العنف .. وثقافة تمجيد الموت

الناقل : SunSet | الكاتب الأصلى : مروة شاكر | المصدر : www.islamonline.net

 



Image
غلاف مجلة قضايا إسلامية معاصرة

 

العنف نتاج الإنسان الذي هو نتاج التاريخ والمجتمع، وهو حالة سلوكية متعددة الأبعاد، وتحتاج إلى جهد معرفي تركيبي لتفكيك الظاهرة وإعادة عرضها داخل نقاش علمي هادئ ورصين، لاسيما أن العنف ظاهرة تحتشد بشكل لافت داخل مجتمعنا العربي بشكل كبير، ولا يقتصر العنف على التعامل بين الأفراد فقط، لكنه يمتد للتعامل بين الجماعات، وتعداها في التعامل بين الدول، ويختلف العنف في طبيعته وأسباب وجوده، ولكن ما هي الأسباب المتعلقة بظهور العنف في مجتمعنا العربي والإسلامي، وما هي أشكاله؟ وهل هو فعل أم رد فعل؟.

 

 

 

 

 والإجابة على كل هذه التساؤلات الشائكة نجدها في مجلة "قضايا إسلامية معاصرة" التي تناقش ظاهرة العنف وثقافة تمجيد الموت في عددها (37-38/ صيف وخريف 2008 - 1429).

 

 

 

 عنف الحب.. وعنف الكراهية 

 

 

 

فتح الكاتب الإيراني مصطفى مليكان باب النقاش حول العنف على مصراعيه، وحاول وضع قضية العنف داخل أطر منهجية محددة، ورأى أن بوسعنا من الناحية السيكولوجية والأخلاقية تأكيد وجود العنف في "الحب" وفي "الكراهية " سواء بسواء، ورأى أن عنف الكراهية يتناقض تماما مع الحرية والعدالة، ورفض ما يذهب إليه البعض حول وجود تعارض بين الحرية والعدالة، وأن الواجب التضحية بإحداهما ليستمر الآخر، وبالتالي لا يصح استخدام عنف الكراهية باسم الأفكار الاشتراكية، ولا باسم النظريات الليبرالية؛ لأنه يضر بكل من الحرية والعدالة.

 

 

 

 ورأى مليكان أن السبيل الوحيد لتشكيل مجتمع إنساني مثالي يكمن في وجود "حب لا أناني وفعال" أي حب يرافقه الإحسان ومساعدة الآخرين، وللتفكير في الآخرين لابد من الشعور الخارجي الذي يتم بناؤه على الشعور الداخلي، ورأى أن عنف الحب قد يتحول إلى عنف الكراهية في حال تعارض الرغبة مع المصلحة.

 

 

 

الثقافة والعنف 

 

 

 

أما عن العلاقة بين الثقافة وانحسارها وانتشار العنف، فيرى الدكتور برهان غليون في حواره مع المجلة أن العنف هو قانون الطبيعة، وأساس الإنسان، ولكن الإنسان قام باختراع القيم والمفاهيم التي مكنته من التسامي على شرطه الحيواني؛ حيث أصبح الإنسان بالثقافة أقل توحشا، وعندما يعود العنف إلى المجتمع فهذا دليل على أن نظام الثقافة والقانون والتأهيل الإنساني لا يعمل كما ينبغي، وحينما يتفجر العنف بين المجتمعات، فهذا دليل أيضا على خلل في نظام القيم الجامعة بين المجتمعات. ونفي غليون انتساب الإرهاب إلى الإسلام، ورأى أن وجود العنف في المنطقة العربية والإسلامية ليس مرجعه إلى النص الديني؛ ولكن لأن هذه المنطقة أكثر تعرضا للعنف الغربي والتسلط والاضطهاد والظلم.

 

 

 

 ويرجح غليون ما يسميه "العمليات الانتحارية" التي تفشت في مجتمعنا بشكل كبير إلى الإحباط الذي أصاب معظم المجتمع العربي، نتيجة النظم السياسية الظالمة، مما جعلهم يشعرون أن الموت أرحم من حياتهم، كما يرون أنهم بذلك يقومون بعمل شيء بطولي، كنوع من التضحية من أجل الآخرين، ويفرق غليون هنا بين شخص يضحي بنفسه من أجل وطنه ودينه، والشخص الذي يقتل نفسه ليقتل آخرين معه، يختلفون عنه في الدين، والمذهب، أو غيره ؛ فالأول يستحق التقدير والاحترام، أما الثاني فإنه صاحب قضية فاسدة.

