بطني تؤلمني، رأسي سينفجر، أشعر بغثيان، قال المدرس اليوم إنه سيغيب، صديقي أمس غاب، العديد من الطلاب يتغيبون يا أمي.. أرى أن لا مشكلة في ذلك.. حيل كثيرة تبدأ في مخيلة الطفل مع بدء العام الدراسي، حيث يعمل على استخدام كل طاقاته من أجل أن لا يذهب إلى المدرسة، فتراه ما إن يحل الصباح ويحين موعد ذهابه إلى المدرسة حتى يبدأ بالعزف على مشاعر الوالدين باستعراضه آلام مرضية يتحجج بها في عدم قدرته على الذهاب إلى المدرسة.
يمثل خوف الأطفال في المدرسة إحدى المشكلات التي تشكل مصدراً من مصادر الضيق للأسرة وعادة ما يأخذ هذا الخوف شكل التعبير عن الانزعاج الشديد والرعب والبكاء أو المغص المعوي والتمارض في صباح اليوم الدراسي والتوسل بالبقاء في المنزل وعدم الرغبة في الذهاب إلى المدرسة. موقع "لها أون لاين" التقى بعض الأمهات اللواتي يعانين من هذه المشكلة تقول أم محمد: مشكلة صباحية تتكرر كل يوم عدا أيام الإجازات طبعاً.. موال صباحي ومجموعة من الشكاوى تقذف في وجهي عندما أطل على ابني لأذكره بأن موعد المدرسة قد حان وعليه الاستعداد للذهاب إليها، بدأ الموضوع بشيء من الدعابة، وكنت أتغلب عليه، إلا أنني بدأت أشعر مؤخراً أن في الأمر مشكلة حقيقية تتكرر كل صباح ومعاناة تبدأ بالإقناع وتنتهي بالصراخ ولا أعرف ما الحل لأنهي هذه المشكلة
. تقول أم حامد: هذه المشكلة واجهتني السنة فقط، فقد كان ابني في السنة الماضية يذهب بحماس إلى مدرسته لكنه الآن يخترع حيل كثيرة لئلا يذهب إليها ويدعي بأن أصدقاءه يغيبون دون أي مشكلة وكثيراً ما أحاول التحدث إليه وفهم السبب وراء رفضه الذهاب وبالنهاية يتدخل الأب في إطلاق تهديداته وإجباره على الذهاب. وتشتكي أم عبد الرحمن من ابنتها تقول: ابنتي تبكي بشكل غريب فور قدومي لأيقظها ومع كل الحيل التي نستخدمها لتهدئتها وإقناعها بالذهاب لا يجدي الأمر نفعاً وكثيراً ما كنا نرضخ لرغبتها في عدم الذهاب وحين نجبرها على الذهاب لا تنفك عن متابعة بكائها حتى في المدرسة مع ادعائها المرض مما يجعل المدرسة تتصل بنا لنصحبها إلى البيت.
موقع "لها أون لاين" بحث في هذه المشكلة التي تواجه الكثير من الآباء أثناء العام الدراسي للتعرف على الأسباب المؤدية لها والحلول الناجعة للتخلص منها، حيث يسأل الكثير من الأهل عن حل لهذه المشكلة التي يعانون منها، ولكن قبل أن نبحث عن الحل يجب أن نبحث عن الأسباب التي تدعو بعض الأطفال لاختراع مثل هذه الحيل المختلفة للهرب من الذهاب إلى المدرسة تقول "هدى حواس الجاسم" أستاذة التربية وعلم النفس: هناك أسباب عديدة تولّد لدى الطفل عدم الرغبة في الذهاب إلى المدرسة منها ما يتعلق بالمدرسة ومنها ما يتعلق بالأم أو الأسرة .
بداية فإن الخوف من الذهاب إلى المدرسة يكون طبيعياً بسبب النقلة التي تعرض لها الطفل فجأة من بيئة اجتماعية وهي البيت إلى بيئة جديدة وهي المدرسة، وهو شيء فسيولوجي يحدث نتيجة الذهاب لمكان جديد ومجتمع أوسع من مجتمع المدرسة دون تهيئة. كما أن الصورة السلبية عند الأطفال عن المدرسة وما تحمله من حزم، و حبس لحرية الأطفال،والتوتر الذي يحصل أوقات الامتحانات أو تسميع الدروس ومراجعة الواجبات تجعل الطفل يخشى الذهاب ويحاول التهرب من هذا العبء،
إضافة إلى تأثير التنقلات المتكررة للطفل من مدرسة إلى أخرى والتي تؤثر سلباً عليه حيث يفقد معلميه وأصدقائه الذين تعود عليهم، وبالتالي فإن عليه التأقلم مع المحيط المدرسي الجديد وهو ما قد يصعب عليه تحقيقه. - القسوة التي يمكن أن يجدها الطفل من بعض المدرسين حيث ينسون أنه في النهاية طفل له مشاعره التي يجب أن يهتموا بها ويراعوها. - تبدل المعلمين المتكرر الذي يحدث في كثير من المدارس، والذي يؤثر سلباً على استقرار الطفل النفسي ورغبته في الذهاب إلى المدرسة فما إن يتأقلم الطفل مع معلمه ويعتاد أسلوبه ويتعلق به حتى يأتيه معلم آخر يجب أن يتأقلم عليه ويتعامل معه من جديد.
