يمثل التجويف الفموي البوابة الرئيسية للجهازين الهضمي والتنفسي، وهو معبر خطير لكثير من الفيروسات والبكتيريا التي تصيب الجسم بكثير من الأمراض، حيث إن أنسجة الفم مشابهة كثيرا لأنسجة الجهاز التنفسي والهضمي، لذا فإن أي ميكروب موجود في اللعاب يحتمل أن ينتقل إلى الأعضاء الأخرى المتصلة بالفم والعكس صحيح وهذا معروف لدى الجميع.
ولكن السؤال المهم الذي يسأله كثير من الناس هو: هل هناك أمراض فموية معدية؟ وما هي تلك الأمراض وكيف تنتقل؟
ولذا سنتناول موضوع الأمراض الفموية التي يمكن انتقالها عن طريق الفم وكيفية الوقاية منها.
يصاب كثير من الناس بتغيرات فموية مختلفة قد تكون على شكل تقرحات مختلفة الأحجام والألوان أو تغيرات أو انتفاخات في أنسجة الفم أو في اللثة وقد تكون مزمنة أحيانا وربما تكون مصاحبة بأعراض أخرى مثل الألم أو ارتفاع درجة الحرارة أو أمراض الجهاز التنفسي أو الهضمي أو غير ذلك. والدارج لدى الناس أنها حرارة فموية ستختفي بعد عدة أيام.
ولكن الحقيقة غير ذلك فهي تمثل عدة أمراض مختلفة بعضها يكون مصاحبا لأمراض الجهاز التنفسي أو الهضمي أو التناسلي أحيانا وبعضها خطير جدا قد يمثل بداية للأمراض الخبيثة.
إن أغلب الأمراض التي تنتقل عن طريق العدوى بالفم هي تلك الأمراض الناتجة عن الإصابة بالفيروسات، وكذلك الأمراض الجسدية التي تكون تغيرات الفم أحد الأعراض الناتجة عنه، على عكس بعض الأمراض الأخرى الفموية كأمراض اللثة العادية وتسوس الأسنان التي لا تعتبر معدية في معظم الأحيان.
أمراض عبر الفم إن الأمراض التي تنتقل عن طريق العدوى من خلال الفم كثيرة من أهمها:
- أمراض الجهاز التنفسي بمجملها الفيروسية منها والبكتيرية، ومنها مرض الأنفلونزا الذي ينتقل عن طريق رذاذ اللعاب ومن أحدث أنواعه والذي سبب الذعر للناس في وقتنا الحاضر ما يسمى بأنفلونزا الخنازير، حيث أفادت التقارير الطبية بأن الفيروس المسبب «إتش1 إن1» ينتقل عن طريق رذاذ اللعاب المنتشر في الهواء أثناء التنفس أو السعال أو العطس.
ومن أشهر الأمراض القديمة التي تنتقل عن طريق الفم مرض السل الذي ما زال موجودا في بعض المجتمعات الفقيرة المزدحمة.
- مرض الهربس: يعتبر هذا المرض من الأمراض المعروفة منذ القدم والذي يصيب الجنس البشري، حيث إن الجسم يمثل البيئة المناسبة لحياة هذا الفيروس.
وينتشر هذا المرض في المناطق المزدحمة وخصوصا في المجتمعات الفقيرة ويصيب الصغار والكبار.
وهناك نوعان من الفيروس الناقل للمرض. - النوع الأول منهما (Herps virus type I) هو الذي ينتقل عن طريق الفم وخصوصا عند الملامسة المباشرة مثل التقبيل. وتكمن خطورة هذا الفيروس في أنه وبعد إصابته للجسم يستوطن في العقد العصبية للأعصاب في منطقة الفم والوجه ونتيجة لظروف معينة مثل التعرض لضغوط نفسيه قد يعاود الفيروس الظهور مرات عديدة بعد الإصابة الأولى ليصيب الغشاء المخاطي للفم والجلد في منطقة الوجه وأثناء الفترة النشطة للمرض ينتشر الفيروس في إفرازات اللعاب والمخاط وفي أماكن الإصابة مما يجعله سهل الانتقال والعدوى أثناء العطس أو الملامسة.
- والنوع الثاني ويظهر المرض عادة على شكل تقرحات فموية تسمى بالتقرحات الفيروسية مصاحبة بالتهابات في اللثة والفم (gingivostomatitis) وهي عبارة عن تقرحات محتوية على سوائل وتصيب منطقة الشفاه والأنف وكذلك الذقن.
وفي الأطفال تمتد فترة حضانة الفيروس من 2 - 12 يوما حيث يصاب الطفل بتقرحات عديدة منتشرة في كثير من أجزاء الفم وتكون مصحوبة بارتفاع في درجة الحرارة، وصداع وتعب شديد.
وقد يبقى هذا الفيروس في الجسم لسنوات عديدة مسببا عدة إصابات وفي بعض الأحيان يبقى خاملا في الجسم.
فعندما تتكرر الإصابة به مرة أخرى نتيجة لتنشيط الفيروس مرة أخرى يسمى بالتهاب البرد (cold sore) فتصبح التقرحات صغيرة مملوءة بالسوائل وتصيب حواف الشفتين.
