الشباب وضروة الموازنة في الاهتمام بين المظهر والجوهر

الناقل : SunSet | المصدر : www.annabaa.org

 

شبكة النبأ: تحدث كثيرون عن الشكل والجوهر فيما يخص الانسان او غيره من الكائنات او الموجودات بصورة عامة، وغالبا ما تميل الكفة الى تحسين الجوهر والاهتمام به وتطويره، وهذا رأي صحيح، بل لعلنا جميعا نتفق على أن الانسان وغيره إذا كان جوهره معطّلا فإن كيانه بالكامل سيكون كذلك، وكذا الحال مع الكائنات او الموجودات، بيد أن هذا الرأي لا ينطوي على أحادية في النظر او ينبغي أن يكون كذلك.

بمعنى أن الجوهر هو أحد الطرفين الهامين اللذين يقوم عليهما الكيان الانساني، ولذلك ليس من الصحيح أن نطلب من الشاب او الشابة عدم الاعتناء بالشكل تماما والتركيز على تنمية الجوهر وصقله مقابل إهمال الشكل وتهميشه، ولعل التوازن هنا هول الحل الامثل فيما لو قُيّض للانسان إمكانية الموازنة بين الطرفين (الشكل والجوهر).

لكن المشكلة التي غالبا ما نلاحظها ونحن نتابع أنشطة الشباب واتجاهاتهم هو تغليبهم الشكل على الجوهر، وهنا يرى أحد الكتاب:

(يهتمّ الشبّان بمظاهرهم، وتولي الفتيات مظاهرهنّ عناية فائقة كجزء من لفت أنظار بعضهم لبعض. وقد يأتي الاهتمام بالمظهر الخارجي كصورة من التفاخر والتباهي على الأقران أصدقاء أو صديقات .

وإذا سألت أحدهم، أو إحداهنّ عن السبب في المبالغة بالاهتمام بالمظهر، يأتيك الردّ: -الدنيا مظاهر-!

والقرآن قد وصف الدنيا بأنّها دار لهو وغرور وزينة وتفاخر وتكاثر، لكنّه أراد بهذا الوصف أن يذمّ هذا الوجه منها، وإلاّ فهو قد دعا إلى الأخذ بنصيب الدنيا (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنسَ نصيبك من الدنيا ) القصص 77،  أي التمتع بملذاتها في غير محرّم، واغتنامها كفرصة للطاعة وللابداع الانساني الذي يخدم الانسانية ويعمر الأرض بالحق والخير والجمال والعدل) .

وبهذا تبدو مسألة الموازنة بين متطلبات الحياة وما بعدها، مرتبطة بضرورة الموازنة بين شكل الانسان وجوهره، وهذا ما يؤكد للشباب قبل غيرهم، بأن الاهتمام بالشكل هو ضرورة تساوي ضرورة تحسين الجوهر وتنميته، غير أن الامر لا يتوقف عند هذا الحد، فمثلما تجد في حياتك كي تنجح عليك أن لا تنسى ما تتطلبه الآخرة منك، وهذا ما يحققه لك الجوهر تحديدا، لدرجة أننا يمكن أن نقرن المظهر وتوابعه بالدنيا، ونقرن الجوهر وتوابع بالآخرة مع هامش للتداخل بين الاثنين، بمعنى ان الشاب او الانسان عموما حين يسلك السلوك الصحيح في عمله وقوله ومختلف نشاطاته فإنه لا يبغي حصر (حسن العاقبة) إنما هو يعمل بذلك لدنياه ايضا، كونه يعيش في محيط بشري واسع قد يرفضه وقد يقبله استنادا لطبيعة الفاعلية التي تبدر عنه، فإذا كانت شكلية خالية من الجوهر فإنه سيتعرض للنبذ والاقصاء والعزلة حتما وهنا لن يفيده الشكل او المظهر الحسن بشيء، أما إذا كان الجوهر الجيد هو ديدنه في العمل والقول فإنه حينذاك سيكون مقبولا من لدن المجتمع بل وعنصرا فاعلا فيه، مع انه كسب بذلك إمتيازات الآخرة.

ولعل مشكلة الشكل او المظهر تتمضهر في عدة صور وسلوكيات منها التفاخر والتظاهر بالرقي وما الى ذلك من مؤشرات ربما تكون مظهرية مفتعلة في أغلبها، فلا بدّ من التنبّه إلى أنّ (الفخر) هناك و (الرقيّ) هنا ليسا حقيقيين وإنّما اعتباريان، أي أنّ الناس وبسبب التخلّف الثقافي يعتبرون المظاهر فخراً ورقيّاً .

وقصّة ذلك الرجل الذي دخل إلى مأدبة فلم يأبه به أحد لأنّ الدعوة كانت مخصّصة لذوي المظاهر، وحين ارتدى ملابس فاخرة لفت الأنظار وجذب الاهتمام ، معروفة ، حتى أ نّه حينما جيء له بالطعام لم يتناول منه شيئاً ، بل قدّمه إلى ملابسه ، وقال لها : كلي ، فهذا لك ! فتعجّب الحاضرون من هذا المشهد الذي يكشف عن أنّ الاهتمام كان منصباً على المظهر وليس على صاحب المظهر .

وهنا تبدو لنا الحاجة الماسة لتثقيف الذات، فالشاب او الانسان عموما كلما كان اوسع اطلاعا واكثر ثقافة، كلما كانت رؤيته صحيحة ومتوازنة للاشياء، فلا يهتم بالمظاهر اكثر من الجواهر، ولا يهمل احدهما على الآخر، كذلك لا ينبهر بالسلوك المتباهي او الذي يوحي بالتفاخر وما شابه ذلك، لأنه صاحب شكل وجوهر متوازنان، وبذلك فهو صاحب شخصية متوازنة ايضا، متطورة ومنتجة وراكزة في المجتمع.ولعلنا نتفق على ان الانسان بعمله اولا، وليس بمظهره مع اننا لا ندعو الى تهميش المظهر، كما اننا نرى على سبيل المثال ان واحدةً من أبلغ رسائل الحجّ التي يقدّمها الاسلام لأتباعه هي أنّ الله تعالى لا يعبأ بأشكال الناس وملابسهم، بل بما انطوت عليه قلوبهم وسرائرهم، ورسالة ثوبي الأحرام شبيهة إلى حدّ كبير بالكفن الذي يلفّ به جثمان الانسان في آخر المطاف .إنّها رسالة تقول للانسان أنّ ما يميِّزك عن أخيك الانسان الآخر هو عملك وعلمك وتقواك، وما عدا ذلك فلا قيمة له ولا اعتبار سواء لبست الحرير أو ارتديت الأسمال.

ولذلك من باب اولى أن يسعى الشباب الى الموازنة بين اعمالهم واشكالهم، كونها تحقق لهم ما يصبون إليه من طموحات واهداف مشروعة وتجعلهم مقبولين في الوسط الذي ينشطون فيه ناهيك عما تحققه لهم من استقرار نفسي نتيجة الشعور برضا الله سبحانه وتعالى عليهم.