وقد تشكل الواجبات الكثيرة سبباً في هروب الطفل من المدرسة، كما قد تتسبب الإهانة والسخرية التي يتعرض لها الطفل من الأطفال الآخرين نفوراً من المدرسة تساهم الأم أحياناً بشكل مباشر أو غير مباشر في عدم رغبة الطفل في الذهاب إلى المدرسة، حيث تزداد الأزمة عند الأطفال المرتبطين بأمهاتهم بصورة قوية للغاية، وبعض الأمهات تشجع أطفالهن على هذا الارتباط بدلاً من أن تساعده على توسيع مجتمعه الذي يعيش فيه، وهي مهمة الأم لتمهد لطفلها الانتقال إلى روضة الأطفال ومن ثم المدرسة. كما قد تنفر الأم طفلها من الذهاب إلى المدرسة بسبب تخويفه بالمدرسة أو تهديده بإبلاغ المعلمة بما ارتكبه من أخطاء في المنزل، وقد حذر علماء النفس الأمهات من هذا التصرف؛ لأن ذلك يؤدي إلى عقدة عند الطفل وخوف مما ينتظره في المدرسة من تأنيب.
ينتاب الطفل ما يسمى في الطب النفسي "قلق الانفصال" وهي حالة نفسية من القلق والخوف تصيب الأطفال في بداية دخولهم المدرسة نتيجة لانفصالهم عن أهلهم، حيث ينتابهم القلق من أن الأهل لن يحضروا لأخذهم من المدرسة وينسوهم هناك أو أنهم سيعودون من المدرسة فلا يجدونهم، وقد يعود ذلك إلى تأخر الأب أو الأم عن إحضار طفلهما أو عدم وجود الأم عند عودة الأطفال للبيت، وقد يكون السبب وجود خلافات عائلية يشعر الأطفال فيها بخطر مغادرة الأم للبيت فيخشون أن يتم ذلك أثناء غيابهم في المدرسة، وقد تكون القضية مسألة معاندة الطفل لأبيه أو أمه، وفي هذه الحالة يجب أن نبحث عن السبب داخل المنزل
. وقد تساهم ولادة أخ جديد في الأسرة في رفض الطفل الذهاب إلى المدرسة نتيجة الغيرة التي يشعر بها والتي تجعله غير راغب في ترك أمه مع أخيه الجديد، وهنا على الأم تنظيم وقتها لتوصل الطفل إلى المدرسة بعض أيام الأسبوع، ليشعر أنه يتفرد بها بعيداً عن أخيه الجديد. فن المناورة هو الأسلوب الذي يتبعه الطفل للوصول إلى غاياته وإشباع حاجاته النفسية والبدنية دون التصريح بها علناً، ويمتلك الطفل تلك القدرات التي تؤهله لاتباع الأسلوب الذي يخلق له ساحة تأثير بالمحيطين به والوصول إلى أهدافه، وبالتالي فإن أسلوب الإقناع والحوار هو الأسلوب الناجح والمفيد معه
وهناك حلول عدة تطرحها الأستاذة "هدى الجاسم" تقول: حتى نصل إلى الحل الجذري لهذه المشكلة يجب أن تتعاون جميع الأطراف (المدرسة والأسرة) في تقريب المدرسة إلى قلب الطفل وتقبله لها، فمن جهة المدرسة يجب الالتفات إلى أهمية إعداد الطفل للتكيف معها وهي من أشق العمليات الاجتماعية وأهمها لذا يجب أولاً تغير الصورة السلبية العالقة بذهن الطفل عن المدرسة خلال أعوامه الماضية وإقناعه بأن المدرسة ليست كذلك ويمكن للمدرسة أن تعمل على تغيير هذه الصورة من خلال إقامة حفل استقبال يحبب المدرسة إلى نفوس الأطفال وأن تكون غنية بالأنشطة والمهارات الحياتية التي تجعل منها حياة يتعايش معها الطفل.
- عمل أسبوع تمهيدي وقد جُرب في بعض مدارس المملكة و يشتمل على الأناشيد، الألعاب المسلية، المسابقات الشفهية والكتابية، منح الجوائز وهذا من شأنه تكوين اتجاه نفسي إيجابي لدى الطفل نحو المدرسة، تيسير مهمة انتقال الطفل من محيط بيئته إلى المحيط المدرسي تدريجياً وتوفير الفرصة التربوية المبكرة للمعلم ليتعرف من خلالها على شخصية كل طفل. - كما يجب أن تنتهج الجهات التعليمية برامج تربوية جديدة لكسب حب الطفل وإقباله على المدرسة.