ومن العوامل المؤدية إلى التقرحات المتكررة ارتفاع درجة الحرارة، والنقص في مناعة الجسم، والاضطرابات النفسية وحروق الشمس.
والعدوى بهذا المرض تكون في أشدها عندما تكون التقرحات مفتوحة ويكون السائل الذي بداخلها مكشوفا. وتتماثل هذه التقرحات للشفاء خلال أسبوع واحد من غير علاج وأفضل علاج لها هو انتظار قضاء فترة الإصابة واستخدام المسكنات الموضعية في حالة الألم فقط.
- وهنالك نوع آخر من الفيروسات يسبب تقرحات في الفم أيضا وتنتقل العدوى من خلاله، ويسمى «فيروس كوكساكي» (Coxsackie virus) ويؤدي إلى نشوء تقرحات في اليدين والقدمين إضافة إلى أنسجة الفم.
- نوع آخر أيضا من الفيروسات يسمى ايبستين بار فيروس Epstein - Barr virus (EBV) وهذا النوع من الفيروس ينتقل عن طريق العدوى بالفم ويسبب مرضا يسمى بمرض القبل (kisses disease).
تقرحات مختلفة وقد يصيب الكثير من الناس نوع آخر من التقرحات تكون محدودة في الفم فقط وغير مصاحبة لأعراض أخرى في الجسم وهي غير معدية. ونذكر منها:
- التقرحات القلاعية (apthous ulcers) وهي عبارة عن تقرحات تصيب أغشية الفم المبطنة حيث تكون في اللثة، والغشاء المبطن للخد، واللسان، وسقف الحلق وكذلك الشفتان. ويتراوح عدد التقرحات من واحد إلى عشرة موزعة في أجزاء الفم. ويكون شكلها بيضاويا وسطحيا وقد يغطيها غشاء أبيض ويحيطها احمرار في الأنسجة المبطنة للفم.
- قد يصاب الشخص بالتقرحات الفموية أكثر من مرة واحدة وتسمى بالتقرحات المتكررة (recurrentapthous ulcers). ويقسم هذا النوع إلى ثلاثة أقسام ويختلف باختلاف حجم التقرح.
أما بالنسبة إلى الأسباب المؤدية إلى هذا النوع من التقرح فأكثرها أسباب غير مؤكدة ولكن يعتقد بأن الاضطرابات النفسية لها تأثير كبير في حدوثها وكذلك الوراثة أو الاختلال في الجهاز المناعي لدى المريض أو تناول بعض الأطعمة التي تسبب تهيجا في الأغشية المخاطية للفم أو التي تسبب جروحا أو الأطعمة الساخنة جدا وقد تصاحب العلاج الكيميائي لمرضى السرطان في الوجه والفكين أو العلاج الإشعاعي. ومن الأسباب أيضا تناول الكحوليات والتدخين.
ولا ننسى بعض أمراض واضطرابات الجهاز الهضمي المزمنة. ولذلك من المهم جدا إجراء الفحص الطبي الدقيق للتأكد من الأسباب المؤدية للتقرحات، فيجب عمل فحص للدم أولا لمعرفة مستوى الهيموغلوبين لأن إحدى سمات قلة نسبة الحديد في الدم قد تكون وجود هذا النوع من التقرحات. وكذلك أخذ عينة أو مسحة من التقرح لمعرفة ما إذا كانت هناك أي التهابات فيروسية أو بكتيرية.
هل ينتقل مرض الايدز أو التهاب الكبد الوبائي في عيادات الأسنان؟ السؤال عن مدى انتقال فيروس الايدز والكبد الوبائي عن طريق الفم يتردد كثيرا. والجواب هو أنه لم ترد حالات إصابة بالعدوى بمرض الايدز عن طريق الفم حيث إن هذا المرض ينتقل عن طريق الدم وليس الفم.
ولكن كانت هناك تقارير عن حالات أصيبت بالمرض عن طريق عيادات الأسنان. وهذا يدل دلالة قويه على أهمية اتباع طرق مكافحة العدوى الصحيحة في عيادات الأسنان منعا لحدوث مثل هذه العدوى الخطيرة. وبالنسبة لمرض الكبد الوبائي فإنه ينتقل عن طريق الدم ومن المحتمل أيضا أن ينتقل عن طريق اللعاب بجميع أنواعه.
ماذا عن انتقال العدوى من الفم إلى باقي أعضاء الجسم؟ إن انتقال الميكروبات من الفم إلى باقي أجزاء الجسم الأخرى ممكنة وهناك أدلة كثيرة على ذلك، فالأبحاث الطبية تشير إلى وجود علاقة بين أمراض اللثة والعظم المحيط بالأسنان وأمراض القلب والرئة، وكذلك علاقتها مع قلة وزن الطفل حديث الولادة ومرض السكري.
والسبب بصفة عامة يكمن في إمكانية انتقال بكتيريا معينه عن طريق الدم من اللثة المريضة إلى أجزاء الجسم وقد يكون لتلك البكتيريا دور في أمراض القلب والشرايين.