كانت هناك العديد من الأسلحة المساندة للمقاومة في غزة إبان الحرب التي شنتها القوات الإسرائيلية في نهاية 2008 وبداية 2009، من هذه الأسلحة فتاوى وبيانات العلماء في شتى بقاع العالم (وليس الإسلامي فقط).
فقد ظهر احتشاد فقهي هائل خلف المقاومة لم يحدث من قبل بهذه القوة والكثافة، سنحاول هنا رصد أسبابه، مع تجلياته على مستوى الوعي والسلوك العربي والإسلامي العام، في محاولة لفهم هذا الاحتشاد وترشيده في التعامل مع أزمات مماثلة.
ومن المهم في سياق فهم طبيعة هذا الاحتشاد وأثره أن نؤكد على أمر غاية في الأهمية، وهو أن آراء علماء الدين تمثل الرافد الأهم للناس في المجتمعات العربية والإسلامية، والتي ما زالت ترى في هؤلاء العلماء القادة الحقيقيين للفكر والدين، فهم يلجئون لهم ويستشيرونهم في كل دقائق حياتهم.
وعلى الرغم من بعض الانتقادات الموجهة لظاهرة الفتاوى على الفضائيات وفي الإعلام عموما، إلا أن ثقة الناس بعلماء الدين تبدو واضحة وهائلة في كل المواقف والحالات، وهذه الثقة لا ينعم بها المفكرون والمثقفون العلمانيون أو حتى المحايدون، وربما يرجع ذلك لغربة آراء هؤلاء عن الوعي الشعبي العام وابتعادهم عن الجذور الدينية والثقافية للجماهير، أو انتماء آراء هؤلاء المفكرين والمثقفين لتيارات مدانة من قبل عموم الناس.
ونحن لا نقول بأن هذا صحيح أو خطأ، وإنما نشير إلى حقيقة واقعة وهي أن علماء الدين أو المثقفين ذوي الخلفية الدينية يعتبرون في الوقت الحالي هم الأكثر قدرة على تحريك وعي الجماهير، وعلى حشدهم خلف أفكار بعينها، بينما تتوارى آراء وتنظيرات الكتّاب الرسميين أو العلمانيين أو اليساريين، وهذا ما يجعلهم في حالة قلق شديد نتيجة إحساسهم بغلبة الفكر الإسلامي على الشارع العربي.
وربما يكون الأمر صحيحا لو قلنا بغلبة الفكر الديني عموما، فالقادة الدينيون كالبابا والكهنة والقساوسة هم الذين يحركون أيضا أفكار ومشاعر المسيحيين في القضايا السياسية والاجتماعية وغيرها.
حالة دينية ودور تجميعي
إذن فنحن أمام حالة دينية عامة تجعل لآراء علماء الدين وتصريحاتهم وزنا مؤثرا، وهذا ما بدا واضحا في أزمات كثير وآخرها أزمة الحرب على غزة؛ حيث استطاع العلماء بآرائهم وتصريحاتهم وفتاواهم وبياناتهم وخطبهم تعبئة الرأي العام وحشده خلف المقاومة الفلسطينية، كما حركوا الشارع للضغط على الحكومات لأخذ موقف أكثر إيجابية.
وقد تجاوزت حركة الجماهير بقيادة العلماء الدينيين المواقف السياسية المترددة أو المرتعشة، وخلقت قوة شعبية امتدت لتتلاقى مع القوى الشعبية الأخرى في أماكن متعددة من العالم في أوروبا وأمريكا؛ حيث كان يربط بين هؤلاء جميعا الضمير الإنساني الذي لم يحتمل سيل الدماء ولا احتراق الأجساد، كما لم يحتمل مراوغات السياسيين وتحالفاتهم وتواطئهم وصمتهم.
وقد استطاع العلماء تجاوز خلافاتهم الفقهية وتبايناتهم المنهجية، لكي يجمعوا على موقف موحد، موجزه دفع العدو بكل الطرق الممكنة ومناصرة المقاومة الفلسطينية، وإحياء فريضة الجهاد، ومقاطعة الأعداء، وتقوية الذات بالتخلص من المعاصي والمنكرات والتفاهات، والعودة إلى المنهج الإلهي، والإكثار من الأعمال الصالحة، والتكافل الاجتماعي وتوحيد الصف، ونصح الحكام بالحسنى لتغيير مواقفهم كي تتوافق مع الثوابت والمعايير الإسلامية.