اختيار هيئة التدريس المتسمين بالخلق الحسن والتلطف في معاملة الطلاب بما يكسبهم محبته والإقبال على الدراسة، وعدم استخدام القسوة مع الطلبة والابتعاد عن الألفاظ التي تحمل في مضمونها الإهانة والسخرية بما لا يكون سبباً لنفور الطلبة من المدارس. وبالنسبة إلى الدور الذي يجب أن تقوم به الأم حيال ذلك تقول "هدى الجاسم": على الأم إعداد الطفل نفسياً وجسدياً قبل ذهابه إلى المدرسة: - الإعداد الجسدي يكون بإعداد الطفل قبل الأسبوع الذي يسبق بداية العام الدراسي حتى يعتاد على النظام فيكون قادرا على الاستيقاظ في الصباح الباكر، فالإعداد يساعد التلاميذ على تخفيف صدمة العودة إلى المدرسة، ويتوجب على الأهل اصطحاب أولادهم إلى المدرسة والتعرف على أجوائها. ولا بد أن تقوي الأم علاقتها بالمدرسة والبحث عن مُدرسة حنونة غير عنيفة تحتضن الطفل
. - إيقاظ الطفل في صباح اليوم التالي، ومساعدته على ارتداء ملابسه، وتزويده ببعض الأطعمة التي يحبها. - الإعداد النفسي ويكون بتكوين فكرة إيجابية عن المدرسة من خلال التحدث عنها وعن الأشياء الجميلة والجديدة والممتعة التي تقدمها للطفل والمكافآت التي يمكن أن يحصل عليها من المدرسة والأهل نتيجة التزامه بالذهاب إليها والتفوق فيها، كذلك تذكير الطفل بأنه سيلقى أطفالاً صغاراً ليلعب معهم، وهنا يجب التنويه إلى أهمية رياض الأطفال التي تعتبر مهمة في دفع ونبوغ طالب الصف الأول، وهي فترة كافية لإعداد الصغير ونقله من وسط إلى وسط آخر.
- تذكير الطفل أن المدرسة هي الطريق الوحيد لتحقيق آماله في أن يكون "طبيبا أو مهندسا أو ضابطا أو صحفيا". - زيارة المدرسة مع الطفل عدة مرات حتى يتعود الطفل مشاهدة المعلمين ومرافق المدرسة. - وينصح علماء النفس بتجنب التركيز على الشكاوى الجسمية والمرضية، فمثلاً لا تلمس جبهة الطفل لتفحص حرارته، ولا تسأل عن حالته الصحية صباح كل يوم دراسي. - كما يحذر علماء النفس من مناقشة الطفل في أي موضوع يتعلق بخوفه من المدرسة
فلا شيء يثير خوف الطفل أكثر من الكلام عن موضوع الخوف؛ لأن الحديث عنه أكثر إثارة للخوف من المواقف ذاتها، ولا نناقش أعراض خوفه أيضاً، ولا نستخدم أسئلة، مثل: هل تشعر بالخوف لأنك ستذهب إلى المدرسة غداً؟ هل أنت مضطرب أو خائف؟ أو هل تشعر أن قلبك بخفق لأنك ستذهب إلى المدرسة غداً. - عليك عند عودته من المدرسة أن تمتدحي سلوكه، وأن تثني على نجاحه في الذهاب على المدرسة، وأخبريه أن غداً سيكون أجمل بإذن الله. - أقيمي احتفال أسري له في نهاية الأسبوع وأحضري له هدية كمكافأة منك لأنه التزم بالذهاب إلى المدرسة. - وتحذر " الأستاذة هدى الجاسم" الأمهات من ضرب أطفالهن إذا رفضوا يوماً الذهاب إلى المدرسة فذلك يجعل من المدرسة في ذهنهم قريناً للعقاب وقد يكون سبباً في كرههم للمدرسة.
تقول " هدى الجاسم": الحوار هو الحل؛ لذا يجب استخدامه وإقناع الطفل بأهمية الذهاب إلى المدرسة كأن نقول له: ألا تريد أن تصبح مثلاً طبيباً، لن تستطيع تحقيق ذلك إلا بالذهاب إلى المدرسة. - أو في الجدول اليوم حصص جميلة إن غبت لن تحضرها.. - سؤاله عما يضايقه في المدرسة ومناقشة الأمر معه. - إذا وجدت استحالة في تقبل الطفل للمدرسة عليك الذهاب إلى الاختصاصي الاجتماعي بالمدرسة، تحدثي معه وتابعي الحل الذي سيقدمه، وإن كان نفور طفلك من المدرسة بسبب مشكلة معينة عليك التحدث إلى المسؤولين للتعرف على المشكلة ومتابعة حلها وعدم ترك الأمور معلقة؛ لئلا يفقد طفلك ثقته بك بأنك لم تستطيعي حل مشكلته. - الاستعانة بالدعاء فبه تتحقق المعجزات.