الجماعة

الناقل : elmasry | الكاتب الأصلى : سليمان جودة | المصدر : www.almasryalyoum.com

سليمان جودة

 

يظل أمراً مفهوماً، بل مطلوباً، أن يبادر أنس الفقى بدفع 21 مليون جنيه فى مسلسل «الجماعة»، لعرضه على القناة الأولى طوال شهر رمضان. فليس هناك شك فى أن الهدف من وراء عرض عمل من هذا النوع، إنما هو هدف سياسى بالدرجة الأولى، ولا مجال هنا للفن الخالص، أو الدراما المجردة، إذا تكلمنا عن ترتيب الأهداف، كأولوية، من وراء عرض العمل على تليفزيون الدولة، الذى يسعى بطبيعته إلى أن تصل رسالة من نوع ما إلى المشاهدين، بعد كل حلقة، ثم فى أعقاب العمل إجمالاً!

ولكن، حين تسارع قناة «القاهرة والناس» إلى الاتفاق مبكراً، على عرض العمل، فإن فى هذا دليلاً كافياً على أن المسألة عند صاحبها «طارق نور» ليس مجرد رغبة فى تحقيق الكسب من وراء القناة، وإنما هناك بالضرورة إلى جانب الرغبة فى تحقيق الربح المشروع، رسالة يريد الرجل أن يؤديها من خلال قناته.

لا أتعرض للمسلسل، فنياً، ولا درامياً، لأن الحلقات القليلة التى تم عرضها منه، حتى الآن، لا تسمح بمثل هذا التناول، ولكنى أتحدث من الناحية الموضوعية، كفكرة، لا أكثر من ذلك، ولا أقل!

وإذا كان الكاتب الكبير وحيد حامد، قد قرر اقتحام تاريخ جماعة الإخوان المسلمين، بهذه الشجاعة، لتقديمه فى عمل فنى، يحقق الفائدة والمتعة معاً، لكل مشاهد، فإن هذا فى حد ذاته، يجعل للمسلسل مكانة خاصة، بين سائر أعمال الأستاذ وحيد، بحيث يمكن القول إن «الجماعة» كوم، بينما باقى أعماله الجميلة كوم آخر!

ولا أريد أن أصادر على حق المشاهد، فى أن يصل دون توجيه من أحد، إلى ما يجب أن يصل إليه من المعانى، بعد مشاهدة العمل فى حلقاته كاملة، ولكنى أريد فى الوقت ذاته، من كل مشاهد، أن يسأل نفسه، بعد انتهاء عرض كل حلقة، عن المشهد العام الذى كان قائماً، فى مصر خصوصاً، ثم فى العالم كله عموماً، قبل نشأة «الجماعة» على يد حسن البنا، عام 1928، مقارنة بالمشهد القائم الآن.

وبمعنى آخر، فإن السؤال هو: ماذا لو كانت أفكار الإمام محمد عبده، المستنيرة، قد مضت فى طريقها، منذ ما قبل وفاته عام 1905، إلى هذه اللحظة، ولم تعترضها «الجماعة» بأفكارها، وبأفكار المتأثرين بأفكارها المتشددة؟! هل كنا، اليوم، سوف نتكلم أصلاً، عن تنظيم مثل «القاعدة» أو حتى عن صدام على أى مستوى، بين المسلمين من ناحية، والعالم كله من ناحية أخرى، كما حدث فى ذروته بعد أحداث 11 سبتمبر، ولايزال يحدث؟!

لا نشكك لحظة فى وطنية أحد من الإخوان، فجميعهم وطنيون، شأن كل المصريين، إلى أن يثبت العكس، غير أنك إذا جئت لترى حصيلة وجود الجماعة فى حياتنا السياسية، على مدى ما يقرب من القرن، فسوف تجدها بالسالب مرة، والناقص مرات، لا لشىء إلا لأن هذه هى النتيجة الطبيعية لخلط الدين بالسياسة، بما يؤدى إلى إفساد الاثنين!