باختصار كانت الفتاوى بمثابة تقوية لمناعة الجسد الإسلامي أثناء الأزمة وبعدها؛ كي يتحمل الضربة الإسرائيلية، ويتحمل الخذلان العربي، ويخرج من هذه الأزمة ليس فقط منتصرا، بل واعيا منتعشا قادرا على إعادة قراءة الصراع من منظور مختلف.
والمراقب لسلوكيات الناس أثناء الحرب على غزة يلحظ تغيرا نوعيا؛ حيث اهتمام الجميع حتى الأطفال الصغار بتفاصيل الأحداث، ورغبة الجميع في المشاركة الإيجابية، وتخلي الكثيرين عن أخطائهم وخطاياهم وتفاهاتهم التي اعتادوا عليها، وقربهم من الله بقدر ابتعادهم عن المعاصي والمنكرات.
ومن المعروف أن النفوس تكون أكثر قابلية للإصلاح في ظروف الأزمات بشرط أن تجد هذه النفوس من يقودها في مسارات إيجابية، وقد نجح العلماء في هذا بدرجات متفاوتة ولكنها في مجملها مؤثرة، خاصة أن الخطاب السياسي كان باهتا وأحيانا معتما وأحيانا غائما، فانفرد الخطاب الديني بالوعي والوجدان العام وراح يصلح السلوك العام.
لماذا هذا الزخم؟
والحال كذلك إذن في نظرة الناس لعلماء الدين وآرائهم وحركتهم داخل المجتمع، ولما أحدثته الفتاوى من تأثير في الوعي وتغيير في السلوك، يثور هذا السؤال: لماذا هذا الزخم الإفتائي في تلك الأزمة دون غيرها من الأزمات؟.
ونحن نعتقد أن هناك مجموعة من العوامل جعلت الحرب على غزة تترك آثارا أكبر من أحداث أخرى سبقت، وكانت سببا مباشرا في هذا الفعل الإفتائي الحاشد، نذكر منها على سبيل المثال: – مارست إسرائيل هذه المرة عنفا ووحشية بلا سقف وبلا تمييز؛ حيث أصابت المدنيين أكثر من المقاومين. – عدد القتلى والجرحى كان هائلا وصادما (نحو 1500 شهيد منهم أكثر من ثلاثمائة طفل وأكثر من مائة امرأة) في أيام قلائل. – استخدام أسلحة محرمة دوليا ومثيرة للفزع الهائل مثل القنابل الفسفورية. – حجم هائل للدمار في المنشآت الفلسطينية – نقل الأحداث لحظة بلحظة على الهواء مباشرة بما في ذلك صور الشهداء، ومنهم الأطفال والنساء في مشاهد شديدة البشاعة. – عملية الحصار الطويلة لقطاع غزة والتي سبقت الحرب وواكبتها، ومشاركة أطراف عربية في ذلك الحصار تحت دعاوى سياسية متهافتة. – صمود المقاومة رغم ما تواجهه من شراسة العدوان ومن نقص الإمدادات ومن التواطؤات من كل الأطراف المحلية والعالمية. – غياب الاستجابة على المستوى الرسمي مع ما صاحبه من شعور بالقهر والمذلة لدى الناس الذين فوجئوا بهذه الدرجة المذهلة من الصمت والخذلان والضعف. – قمع التعبير الشعبي جزئيا أو كليا مما خلق حالة من الاحتباس النفسي يتبعها رغبة في الخروج والتعبير بكل الصور والوسائل.
وربما يضاف لهذه الأسباب أن المقاومة تتبنى هذه المرة وعيا ومنهجا وبرنامجا إسلاميا خالصا، عكس ما كان يتبناه السابقون أو الحاليون من منهجيات علمانية أو مختلطة أو ضبابية.