 

 

 

 وفي بحث للدكتور "محمد آركون" بعنوان "في التسامح" يحدد من خلاله هوية اللامتسامح معه؛ حيث يرى أن المشكلة هي أن يكون هناك عقل يرى نفسه ساميا متسلحا بيقينيات راسخة تستند إلى وحي إلهي أو ميتافيزيقيا كلاسيكية، أو يستند إلى اقترانهما مع بعضهما. ورأى أن العقلية الحديثة عدّلت هذا الوضع؛ حيث إن الحروب الدينية التي اندلعت بين الكاثوليك والبروتستانت دفعت عددا من الفلاسفة إلى إعادة صياغة مفهوم التسامح. كما أن العنصرية كانت محددا يجمع السياسات في بلدان الغرب؛ مما أدى إلى صعوبة تحديد مجال اللامتسامح معه، كذلك شيوع فلسفة الليبرالية التي يفسرها أفراد على أنها حرية تأتي بالحقوق كلها دون أي التزامات أو مسئوليات تفرضها على الشخص.

 

 

 

 وبرأيه فإن الديمقراطية المتسامحة لم تحقق انتشارا واسعا فحسب، بل إنها تسببت في تفكك القيم والمزايا الأخلاقية؛ حيث إنها فقدت مكانتها وحظوتها في النظم التعليمية، وفي هذه الظروف قد يصل التسامح إلى مستوى يولد معه مواقف وممارسات قد ينظر إليها على أنها غير متسامح معها في مجتمعات وأزمان معينة تحكمها سلطة العقل.

 

 

 

 في ضوء التحليل النفسي 

 

 

 

وفي مقال "التطرف الديني والعنف في ضوء التحليل الفلسفي والسيكولوجي" يرى الدكتور صلاح الجابري أن التطرف هو حالة استبطان مرضي تجاه الآخر، وأن هناك بعدا معرفيا يسود التفكير فيه، وفق منطق قطعي استبعادي تجاه المختلف، وبعدا يتسم بالعنف لكل ما هو مختلف، وبعدا آخر نفسيا مرضيا يسهل عملية التحول إلى التطرف والعنف.

 

 

 

 وبرأيه أن المتطرف شخصية مرضية سيكوباتية، كما أن النشأة تساهم في بلورة التكوين النفسي للفرد؛ حيث إن نمو الدافع العدواني يرتبط بمناهج وطرق التعليم المستخدمة في تشكيل شخصية الفرد، وإذا شعر الفرد المتطرف بخطر، أو مصدر قلق من الخارج فإنه يسعى للتفكك بما يسبب له القلق، وإذا لم يستطع تفريغ حقده في الخارج، فيتحول إلى لوم داخلي وأمراض عصبية قد تسبب الوفاة أحيانا.

 

 

 

ويؤكد الكاتب أن الانغلاق الفكري والعنصري يؤدي إلى التطرف واستخدام العنف، وإذا تحول الدين إلى أيديولوجيا مغلقة فسيتحول إلى وسيلة تدمير للمجتمع. فالمتطرف يؤمن بتطبيق الأوامر الدينية بطريقة حرفية، فيشكلها على حسب رغباته، ويجعل منها أدوات صد وتدمير، فالدين الإسلامي المسّيس عمل على نبذ المختلف.

 

 

 

 وأشار الكاتب إلى نظرية "الضد النوعي" التي يستخدمها الفكر السياسي الغربي - الأمريكي لمواجهة الإسلام المتطرف؛ حيث استخدام الإسلام ضد نفسه من خلال دعم وتمويل الحركات الإرهابية لضرب المجتمع الإسلامي في العالم.

 

 

 

 ويرى الجابري أن العقلية المتطرفة شخصية جاهلة، تعتقد في نفسها دائما كمال العقل والعلم، كما أنها شخصية غير عقلانية؛ أي لا تفكر في الأمور؛ حيث إنها تستخدم ثنائية التفكير الحق والباطل، أو الإيمان والكفر، ولا تؤمن بالقضايا الجدلية، والاحتمال والترجيح.

 

 

 

 ويؤمن المتطرف بالثقافة السالبة الملقنة له من قبل المربي، والتي تعمل على تجميد فكره في إطار محدد، وهذه الثقافة ترفض لغة الحوار، وتتعصب لأفكارها بشكل عدواني، وبطريقة هلوسية. وهذا عكس الثقافة العالمة التي تخلق إنسانا واعيا مؤثرا في مجتمعه، يخلق هو الظروف، وليست الظروف هي التي تخلقه، مثلما هو الحال في الثقافة السالبة.

