سري الغريب
نوال العلي
لكل واحد منا صندوق يحتفظ فيه بأشيائه السرية، فمنا من يضع داخله قصة ومنا من يحتفظ فيه برسالة خاصة... وكثيراً منا يخفي هذا الصندوق في مكان لا يصل إليه أحد؛ على الرغم من ذلك يظل التطفل لمعرفة مكنوناته؛ أمراً يلامس أنفسنا لأننا نعلم أن الأشياء الثمينة لا توضع إلا في صناديق. كما أنه قد لا يكون الصندوق هو المكان الوحيد الذي تحفظ به الأشياء أحياناً؛ بل صندوق بعض الناس قلوبهم أو شخصاً آخر، أو حتى دفتر يسجل فيه أسراره، فكل شخص يضع أسراره في المكان الذي يجده مناسباً له. إذا فكرنا في امتلاك دفتر مذكرات نسجل فيه لحظات الصفاء .. التي تولد داخلنا لحظات جميلة غير طبيعية. وقمنا بتدوين كل الأوقات الجميلة التي قضيناها في فترة ما بعيداً عن روتين المسؤولية اليومية، أو بعض اللحظات التي ضحكنا فيها من الأعماق لفوجئنا بسر الابتسامة وسر الضحكة، التي تحولنا من أشخاص مرهقين من العمل ومتكدرين من الحياة إلى أشخاص يشعون نشاطاً وتفاؤلاً. فلو قابلنا شخصاً ما ونحن في حالة يرثى لها، فابتسم بوجهنا أو قال نكتة طريفة، لوجدنا أنفسنا نضحك من الأعماق وننسى ما كنا فيه بسبب مفعول هذه الابتسامة التي تجلي الهموم فوراً.. ثم إذا جلسنا مع من نحب فأكملنا مفعول الوصفة السحرية بكلمة طيبة فإن روحنا المعنوية ترتفع، وننظر إلى الحياة نظرة تختلف عما كنا عليها في السابق، ونقبل بكل قوة مستسهلين كل صعاب الحياة.. وعلى العكس من ذلك لو قابلنا من يكشر في وجهنا ويسخر منا، ويحبط معنوياتنا ماذا يا ترى ستكون النتيجة؟ إنها وباختصار زيادة هموم على همومنا. فما سر النكتة والفرفشة والابتسامة والكلمة الطيبة على مسار حياتنا وعلى من حولنا، ولماذا نبخل بها؟ من المتعارف عليه أن الإنسان المبتسم يصل بسهولة إلى مكانة اجتماعية رفيعة دون تكلف، وإنما باختراقه قلوب الناس ونيل محبتهم لكونه لطيف المعشر. بخلاف الاعتقاد الخاطئ الذي يجعلنا نتصور أن الابتسامة تقلل من شأننا واحترامنا، لأن الابتسامة مفتاح لجذب قلوب الآخرين. فهي تخفف عن كاهل كل من نقابل الهموم التي يمرون بها وتمسح عنهم الأحزان. ولا شك أن الإنسان في حياته تعتريه أكدار وهموم وأحزان وغموم، مما يحتاج حقيقة إلى من يجلي حلكتها، ويخترق ظلمتها بشيء من الابتسامة الرفيعة والضحكة المتزنة والدعابة المرموقة، لأن ذلك هو البلسم الناجح والدواء النافع في ترويح النفس وطرد الآلام وتخفيف الأحزان عن الآخرين. حقيقة ما أجمل الابتسامة غير المتكلفة فهي ضياء يمتد إلينا لينتشلنا من عالم الوحدة والحزن.. من عالم تباعدت فيه الأجساد وتشعبت فيه الطرق.. إلى عالم الإخاء والتعاون. أن ابتسامة واحدة قد تزرع في أنفسنا ونفوس الآخرين الفرحة بشتى ألوانها وتكفكف الدموع والآلام. ولو لاحظنا المشاعر الإيجابية للوجه المبتسم لاكتشفنا أنها تترك في أنفسنا راحة وأماناً وانسجاماً وثقة وشجاعة، بينما المشاعر السلبية للوجه العابس تترك في أنفسنا ضيقاً وشعوراً غير مريح من الخوف والشك. فمتى تتفجر ينابيع الحب الصادق وتظهر الابتسامة لتروي أرضنا القاحلة ولتكسبها حلة جميلة منضرة بالورود.. متى تجود بارقة ابتسامة صادقة بمائها حتى تطفئ نيران الهموم المشتعلة في قلوب بعضنا.. ومتى تحال الدمعة إلى بسمة. ومضة: صندوق الأسرار شيء يجب أن يملكه كل شخص، قد لا يجب شراؤه بقدر أهمية وجوده داخل أنفسنا لنحتفظ فيه... بمن لديهم قدرة عجيبة على البذل والعطاء إلى ما لا نهاية.. بمن نجدهم سعداء لسعادتنا.. بمن نجد البسمة تزغرد على شفاههم وهم يمنحوننا صادق مشاعرهم وحبهم.. إن وجود هؤلاء الناس في الحياة يجعل لها عبيراً وشذى رائعاً تشعر به كلما تذكرتهم.. ويزداد إحساسك به كلما التقيتهم. ** المرجع: مجلة حياة العدد (90) شوال 1428هـ تحرير: حورية الدعوة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة: ولك بمثل »