مكاسب
غير ما سبق ذكره من تأثير لتلك الفتاوى على مستوى الوعي والسلوك، فإن هناك مجموعة من المكاسب التي نستطيع أن نؤكد على إسهام تلك الفتاوى في تحقيقها على المستوى العام في هذه الأزمة، ومنها:
أولا: نقلة نوعية.. من العربي إلى الإسلامي:
يبدو أن إسرائيل قد ارتكبت أكبر خطأ في تاريخها حين أيقظت المارد الإسلامي، تلك اليقظة التي تمثلت في صورة الفتاوى والبيانات والتصريحات لهذا العدد الهائل من علماء المسلمين، والذين قادوا وحركوا الجماهير الغفيرة في العالم الإسلامي.
فهذا الحشد وهذا الإجماع من أكبر انتصارات المقاومة الفلسطينية، وهو أكبر خسارة منيت بها إسرائيل منذ نشأتها، وأكبر خطر يهدد وجودها في السنوات المقبلة؛ حيث بلورت تلك الفتاوى والتي صدرت في لحظات صدق ومكاشفة حقيقة الصراع العربي الإسرائيلي، وأعطته البعد الديني الكفيل بإشعال جذوة المقاومة دون غيرها في ذلك الصراع، وإيقاظ فكرة الجهاد لطرد العدو المستعمر، بعد أن ألغى الحكام العرب لفظ الجهاد من مفردات خطابهم، وبشكل رسمي في أحد مؤتمرات قمتهم إرضاء للمطالب الإسرائيلية والأمريكية.
فإذا أضيف إلى ذلك فشل الأنظمة العربية في عقد قمة عربية تواجه الحدث بضخامته وتداعياته، ظهر أن هذه العودة للقضية من هذا المنظور تعتبر بكل المقاييس الموضوعية نقلة نوعية في إدارة الصراع؛ حيث تبدو الألوان على حقيقتها ويظهر العدو من الصديق، وتحدث عملية فرز وتصنيف واضحة، كما تحدث موجات من التعبئة والحشد للشعور الديني الرافض لإسرائيل، وإحياء في المقابل للفكرة الجهادية الموجهة نحو طردها من كافة أراضي فلسطين، على اعتبار أنها أرض إسلامية (قارن هذا بتراجعات السياسيين الذين يعترفون بإسرائيل ويستجدونها العودة إلى حدود 1967، ثم تتقلص طموحاتهم شيئا فشيئا لتتسول من إسرائيل القبول بالخروج من قطاع غزة والعودة إلى حدود ما قبل 27 ديسمبر 2008).
أيضا فإن من مكاسب هذه النقلة النوعية أن الصراع حين يكون عربيا إسرائيليا فإنه يهم ما يقارب خمسمائة مليون عربي على الأكثر، وهؤلاء بينهم تباينات وخلافات هائلة تجعل موقفهم هشا وغائما ومترددا ومرتبطا ومحكوما بمصالح قطرية ضيقة، ومصالح سلطوية أكثر ضيقا.
كما أن هذا الوضع ينزع الحمية والحماس من الصراع، بل قد يرى بعض العرب (خاصة الرسميون) مصالحهم في التعامل مع إسرائيل وأمريكا، وقد يرون في المقاومة خطرا يهدد مصالحهم الشخصية، كما أن النظر إلى الصراع على أنه عربي إسرائيلي يحذف من المعادلة مائتي مليون مسلم في إندونيسيا، ومائة مليون مسلم في بنجلاديش، وثمانين مليون مسلم في باكستان، ومثلهم في إيران وتركيا، ومائة مليون في الهند، ومائة وخمسون مليونا في الصين!!.
أما نقل الصراع إلى صراع إسرائيلي إسلامي فإنه يعطي زخما لما يقارب مليار ونصف مسلم في العالم، ويبث الحرارة والروح الدينية في الصراع، ويؤجج روح الجهاد والاستشهاد لدى الناس، ويشكل مصدرا للطاقة المتجددة للمقاومة التي لا تلين ولا تقهر، حيث تستمد مشروعيتها من النصوص الدينية المقدسة التي تجعل من فلسطين –كل فلسطين– أرضا إسلامية.
