شبكة النبأ: من يتطلع في تأريخ بعض الأغنياء، ليس بين المسلمين او العرب بل على المستوى العالمي، سيجد بلا أدنى شك أنهم (بعض الأغنياء) يتمتعون بحب للذات غريب، لدرجة انهم يتفوقون بذلك حتى على الحكّام الذين يستميتون في الوصول إلى كرسي العرش والتشبث به، وليس ثمة مغالاة في هذا القول فوقائع الحال تشير إلى ذلك الصراع الأبدي بين رب المال وكمتنزه وبين جموع الفقراء على مر التأريخ.
وليس هذا وليد العصر الراهن، بل هي غرائز الإنسان الذي يضعف امام مغريات الحياة الكثيرة، فيلهث صوبها بشتى السبل والوسائل ساحقا على الأجساد الضعيفة التي قد تتواجد في طريقه، وصولا إلى أهدافه في اكتناز المال ومن ثم الوجاهة والنفوذ والسلطة وما شابه.
ويا لها من رحلة تعيسة وشاقة رحلة البشر منذ أن وطأ المعمورة، حيث الصراع الأزلي بين الغني القوي المتضخم وبين الفقير الضعيف المستضعف، وكم جهد العلماء والفلاسفة والمفكرون عبر مئات بل آلاف السنين لكي يقللوا من تضخم ذوات الاغنياء وجموحهم المنقطع النظير نحو المال، وكم أخفقوا في جهودهم تلك، لكن تُرى هل يستسلم الفكر وهل تتراجع الرؤى الكبيرة في الوصول الى مبتغياتها؟.
لقد تمكن الفكر العظيم من تشذيب كثير من الذوات المتضخمة وأعادها الى جادة الصواب فقدمت ما يمكن أن تقدمه للضعفاء الفقراء من دعم واسناد مادي ومعنوي، وقد حدث هذا فعلا لا سيما في القرون القريبة حيث تمكن الفكر الغربي مثلا من تقليص الفجوة بين الفقير والغني لكنه سرعان ما تضخمت الذوات مرة اخرى لنرى المال متكدسا عند الاقلية مقابل عوز مدقع يطال الأكثرية.
ومع ذلك يمكن ان نجد دورا لبعض الاغنياء في الغرب ومشاركتهم الجادة ببناء شعوبهم واممهم من خلال تبرعاتهم الكبيرة في النشاطات الخيرية التي تدعم الفقراء من ايتام وارامل ومحتاجين وغيرهم، الامر الذي أشاع حالة من التكافل بين بعض شرائحهم يمكن ان يُشار لها بالبنان، حيث شكلت مثل هذه المبادرات حالة تشجيع للأغنياء في الاسهام برفع مستوى من هو أدنى من الطبقات الاخرى.
ولكن ما هو دور الاغنياء في بلداننا وهل يمكن القول بأنهم يؤدون ما عليهم في هذا المجال؟ إن الغني ربما لا يعرف بأنه حين يرتفع بمستوى الآخرين علما او عملا إنما يُسهم ببناء مجتمع متنام راسخ قابل للتطور وهو أمر يصب بصالح الاغنياء أيضا، ولكن ربما يعرف الاغنياء ايضا ان الفقر آفة قد تطولهم إذا عانى الأكثرية منها على نحو متواصل، ومع ذلك منهم من لا يعنيه الامر فيبقى مغمض العين مغلق السمع حتى يلمس نتائج ذلك بنفسه، ومنهم من يبادر ويغير رؤيته ونظرته الى المجتمع فيدخل في مجال الدعم الانساني بقوة، فيكون العلامة الفارقة بين أقرانه.
لذا من المستحسّن أن يراقب الاغنياء تضخم ذواتهم بأنفسهم، وأن يلمسوا مساوئ ذلك بأيديهم، إذ كلما تضخمت الذات (كفرت)، أي أنها خرجت عن جادة الصواب سواء في الجانب الديني او الحياتي بشكل عام، بمعنى أن من يسمح من الاغنياء بالتضخم لذاته، فإنه سيجد نفسه في منأى عن تعاليم الدين والالتزام بها، أي أنه غير معني إلا بذاته وما يتبعها، أما الفقراء او غيرهم فهو غير معني بذلك وهذا مناف للدين قطعا.
كذلك سنجد تنامي عناصر التضاد بينه وبين المحيط السكاني الذي يعيش فيه، حيث الفقر المدقع ينشر نوعا مترديا من الحياة يشوبها السلوك الجاهل والمرض والاحقاد بين عموم افراد المجتمع، وهنا سيجد الغني نفسه في وسط حاقد عليه، فتكون حياته وذويه والتابعين له منغّصة وغير مستقرة، وكلنا نسمع على سبيل المثال بعمليات الخطف التي طالما تتعرض لها عوائل الاغنياء او بعض افراد أسرهم، وما كان هذا ليحدث أصلا لولا تغاضي الاغنياء عن حاجات الفقراء وتوسيع الفوارق بينهما، مع ان هذا الامر أو غيره لا يبرر تجاوز احد على احد مهما كانت الأسباب الداعية لذلك، ولكن هذا هو واقع الحال في الشعوب الفقيرة التي يتردد أغنياؤها من اداء دورهم الصحيح في رفع مستوى ابناء جلدتهم سواء في الجانب الثقافي أو الاخلاقي أو السلوكي بشكل عام .
من هنا يُستحسن أن يعرف الاغنياء دورهم في مجال التعاون والتكافل والدعم للطبقات الاكثر فقرا، لأن هذا الامر سيصب في صالح الجميع بنهاية المطاف، ومن الاهمية بمكان ان يكون الغني القوي ذا قدرة على مراقبة ذاته وعدم السماح لها بالتضخم مهما تزايدت الثروة والاموال والجاه الاجتماعي وما شابه، ويمكنه فعل ذلك من خلال الإلتزام بمبادئ الدين اولا، وتطوبر وعيه وفكره وثقافته ثانيا، ثم النظر الى هذا النوع من التكافل على انه مساهمة انسانية واجبة عليه ثالثا، كونه ينتمي الى فصيلة الانسان والانسانية مهما بلغت درجة غناه او فقره.