وفريق الشيطان،  فقال تعالى قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى ( ) قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ( ) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى ( ) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (68) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ( ) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى طه: 65-70،  ألقى عصاه فابتلعت حبالهم وعصيهم التي كانت تخيل لموسى أنها تسعى من شدة مكرهم وسحرهم ودهائهم،  فآمنوا معه وصدقوا به، قال تعالى وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ ( ) قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ( ) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ الأعراف: 120-122،  فيغضب الطاغية غضبا شديدا،  فيقول لهم : آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ الأعراف: 123 وهذه سخافة منه وجهل مركب،  وإلا متى يحتاج الإيمان لأذن من البشر والله تعالى يقول وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ يونس: 100،  يقول فرعون اللعين كما اخبر الله عنه قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ طه: 71،  سبحان الله : موسى هو الذي علمهم السحر ! هذا بهتان عظيم،  كل هذا من أجل أن يبقى له ملك مصر ! ثم يقول فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى طه: 71،  فماذا كان جواب أهل الإيمان ؟ ماذا كان جواب هؤلاء الذين كانوا قبل قليل يسألون عن الأجر والقرب من فرعون،  مقابل غلبتهم لموسى ؟ أسمعوه من كلام الله تعالى ماذا قالوا:قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا طه: 72،  أفعل ما تشاء،  فإننا لا نحيد عن الصراط المستقيم والطريق القويم بعد أن هدانا الله إليه قالوا : إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى طه: 73،  فيقف فرعون حائراً،  وتأتي البطانة الفاسدة فتقول : أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ الأعراف: 127،  فيشتاط غيضا ويصدرا قرارا عشوائيا قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ الأعراف: 127،  ولكن هذا التهديد لم يثني موسى عن دعوته ولم يثني من آمن معه عن التمسك بإيمانهم،  حتى أتاه أمر الله بالخروج،  فيخرج والذين آمنوا معه في جنح الظلام ساروا في ظلام الليل مستخفين من بطش فرعون وجنده،  وفي صباح اليوم التالي،  ينظر فرعون،  فلم يجد موسى ولا أحدا من المؤمنين،  فيجمع جنوده،  ويصدر أوامره إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ ( ) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ الشعراء: 54-55، ثم ينطلق ومن معه في اثر موسى وقومه يسير بجنوده مع طلوع الشمس،  كما قال تعالى: فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ ( ) فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ الشعراء: 60-61،  أي نظر كل من الفريقين إلى الآخر موسى ومن معه وفرعون ومن معه : قال تعالى: قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ( ) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ الشعراء: 61-62،  موسى موقن بنصر الله،  موسى موقن بتوفيق الله لان معية الله لا تتخلف عن المتقين إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ النحل: 128،  موسى موقن بنصر الله،  لأنه لم ينس ما قال الله له ولأخيه حينما أمرهما بالذهاب إلى فرعون لدعوته،  حينما قال الله لهما قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى طه: 46، ،  يأتي الوحي من الله إلى موسى،  يأتي في لحظات حرجه،  البحر أمامهم بأمواجه المتلاطمة،  وفرعون من خلفهم بجنده وجيشه،  في هذه اللحظات الحرجة أتى الوحي من الله إلى موسى فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ الشعراء: 63،  انشق البحر نصفين بعصا لا يبلغ طولها ربما مترا واحدا فكان كل شق منه كالجبل العظيم في ارتفاعه،  فلا اله إلا الله ما أعظم قدرة الله،  وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ الزمر: 67،  ثم يقول سبحانه فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى طه: 77،  أي لا تخاف دركا من فرعون أن يدركك وقومك ويقتلوكم أو يا سروكم،  ولا تخشى من البحر أن يغرقك وقومك بعد المسير والنجاة منه،  انفلق البحر حتى أصبح كالجبل العظيم،  فيرسل الله الريح على أرض البحر الواحلة فييبسها بعد أن كانت طينا لا يمكن المسير عليها،  وهل هذا إلا نصر من الله وهل هذا إلا معونة من الله فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا،  يمر موسى ومن معه وكأنهم يمشون على أرض لم تعرف البحر يوما من الأيام،  ويتبعهم الشقي وجنوده،  يتبعهم فرعون ومن معه من المجرمين،  فلما تجاوز موسى ومن معه من المؤمنين البحر أراد موسى أن يضرب البحر بعصاه ليعود البحر كما كان ليمنع فرعون من متابعة سيره في اثر ه وقومه،  ولكن موسى أراد شيئاً والله أراد شيئا آخر، قال تعالى لموس وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ الدخان: 24،  اتركه يا موسى كما هو ليدخل فرعون وقومه فيطبقه الله عليهم اتركه كما هو ليعلم فرعون عاقبة مكره وكيده،  اتركه يا موسى لنرى فرعون إن كان رباً فينقذ نفسه وقومه،  دخل فرعون البحر فيجد تلك الأمواج الهائلة تغشاه من فوقه وقومه، فيصيح بأعلى صوته وهو تحت أمواج البحر المتلاطمة ( آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) يونس: 90،  ويأتي النداء الإلهي الأخير, الأخير الذي يقطع نياط قلبه آَلآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ( ) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ يونس: 91-92،  أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ ( ) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ( ) إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ ( ) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ ( ) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ ( ) فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ( ) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ( ) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ( ) فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ ( ) فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ( ) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ( ) فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ( ) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآَخَرِينَ (64) وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ ( ) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ ( ) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ( ) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ( ) الشعراء: 52-68،  فاللهم لا تجعلنا من الغافلين،  وأغثنا بالإيمان واليقين،  واجعلنا من عبادك الصالحين،  وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين.  

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه،  والشكر له على توفيقه وامتنانه،  وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه،  وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا أيها المسلمون : إن ذلك اليوم،  الذي نجى الله فيه موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام،  وأُغرق فيه فرعون،  هو اليوم العاشر من شهر الله المحرم،  ففي الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قدم رسول الله المدينة،  فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فقال : ( ما هذا اليوم الذي تصومونه ) قالوا : هذا يوم نجى الله تعالى فيه موسى وقومه،  وأهلك فيه فرعون وقومه،  فصامه موسى عليه السلام شكرا لله تعالى،  فنحن نصومه.  فقال صلى الله عليه وسلم،  فنحن أحق وأولى بموسى منكم ) فصامه وأمر بصيامه.

 أيها الأخوة المؤمنون : فيوم عاشوراء،  الذي هو اليوم العاشر من هذا الشهر،.  وهذا اليوم ـ أيها الأخوة ـ يشرع صيامه، لما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام انه قال ( صيام يوم عاشوراء إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله )

أيها الأخوة المؤمنون : واعلموا بأنه يستحب لمن أراد أن يصوم عاشوراء،  يستحب له أن يصوم معه اليوم التاسع،  ففي الحديث الذي رواه مسلم من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : حين صام رسول الله يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا : يا رسول الله،  إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى،  فقال رسول الله : فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع ) قال فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله وفي حديث آخر يقول عليه الصلاة والسلام صوموا يوما قبله أو يوما بعد،  فمن أراد صام يوما قبله ومن أراد صام يوما بعده وبهذا تتحقق مخالفة اليهود في صومه والحمد لله رب العالمين.  اسأل الله أن يجعلني وإياكم من أهل سنة رسوله الكريم،  وأن يحيينا على الإسلام،  ويميتنا على الإيمان،  وأن يجعل عملنا في رضاه،  إنه سميع مجيب