أيضا فإن هذه الفتاوى غيرت من مفاهيم واتجاهات الناس حول قضايا المعاهدات والاتفاقات مع العدو، وقضايا إغلاق أو فتح المعابر، وقضايا مولاة الأعداء، وذلك يشكل وعيا شرعيا بقضايا حرص السياسيون على إبعادها عن المنظور الشرعي، وداروا بها بلا جدوى في أروقة الهيئات الدولية المنحازة ضد الحق الفلسطيني.
ليس هذا فقط بل إن هذا المنظور الشرعي الجديد لمفردات القضية وعناصرها أصبح يضع علامات استفهام وإدانة على المواقف الحكومية الرسمية المخالفة لمنطق الفتاوى في إدارتها للعلاقة مع العدو.
وقد بدا هذا واضحا في أحد الفتاوى التي أدانت إغلاق المعابر أمام الفلسطينيين واعتبرت ذلك كبيرة من الكبائر، وقدحا في عقيدة المسئول عن ذلك والمشاركين فيه.
كما أكدت بعض الفتاوى على جريمة الخذلان وجريمة التنصل من نصرة المقاومة ودعمها، واعتبرت ذلك أيضا كبيرة من الكبائر، ولم يصدر الكلام عن العلماء مرسلا، وإنما صدر مؤيدا بعدد كبير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تضع القواعد للتعامل مع العدو والصديق في ظروف الحرب، وقد أدى هذا إلى استعادة الوعي الإسلامي بالصراع، وإلى إعادة تعريف مفرداته وعناصره بشكل واضح، بعيدا عن المراوغات والمساومات والتحالفات والمصالح السياسية والشخصية.
ثانيا: تنامي مصداقية المقاومة الإسلامية:
نعم.. تنامت مصداقية المقاومة الإسلامية، فالحرب على غزة وما واكبها من أحداث، وما صاحبها من فتاوى وبيانات، وما نتج عنها من تغير في المفاهيم سيصب في صالح المقاومة بصبغتها الإسلامية، فالفتاوى الصادرة أكدت على أهمية ومشروعية المقاومة لتحرير فلسطين، وبرهنت على ذلك بآيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية، فكان ذلك بمثابة الداعم لتثبيت نهج المقاومة الإسلامية التي اتخذت هذا الطريق من البداية، فتعززت ثقة الجماهير بها، وظهر عور غيرها من مشروعات التحرير القائمة على مرجعيات غير المرجعية الدينية الإسلامية.
هكذا تشكل الوعي الجديد من تفاعل الأحداث مع الفتاوى والبيانات الصادرة من الشخصيات الدينية ذات الكاريزما والمصداقية العالية، متمثلة في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وعلى رأسه الشيخ القرضاوي، وجبهة علماء الأزهر وعلماء مكة المكرمة وعلماء الطائف، واللجنة العامة للبحوث والإفتاء بالسعودية، ومجمع الفقه الإسلامي الدولي، وعلماء الإمارات وعلماء اليمن وعلماء باكستان وإندونيسيا وماليزيا والسودان وليبيا والمغرب العربي.
ولعل هذا الاحتشاد وهذا الدعم الذي تلقته المقاومة بالرفض الضمني لأي مشروع تحرر قائم على مرجعية غير تلك المرجعية هو ما جعل خالد مشعل يعلن في أحد الاحتفاليات في قطر إنشاء منهجية جديدة للمقاومة الفلسطينية تتجاوز منهجية منظمة التحرير الفلسطينية والتي تأخرت كثيرا عن الأحداث وأصبحت صورتها باهتة أو مشوهة، بل لا نبالغ إذا قلنا بأنها أصبحت خارج "الكادر" بقياداتها التي شاخت وشاهت وفسدت وأفسدت وتاهت تحت طاولات المفاوضات اللولبية ونفضت يدها من الكفاح والمقاومة من أجل التحرر الحقيقي.