 

 

 

 ويرجح بعض علماء النفس الشخصية المتطرفة أن لديها غريزة العدوان منذ الولادة. أما المدرسة السلوكية فأرجعوا السلوك العدواني للتعلم وللأشياء المكتسبة منذ الصغر، وتنمي العدوانية داخل الفرد بمرور الوقت، إذا لم يجد الشخص من يوقف سلوكه العدواني ويضبطه.

 

 

 

والاتجاه المعرفي يرجع التطرف إلى الاستجابة العدوانية التي تنشأ من الخبرات والتجارب التي يتعرض لها الفرد، فمن يتعرض للعنف كثيرا تنشأ عنده فكرة العنف في التعامل مع كل شيء.

 

 

 

 وهناك الاتجاه الإنساني الذي يقول بأن التمييز العنصري، أو الفئات التي لم تستطع تحقيق ذواتها، ولم تحظ بالتقدير الإيجابي هي أقرب لارتكاب أعمال عدوانية كرد فعل لما تجده من قهر وظلم، وعدم تحقيق لرغباتها.

 

 

 

 أيضا الاتجاه الحيوي الذي يقول بأن هناك آليات داخلية تقود للسلوك العدواني عند استثارتها، ومصدر استثارتها بيئي؛ لهذا يقع تحت سيطرة الضبط البيئي.

 

 

 

 العنف ضد النساء

 

 

 

 وتتحدث الدكتورة أسماء جميل في دراستها عن العنف الممارس ضد المرأة، وتصفه بأنه عنف مادي يشتمل الإساءات الجسدية التي تؤدي إلى حدوث أذى جسدي يترتب عليه أذى معنوي، وكذلك الاغتصاب والعنف الجنسي، أيضا العنف النفسي الذي يستهدف تحقير المرأة والحط من مكانتها، وأشارت إلى نوع آخر من العنف غير الظاهر، ويأتي في فرض أسلوب تفكير معين على المرأة.

 

 

 

 وتفسر الكاتبة العنف ضد المرأة بأنه يرجع إلى فقدان الارتباط بالجماعات الاجتماعية، التي تنظم وتوجه السلوك واللامعيارية، وفقدان الضبط الاجتماعي. أيضا الاتجاه الراديكالي الذي أكد على أن العنف هو نتاج للقهر الاجتماعي، الذي يخضع له الأفراد داخل المجتمع، وجميع هذه النظريات أرجحت العنف إلى الحالة النفسية للذكر؛ مما جعلتها ذات أطر ضيقة غير قادرة على احتواء المفهوم.

 

 

 

وتؤكد الكاتبة على أن الصورة الثقافية للمرأة بأنها ناقصة عقل ودين، وأنها تابعة، ولا تصلح لاتخاذ القرار؛ هذا ما أدى إلى تسلط الرجل عليها، وشجعه على ممارسة العنف ضدها.

 

 

 

 الحرب والعنف

 

 

 

 كما يقول الشيخ "م. شمس الدين" في مقالته "الحرب والعنف - منظور إسلامي" إن الحرب والعنف ظاهرتان عامتان في العالم اليوم، ويرجع الكاتب أسباب ظهور اللاأخلاقية في المجتمع إلى العصرنة التي جلبت العلمانية إلى المجتمعات، والتي قامت بدورها بزرع التحرر، والانحلال داخل المجتمع، وأن الإرهاب ليس له جذور دينية، لهذا فالتطرف الديني أو الأصولية لا يمكن أن يكون موازيا للإرهاب.

 

 

 

 فالعنف ظاهرة قديمة قدم تاريخ البشرية، ومع ذلك فإن ظواهر الحياة الإنسانية هي أيضا قديمة، قدم التاريخ كما يعارض فكرة مواجهة الإسلام بالغرب؛ لأن الإسلام عامل هام في الثقافة الغربية، ويتنبأ الكاتب بأن انكماش العالم نتيجة للعولمة لن يؤدي إلى عالم هادئ، بل سيؤدي إلى صدام حضاري نتيجة تقسيم العالم إلى عدة ثقافات وحضارات صغيرة، ورأى أن الإسلام يرى أن الإرهاب جريمة ضد البشرية، بما فيها الإرهاب الحكومي.


  من أسرة شبكة إسلام أون لاين