وما نود أن نلفت إليه هنا أن زيادة شعبية حماس والجهاد وكل الفصائل التي تبنت النهج الإسلامي، لم يكن مجاملة لها أو تحيزا غير مبرر، وإنما قد ثبت للناس في الشارع الفلسطيني والعربي والإسلامي مدى مصداقية تلك المقاومة وقدرتها على الصمود، وقدرتها على هزيمة إسرائيل أو على الأقل الوقوف في وجهها وحرمانها من تحقيق أهدافها، وخاصة أن هذا يضاف إلى رصيد آخر حققه حزب الله في لبنان في صراعه مع إسرائيل حيث أخرجها من جنوب لبنان، ثم كان انتصاره عليها وتلقينها درسا قاسيا في حرب 2006 بين الحزب وإسرائيل، وهذا سينشئ ارتباطا بين توظيف البعد الديني في الصراع والانتصار على إسرائيل، خاصة بعد تهاوي وانهزامية التيارات العلمانية واليسارية والتي خرجت من الصراع أو أصبحت تلعب دورا مشبوها يصب في مصلحة العدو.
ثالثا: الفتاوى وعقيدة الولاء والبراء:
لقد أدت بشاعة الحرب، مع تآمر وتواطؤ حكومات الغرب وخاصة أمريكا، وتعاونهم و"تفهمهم" لما تقوم به إسرائيل، إلى ترسيخ الاعتقاد بأن النظام الرسمي الغربي بقيادة أمريكا يعادي المصالح الإسلامية ويناصر إسرائيل بلا شروط، وأن هذا النظام الدولي الجديد يخرج عن الشرعية الدولية التي وضعها بنفسه حين يتصل الأمر بمصلحة إسرائيل وخسارة المسلمين والعرب، ويستخدم الأمم المتحدة وهيئاتها خاصة مجلس الأمن لإذلال العرب والمسلمين.
ومن هنا ارتفعت أصوات علماء المسلمين في خطبهم وكتاباتهم وفتاواهم وتصريحاتهم تنادي بالتمسك بعقيدة الولاء والبراء، وساعد على هذا سقوط الأقنعة عن الكثير ممن يتحالفون ويتوافقون مع إسرائيل وأمريكا من بني العرب، وعملهم بدأب كطابور خامس أرهق البنيان العربي والإسلامي لحساب العدو.
وقد يحدث خطأ تعميمي في هذه الناحية إذا تم اعتبار كل من ينتمي للغرب عدوا للمسلمين، فهذا أمر يكذبه الواقع، إذ هناك الكثيرون في الغرب من المتعاطفين مع الحق الفلسطيني، وهناك أصحاب ضمائر حية يرفضون ما تفعله أمريكا وإسرائيل، إذن وجب التفريق بين شارع غربي خرج يناصر غزة والقضية الفلسطينية ويلعن إسرائيل، وبين حاكم غربي يعمل طبقا لأجندة براجماتية تحت تأثير اللوبي الصهيوني العالمي.
وعقيدة الولاء والبراء التي ينادي بها العلماء بناء على قاعدة إسلامية في قواعد التعامل مع الغير، ستحدث فرزا للأعداء والأصدقاء والموالين والمتواطئين وغيرهم، وستدعو للاعتماد على القدرات الذاتية لتحقيق النصر، والكف عن التسول والتوسل للغربيين لكي يردوا لنا حقوقنا التي اغتصبتها إسرائيل، وهذا يتعارض مع رؤية ونهج السياسيين العرب، الذين يهرعون في كل أزمة إلى مجلس الأمن أو إلى أمريكا أو فرنسا، وينتظرون دائما النصرة من هناك، وهذا ما لم يتحقق على مدى سنين طويلة ومع هذا لا يتراجعون أو يغيرون نهجهم.
والخلاصة أن أزمة غزة الأخيرة وهذا الكم من الفتاوى والخطابات الدينية التي صاحبتها قد حقق للأمة من المكاسب ما لم يتحقق في أزمات مماثلة، بغض النظر عن شذوذ هنا أو اختلاف هناك، فالوعي الإسلامي قد تأثر بهذا الخطاب وتغيرت بناء على ذلك مفاهيم كثيرة كانت قد ترسخت عبر الترويج الإعلامي والسياسي لها، مما سيترك أثرا على السلوك الإسلامي والعربي العام لا محالة.